الارهاب السياسي والارهاب الديني


رسميه محمد
2010 / 6 / 13 - 12:15     

المقدمة
تبدو معضلة الارهاب الذي يبتلي به العالم مستعصية على الحل في ضوء عدم الاتفاق على مفهوم محدد له تقبله الاطراف المختلفة وتلتزم به جميع القوى الدولية والاقليمية والمحلية . اكتفت جميع محاولات تعريف الارهاب حتى وقتنا هذا بملامسة جوانبه وتبعاته الانسانية دون الاقتراب من مسبباته وأهدافه السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الدينية , وذلك بسبب اختلاف الرؤى بين الدول والجماعات والمنظمات الفاعلة . جاء انقسام العالم حول كيفية مواجهة الارهاب ليلقي بظلال داكنة على كل المحاولات الجادة لايجاد معالجة جماعية دولية له, فنما الارهاب واشتد عوده , واختفت من أمامه أية محاولة جادة لموجهته بأستثناء المواجهتين الامنية ( من جانب غالبية دول العالم )والعسكرية (من جانب الولايات المتحدة). لم يكن غريبا أن ينقسم العالم حول مفهوم الارهاب , فقد شهد القرن العشرين مساندة القوى الدولية لمنظمات ارهابية في اطار صراعات مريرة طويلة كان أبرزها على الاطلاق الحرب الباردة . تمحور الانقسام الدولي حول ماهية ووسائل وأهداف الارهاب , فقد بررت القوى الدولية بعضا من أنواع الارهاب , مثل ذلك الذي مارسته منظمة ارجون الصهيونية ضد الفلسطينين قبل تأسيس دولة اسرائيل , في حين رفضت تلك القوى أرهابا طال مصالحها وأهدافها مثل الارهاب التي عانت منه بريطانيا على أيدي منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي . حتى سنوات قليلة مضت لم يكن يعرف العالم بالارهاب كقضية عالمية وانما أعتبره قضية محلية تتعلق بالمجتمعات التي عانت منه , حيث انحصرت الاعمال الارهابية داخل الحدود الجغرافية للدول دون أن تعبر الى المستوى الاقليمي أو الدولي .
لم تكن هناك حتى ثمانينات القرن العشرين عمليات ارهابية عابرة للحدود , لذا اقتصر مفهوم الارهاب على التعريف الذي اقرته عصبة الامم المتحدة عام 1937 والذي جاء فيه أن الارهاب هو الاعمال التي توجه نحو دولة بغرض خلق حالة من الارهاب في عقول اشخاص او جماعات معينة أو العامة) ولكن جاءت ماسمي بالصحوة الدينية لتيار الاسلام السياسي في مطلع الثمانينات وماتبعها من تدويل للارهاب الديني عن طريق قيام جماعات متطرفة بعمليات ارهابية ضد الكثير من الاهداف والمجتمعات خلال سنوات التسعينات ليفرض ضغوطا على المجتمع الدولي بهدف اعادة تعريف الارهاب الدولي فجاء قرار الجمعية العامة للامم المتحدة المرقم 49-60 لعام 1994 ليعيد محاولة الاقتراب من تعريف الارهاب , فذكر أنه الاعمال والطرق والممارسات التي تشكل مخالفة صارخة لاغراض ومبادئ الامم المتحدة التي تشكل تهديدا للسلام العالمي والامن وتهدد علاقات الصداقة بين الدول وتعيق التعاون الدولي وتهدف الى تدمير حقوق الانسان والحريات الاساسية والاسس الديمقراطية للمجتمع(1) .
مشكلة البحث تكمن في مفهوم الارهاب فهو مفهوم فضفاض ومعقد وحمال أوجه وعصي على التحديد – ففي عالم الصور المتحركة ينبغي أن نبقى متيقضين كي نفهم ماهو الارهاب وماهو ليس ارهابا , كما يشير المفكر الباكستاني اقبال احمد ( درست عشرين وثيقة رسمية عن الارهاب , لم تقدم لي أي منها تحديدا للموضوع , كلها تفسر الموضوع بجدلية تثير المشاعر بدل أن تحاور العقل والذكاء).
أهمية البحث تكمن في تحديد المفاهيم التي كثر استعمالها في الادبيات المنشورة وفي الكتب والدراسات المعاصرة, والتي عجزت عن تفسير ظاهرة العنف بصورة عامة والارهاب بوجه خاص وخاصة عندما يتعلق الامر بالارهاب السياسي وصولا الى الارهاب الذي يمارس على مستوى دول أو الصادر عن قرار سياسي حكومي هدف البحث يتلخص في تفكيك هذه الظاهرة والتوصل الى تحديدات لها والخروج باستنتاجات تساهم في وضع معالجات علمية لها.
منهج البحث جرى اعتماد المنهج العلمي الجدلي مع الاستعانة بمناهج أخرى , في تفكيك هذه الظاهرة ومعرفة جذورها التاريخية والمراحل التي مرت بها والعوامل المركبة التي أثرت على مسارها وساعدت في ظهورها ومن ثم الخروج باستنتاجات واقعية تساهم في وضع معالجات لها.
خطة البحث مقدمه مع اربع مباحث خصص المبحث الاول للتعريف بظاهرة الارهاب . والمبحث الثاني الجذور التاريخية للارهاب السياسي والديني – والمبحث الثالث الارهاب واسبابه ودوافعه- والمبحث الرابع نحو رؤية متجددة للدين مع الاستنتاجات والتوصيات.








أولا- تعريف الارهاب
يشهد العالم العربي موجة من أعمال العنف التي ترتكبها بعض الجماعات السياسية , وقد جرى العرف على اطلاق تعبير الارهاب للدلالة على تلك الاعمال , ليس فقط لما تنطوي عليه من ترويع وتخويف للمواطنين , وانما أيضا للتأكيد على طابعها الخارج عن الشرعية , وعلى ماتحدثه من أضرار مادية ومعنوية بالمجتمع كله.
الارهاب لغة
يعني الفعل الثلاثي المجرد (رهب), خاف . فيقال (رهب) , يرهب ورهبه . أما كلمة( ارهاب) فهي مشتقة من الفعل المزيد (ارهب),فيقال أرهب فلانا –أي خوفه وافزعه.
