القيادات العربية غائبة عن النقاش الاسرائيلي حول المواطنين العرب


اسماء اغبارية زحالقة
2010 / 8 / 14 - 12:18     

الأحداث السياسية الكبرى التي هزت المنطقة منذ احداث الاسطول، امتدت لتؤثر ايضا على الصراع القديم الجديد بين اسرائيل ومواطنيها العرب، خاصة بسبب مشاركة بعض قادة الجماهير العربية في الاسطول. على نحو مثير للانتباه بدأ الملحق الاقتصادي لهآرتس "ذي ماركر" يخصص مقالات مطولة لموضوع العرب في اسرائيل والتمييز العنصري ضدهم، في كل مرافق الحياة.

بدا وكأن الصحيفة المرموقة "اكتشفت" للمرة الاولى الظلم الواقع بحق العرب منذ قيام الدولة وحتى الآن، فراحت تنشر المقالات الواحد تلو الآخر (وخاصة خلال شهر حزيران)، بقلم المحررة الرئيسية ميراف ارلوزوروف. المحررة لم تجد اجابات معقولة لمعطيات قاسية ثابتة ومنها ان نسبة البطالة بين العرب تصل الى 25% بالمعدل، الفقر بينهم يصل الى 45%، وان 57% من الاولاد العرب فقراء، وان اقل من 20% من النساء يشاركن في سوق العمل، وان 61% من الرجال يعملون في اعمال جسدية صعبة ويقذفون من سوق العمل في سن 45-50 عاما. وان نسبة تسرب الطلاب العرب تصل الى 8% في حين ان النسبة بين اليهود لا تتعدى ال3.9%.

ومع ان "العرب هم الضحايا الأساسيون للفقر والفجوات الاجتماعية"، حسب الصحيفة، الا ان المصيبة ان السلطات المحلية العربية تحصل على نصف ما تحصل عليه السلطات اليهودية من خدمات رفاه وتعليم وغيرها؛ ففي حين تحصل مدينة هرتسليا الغنية على 4429 شيكلا للفرد مقابل خدمات الشؤون الاجتماعية، يحصل الفرد العربي في مدينة سخنين الفقيرة على 757 شيكلا فقط!

الاهتمام بالعرب تزامن ايضا مع انضمام اسرائيل اخيرا لمنظمة الدول الصناعية المتطورة (OECD)، بعد ان مُنعت من ذلك على مدار 20 عاما، تحديدا بسبب مواقفها تجاه مواطنيها العرب وتدني نسبة مشاركة النساء العربيات في سوق العمل وارتفاع نسبة الفقر عموما (نحو 20%) وبين العرب خصوصا. وكانت الحكومة الاسرائيلية أخرجت مسرحية كاملة لاظهار اهتمامها بالعرب، من خلال الخطة الحكومية المضحكة لدعم 10 بلدات في الوسط العربي، وذلك لتقنع المنظمة العالمية بانها غيرت سياستها، الأمر الذي سهل انضمامها. ويبدو ان المنظمة تحولت الى مقياس جديد تقيس به اسرائيل نفسها تقريبا في كل نقاش يدخل فيه موضوع الفجوات الاجتماعية والفقر وسياسة التشغيل.

استحقاقات التمييز العنصري

الفجوات الاجتماعية تعتبر في نظر الكاتبة الخطر الاكبر على مستقبل اسرائيل، فهي تشير الى العلاقة المباشرة بين التمييز العنصري الذي قاد لتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعرب في اسرائيل وبين مشاركتهم في احداث اكتوبر عام 2000. عدم استيعاب الحكومة لعبر اكتوبر وتقرير لجنة التحقيق الرسمية (لجنة اور)، بعد عشر سنوات، والاستمرار بنفس السياسة قادا (حسب الصحيفة) لمزيد من التدهور في العلاقات، عندما شارك بعض القادة العرب المحليين في الاسطول التركي.

من هنا، تشير الصحيفة الى ان حادثة الاسطول كشفت مدى عزلة اسرائيل وأنذرت من احتمال تحولها الى دولة منبوذة كدولة ابارتهايد، وقالت انه "حتى لو حاولت اسرائيل تبرير ممارساتها تجاه الفلسطينيين في المناطق المحتلة، بحجج امنية، الا ان هذه الحجج لن تسعفها في تبرير عنصريتها تجاه مواطنيها، الامر الذي يجعلها اقرب الى دولة ابارتهايد".

طريق مسدود ونقاش

مقالات الصحيفة تبدو كمن يطحن معلومات مطحونة سلفا، ومع هذا لا يجب التقليل من المعاني السياسية لهذا النقاش الذي اثير بكل القوة على ضوء الخوف من الميول الجديدة لبعض العرب نحو التطرف الامني والسياسي، والخوف من خطر الفجوات الاجتماعية الذي يعتبر العرب ضحاياه الاساسيين. يدخل هذا ضمن الجو العام الذي يسود اسرائيل اليوم، من إحساس ثقيل بالطريق المسدود على كل المستويات: فالاحتلال لا يدري له نهاية، وهو يجر على اسرائيل العزلة الدولية والمقاطعة، ثم هناك الفجوة بين الطبقات، والقلق من احتكار النخبة الغنية لمقاليد الاقتصاد وتدخلها في السياسة.

