الجديد في الشأن العراقي


طلال احمد سعيد
2010 / 6 / 26 - 15:38     


عندما كان العراقيون ينتظرون لحظة نظام صدام حسين كان يشدهم شعورا عارما بان سقوط ذلك النظام سوف يفضي الى عهد جديد من الحرية والديمقراطية والحياة الحرة الكريمة , وبناءا عليه فقد تابع العراقيون تقدم القوات الاميركية نحو بغداد لحظة بلحظة وكانت السعادة غامرة عندما سقط الصنم في ساحة الفردوس وقدكانت بداية طيبة لكنها بدت فوضوية منذ اللحظة الاولى عندما فقد القانون والنظام وحلت مكانه الفوضى , وقد فسر الكثيرون تلك البداية على انها ردة فعل طبيعيه نتيجة كبت ومعاناه لعقود ماضية . لذلك ظل الامل يراود العراقيين في ان افاق جديدة سوف تفتح وان العراق سوف ينطلق ضمن عالم متحضر .
عندما قامت قوات التحالف بتغيير النظام غابت عنها الرؤيا الحقيقية لهذا البلد واعتقد الاميركان ان مشكلة العراق تكمن فقط في اضطهاد الشيعه والاكراد على مر العقود السابقة لذلك رأوا من الواجب انصاف هذه الشراح ودعمها ومن هنا انبثقت فكرة المحاصصة الطائفية والقومية التي جلبت الويلات للبلاد وكان مجلس الحكم تجسيدا لذلك المبدأ ومازال هو العمود الفقري الرئيسي لتشكلات العراق الجديد , فضلا عن ذلك فان المجلس المذكور تاسس من رؤساء وممثلين لاحزاب دينيه كانت تعيش في الخارج كقوى معارضة للحكم السابق وبذلك دخل الاسلام السياسي كعنصر مهم وسياسي في تركيبة الحكم الجديد والغريب في الامر ان الولايات المتحدة التي عانت الكثير من التيارات الدينيه في افغانستان وغيرها الغريب انها هي التي سمحت للاحزاب الاسلامية العراقية باستلام السلطة في البلاد .
المشكلة الان ان اغلب العراقيين ينظرون للادارة الاميركية باعتبارها المنقذ الاول والوحيد للعراق من المحنه والازمة التي يمر بها , ونحن نعتقد عكس ذلك لان مامضى اثبت بشكل قاطع بان الامريكان بعيدون كل البعد عن الحل الوطني للقضية العراقية ومازالوا يفكرون بنفس الطريقة التي فكروا بها عندما استأصلوا نظام صدام حسين قبل سبع سنوات .
صحيح ان الولايات المتحدة عملت على اقامة نظاما ديمقراطيا في العراق الا انه كان فجا يفتقد الى القواعد السليمة والى المؤسسات الضرورية اللازمة لدعمه وقد رسمت خطوات الديمقراطية بشكل متسارع وغير طبيعي وسط واقع عراقي مثقل بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعيه وبمخلفات الحروب ولم تساعد الدولة المحتلة على اصلاح الوضع القائم انما اتجهت الى استكمال جوانب الحكم بشكل غير مدروس , ولعل اهم خطا حصل اثناء تلك المسيرة هو تشريع الدستور في غضون اربعه اشهر والذي جاء مليئاً بالثغرات والمتناقضات بحيث اصبح الان سببا للعديد من المشاكل بدلا من ان يكون مفتاحاً لحلها وصار واضحا ان تعديل الدستور انما هو ضرب من المستحيل لمعارضة قوى عديدة مستفيدة من الكثير من نصوصه . في العام 2005 اجريب انتخابات عامة وجيء بمجلس نواب ساهم في تراجع الوضع اكثر من السابق وانصرف الى تشريع قوانين تستهدف خدمة اعضاءه بدلا من ان يشرع قوانين لخدمة ابناء الشعب . ويخيل الينا ان انتخابات عام 2010 افرزت مجلسا افضل من سابقه الا ان الجهود تبذل لافشال عمل المجلس الجديد وللابقاء على السلطة الحالية الحاكمة اربع سنوات اخرى .