أما الفعل المزيد بالتاء والمقصود ( ترهب) , فيعني انقطع للعبادة في صومعته. ويشتق منه كلمة الراهب , الراهبة , الرهبنة , الرهبانية.
وللمزيد من المعلومات حول الاصل اللغوي لكلمة الارهاب , يمكن الرجوع الى لسان العرب لابن منظور ( الجزء الثالث) , وكذلك المعجم الوسيط (الجزء الاول).
- الارهاب في الايات الدينية
وردت مشتقات كلمة (رهب) سبع مرات في مواضع مختلفة من القرأن الكريم , لتدل على معنى الخوف والفزع .
- الاية 40 من سورة البقرة ( أيا بني اسرائيل اذكرو ا نعمتي التي أنعمت عليكم وأفوا بعهدي أوفي بعهدكم واياي فارهبون ). فأرهوبون فخافوني في نقضكم العهد ولاتخافوا غيري وانما حذفت الياء لانها في رأس الاية.
-- الأية 116 من سورة الاعراف قال القوا فكما القوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم . استرهبوهم بمعنى خوفوهم تخويفا شديدا .
-- الأية 154 من سورة الاعراف ( ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الالواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ).
أي سبب رحمة للذين يخافون ربهم .
-- الأية 60 من سورة الانفال ( أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم ..). – وتكمل الأية 61 مضمون الأية 60 أو ان جنحوا للسلم فأجنح لها وتوكل على الله انه السميع العليم).
-- الأية 51 من سورة النحل (وقال الله لاتتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد فأياي فأرهبون). فأرهبون أي خافوا عذابي.
الأية 90 من سورة الانبياء ( فأستجبنا له ووهبناله يحي وأصلحنا له زوجة الهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا خاشعين ).
--- الأية 13 من سورة الحشر ( لانتم أشد رهبة في صدوركم من الله ذلك بأنهم قوم لايفقهون) . أشد رهبة – اشد تخويفا.
--- الأية 32 ( واضم اليك جناحك من الرهب) أي من الخوف.
-- الأية 34 من سورة التوبة ( ياأيها الذين أمنوا ان كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقوها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم )(2).
الارهاب اصطلاحا
أن مصطلح الارهاب يعود ظهوره الى القرن الثامن عشر , مع بداية ظهور الثورات والانتفاضات الشعبية , وبالتحديد في القانون المتعلق بالارهاب والصادر في 10 حزيران 1794 كوسيلة لمحاربة القائمين بالثورة الفرنسية حيث كان مصطلح الارهاب يعني كل عمل اجرامي يرتكب ضد الثورة – بعد ظهور الجمهورية الاولى واجهزتها الحاكمة. غير ان الارهاب كأحد مصطلحات علم السياسة المعاصر , التي حظيت في العقود الثلاثة الاخيرة بالعديد من الدراسات والتحليلات أصبح له مضمونه المحدد في الدراسات السياسية , فالارهاب هو أولا شكل من أِشكال العنف المنظم , ولذلك لجأت المنظمات الدولية – وعلى رأسها الامم المتحدة – الى استعمال مفهوم اجرائي للفعل الارهابي , بحيث أصبح هناك اتفاق عالمي على كثير من صور الاعمال الارهابية مثل الاغتيال والتعذيب واختطاف الرهائن واحتجازهم واختطاف واحتجاز وسائل النقل والرسائل الملغومة...الخ.
والارهاب هو ثانيا أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ليس فقط في سياق المواجهة الداخلية بين السلطة السياسية وبين جماعات معارضة لها , وأنما أيضا كأداة للتعامل بين الدول وبعضها البعض, والارهاب ثالثا يتضمن انتهاكا عمديا ليس فقط للقواعد القانونية والشرعية العامة , وانما أيضا للقواعد العرفية والدينية السائدة
وهذا أمر ملائم لطبيعة الفعل الارهابي التي تفترض اشاعة الاحساس بعدم الامان واستحالة التنبؤ به . والفعل الارهابي رابعا ذو طابع رمزي , فهو لايقصد لذاته , بقدر ما ينطوي عليه من رسالة موجهة الى كافة الضحايا المحتملين الاخرين , بحيث يوقع الرعب في القلوب ويثير التساؤل عن ماهية الضحية التالية(.
فالارهاب الذي نشهده الان هو أداة لصراع سياسي , تمليها امكانات وظروف القوى التي تلجأ اليه , وهذا يعني أنه اذا ماتوفرت ظروف وامكانات أكبر فأن تلك القوى سوف تكون مستعدة لتطوير أدواتها وأساليبها . وهذا الارهاب منظم , ومخطط . وذو أهداف محددة ومتراكمة . أي أنه جزء من استراتيجية معدة سلفا يجري تنفيذها على امتداد الوطن بأكمله.
ويشير تعريف الارهاب في التشريع المصري الى عنصرين هما..
الف- كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ اليه الجاني لمشروع اجرامي فردي أو جماعي اذا كان من شأن ذلك.
-1 ايذاء الاشخاص أو القاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر.
2- الحاق الضرر بالبيئة أو الابالاتصالات أو بالمواصلات أو بالاموال أو بالمباني العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها .
3- منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لاعمالها.
4- تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح.
5- استهداف الاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وامنه للخطر.
وقد اجمعت لجنة الخبراء العرب في تونس من 22-24 1989 م لوضع تصور عربي أولي عن مفهوم الارهاب الدولي والتمييز بينه وبين نضال الشعوب من أجل التحرر , ووضعت التعريف التالي(3)
( هو فعل منظم من أفعال العنف أو التهديد به يسبب فزعا أو رعبا من خلال أعمال القتل أو الاغتيال أو اختطاف الطائرات أو تفجير المفرقعات وغيرها مما يخلق حالة من الرعب والفوضى والاضطراب , والذي يستهدف تحقيق أهداف سياسية سواء قامت به دولة أو مجموعة من الافراد ضد دولة أخرى أو مجموعة أخرى من الافراد وذلك في غير حالات الكفاح المسلح الوطني المشروع من أجل التحرير والوصول الى حق تقرير المصير في مواجهة كافة أشكال الهيمنة أو قوات استعمارية أو محتلة وعنصرية أو غيرها , وبصفة خاصة حركات التحرر المعترف بها من الامم المتحدة ومن المجتمع الدولي والمنظمات الاقليمية بحيث تنحصر أعمالها في الاهداف العسكرية أو الاقتصادية للمستعمر أو المحتل أو العدو , ولاتكون مخالفة لمبادئ حقوق الانسان , وأن يكون نضال الحركات التحررية وفقا لاغراض ومبادئ ميثاق الامم المتحدة وسواه من قرارات أجهزتها ذات الصلة بالموضوع).
