صد العدوان، منع الفتنة، وتغيير النظام السياسي، مهمات مترابطة


خالد حدادة
2010 / 8 / 5 - 14:56     

العدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان، ليس بالحدث الجديد الذي يستحق التوقف كثيراً عند أبعاده، فهو يشكل استمراراً للنهج العدائي الذي ساد ممارسة العدو منذ خلق كيانه على أرض فلسطين المحتلة وهو تكريس لأطماع تاريخية ولخروقات دائمة تطال الأرض والبحر والجو والمياه والسيادة.... ولسنا مضطرين الآن للبحث عميقاً في استكشاف الرسائل، فممارسات العدو يومية والمشكلة ان بعض اللبنانيين ومعظم العرب والعالم لم يكونوا معترفين بوقائع هذا العدوان المستمر ولا بالأطماع التاريخية لهذا العدو...

إن الجديد في الموضوع، يتمحور حول نقطتين؛
ألأولى هي آلية التصدي لهذا العدوان ومدلولاته والثانية تزامن العدوان مع التوتر الداخلي والنقاش السياسي الدائر في الداخل والذي يكاد يودي بالبلد في أتون فتنة جديدة...
إن التصدي المباشر والحازم للجيش ليس للاعتداء المباشر فقط، بل لمحاولة التحرش بشجرة لبنانية، والتصدي الفعلي لمناورات قوات اليونيفيل الهادفة لتسهيل هذا الخرق الاسرائيلي يؤكد التحول المتراكم لموقف الجيش الوطني رغم اختلال موازين القوى وشعارات الضعف والحياد وانحيازه الى منطق مقاومة الاعتداء والتصدي المكرس بتوجيه واضح من رئيس الجمهورية، فيعطي ابعاداً مشرفة للموقف الوطني اللبناني ويطرح بالحاح سؤالين اساسيين:
الأول: هو مدى قدرة الطيف السياسي اللبناني الموجود في الحكومة على التوافق على الخطاب والممارسة، وبالتالي على منطق التكامل في مهام الجيش والمقاومة وحاضنهما الأساسي الشعب اللبناني.... وبالتالي التخلي عن منطق الحياد وقوة لبنان "الدبلوماسية" أو بضعفه، والاتجاه الى تعزيز قدرة الجيش وتسليحه بما يجعله قادراً على رد الصدمة الأولى على اضعف تقدير.... وبالتالي، اللجوء الى توفير هذا السلاح دون اية رقابة من أعداء لبنان وبشكل خاص من الولايات المتحدة الأميركية... ومع تعزيز قدرة الجيش هل يستطيع هؤلاء الاتفاق على كون المقاومة الشعبية بكل مكوناتها هي الحاضن الرئيسي لهذا الشعب...
الثاني: الم يحن الوقت لاعادة نظر فعلية من قبل الدولة لعلاقاتها الخارجية، فالى متى "الحيرة المنحازة" في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية والى متى تصديق "عنتريات" الجامعة العربية وأمينها العام، هذه الجامعة التي غطت بالأمس العودة الى المفاوضات المباشرة المفروضة من رئيس وزراء العدو. والى متى ممارسة النعامة تجاه القرار 1701 وسلبياته وبشكل خاص السكوت عن الدور المنحاز لهذا القرار ولقوات اليونيفيل، ألم يحن الوقت لأعادة طرح مسألة التواجد الحصري لهذه القوات في الجنوب اللبناني وترك الحرية لجيش العدو ولحركته في الجانب الآخر من الحدود.... اي إعطاء حرية كاملة للمعتدي وتقييد متصاعد للمعتدى عليه....
وفي جانب متصل بهذا الموضوع ومتعلق بتزايد عدد العملاء المكتشفين لا بد من التأكيد على ما قلناه سابقاً من أن العمالة للعدو، تعدت كونها ظاهرة خيانة فردية، وأصبحت تعبيراً عن حالة سياسية لا بد من الاعتراف بوجودها وبتحديد مكمن الخلل المولد لهذه العمالة....
