رد على الدكتور مصطفى العبد الله الكفري: قواعد النشاط الاقتصادي في الإسلام

علي عيسى
2004 / 8 / 15 - 12:07     

بعد التحية
افتتحت مقالتك المعنونة ب (قواعد النشاط الاقتصادي في الإسلام) بما يلي:
(يقوم الاقتصاد الإسلامي على أساس معتدل فلا يتعصب للفرد على حساب الدولة ولا يتحمس للجماعة على حساب الفرد. فهو يحاول أن يوفق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة)
بلا شك – وأنت تحمل شهادة دكتوراه في الاقتصاد من دولة كانت شيوعية – لم تتعلم أي شيء عن ما يسمى ب (الاقتصاد الإسلامي).
وتعرف أيضا أن هذا المصطلح لا وجود له البتة في العلوم الاقتصادية، اللهم إلا في الدعايات والخرافات الإسلامية الحديثة، وفي نفاق وأباطيل المتأسلمين الذين لا يألون جهدا في تضليل العوام وتجهيلهم، وإطعامهم السم في الدسم, وحسنا فعلتم أنكم لم تشيدوا (بإنجازات الاقتصاد الإسلامي) في عهد دولة الأخوان المسلمين في السودان (الترابي) الذي انخفضت فيه قيمة الجنيه أو الدينار السوداني أكثر من 300 ضعف( ثلاثمائة ضعف), وحسنا فعلتم أيضا أنكم تجاهلتم ذكر المنجزات الاقتصادية (الكبرى) لدولة بن لادن وأمير المؤمنين الملا عمر الظلامية في أفغانستان ، راجيا ألا تقول أن اقتصاد ماليزيا هو اقتصاد إسلامي.
وسيادتكم حين تفتتحون مقالتكم بعبارة: (يقوم الاقتصاد الإسلامي على....) فإنكم تضللون القارئ الذي قد يصدقكم نظراً ل اللقب الذي تحملونه، وتوهمونه، بأن هناك حقيقة موجودة أسمها (الاقتصاد الإسلامي)، وأنتم تعلمون أنه لا وجود لها إلا في الخيال والادعاءات والتمنيات، وقد يكون لكم الفضل في اختراعها، كما اخترع غيركم نظرية: (الاشتراكية العربية). هل تذكر هذا المصطلح ؟
ثم تتابع الحديث عن الاقتصاد الإسلامي بما يوحي أنه نظرية اقتصادية قائمة بذاتها، لها قواعدها وأسسها وفلسفتها، دون أن تنسى ما يقدمه الاقتصاد الإسلامي للروح من رعاية وعناية، وتعرج بعد ذلك إلى مكارم الأخلاق في الاقتصاد الإسلامي الذي ترى أنه يوفق بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة!!
بالله عليك.. هل هذا بحث في الاقتصاد يا دكتور؟ أم موضوع إنشاء؟ أم وعظ على طريقة الدعاة؟
ثم تقارن بين عوامل الإنتاج في الفكر الاقتصادي الرأسمالي، و(الفكر) الاقتصادي الإسلامي، فتقول:
(من المعروف أن عوامل الإنتاج في الفكر الاقتصادي الرأسمالي هي رأس المال والطبيعة والعمل والتنظيم . أما في الفكر الاقتصادي الإسلامي، فقد أكد فقهاء المسلمين بأن الإنتاج يقوم على دعامتين أساسيتين هما العمل والمال، أي أن عوامل الإنتاج في الفكر الاقتصادي الإسلامي هما : العمل والمال). دون أن تخفي تحبيذك وتفضيلك لما تسميه ب (الفكر) الاقتصادي الإسلامي، والدعاية له وترغيب الناس به (باعتبارك خبيرا اقتصاديا) مع أن هذا (الفكر) الذي اخترعته يفتقد إلى عنصرين هامين هما الموارد الطبيعية والتنظيم والإدارة. لكن يغفر لك أن قلت : (أكد فقهاء المسلمين) ولم تقل: قال علماء الاقتصاد الإسلامي!!