وفي عام 1980 م تبنت وكالة المخابرات المركزية للولايات المتحدة الامريكية تعريفا ما زال معتمدا لديها ونص على مايلي –
( الارهاب هو التهديد باستعمال العنف أو استعمال العنف لاغراض سياسية من قبل أفراد أو جماعات , سواء تعمل لصالح سلطة حكومية قائمة أو تعمل ضدها , وعندما يكون القصد من تلك الاعمال احداث صدمة أو فزع , أو ذهول أو رعب لدى المجموعة المستهدفة والتي تكون عادة أوسع من دائرة الضحايا المباشرين للعمل الارهابي . وقد شمل الارهاب جماعات تسعى الى قلب أنظمة حكم محددة , وتصحيح مظالم قومية أم لجماعات معينة ,أو يهدف تدمير نظام دولي كغاية مقصودة لذاتها).
وأورد جيمز أدمز تعريفا مبسطا للارهابي كما يلي
( الارهابي هو فرد أو عضو في جماعة ترغب في تحقيقأهداف سياسية بأستعمال أساليب عنيفة , ويكون ذلك غالبا على حساب ضحايا مدنيين أبرياء , وبدعم من أقلية من الشعب التي يدعون بأنهم يمثلونها (4)
وفي عام 1976 م , استضافت وزارة الخارجية الامريكية مؤتمرا للمتخصصين والخبراء عن الارهاب لمناقشة ظاهرة الارهاب , وقد وصف أحد المشاركين في المؤتمر الارهابي بقوله(5)
(دعونا نزيل عن رؤسنا أقنعة أوهام وخيالات الارهابي ونكشف العقل القاتل القابع تحت تلك الاقنعة . ان الارهابيين يعشقون استعمال تعبيرات لطيفة رومنطيقية لوصف أعمال القتل الاجرامية التي يقومون بها , ويدعون بأنهم أبطال ثوريون , ومع ذلك يرتكبون أعمالا جبانة , ويفتقرون للصفات البطولية الانسانية وللشهامة وكرم الاخلاق ....الخ.
باختصار أن الارهاب هو رد فعل مزدوج , فهو من جهة أولى رد فعل على القهر والظلم , وهو من جهة ثانية , محاولة لكبح جماح رد الفعل هذا . هو رد فعل تقوم به شعوب مغلوبة علة أمرها ضد الانظمة الحاكمة المستبدة , ثم هو رد فعل يائسة من هذه الشعوب المغلوبة على أمرها . ولذلك فهو حلقة مفرغة لايمكن للعالم أن يخرج منها الا بأزالة أسباب القهر والظلم وليس بمنع المظلومين والمقهورين من التمرد والاحتجاج حتى الموت(6)

الجذور التاريخية للارهاب السياسي
ان الانسان اناني بطبعه ,وميال لحب التملك ,تبعا لذلك فأن الارهاب وليد العصور القديمة , فعرف الانسان الارهاب ومارسه دفاعا عن نفسه , ووجوده , وعن ملجئه , وكوخه , وبيته . ان اللجوء الى القوة والعنف أمر فطري لجأ اليه الانسان لتأكيد ذاته , أو لاستغلال أخيه الانسان الا ان فكرة الارهاب والعنف الكامنة في النفس البشرية تطورت بتطور الانسان ومحيطه.. فأنفلتت من المحيط الفردي والشخصي للانسان لتكتسب المنحى الشمولي للمجتمع , بما له من معطيات بنوية انسانية واجتماعية واقتصادية.
غير أن صورة الارهاب أصبحت أكثر وضوحا بنشوء المجتمعات الاولى القائمة على الملكية مرورا بمرحلة المشاعية البدائية التي تجبرعلى قانون تفاعل العلاقات الاجتماعية والقوى المنتجة , وهو قانون لايمكن الاخلال به, فعدم التوافق بين العلاقات الانتاجية والقوى المنتجة يسير بالامر نحو الثورة الاجتماعية .
أما في مرحلة الرق فأن المجتمع ينقسم الى طبقتين متضادتين , طبقة مالكي العبيد , وطبقة العبيد , هذه المرحلة نشأ فيها الصراع الطبقي , نتيجة للكبت الاجتماعي والظلم الاقتصادي , فكانت النهاية لهذه المرحلة بثورة العبيد , الذي احتوى في مضمونه عدة طبقات ( النبلاء , الكهنوت , الفلاحين , التجار , وأخيرا الاقطاعيين ..الخ. فكان الفلاح هو الضحية , مما ولد لديه روح التمرد . كما ظهرت المدن , وأنشأت ورشات العمل اليدوي , ونما الرأسمال التجاري , معتمدا على طبقات أخرى تحالفت وقامت بثورات قضت خلالها على النظام الاقطاعي ليحل محله النظام الرأسمالي. ان النظام الرأسمالي قد طور الاقتصاد , وكدس الاموال وأدخل العلم لجميع الميادين , كما أشار لذلك ماركس بقوله ( خلقت البرجوازية منذ تسلطها الذي لم يكد يمضي عليه قرن واحد قوى منتجة تفوق في عددها وعظمتها كل ماصنعته الاجيال السابقة مجتمعة (7).
انقسم العالم على أثر النظام الرأسمالي الى تكتلات سياسية واقتصادية , وظهرت الاحتكارات الرأسمالية المتطورة , والبلدان النامية التي انحصرت سيادتها تدريجيا عن طريق سياسة الافساد على نطاق واسع , حيث استعملت الدول الاحتكارية وسائل أكثر عمقا لاخضاع شعوب العالم لسيطرتها , لذلك ازدادت عمليات الارهاب , وتنوعت وسائلها في ممارسة هذه العمليات .