وفي هذا المجال ومرة جديدة فإن الموضوع اصبح يتعدى منطق "البيئة الحاضنة" أو "البيئات" بل أصبح يدل بشكل واضح عن الخلل في بنية النظام اللبناني المولد للتبعية وللعمالة والموفر لشروط الحماية للعملاء.... والموقف الجدي من هذه الظاهرة اصبح متلازماً الى ابعد الحدود مع الموقف من طبيعة هذا النظام وضرورة تغييره.........
أما الجانب الآخر، المستقل بالشكل والمترابط بالمضمون مع الاعتداء الاسرائيلي هي الأجواء التي يزداد احتقانها في الداخل تحت شعار وغطاء المحكمة الدولية، والمستهدف عبر الفتنة الداخلية ضرب المقاومة من جهة وخلق حالة مساعدة لاستعادة المشروع الأميركي للمبادرة على مستوى المنطقة...
إن القمة الثلاثية والزيارات العربية الى لبنان، اجلت دون شك احتمالات التفجير وخففت من احتمالاته ولكن كما هو واضح لم تلغ احتمالاته ولم تقدم حلاً كاملاً لأجواء التوتر الداخلية – الاقليمية....
وطبيعي جداً ان لا تحل القمة هذه الأزمة، لأن الأزمة وعواملها واستهدافاتها هي اقليمية – دولية بشكل اساسي.
وفيما يتجاوز الارتياح الموضعي والمؤقت الذي تركته القمة، لا بد من عدة ملاحظات أولية وسريعة....
الملاحظة الأولى، أن هذه القمة ليس فقط عجزت عن تقديم حل للمأزق اللبناني، بل على العكس اكدت على عمق مأزق النظام السياسي في لبنان وحاشيته وضعف مناعته. فمراجعة بسيطة للتاريخ تظهر ان القوى السياسية الداخلية التي يفترض ان تقدم الإطار الأساسي للحل وتترك الرعاية للخارج لم تعد قادرة حتى على المساهمة في تقديم الحل...
الملاحظة الثانية، إذا كانت الفتنة حاجة اقليمية، دولية، أي اميركية – اسرائيلية بشكل خاص، فإن موجبات مواجهة الفتنة هي من أولويات الموقف الوطني... ولذلك مرة جديدة تبرز اهمية الترابط بين مواجهة الفتنة والتصدي للعدوان وتغيير النظام السياسي وتحديد معايير الانتماء الوطني في لبنان.
الملاحظة الثالثة، هي حقيقة تحول المحكمة الدولية الى مادة خلافية داخلية وبعيداً عن التكهن بالمسؤولية عن تحولها هذا، فإن آليات التحقيق الدولي ومساره خلال السنوات الماضية والجرح الكبير في مصداقية هذا التحقيق من الاتهام السياسي الى شهود الزور.... كل ذلك جعل من المحكمة عامل خلاف يؤكد تسييس اعمالها وحتىالوعود بتأجيل القرار الظني يثبت هذا الاتهام ولا يخفف من نتائجه....
والخطأ بالتأسيس وليس وليد اليوم، وليس عيباً ان تراجع الدولة اللبنانية طبيعة علاقتها بهذه المحكمة ولنا بتجربة العدو والشروط التي وضعها على المحكمة الدولية الخاصة بجريمته المكشوفة والمعروفة "اسطول الحرية" عبرة ربما نستفيد منها....
أخيراً تحية لشهيدي الجيش ولدمائهما التي رسمت مفهوماً جديداً يزيد من لحمة الجيش والشعب والمقاومة.... تحية لجرحاه وللجرحى الاعلاميين والمدنييين....
وتحية لك رفيق عساف، فمن عساف الأول عساف الصباغ اليك، تاريخ شعب وتاريخ حزب وتاريخ صحافة وطنية، اسم "الأخبار" دائماً ساطع فيها.....