العملية الانتخابية في كل بقاع العالم لاتستغرق وقتا طويلا بين ممارسة الانتخابات وتشكيل السلطات المنبثقة عنها اما في العراق فان الامر يبدو مختلف فالمجلس المنتخب منذ اكثر من ثلاثة شهور لم يعقد سوا اجتماعا رمزيا واحدا وذلك بسبب الصراعات الدائرة بين الكتل الفائزة هو تقسيم الكعكة وقد ساهم دستور البلاد في تعميق الازمة بسبب النصوص الغامضة التي وردت فيه والتي سمحت بتعدد التفسيرات حول المقصود بهذا النص او ذاك .
السنوات الماضية اثبتت بمالايقبل الجدل ان السلطات الحاكمة التي استلمت المسؤولية بعد 2003 فشلت في خدمة هذا البلد ولم تحقق شيء لشعب العراق الذي عانى الكثير من الحروب ومن الاحكام الديكتاتورية والفاشية .
لقد نشرت العديد من الصحف الوطنيه العراقية ارقاما مثيرة حول الوضع الاقتصادي الذي يعيشه شعب العراق واشارت الى الفوارق في رواتب ومخصصات من اطلق عليهم مجموعه العشرة الكبار وبين مدخولات عامة ابناء هذا الشعب . ان ثمة حقائق دامغه تؤكد اتساع رقعه الفقر بين ابناء الشعب العراقي حيث اشارت اخر احصائية الى ان نسبة 22% من مجموع الشعب يعيشون تحت خط الفقر وان التفاوت بين مداخيل المسؤولين وبقية المواطنين اصبحت موضع تسائل بين الناس فليس معقولا ان يبلغ تقاعد النائب (7 ملايين دينار) شهريا في حين ان راتب الرعاية الاجتماعيه لايتجاوز (110) الاف دينار وفي هذا الصدد نشير الى خبر نشرته صحف اخرى تقول ان برلمان كردستان قرر منح كل نائب مبلغ (48)مليون دينار لشراء سيارة تيوتا دفع رباعي موديل 2010 ، هذا فضلا عن الاخبار التي تسربت عن قيام مجالس المحافظات بصرف منح لاعضاءها بملايين الدنانير بهدف تحسين وضعهم الاجتماعي. والغريب ان حكام العراق لم يتعلمو الدرس جيدا فاشعب العراقي صبر كثير لكن صبره كاد ينفذ فقبل ايام انتشرت في جميع المحافظات مظاهرات شعبية اطلق عليها انتفاضة الكهرباء وهي تعبير عن رفض لكل انواع الفساد وهو يتزامن مع مطاليب اخرى كثيرة سوف تاتي بعد الكهرباء وان دروس الماضي كافية بان تدلنا بان الانتفاضات قد تبدأ لاسباب قد تبدو بسيطة الا انها في حقيقتها تعبير حي عن الرفض والرغبة في التغيير .
لقد استمعت الى كلمة القاها السيد رئيس الوزارء يوم 22-6 وتطرق فيها الى المظاهرات المنتشرة بسبب نقص الكهرباء وقد وضع السيد الرئيس شروطا لتنظيم تلك المظاهرات تبعث على السخرية ونسي او تناسى ان المظاهرة قد تكون عملا عفويا يعبر عن حالة من السخط والاحتجاج وهذا الامر لايمكن ان ينضم عن طريق عريضة يقدمها المتظاهرون الى الجهات المسؤولة . ان السيد رئيس الوزراء يعلم جيدا ان المظاهرات التي خرجت انما هي شكل من اشكال الوعي الجماهيري الرافض للاوضاع القائمة ، وقد حاول السيد رئيس الوزراء ان يبسط الامور ويقلل من اهمية الاحتجاجات باطلاق الوعود بان مشكلة الكهرباء سوف تعالج في غضون سنتين ولم يتطرق الى العديد من المشاكل الاخرى التي قد لاتجد لها طريقا للحل . فان العراق الجديد يعاني مشاكل كثيرة اصبحت شبه مستعصية مثل الخدمات والبطالة ومشاكل الصناعه والزراعه والصحة والتعليم ومشكلة المهاجرين التي تمثل نقطة سوداء امام الوضع القائم فضلا عن القضية الامنيه المستمرة والتي يعيشها العراقي كل ساعه وكل لحظة.
ان مطاليب الشعب لاتتحمل المراوغه انما تستدعي الحلول السريعه والحاسمة وان الخلاص من الاوضاع الصعبه التي تعيشها البلاد يتطلب حكومة قوية تعمل بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية وتنهي منابع الارهاب وتعالج بحزم كل مظاهر الفساد المالي والاداري وتطبق القانون على الجميع بدون تفريق او تمييز .
ان على الحكام ان يعلموا ان الانسان العراقي يعيش في فزع دائم فهو لايعلم ماسيحصل يوم غد والتصريحات والوعود واللافتات التي رفعته القوى السياسية اثناء الحملة الانتخابية اصبحت غير ذات جدوى فشعب العراق يطالب بالتغيير الفعلي عندما يرفض الاستمرار تحت الاوضاع القائمة .
المطلوب هو اعادة النظر في العملية السياسية على اساس الثوابت الوطنيه والديمقراطية الحقيقية والتطبيق العملي لسيادة القانون ومعاقبلة المقصرين علنا وينبغي كذلك اعادة النظر في كل المبالغ التي تصرف لكبار المسؤولين والوزراء والنواب ومن هم بنفس المستوى ووضع ضوابط لمايسمى بالمنافع الاجتماعيه وغيرها ودعم مؤسسات الرقابة المالية وهيئة النزاهه لوضع حد لهدر المال العام الذي مورس على نطاق واسع خلال السنوات المنصرمة ..