وتشير بعض الدراسات ان الارهاب كفكرة سياسية قد ظهرت ابان الثورة الفرنسية , وهو مايعني في المحصلة أن الارهاب والدولة الديمقراطية الحديثة كانا توامين منذ الولادة . فقد بدا الارهاب أول مابدأ كارهاب دولة خلال حقبة دانتون وروبسبير . وكان عبارة عن عنف جامح تمارسه الدولة ضد أعدائها . وليس هجوما على السلطة العليا من قبل أعدائها الذين يتربصون بها في الخفاء. فخلال الثورة الفرنسية مارس روبسبير وزمرة معه منهم سان جيست وكوثون العنف السياسي على أوسع نطاق . فمن أصل سكان فرنسا , الذين كان يبلغ عددهم في ذلك الوقت 27 مليون نسمة , تمكنت تلك المجموعة من قطع رأس (40) الفا بواسطة المقصلة . كما تمكنت من اعتقال 300 الف أخرين . وكاد السيناتور جوزيف ماكرثي أن يصبح روبسبير القرن العشرين ( 1950 -1954 م) في الولايات المتحدة الامريكية , الا أن اتهاماته بالخيانة للالاف لم تصل الى حد قطع رؤوسهم بالمقصلة أو خنقهم في غرف الغاز المغلقة.(8)
ان المستفيد الوحيد من انتشار ظاهرة الارهاب وتعميمها في العالم هو الاستعمار و والامبريالية , وعملاؤها . وعندما جاء القرن العشرون , وعصر التحرر من الاستعمار القديم التقليدي والتبعي وبالتحديد بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 بدأت تزهر الى الوجود دول جديدة ذاقت شعوبها ويلات الحروب , من خلال الثورات الشعبية ضد الغاصب المحتل, وكان الوصف الدائم لجميع الثورات ( الارهاب والارهابيين ). بينما أمريكا سيدة الكون تعمل على امركة العالم . حيث كتب (تيودور روزفلت ) الى السناتور (هنري كابوت لودج ) مايلي ( أمل أن ينفجر الصراع عما قريب , وقد أقنعتني صيحات الاجتماع التي أطلقها أنصار السلام أن البلاد تحتاج الى الحرب ). وبعد سنوات قليلة كان روزفلت يقول (أن قدرنا هو أمركة العالم .. تكلمو بهدوء واحملو عصا غليضة , عندئذ يمكن أن تتوغلوا بعيدا(9)
وكان الوصف الدائم لجميع هذه الثورات ( الارهاب والارهابيين) . فلم يكن هناك تمييز بين الارهاب والعنف , والكثير من المصطلحات , فأذا كان العمل العنفي مدانا , فأن موقع الارهاب الذي تجاوز أي عمل عنفي بالاف المرات , لما يتركه من أثر نفسي وسياسي على اقتصاديات الشعوب , فمن باب أولى ادانته هو – أي الارهاب – بداية تبعا للاثار المترتبة عنه.
الجذور التاريخية للارهاب الديني
يعود الارهاب ,بمعناه الاكثر خصوصية , الى حقبة ماقبل العالم الحديث . ففي تلك الحقبة ظهر مفهوم المقدس الى الضوء وكانت فكرة الارهاب ,بنحو مرجح , وثيقة الصلة بفكرة المقدس الغامضة . وسبب غموضها أن كلمة مقدس يمكن أن تعني مباركا أو ملعونا – مقدسا أو ملعونا , وقد ظهرت في الحضارة القديمة أشكال من الارهاب خلاقة ومدمرة في أن , مانحة الحياة ومبددة لها . فالمقدس خطير , اذا وضع في قفص بلا من علبة زجاجية . وقد نبعت هذه الافكار من خلال التأمل في لغز الحيوان الناطق . كيف حدث أن قواه المانحة للحياة والمسببة للموت تنبع من المصدر نفسه. أي من اللغة ؟ ماهو سر هذا الحيوان المعوق ذاتيا والذي ينتهي الى أن تقهره قواه الخلاقة ذاتها؟
ربما كانت الصلة بين الارهاب والمقدس , بنحو خاص وحتى مضلل , غير مرئية في ارهاب زمننا . اذ ليس هناك معنى مقدس بوجه خاص في قطع رأس ما باسم الله الرحمن الرحيم أو في حرق الاطفال العرب بقنابل الطائرات باسم قضية الديمقراطية. غير أن من المتعذر أن نفهم تماما فكرة الارهاب دون أن نفهم أيضا هذه الثنائية . فالارهاب يبدأ كفكرة دينية , كما هو الحال في كثير من ارهاب اليوم . ويتعلق الدين بالقوى التي تنعش الحياة وتد مرها في ذات الوقت(10).
فعلى مدى التاريخ جرى توضيف الاديان لاهداف سياسية . فقد ارتكزت الديانة اليهودية على التوراة المزيفة التي الصق اليهود فيها روايات مزيفة ,جعلت أجيالهم تعتقد بأنها (شعب الله المختار)وأن فلسطين هي أرض الميعاد . كما أباحت لهم التوراة المزيفة القتل والغدر من أجل الحصول على أهوائهم , وتحقيق مأربهم , وغزو بلاد الاخرين واحتلالها حتى يتحقق لهم في النتيجة السيطرة على العالم . ويذكر التاريخ محاكم التفتيش كاعظم نقطة سوداء في تاريخ المسيحية , لما اجرته على الشعوب البريئة من الويلات . وهي محاكم لم ير التاريخ لها مثيلا , كان شعارها القسوة التي لارحمة فيها والاضطهاد الذي لاهوادة فيه لاعداء الكاثوليك وكانت تستمد سلطتها من البابا مباشرة , ولا دخل للحكومات في تصرفاتها اللهم الا القيام بتنفيذ أحكامها و وكانت تستخدم مختلف الاساليب للتجسس والقبض على من تشاء وتجبرهم على الاقرار بالحادهم ثم توقع عقوبة الموت بهم . في حين أن المسيحية ترتكز في جوهرها على السلام حيث قال سيدنا عيسى عليه السلام (11) طوبى لصانعي السلام فأنهم أبناء الله يدعون). وفي مجال محاربة العنف والارهاب قال معنفا القديس بطرس ( رد سيفك الى مكانه لان الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون) . كما أن قواعد علم الاخلاق المسيحية موجهة نحو السلام فقط وليس نحو الحرب , وان تعلن الامم ولائها لحكم القانون وليس للعنف والارهاب.
