التعاون البحثي بين الجامعات العربية والجامعات الأوروبية في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية


مصطفى العبد الله الكفري
2004 / 8 / 22 - 09:56     

البحث العلمي في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية عملية متواصلة يتم تفعيله وتطوره من خلال تبادل المعرفة والوصول اليها في اطار التواصل المعرفي بين الباحثين في مختلف دول العالم. ان التعاون البحثي بين الجامعات العربية والجامعات الاوروبية والاستفادة من الأراء العلمية في مختلف الجامعات وعلى كافة المستويات يغني البحث العلمي ويخلق نوعا من التواصل العلمي وبخاصة في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية .
تضع الجامعات العربية البحث العلمي ضمن أولوياتها ، لايمانها بأن البحث العلمي أحد المكونات الرئيسة للتقدم العلمي والتطور التقاني ، الذان يعدان من الركائز الاساسية للتنمية الشاملة في أي مجتمع .ولتعزيز دور الجامعات العربية في مجتمعاتها وتقدمها في مجال البحث العلمي لابد من التعاون البحثي وبخاصة مع الجامعات الاوروبية ، التي تعد من أهم مصادر اثراء الجامعات العربية بالباحثين العرب الذين تعلموا فيها أو بالبحوث العلمية عن طريق الاتصال والانتقال الفكري والمعرفي بين الجامعات .
والبحث العلمي والتعاون البحثي في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية في الجامعات العربية ـ رغم مسيرته الطيبة ـ لم يصل بعد الى المستوى المطلوب رغم المحاولات الكثيرة التي جرت لوصف واقعه وتحديد الصعوبات والمعوقات التي تعترض مسيرته وتقلل من فاعليته . ويعاني البحث العلمي في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية في الجامعات العربية من ضعف نسبي اذا ماقورن بالبحث العلمي في مجال العلوم التطبيقية والدقيقة ، أو إذ ماقورن بما هو قائم في الدول المتقدمة او حتى في بعض الدول النامية في هذا المجال .
لقد أصبح البحث العلمي اليوم عملاً جماعياً تعاونياً ، تنهض به الجامعات والمؤسسات والمراكز البحثية العامة والخاصة، كما تنهض به وزارات ومؤسسات الدولة والمنظمات الوطنية والقومية والدولية. وثمة بحوث تتم بالتعاون بين الدول ومنظماتها وجامعاتها. فما احرانا نحن العرب ـ ان نقيم مراكزو بحثية وطنية وقومية، وان نتعاون مع باحثي الامم ومؤسساتها البحثية وبخاصة الجامعات الاوروبية في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية لنفيد ونستفيد في هذا المضمار.
ان التعاون البحثي بين الدول العربية والدول الاوروبية يسهم في تطور اوجه واشكال التعاون الاخرى التي تؤدي في النهاية الى زيادة تقدم ورفاه شعوب المنطقة وحماية السلام فيها. ان احد الاسباب الرئيسة لعدم الاستقرار والصراع في المنطقة ، هو في الحقيقة ، وجود الفجوة العميقة واللامساواة في المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية والبحثية لدول المنطقة . فالاختلافات المتعلقة بالظروف السياسية ، والاقتصادية ، والمفاهيم الاخلاقية ، ودرجة تطور المؤسسات الديمقراطية ، والتقدم العلمي والتقاني ، كلها مرتبطة بالنهاية بهذه اللامساواة .وهكذا فإن ايجاد شروط تسمح بتطور علاقات أكثر توازناً بين الاوربيين والعرب، وبفضل اشكال خاصة من التعاون الثنائي او المتعدد الاطراف،او حتى التعاون المؤسساتي كالتعاون البحثي بين الجامعات ، وهو الامر الذي يمثل الخطوة التمهيدية الملائمة والصحيحة لمعالجة مشاكل الاستقرار وحصول تقارب بين مختلف المفاهيم والتصورات المتعلقة بتطور الانسان وتطور المجتمعات في الدول العربية والدول الاوروبية .
اذا اريد للتعاون البحثي بين الجامعات العربية والاوروبية في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية ان ينشط ويزدهر فلا بد من انشاء ( مركز دولي للتعاون البحثي بين الجامعات( مهمته تنظيم التعاون البحثي وتنسيقه وتوجيههه وتنشيطه . وبطبيعة الحال فان مثل هذا المركزـ يعني في جملة ما يعيني به ـ بتنظيم البحوث العلمية وتخطيطها وتقويمها وتوسيع وتطوير علاقات التعاون البحثي بين الجامعات العربية والاوروبية ولابد من تنظيم عمل هذا المركز بحيث يكون اداة تسهيل وتنشيط لا اداة عرقلة واعاقة . لذلك لابد من الحرص على تجنيبه روتين الادارة وبيروقراطيتها . ولابد ان يقوم على ادارته اشخاص ذوو كفايات عالية، وتمرس بالبحث العلمي في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية . ويشكل هذا المركز صلة الوصل بين الجامعات العربية والمؤسسات البحثية فيها من جهة والجامعات الاوروبية والمؤسسات البحثية فيها من جهة ثانية . ويمكن ان يقوم المركز بتأسيس بنك معلومات حول المؤسسات البحثية العربية والاوروبية وبخاصة الجامعات، ويمكننا تقديم بعض المقترحات لتطوير التعاون البحثي بين الجامعات العربية والاوروبية في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية نذكر منها :