ثم تقول: (ولم يفرق الإسلام بين أنواع العمل فكلها تتمتع باحترام المجتمع). ويبدو أنك لا تعرف ، أو إنك تتجاهل أن الإسلام قد احتقر الزراعة والمزارعين وهناك آيات وأحاديث تؤكد ذلك، لكنك ما دمت في معرض الدعاية للإسلام و(الفكر الاقتصادي الإسلامي) فإن تجاهلك لتلك الآيات والأحاديث مفهوم ومرغوب ومطلوب, ومسموح به طالما القصد (إصلاح ذات البين)، ويمكن إدخاله أيضا تحت باب (المسكوت عنه)
ثم تتحدث عن رأي الإسلام فتقول: (إنما عيش المرء عالة على سعي غيره هو الذي يستوجب وحده الاحتقار …)
هل نسيت يا دكتور كيف عاش المسلمون الأوائل عالة على جهد وعرق ودم أبناء البلاد (المفتوحة) وكيف كان الخراج يُنهب ويُكنس من أبناء تلك البلاد المفتوحة، ويرسل محملا في قوافل مؤلفة من آلاف الجمال ليوزع على المسلمين المتكئين بين جواريهم وغلمانهم في (يثرب) في عهد الخلفاء الراشدين؟ هل أذكر لك حجم ثروات الصحابة الذين كانوا حفاة عراة في بدء الهجرة؟ إن طلبت مني ذلك فعلت. ثم هل يمكننا القول أن هؤلاء عاشوا عالة على سعي وعرق ودم غيرهم... و إنهم لم يحترموا تعاليم الإسلام ؟ أم يغفر لهم أنهم لم يسمعوا بمقولتك هذه، لأنها ليست من الإسلام ، فلا هي قرآن ولا هي حديث.
لا أظنك تجهل أيضا أنه إضافة لقوافل الخراج التي كانت تُنهب وتُنكس من أبناء البلاد المفتوحة كان يُساق معه عشرات الآلاف من النساء السبايا (الجواري)، والغلمان والرجال والعبيد، وهو ما يسميه التشريع الإسلامي ب (ملك اليمين)، وأن الفائض عن التمتع والحاجة كان يباع في سوق النخاسة. هل تعلم مثلا أن الخليفة العباسي (المتوكل على الله) كان يملك إثنا عشر ألف جارية (12000) وما شابه من الغلمان!! وهل تعلم أن عدد السبايا التي سيقت إلى دمشق بعد فتح الأندلس هو (300000) نعم خمسة أصفار أي ثلاثمائة ألف سبية. وإنها جميعها إما أُهديت لأمير المؤمنين وبطانته وشيوخه وفقهائه، أو بيعت كرقيق أبيض في أسواق الجواري والعبيد!! هل حرّم الإسلام هذه التجارة؟ أم اعتبارها حلالا زلالا؟ هل من نص تستشهد به على ذلك؟
ثم تقول: (على ذلك لا تعد الأشياء النافعة والتي لا يمكن حيازتها أموالاً كالهواء المطلق وحرارة الشمس وضوء القمر كذلك لا تعد مالاً تلك الأشياء التي يمكن حيازتها ولكن لا ينتفع بها أصلاً كلحم الميتة والطعام الفاسد) وكأنك لا تدري أن حرارة الشمس ( الطاقة الشمسية) تستخدم في كل البلاد المتقدمة (وفي بلادنا العربية أيضا) كمصدر من مصادر الطاقة لتسخين المياه بدلا من الوقود، وإن هناك أبحاثا ودراسات مكثفة لجعل الطاقة الشمسية مصدرا أساسيا ، بل أهم مصادر الطاقة.
وتختم الجزء الأول بالقول:
( وبذلك نجد أن عوامل الإنتاج في الإسلام هما عاملان أساسيان الأول هو العمل والثاني هو المال الذي يشمل الموارد الطبيعية اللازمة للإنتاج) وبغض النظر عن التكرار، فإنك سخرت من ذاكرة القارئ، أو أنك استهنت بها حين شمَلت المال في الإسلام مع الموارد الطبيعة، بينما فصلتهما عن بعضهما بعض حين قارنت بين الفكر الاقتصادي الرأسمالي، و(الفكر) الاقتصادي الإسلامي.
ثانيا: في التجارة
تقول: (يعد الإسلام التجارة طريقاً حلالاً للكسب.)- طبعا لا تقصد تجارة الجواري والعبيد، ولن تقول عبيد أمريكا التي لا يتجاوز عمرها (300) سنة- وكأن هذا الفهم يتميز به الإسلام عن غيره من الأمم والشعوب والدول، ربما كانت تجارة (القطاع الخاص) ممنوعة في البلاد الشيوعية أثناء دراستك، فظننت أن الإسلام وحده الذي يسمح أو يشجع على التجارة ويعتبرها كسبا حلالا، لكن ألم تلاحظ أن الدولة كانت (تتاجر) تسيطر على التجارة الداخلية والخارجية وتقوم بها بدلا من القطاع الخاص؟
ثم تتكلم عن عناصر التجارة في نظر الإسلام فتقول:
(ومن أهم عناصر التجارة في نظر الإسلام "التراضي" والتراضي يقتضي ثلاثة شروط:
- أن يكون المشتري مختاراً في الشراء .