جذور الارهاب في الاسلام
لقد مارس العرب الارهاب قبل الاسلام من خلال النزاع المستمر بين القبائل والصراع على السيادة , والتسابق على موارد الماء ومنابت الكلأ , ووقعت بينهم حروب كثيرة أريقت فيها الدماء ودامت سنوات عديدة مثل حرب البسوس , وحرب داحس والغبراء , وأيام الفجار ,والعداء الشديد بين الاوس والخزرج , وبين عبد شمس وهاشم , وبين ربيعة ومضر.
مارس العرب العنف والارهاب في فجر الاسلام ضد بعضهم البعض بصورة بشعة , وأدت تلك الممارسات الى قتل المئات من صحابة رسول الله الابطال وقتل عشرات الالوف من الجنود العرب المسلمين الذين كان لهم الفضل الاول في حمل راية الاسلام والدفاع عنه وتوطيد دعائمه داخل الجزيرة العربية وخارجها .ومن ابرز مظاهر الارهاب الذي مارسه العرب المسلمين مايلي...
حروب الردة
عند وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بدأ الصراع على الخلافة , دون تأسيسات فقهية وقبل نشوء المذاهب الفقهية . وكانت الدوافع السياسية والاجتماعية في الصراع على هذا المنصب غير مخفية . وقد نقل الطبري هذا الصراع الجنيني على الخلافة في سقيفة بني ساعده كالتالي .. اجتمع الانصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة, فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وابو عبيدة بن الجراح , فقال فقال ما هذا فقالوا منا امير ومنكم امير , فقال أبو بكر منا الامراء ومنكم الوزراء , ثم قال أبو بكر اني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر أو أبا عبيده . أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه قوم فقالوا أمينا , فقال لأبعثن معكم أمينا حق أمين فبعث معهم أبا عبيده بن الجراح, وأنا أرضى لكم أبا عبيده , فقام عمر فقال أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلى الله عليه وسلم , فبايعه عمر وبايعه الناس , فقالت الانصار أو بعض الانصارلانبايع الا عليا)(12).
أماحول الخلاف بين بني هاشم وبين غيرهم من قريش فيذكر الطبري ( حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال أتى عمر بيت علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لاحرقن عليكم أو لتخرجن الى البيعة فخرج عليه الزبير مصلطا السيف , فعثر , فسقط السيف من يده فوثبوا عليه , فاخذوه )(13).
ويشير هادي العلوي أن مداولات السقيفة قد كشفت في هذا الاثناء عن انقسام كتلة الصحابة بعد وفاة محمد الى ثلاثة اجنحة – الانصار – جناح أبو بكر وعمر- جناح علي بن ابي طالب وقد انتهت المداولات باختيار ابو بكر(14). اما القبائل الاخرى فلما رأت الصراع بين المهاجرين والانصار , فيقول المهاجرون منا الامراء ومنكم الوزراء ويقول الانصار بل منا امير ومنكم امير . فيئست هذه القبائل وضاع أملها في الخلافة , فأعلنت العصيان ورفض أكثرهم أن يخضعوا لسلطان أبي بكر وامتنعوا عن اداء الزكاة التي ضنوها أتاوة . ولاغرو فقد كان بعضهم يعتقد أنه لن تقوم قائمة بعد موت زعيمهم , لانهم كرهوا سيادة قريش الذين ظنوا أنها سلبتهم حريتهم وادخلتهم تحت سلطانها بحكم الدين . هذا هو الشعور الذي شاع في القبائل التي ارتدت عن الاسلام . أما قريش وقد ال اليها هذا التراث المجيد فقد اضطلعت بعبئه وتلقته بمايليق به من العناية والجد في تحمل مسؤلياته ,ولم تضن في سبيله بفلذات أكبادها وساداتها واشرافها فوجهتهم لمحاربة هذه القبائل , وبرهنت على انها زعيمة العرب , واحقهم بهذا الامر وأقدرهم على الاضطلاع به.
وقد اظهرت الوقائع اللاحقة أن جناح ابوبكر وعمر كان أكثر اسجاما مع النهج الذي استقرت عليه سياسة محمد . وقد سار أبو بكر وعمر على خطة الموازنة بين الاتجاهات المتعارضة في كتلة الصحابة , وهي خطة توفيقية توخت تجميع المؤمنين حول القيادة لخدمة أهداف مشتركة تتمثل حينئذ في تعزيز الدعوة ومد رقعة الدولة. ويعطي هذا بحد ذاته تفسيرا مقبولا لسهولة استتباب الامر لهذا الجناح
واذا كانت حادثة السقيفة تمثل تأسيس البنية أو اللبنة الاولى من مفهوم الخلافة (الامامة الكبرى) ,فأن معركة صفين بين الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب ووالي الشام معاوية بن أبي سفيان , الذي أعلن نفسه هو الاخر خليفة المسلمين , تمثل أحداثا ومواقف عديدة تعتبر أساسا وبنية للتأسيس الفقهي اللاحق اضافة الى الاراء التي طرحت أثناء الحادثة.
فعلى أثر هذه الحادثة نشأ الخوارج وتطورت فرقهم بعد ذلك . وأعلن الخارجون الاوائل على علي بن أبي طالب , والذين سموا ب المحكمة الاولى موقفهم من الامامة . ويذكر الشهرستاني موقفهم بكونه بدعة قائلا انهم ( جوزوا أن تكون الامامة في غير قريش , وكل من ينصبونه برأيهم وعاشر الناس على ما مثلوا له من العدل واجتناب الجور كان اماما, ومن خرج عليه يجب نصب القتال معه , وان غير السيرة وعدل عن الحق وجب عزله أو قتله . وهم أشد الناس قولا بالقياس , وجوزوا أن لايكون في العالم امام أصلا , وأن احتيج اليه فيجوز أن يكون عبدا أو حرا أو نبطيا أو قرشيا.)