هناك انطباع عام بان اوساطا معينة في اسرائيل، على مستوى الرأي العام والمؤسسات ايضا (مثل بنك اسرائيل واوساط بيروقراطية مهنية في بعض الوزارات)، بدأت تعيد النظر بالنسبة للسياسة التي تنتهجها اسرائيل منذ العقدين الاخيرين على كلا المستويين السياسي والاقتصادي.

واضح ان العرب في نظر المؤسسة الاسرائيلية كانوا دائما وابدا خطأ وخطرا ديمغرافيين، وعبئا امنيا واقتصاديا لا يدرون له حلا، وواضح ان تحقيق المساواة والعدالة التامة داخل اسرائيل مرهون بحل القضية الفلسطينية حلا عادلا، ولكن لا يمكن تجاهل النقاش الجديد. فهو يشير الى مواطن ضعف في المؤسسة الاسرائيلية وشكوك في صحة طريقها، ويشكل عمليا فرصة للسياسيين العرب للدخول بقوة في النقاش الجماهيري، وتقديم برنامج عملي لمواجهة الوضع المزري الذي يعيشه الوسط العربي واقتراح خطة للتحرك.

أين العرب؟

ولكن للأسف، ما نراه هو اضاعة للفرصة، وتجاهل تام للنقاش، وتشبث غير مفهوم ولا مبرر بسياسة الشعارات الرنانة للرد على ليبرمان وأمثاله والاكتفاء بالخروج ضد الممارسات الاسرائيلية البشعة في المناطق المحتلة او عموما في الشرق الاوسط، والتمسك بالسياسة الاحتجاجية ضد العنصرية التي تتجلى تحديدا في هدم البيوت وعدم توظيف العرب في القطاع العام بنسبة لائقة.

مشكلتان في الموقف العربي: اولا الاصرار على عدم رؤية الخلل داخل اسرائيل وتجاهل النقاش الحاد فيها في قضايا جوهرية تخص طبيعة الدولة وهويتها السياسية والاجتماعية، هو تسطيح وتبسيط للواقع، وقصر نظر يكرس الطريق المسدود. حسب هذا الموقف اسرائيل هي كتلة واحدة متماسكة، هي معسكر الشر، ونحن العرب (كتلة واحدة ايضا) معسكر الخير، والخلاف بيننا قومي (او ديني) ابدي لا حل له.

لا شك ان هذا تكتيك خاطئ لانه يرفض رؤية نقاط ضعف الغريم لاجادة مواجهته؛ ومن جهة اخرى، يرفض ايضا فكرة وجود حلفاء في الطرف الآخر يعانون نفس السياسة (خاصة الاقتصادية) ويمكن ان يقووا نضالنا. هذا الموقف من المفروض ان يتيح لنا العرب مواصلة الترهل والتراخي والتلذذ بالشعور بأننا ضحايا لاسرائيل وسياساتها، واتهام اليهود بكل مشاكلنا ومشاكل الكون كمبرر لعدم التحرك لتغيير الوضع.

ثانيا، عدم الدخول في النقاش يكشف الحقيقة المرة وهي تجاهل هذه القيادات للقضايا الحقيقية التي يعانيها الوسط العربي. فلا موقف لهذه الاحزاب من موضوع الفجوات الاجتماعية، وسياسة التشغيل القاهرة بما فيها استيراد العمال الاجانب وما تسببه من بطالة بين العرب، او التشغيل من خلال شركات القوة البشرية التي تنتهك حقوق العمال، وكلها ظواهر تناقش بقوة في الاعلام الاسرائيلي ويغيب تماما الموقف العربي حيالها.

اذا اردنا حدوث تغيير حقيقي في وضع الوسط العربي، فلا يجب الاكتفاء باتهام السياسات الحكومية بمسؤوليتها الاكيدة عن الواقع المزري الذي يعيشه العرب في اسرائيل، بل لا بد من توجيه نقد ذاتي لاذع لسياسة القيادات العربية المحلية. فهذه الاخيرة حولت الجماهير الى رهينة وخطفت جدول عملها اليومي ومطالبها الحياتية الاساسية لصالح اجندة تخدم اليوم مصالح احد الفريقين الفلسطينيين المتنازعين على السلطة او لحساب اجندة اجنبية سواء ايران او تركيا او حتى نصر الله وسورية، وليس في هذه الشعارات ما يخدم لا انهاء الاحتلال ولا تحقيق المساواة، بل بالعكس فهي تعمّق الانقسام الداخلي وتزيد في إضعاف الفلسطينيين سواء في الداخل او في المناطق المحتلة.

من جهة اخرى، يمكن التفنن في إلقاء اللائمة على الحكومة، ولكن كيف نفسر الفساد وسوء الادارة في السلطات المحلية عدم استخدام حتى القليل الذي يصلها من ميزانيات حكومية في خدمة البلد.

التغيير مرهون اولا بتغيير حقيقي في التوجه الحكومي على المستوى السياسي أي انهاء الاحتلال من جهة، وتغيير في المنحى الاقتصادي باتجاه الاستثمار في رفاهية المواطنين عموما عربا ويهودا وليس في ارباح رؤوس الاموال؛ ولكن لدفع اسرائيل في هذا الاتجاه لا بد لنا اولا كمجتمع عربي من إجراء محاسبة للذات ومعالجة أمراضنا الاجتماعية والسياسية.