- أن يكون البائع مختاراً في البيع.
- أن يكون كلاهما (البائع والمشتري) مختاراً في تقدير الثمن الذي يشتري به أو يبيع به.)
بالله عليك ما هو الشيء الهام الذي استأثر به الإسلام في هذا القول؟ وما هي الماركة المسجلة باسم الإسلام في تعريفك هذا؟ هل سمعت أو قرأت – والتجارة قبل الإسلام بآلاف السنين- أن البيع والشراء والتجارة تكون بالإكراه؟ قد تقول: المافيات. مع أنك تعرف أن رجال المافيا لا دين لهم سوى أرباحهم بغض النظر عن الدين الذي ولدوا عليه.
ثم تتكلم عن الاحتكار وتستشهد بفقيه الإرهاب ابن القيم الجوزية فتقول:
(يقول ابن القيم : (إن المحتكر الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد غلاءه عليهم هو ظالم لعموم الناس،)
أولا: عندما تتكلم عن ((الفكر) الاقتصادي الإسلامي) عليك الاستشهاد بنصوص من التشريع الإسلامي، والنص التشريعي الإسلامي هو القرآن والسنة فقط ، وما عداه لا يعتد به ولا يؤخذ به، أو يمكنك الاستشهاد بحالة أو زمن من أزمنة الخلافة الإسلامية منذ نشأتها حتى انهيار العثمانيين، طُبق فيه أو وجد فيه ما تدعي تسميته ب (الفكر الاقتصادي الإسلامي) . علما أن ابن القيم الجوزية ليس سوى داعية إسلاميا، والمهم هو النص. فهل حرّم القرآن والسنة الاحتكار يا دكتور؟ هل لديك نص يثبت صحة أقوالك؟ ثم إن ابن القيم الجوزية يتحدث عن ضرورة منع احتكار الطعام والسلاح الذي يحتاج إليه المجاهدون في سبيل الله – دون سواهم- أثناء الجهاد لنشر دين الإسلام، لا في ألأوقات العادية، وكما تعلم فإن كل الدول المتقدمة والمتخلفة تحتاط لأوقات الحروب وتحتفظ بمخزون يكفيها لمدة ستة أشهر على الأقل تحسبا للحالات الطارئة، ولا أظنك ستقول أنهم تعلموا ذلك من فقيه الإرهاب ابن القيم الجوزية. حيث يقول كما أوردت في مقالتك (ولهذا كان لولي الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة "أزمة" أو سلاح لا يحتاج إليه والناس يحتاجون إليه للجهاد)
ثانيا: ألم تسمع بمليارات الدولارات التي دفعتها شركة مايكروسوفت، والتي أجبرتها الحكومة الأمريكية على دفعها لأنها احتكرت إنتاج بعض برامج الكمبيوتر ؟ وغير ذلك كثير من الحالات التي قضت عليها قوانين منع الاحتكار في الدول المتقدمة.
ثم تتحدث عن الربا دون أن تفرق بينه وبين الربح الذي تدفعه البنوك للمودعين أو تأخذه من المقترضين والذي أقره وسمح به كبار علماء الأزهر، وأن كان بنسبة سنوية ثابتة، لأن من يودع يشارك البنك في الريعية ، ومن يقترض من البنوك لا يقترض ليأكل ويشرب، بل يقترض لإقامة مشاريع تدر عليه ربحا، أما المواطنون في الدول الغربية فإن دولهم المسؤولة عن إطعامهم وإلباسهم وتعليمهم وطبابتهم وإيجاد عمل لهم إن تعذر عليهم ذلك، وتأمين المسكن الصحي اللائق لهم ولأبنائهم لا يُستثنى من ذلك الأجانب المقيمون، وتدفع لمن لا يعمل بدل بطالة، ولا أظنك تجهل ذلك!! مع العلم أن الربا محرم في التوراة والإنجيل قبل القرآن بغض النظر إن كان أتباع هذه الديانات يلتزمون بهذا التحريم أم لا. أي أن تحريم الربا ليس ماركة مسجلة باسم الإسلام، بل الإسلام أخذ هذا التحريم عن التوراة والإنجيل.
أخيرا وخوفا من الإطالة أكثر، نحمد الله أن مقالتك هذه لم ولن يقرأها من أسماهم شيخ الأزهر أطال الله عمره: (الرعاع) ، أتعرف لماذا؟ لأنهم أعداء للعلم والمعرفة، ولا يقرأون. وإلا لصدقوا ما قلت أنه: (فكر) اقتصادي إسلامي!!