وتأتي تسميتهم بالمحكمة بعد رفضهم لنتائج التحكيم بين أبي موسى الاشعري ممثل علي بن ابي طالب ,وبين عمرو بن العاص ممثل معاوية . وقالت هذه الفرقة قولتها الشهيرة لعلي بن أبي طالب بعد رفضهم التحكيم ( لم حكمت الرجال لاحكم الا لله . ويرد ابن كثير والطبري أصل التسمية كالتالي...( أن عليا بينما هو يخطب يوما اذ قام اليه رجل من الخوارج فقال ياعلي أشركت في دين الله الرجال ولاحكم الا لله , فتنادوا من كل جانب لاحكم الا لله لاحكم الا لله, فقال علي .. الله أكبر كلمة حق يراد بها باطل أما أن لكم عندنا ثلاثا صحبتمونا , لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه , ولا نمنعكم الفيئ مادامت أيديكم مع أيدينا , ولا نقاتلكم حتى تبدأوننا , ثم رجع الى مكانه الذي كان فيه خطبته(15).
وقد استمرت ظاهرة اللجوء الى العنف واستعمال الاساليب الارهابية من قبل العرب المسلمين ضد بعضهم البعض بشكل أضعف مسيرة الاسلام وقضى على الاف الشخصيات القيادية الفذة وعزز النزعات الفردية والقبلية والاقليمية والانفصالية . ونظرا لان التاريخ العربي الاسلامي حافل بالممارسات العربية الارهابية في ظل الاسلام ولايمكن تغطيتها في هذا البحث ولكن اكتفينا ببعض النماذج من تلك الممارسات لاعطاء صورة موجزة عن الارهاب العربي – العربي في تلك الفترة . ومن ابرز تلك الممارسات بعد احداث الردة فقد تمثلت بمقتل الخليفة عمر بن الخطاب , مقتل عثمان بن عفان , موقعة الجمل , موقعة صفين التي تمت الاشارة لها و مقتل الخليفة علي بن ابي طالب , مأساة كربلاء , غزوة مكة , , احتلال القرامطة لمكة المكرمة , وفرقة الحشاشون الارهابية , مذبحة المماليك في القاهرة ..الخ(16)
أن التجربة التاريخية الاسلامية تطرح لنا واقعا مفاده أن مسألة اختيار السلطة كانت خاضعة لمعيار مصلحة النخبة المسيطرة تحت عنوان مصلحة الجماعة . ومصلحة الجماعة في هذا المضمار ليس مفهوما مجردا , بل كان خاضعا لاعتبارات سياسية واجتماعية وتوازنات قبلية , وبتطور وتوسع الدولة الاسلامية والتصادم الحاصل نتيجة الصراعات , التي لم تعد بنية الجزيرة العربية قادرة على استيعابها أو التوافق بشأنها , أصبح معيار القوة أساسا لنظرية الحكم . ونجد اشارة الفقهاء الى هذا المفهوم في القرن الرابع الهجري , ولكن بصياغات تحمل معها الاثر الرجعي.
اذا نظرنا الى الصراع المحتدم حول قضية الخلافة بمختلف جوانبها واطرافها , نرى أن هذا الصراع تمحور أساسا في نطاق مفهوم الحق الديني كشكل خارجي للصراع المحكوم أساسا بقيم المجتمع العربي السائدة في الجزيرة العربية والمحكومة بالتوافقات بين المكونات الاجتماعية القبلية بعد تشكيل نواتات الدولة والاتفاق على جعل الامر في قريش من جهة , وبين أحقية هذا الجزء أو هذا القسم من قريش على أساس القرابة الوراثية من النبي من جهة أخرى . واصبحت مهمة كل طرف في الصراع تطويع النص الديني لكي يتلائم مع متطلبات الاحقية الشرعية بالسلطة(17).
الارهاب الاصولي اسبابه ودوافعه
مما لاشك فيه أن شيوع الجرائم الارهابية الوحشية في غمار عمليات مخططة بغير تمييز , وسقوط عشرات الضحايا من أفراد الشعب البسطاء , كل ذلك خلق اجماعا شعبيا على الاستنكار الشديد لجرائم العنف السياسي خصوصا بعد ما تبين أن هناك شبكات دولية تمول وتتصل بالعناصر الارهابية الداخلية , وعندما ظهرت أهداف الجماعات الارهابية والمتمثلة في التخريب الاقتصادي والترويع الجماهيري وهز الاستقرار السياسي , باعتبارها خطوات أساسية تمهد لانشاء الدولة الاسلامية . والسؤال الذي يطرح نفسه علينا هل هي صحوة اسلامية نوعية فكرا وممارسة هذه التي تحصل على ساحتنا وتفتح أعيننا على تجلياتها المأساوية أم هو صحو الغياب وانبعاث العنقاء السلفية في دورة جديدة من دورانها الابدي العائد بها دوما الى نقطة البداية . أن الاجابة على هذا التساؤل يرتب علينا قراءة جيدة لهذه الظاهرة في تاريخيتها . تشير وقائع التاريخ أن الاسلام يتصل بمجتمع القبيلة السياسي السابق لكل دولة وأمة وأن مجتمج القبيلة هذا هو متحد سياسي وليس رابطة نسب فقط . وأن لهذا المجتمع تاريخيته الموضوعية , يقدرها جواد علي بما يزيد على الالف بل قد يصل الى الالفي سنة(18) . وبديهي أن يكون لهذا التاريخ عمقه الذاتي الموازي له في شكل مثالات مجتمع العصبية المتعددة المستويات . اذ ليس من العلم أن نتصور أن الاسلام قد نقض بالكلمة شكلا الفيا من اشكال الوعي القبلي . ذلك ان الوعي هو الوجود الواعي أو هو وعي الوجود الاجتماعي . ومن هذا القانون الماركسي صاغ مروه موضوعة أن ذاكرة الجاهلي الذي دخل عصر الاسلام تبقى ذاكرة اسلامية تنفي تلك , ولن تنفيها حتى يمارس الاسلام عصره بممارسة عملية تتحول الى وعي يشكل ذاكرة جديدة . وتبقى حقيقة ترقى الى مستوى البديهيات ويجمع عليها باحثون ومؤرخون يختلفون منهجيا .. أن موقف الاسلام من العصبية يتلخص في أنه أبقاها , بعد أن أبدلها من قبلية عنصرية الى دينية ايمانيه(19 ) . نزعم أن المشهد الذي يجري على ساحتنا باسم صحوة اسلامية هو صحو الغياب . فعند المقارنة بين رواد الحركة السلفية الاصولية اليوم , لقد اعمل رواد الفكر بعمق وعقلانية لتحديث وعصرنة المفاهيم الاسلامية ولم يستهدفوا نشر الاسلام بالقوة , بل تحويله الى رافعة تحمل المجتمعات العربية والاسلامية في سبيل تمكينها من مواجهة التحديات من كافة الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية – لقد وعى هؤلاء الرواد مثلا قضية المرأة واسهموا فعلا في تحريرها وشجعوا مشاركتها الفعالة في مختلف مناحي الحياة , ودافعوا عن الرأي والرأي الاخر , أما الاصولية السلفية فتستهدف تقييد حركة المجتمع وجعله اسير الماضي وللاسف ليس الماضي المشرق وتسعى باسم الاسلام لتمزيق نسيج المجتمع الواحد وملاحقة الاخر بسبب انتمائه الديني او المذهبي والطائفي , فالحركة الاصولية السلفية , واقصد بها الاسلام السياسي تقدم اليوم برنامجا ناجزا للخراب العام وبالتالي لالغاء المجتمع. أن حضور المشروع التكفيري الارهابي لاشك فيه بحكم نزوعه الى العنف والذي يؤدي الى سقوط عشرات الضحايا غير انه يمكن القول بان الذي ساعد على حضوره بقوة في السنوات الاخيرة هو غياب المشروع الديني المعتدل .