ـ اشاعه الحوار وتنشيطه بين الباحثين من الجامعات العربية والاوروبية بقصد تنمية التعاون البحثي بين الجامعات .
ـ اقامة مراكز بحثية مشتركة بين الجامعات العربية والاوروبية تهتم بالترجمة والانتقال الفكري والمعرفي . يعمل فيها خبراء وضيوف واعضاء هيئة تدريسية في الجامعات مع تخصيص دائره لكل دولة (الدائرة الفرنسية العربية) (الدائرة العربية الانكليزية) (الدائرة العربية الالمانية) (الدائرة العربية البولونية ) . مهمتها خدمة الباحثين وتوفير الاصدارات الجديدة والقيام بترجمتها من اللغات الاوروبية الى العربية ومن العربية الى اللغات الاوروبية.
ـ تفعيل الجهود الهادفة الى تكامل مؤسات ومراكز البحث العلمي وتعاونها من خلال الاتصال المباشر بين الجامعات العربية والجامعات الاوروبية ومراكز البحث الاوروبية ومراكز البحث العربية . وتحقيق مشاريع بحثية مشتركة .
ـ توجيه الجامعات العربية لزيادة التعاون البحثي مع الجامعات الاوروبية ، وتوجيه الجامعات الاوروبية بتخصيص منح للبحث العلمي ، اضافة الى المنح الدراسية ، لتمكن الباحثين العرب من الاتصال بزملائهم الاوروبيين لاجراء بحوث مشتركة تهم الطرفين .
ـ التنسيق بين المؤسسات المركزية على مستوى الوطن العربي ـ كجامعة الدول العربية واتحاد الجامعات العربية واتحاد مجالس البحث العلمي العربية والمؤسسات المركزية على مستوى اوروبا كا لاتحاد الاوروبي والبرلمان الاوروبي وغيرها بهدف تفعيل وتطوير التعاون البحثي بين الجامعات العربية والجامعات الاوروبية.
ـ السعي لتوفير كافة مستلزمات نجاح التعاون البحثي بين الجامعات العربية والجامعات الاوروبية في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية وبخاصة المادية والتمويلية والقانونية والبحثية وغيرها .
ـ وضع استراتيجية للتعاون البحثي في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية بين الجامعات العربية والاوروبية . بهدف مزيد من التعاون لما فيه مصلحة العرب والاوروبين .
ـ توثيق الترابط والتنسيق بين مؤسسات البحث العلمي في الوطن العربي والجامعات العربية من جهة وبين مؤسسات البحث العلمي في اوروبا والجامعات الاوروبية وبخاصة في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية .
ـ تنشيط البحث المشترك بين الباحثين في الجامعات العربية والجامعات العربية .
ـ عقد الندوات والمؤتمرات العلمية المشتركة بين الجامعات العربية والاوروبية في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية وفي مجال التعاون البحثي .
ـ قيام مؤسسة يمكن ان نشرف على التعاون البحثي بين الجامعات العربيةوالجامعات الاوروبية، وتعمل على تطويره .
ـ تنظيم اسلوب التعاون البحثي بين الجامعات العربية والاوروبية في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية ، مع تبني مبدأ المبادأة لتنظيم هذا لااسلوب، واستخدام اسلوب التعاون البحثي التعاقدي .
ـ دعم حركة الترجمة في الاتجاهين من اللغات الاوروبية الى اللغة العربية ومن العربية الى اللغات الاوروبية مع تنظيم هذه العملية وتفعيلها والترجمة مجال هام من مجالات التعاون البحثي .
والعلاقة بين الدول العربية والدول الاوروبية يجب ان تكون متعددة الابعاد وتشمل مجالات عديدة متداخلة تعتمد احداها على الاخرى. فالنشاطات في مجال التعاون البحثي(وبخاصة البحث العلمي في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية ) يوجب ان يجري رسمها ضمن ظروف موضوعية وفي حدود الأهداف المتوخاة . وأكثر ما يحتاجه هذا التعاون هو استراتيجية بعيدة المدى. وان التعاون في مجال البحث العلمي بين العرب واوروبا يجب ان يفهم كبنية متطورة ، وهدف استراتيجي تقربه العناصر المطروحة هنا من الواقع .
يجب ان يتوفر لدينا الاستعداد النفسي لتقبل المبادئ الجديده التي ظهرت خلال التعاون البحثي بين المنطقة العربية وأوروبا في صيغها أو أشكالها، الأصيلة في جوهرها أو محتواها، تبعا لتقارب الأشواق الانسانية واتجاهها في الحياة الاجتماعية نحو الخير والتجديد والعدل والرفق والحرية وسائر المثل والقيم العليا .

الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
[email protected]