(الحضارة): فضائية غير حضارية!


حسب الله يحيى
2010 / 6 / 14 - 11:42     

(الحضارة):
فضائية غير حضارية!
حسب الله يحيى
باستثناء قناة (الحضارة) الفضائية التابعة لوزارة الثقافة العراقية؛ لا توجد فضائية تابعة لأية وزارة ثقافة في العالم كله!
فهل يعد العالم كله متخلفاً عن الحضارة باستثناء وزارة الثقافة العراقية، او أن هذه الوزارة لم تجد من وسيلة تخاطب فيها الناس سوى هذه الفضائية!
إذا كان العالم متخلفاً حقاً؛ فأن كل ما انجزه العقل الانساني في كل بلدان العالم يعد محدوداً ومحفوظاً في كتب وعروض مسرحية ومعارض تشكيلية وندوات.. متخلف عن ركب التقدم، مقارنة بفضائية (الحضارة)
واذا كان خطاب وزارة الثقافة عبر هذه الفضائية مقبولاً وكافياً لعملها؛ فأن على جميع مديريات هذه الوزارة غلق ابوابها واعداد برنامج تلفزيونية لـ (الحضارة)!
الثقافة نبع ثراء وعطاء في ميادين المعرفة والابداع، وهي وجود مستمر في كل حقول الحياة، وليست رقصات فولكورية ومنابر شعرية تسجل لتكون مادة تكررها (الحضارة) يومياً وعلى مدى اشهر خلت تعود لتأسيس هذه الفضائية التي لم يسجل فيها حتى الآن برنامج ثقافي واحد!
واذا كانت هذه الوزارة، قد وجدت ضمن (التركة) السابقة المعدات الفنية والكاميرات والأجهزة الكافية لافتتاح فضائية؛ فأن هذا لا يعني ان وزارة الثقافة قد حققت منجزاً وقطعت شوطاً ناجحاً في مسيرة عملها.. بل انها اشبه بمن يملك آلة أو جهازاً حديثاً لا يعرف كيفية استخدامه والانتفاع به..
وهذا الاستخدام الحسن والمتقن هو الخطوة الأولى التي يفترض ان تكون لانجاز العمل الموفق والمثمر.. واذا كنا قبلنا ان تكون لوزارة الثقافة فضائيتها ، يصبح من حق كل وزارة ان تؤسس لنفسها فضائية، مثلما تفعل حالياً باصدارهامجلات ملونة باذخة الطباعة لا شاغل لرئاسة تحريرها وملاك عملها سوى نشر صور معالي السيد الوزير وتوثيق واجبات عمله الوظيفي والنظر اليها كما لو انها منجزات غير مسبوقة، ولم تعرف لا من السابقين ولا من اللاحقين.. وكأن الأمر معجزة مقترنة بمعاليه دون سواه من الوزراء ولا من خلق الله جميعاً.
إن وزارة الثقافة، لابد ان تكون لعمل وزاراتها خطة سنوية يتم رسمهاً مسبقاً، لا ان تعد هذه الخطة وتركن فوق الرفوف لأن (الاسياد) في هذه الوزارة وسواها يعدون جميع (ايفادات الوزارة منجزات يأخذون منها ما سمته الوزارة بالقسطاط المستقيم والنعيم للأكرمين وبالنتيجة لا يبقى من الرصيد المادي لديوان الوزارة ومديرياتها مال يمكن رصده على نشاط .. هو جزء اساسي في طبيعة عملها.
ولو سلمنا جدلاً.. جدية وزارة الثقافة في تقديم ثقافة حقيقية رصينة عبر هذه الفضائية، وتخلت عن هذا التكرار الممل الذي تقدمه يومياً واسدلت الستار عن لغة التمجيد والثناء وتجنيد عدد من المشاهدين للثناء على (عطائها) الذي لم نقطف ثماره بعد؛ فأن وجود فضائية جديدة في العراق يعني انها ستغطي وتتناول وتتوجه نحو خطاب لم يكن شاغل الفضائيات الأخر، وأن وجود (الحضارة) سيشكل اضافة متميزة عن سواها، وستقدم برامج مختلفة عن التقليدي والمألوف، وستكون لسان حال جميع المثقفين والمعنيين في شؤون الثقافة من العراقيين والعرب والشعوب الاخر.
لكن وجود وزارة كسولة لم يعرف عن حضورها الايجابي منذ عام 2003 حتى الآن، لا يجعلنا نتفاءل بوجود فضائية لا تملك سوى شريط واحد تعيده يومياً وعلى مدى اشهر (تجريبية) طال امدها..
وكان من الممكن جداً ان تكون (الحضارة) فضائية لها هويتها المميزة ورسالتها الوطنية واسلوب عملها المختلف.. اذا ما توفر لها ملاك يمتلك الخبرة والمعرفة والتوجه الوطني الحريص والمخلص والعميق والكفء..
ليس هذا امر صعب ولا مستحيل.. فعقد ندوات واعداد برامج ثقافية عن ثقافة السلام والتآخي والتسامح، ثقافة تعمل على تشريح العنف والارهاب والفساد .. ثقافة بناء الانسان بكل قيمه ومثله وحكمته.. كلها مجتمعة من شأنها أن تميز هذه الفضائية عن غيرها من الفضائيات..
كما يمكن لـ (الحضارة) ان توفر عملاً لمنتسبي وزارة الاعلام السابقة، وللفائضين الذين يشكلون عبئا على الوزارة، مثلما يمكن لـ (الحضارة) العمل على مد جسور التعاون المثمر مع جميع المثقفين العراقيين، بعد أن شهدنا قطيعة بين الادباء والفنانين والجامعيين والاعلاميين.. ووزارة الثقافة.
كل شيء من الممكن تحقيقه، اذا ما تخلت هذه الوزارة عن خطابها الدعائي الذي يتقاطع تماماً مع عطاء الوزارة الحقيقي الذي لا يمكن ان نعده برامج وزارة تريد ان يدرك الناس، أنها معنية بمخاطبة العقل والوجدان.. في زمن احوج ما نكون فيه الى تثقيف الناس بطبيعة ما يجري والكشف عن سلبياته التي باتت تشكل ثقلاً على حياة كل مواطن، قبل ان نعرض لاسابيع ثقافية خارج العراق، فيما ينزف العراق في الداخل من جراح وازمات مثقلة بالهموم.. في حين تصمت الثقافة ويتعطل لسانها وتعمى بصيرتها عن الحقائق التي تدور حولها بوضوح.. وبوضوح تام، بينما نجدها تتفرج من نافذة مريحة في الخارج..
(الحضارة) لها القدرة على ان تكون منبراً اساسياً في اشاعة الثقافة الوطنية الصادقة في كل مكان.. لكن الأماني شيء، والانجاز شيء آخر!