أسباب ظهور الحركات الاصولية الارهابية (20)
السبب الاول – يتمثل في الواقع العربي المأزوم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا , وفي الانعكاسات التي يولدها هذا الواقع وافرازاته في حياة الاكثرية الساحقة من الناس وفي وعيهم . وتختلف تأثيرات هذا الواقع وردود الفعل عليه , من رفض منظم أو عفوي بين بلد عربي واخر , باختلاف الوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية , وباختلاف الانظمة والقوانين وعلاقتها بالديمقراطية , سلبا أو ايجابا وسوى ذلك من اختلافات في الظروف والشروط.
السبب الثاني - يتمثل في عجز الحكومات المتعاقبة في هذه البلدان , ولو بنسب ومستويات مختلفة بين بلد واخر , العجز النسبي في حالات معينة والعجز المطلق في حالات أخرى , عن ايجاد حلول للازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القاءمة والعجز عن اختيار طريق للتطور يحرر هذه البلدان ولو نسبيا ولو تدريجيا من التخلف التاريخي ومن المظاهر الحادة لتبعيتها اي هذه البلدان لمراكز الرأسمال العالمي الاحتكاري التي تسعى لابقائها مرتهنة في تطورها , لقرارات هذه المراكز وفق ماتقتضية مصالح هيمنتها وتوسيع وتعميق هذه الهيمنة بصورة دائمة.
السبب الثالث- يتمثل في تفاقم حالات ومظاهر واساليب الاستبداد السياسي الذي تعبر عن أشكال مختلفة للدولة القديمة – الدولة القروسطية من تكتلات طائفية أو حزبية أو عشائرية . أن هذا النوع من النظم الاستبدادية التي تولد على الدوام دولا على قياسها وعلى قياس مصالح الافراد والجهات التي تمثلها , تتعارض بصورة مطلقة مع اي مظهر من مظاهر الديمقراطية واي صيغة من صيغها و فهي اذن انظمة قمعية تقيد الحريات وتحرم الافراد والجماعات من حقوقهم في التعبير عن افكارهم وانتمائاتهم السياسية والفكرية والتنظيمية والدينية احيانا. وتحرمهم من حقوق الانسان وحقوق المواطنين وهذه الانظمة مؤهلة بطبيعتها عندما تضعف أو عندما يزداد الوعي بضرورة تغييرها, الوعي بمستوياته المختلفة , الاكثر تقدما والاكثر تخلفا و لان تولد كل أشكال الاعتراف عليها بمستوى هذا الوعي وبحسب درجة تطوره ولما كان الوعي السائد متدنيا للاسباب الانفة الذكر وللاسباب ذاتها تتحمل مسؤوليتها الحركات الراديكالية بفعل عجزها أو تقصيرها وبفعل ما ترتكبه من اخطاء في صياغة مشاريعها السياسية وخططها التنموية فأن أشكال الرفض لهذه الانظمة وكل الواقع القائم , تصبح أكثر عفوية في اغلبها اي انها تحمل بسبب ذلك طابع العشوائية والعفوية وطابع التدمير . وفي هذا التحديد أو محاولة التحديد لطبيعة الاوضاع السائدة يمكن تفسير انتشار هذا النوع من الحركات التي تتخذ في الفكر الذي يستند لها – أو تستند اليه – وفي تعميمه تعسفا , باسم الدين – وفي اشكال العمل والنشاط – نفس الطابع الاوتقراطي الاستبدادي للسلطة – ولكن من موقع الرفض لها والاعتراض عليها. ويتجسد هذا النهج في تكفير من لايتفق مع هذه الحركات في الموقف . كما يتجسد في اشاعة العنف والقتل من دون حساب , وفي التبشير ببدائل للنظم والسلطات القائمة –لايقل بشاعة فيما تعد به من خلال الممارسة عن هذه النظم والسلطات المرفوضة والمطلوب تغييرها.
السبب الرابع- يتمثل في فشل التجارب التي حملت مع قيامها مطامح شعوب هذه البلدان في التغيير لصالح التقدم والتحرر والديمقراطية الاجتماعية . فهذه التجارب علي تعدد مدارسها – لم تستطع أن تحقق المطامح – برغم ماحققته من انجازات تختلف من حيث درجتها بين هذه التجربة وتلك . فالتجربة التي حملت اسم الليبرالية حاولت أن تقلد تقليد ا حرفيا الانظمة الرأسمالية في الغرب , ففشلت (النموج السوفيتي) , فسقطت قبل أن يسقط هذا النموذج في المركز الاساس .
