مهرجان دهوك الثقافي الثالث: ألق كوردي بأفق مفتوح مهرجان دهوك الثقافي الثالث:


حسب الله يحيى
2010 / 8 / 8 - 15:09     


هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها مهرجاناً ثقافياً مهماً وفاعلاً في مدينة صغيرة مثل دهوك.
عدد من المتخلفين والكسالى ومن ذوي الاطماع الذاتية والدعايات الجوفاء، سوف يستبقون حديثنا هذا بتسويغ نجاح (مهرجان دهوك الثقافي الثالث) الذي اقيم مؤخراً بأنه يعود الى صغر المدينة ومن ثم وضوح أي نشاط فيها..
وهذا خطأ فادح.. فمدينة مثل دهوك، كانت تعاني من تخلف اجتماعي وعمراني وخدمي.. وانتشار الأمية فيها وتداعي الفقر ومستوى العيش فيها بشكل عام.. وتبعيتها الادارية الى مدينة نينوى الذي حدد وضيق تقدمها وازدهارها..
دهوك.. استبقت المدن الكوردستانية والمدن العراقية برمتها في ادراكها بشكل مسبق الى ان ممارسة العنف.. لن يؤدي الا لمزيد من الخسائر البشرية والعمرانية..
لذلك، تقدمت وبشكل سريع بعد خروجها من عنف خارجي وعنف داخلي، وعملت على ان ترسم لنفسها معالم مدينة آمنة، متحضرة، لتكون أول مدينة عراقية تتجاوز المحن وتستقر على الخير والمحبة والاطمئنان والرقي..
وما دامت كذلك، فأن أي نشاط ثقافي ستتولى اقامته لابد أن يكون ناجحاً، ذلك ان مصدر النجاح يبدأ بترسيخ قيم السلام والاطمئنان.. وهو خيار الناس الأول، ومن ثم الانتقال الى مرحلة بناء مدينة بقيت في عزلة ونسيان لسنوات طويلة.
واذا كنا قد تبينا حقيقة واسباب هذا النجاح الذي حققه المهرجان؛ أدركنا اهمية أن الدقة في حرص حكومة اقليم كوردستان بدءاً من رئيسها، الى رئيس وزرائها، الى وزير ثقافتها .. الى المسؤولين فيها للحضور ورعاية المهرجان بأنفسهم أو بمن يمثلهم.. الى جانب حرص اتحاد ادباء دهوك- الذي اقام هذا المهرجان ورعاه.. ودأبه على تنظيم المهرجان تنظيماً دقيقاً، بحيث وجدنا رئيس الاتحاد الاستاذ حسن سليفاني وجميع اعضاء الاتحاد يعملون على وفق انضباط دقيق ومخلص لا يجد حرجاً في تقديم خدماتهم للضيوف الذين تم اختيارهم بشكل متميز..
وجاءت ايام المهرجان حافلة بالعطاء.. بين بحث ورصد وقصيدة ومداخلة نقدية، وبين معرض تشكيلي وتوزيع كتب ومجلات ثقافية وزيارة مصايف دهوك.
والأهم من ذلك أن مدينة دهوك جعلتنا نجد في اجوائها الرحبة منطقة مضيئة في مد الجسور وادامتها مع ثقافات الشعوب كافة.. وتحويلها الى علاقات حميمة تمتد الى زمن ما بعد هذا المهرجان الذي كان وسيلة ممتازة لأدامة العلاقات الفاعلة والمؤثرة بين المثقفين كافة على اختلاف آرائهم ولغاتهم وانتماءاتهم وبلدانهم.. وهو ما نحتاج اليه على الاصعدة كافة..
ومثل هذا المهرجان يتقدم بأمتياز ملحوظ على جميع ما قدمته وزارة الثقافة المركزية التي دأبت على اقامة مهرجانات فقيرة في خطابها وتنظيمها وندرة المثقفين الجادين المساهمين في فعاليات تلك المهرجانات.. الى جانب ان الوزارة دأبت على اقامة مهرجانات تقليدية هشة خارج العراق.. وجعلت تضم في وفود هذه المهرجانات عدد من الهامشيين الذين لا حضور لهم في حياتنا الثقافية..
ومن المؤكد والثابت أن المهرجان الافضل والاهم.. مهرجان يظل في ذاكرة الآخرين .. بحيث يتحول الى مشروع حي لا ينتهي بأنتهاء ايامه، وانما تتحول تلك الايام الى ما يشبه النواة الأولى ومنطقة الضوء الذي من شأنه ان يقدم حزماً ضوئية للمستقبل .. وهذا ما جعلنا نتبينه من مهرجان دهوك الثقافي الذي غابت عنه وزارة الثقافة العراقية غياباً تاماً باستثناء وفد من دار الثقافة والنشر الكوردية بحضور مديرها العام جمال حسن العتابي وعدد من موظفي الدار.. والذي اقتصرت مهمته على كلمة موجزة قدمها مدير عام الدار..
في حين كنا نمني انفنا ان يكون هذا المهرجان سبيلاً للتفاعل الثقافي الحي بين الثقافتين الكوردية والعربية .. وكان يفترض بوزارة الثقافة الاهتمام به وتحديد آفاقه ورسم الخطط التي تتوجه لترسيخ قدر من التعاون.. الا ان وزارة الثقافة المركزية تغافلت وتجاهلت هذا المهرجان الحي.. وتخلت عن تغطية وقائعه من قبل فضائية الحضارة التي تشرف عليها الوزارة..
وكان يهمنا كثيراً لو أن القصائد التي القيت .. مترجمة الى العربية ومصحوبة بجلسات نقدية وان يكون للقصة الكوردية دور في المهرجان.. خاصة انه مهرجان ثقافي وليس مهرجاناً شعرياً فقط..
وان تكون هناك جلسة نقدية للمعرض التشكيلي الذي اقيم ضمن ايام المهرجان وامكانية عرض مسرحية او فلم كوردي... الى جانب الغناء والموسيقى الكوردية التي تحمل اصالتها.. والتي حقق جزءاً مميزاً منها الفنان البارع: دلشاد محمد سعيد.
وكان الاهم من ذلك كله مناقشة واقع المثقف العراقي ازاء التحولات السياسية الراهنة في العراق.. حتى لا يظل المثقف في حالة قطعية عن الاجواء السياسية الساخنة المحيطة به.
نعم.. المهرجان قدم لنا هوية مدينة دهوك التي تزهر وتحيا بعد قطيعة طويلة الامد مع الحياة والناس.. وصار بمقدور هذه المدينة أن تعلن عن نفسها بوصفها مدينة جذب ثقافي لعطاء، ويمكن أن يكون انموذجاً امام كل مهرجان يراد له النجاح واضطراد التقدم.