والتجربة التي حاول أصحابها الدمج بين الليبرالية والاشتراكية اسقطت التجربتين الاخريين – ولنفس الاسباب – الموضوعية والذاتية التي تسبب الاغتراب عن الواقع والعجز عن القراءة الصحيحة لهذا الواقع والعجز عن استنباط الحلول الحقيقية التي تحافظ على الايجابي من الموروث وتأخذ من منجزات العصر ما يساعد على التقدم . فقد قدمت هذه التجارب الكثير من الوعود لشعوبها ولكنها مارست في الواقع سياسات كانت في معضمها وفي النتائج العملية التي انتهت اليها مختلفة حتى التناقض , أحيانا عن هذه الوعود . فلم تستطع أن تفي بما وعدت به . وفي دفاع أصحاب هذه التجارب عن انفسهم , ازاء ما أصاب تجاربهم من الفشل – حاولوا تحميل الفشل أما للافكار التي حملوها أو لعوامل خارجية . ولم يقدموا أي نقد حقيقي للذات باستثناء بعض الجهود المتفرقة والناقصة التي قامت بها بعض الاحزاب أو تصدى للقيام بها بعض الافراد على مسؤولياتهم الخاصة .ووفق اجتهاداتهم الخاصة . ولم يقدموا كاحزاب وحركات ومسؤولين بمراجعات حقيقية لمعرفة الاسباب التي أدت الى هذا الفشل , ماهو عائد للظروف الموضوعية الداخلية والخارجية وماهو عائد لهم بالذات . واخطر مافي هذه المحاولات والتجارب ما ارتبط بالتجربة الاشتراكية نظرا لكونها أكثر علمية ولكونها حملت في بلدانها وعلى الصعيد الكوني أحلام ومطامح حقيقية للتقدم والسعادة للبشر. في محاولة هي الاولى من نوعها في تاريخ العالم ترمي الى جعل الانسان يتحكم بمصيره من دون وسائط وعوائق وضد اي منها مما هو مادي قائم أو غيبي ميتافيزيقي مفتعل . وقد أدى هذا الفشل ومارافقه من قمع هنا وهناك ومن تراجعات هنا وهناك في الفكر والسياسة والاقتصاد وفي العلم والمعرفة وفي مجالات أخرى الى خلق حالات متفاقمة من اليأس والاحباط ومن أشكال متعددة من الهروب الى الامام أو الى الوراء في ان . ومانشهده من حالات الرفض أو العنف الذي يقترن باسم بعض الحركات الاسلامية .
السبب الخامس- يتمثل في عجز الانظمة جميعها عن التعامل المبدئي والعملي مع القضية القومية المتمثلة في قضية فلسطين والنضال لتحريرها والمتمثلة في المشاريع التي قدمت لتحقيق الوحدة العربية والمتمثلة في السعي لتحرير الثروات القومية من هيمنة الداخل – السلطات القائمة وانظمة الحكم واشكال الدولة الاستبدادية واجراءات القمع لكل أنواع الحريات الفردية والعامة – واغفال مشاكل البلاد والناس والعجز عن حلها ضمن المشكلة الاساس وهي المصدر الاساس لكل هذه الظاهرات ولذلك فأن هذه الظاهرات والاسباب التي أدت الى بروزها تتطلب منا أن نراها بوضوح ايجابا أو سلبا , وعلينا في الوقت نفسه ان نرى أن هذه الصفحات الدموية هي تجسيد حي لصراعات سياسية في فترة تاريخية من أجل السلطة , في اطار العلاقات الاقطاعية التي ولدت نظاما امبراطوريا وجدت في الفكر الديني غايته لتبرير حكمه وبطشه ومركزيته وقمعه وارهابه فالامر يتعلق بمسألة كيفية استخدام الدين ووضيفته في المجتمع). ,
أسباب الارهاب بشكل عام ودوافعه(21)
لقد وعت منظمة الامم المتحدة لظاهرة العنف السياسي منذ حوالي عقدين من الزمن , ووعت تعقيدات هذا الموضوع وتداخلاته مع القضايا السياسية المعاصرة . وقدم الامين العام السابق للمنظمة الدكتور كورت فالدهايم تقريرا مفصلا حول هذا الموضوع الى الجمعية العامة للامم المتحدة اعترف فيه بأن قضية الارهاب صغبة الحل شديدة التعقيد . وقد اتهم فالدهايم الدول الكبرى بأنها تتحمل القسط الاكبر من مسءولية تفشي ظاهرة الارهاب التي تهز العالم , وذكر عدة أسباب لعل أبرزها ...
-1 ممارسة حق النقض في مجلس الامن الدولي , وتهاون الدول الكبرى عن القيام بواجباتها مما ادى الى عجز الامم المتحدة عن تحقيق أهدافها المحددة في ميثاقها وفي شرعة حقوق الانسان.
2- ان تواطئ الدول الكبرى وتميزها أدى الى فشل المنظمة الدولية في تحقيق التعاون الدولي وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بين دول العالم
3- ان اغتصاب الشعوب المستضعفة الحق بها ظلما وحرمانا أخفقت الامم المتحدة في التعويض عنه.
وأكد فالدهايم بعد ذلك على أمرين أساسيين .. الامر الاول هو أنه اذا كانت هناك أعمال ارهابية تستحق العقاب , فأن هناك أعمالا أخرى ترتبط بقضايا سياسية واجتماعية نابعة من المظالم التي تعاني منها بعض الشعوب المقهورة . والامر الثاني هو أنه اذا كان لابد من القضاء على الارهاب فأنه يتحتم التعرف على مسبباته أولا , وكل محاولة للعلاج تتجاهل الاسباب الجوهرية لن تكون ذات فائدة .
وقد حددت اللجنة الخاصة للارهاب الدولي التابعة للجمعية العامة للامم المتحدة في تقريرها المؤرخ في فبراير 1979 م أسبابا سياسية واقتصادية واجتماعية للارهاب كما يلي
الف- من الاسباب السياسية
--- انعدام الديمقراطية السياسية والاجتماعية .
-- سيطرة دولة على دولة اخرى (الاستعمار).
-- التمييز العنصري .
-- استخدام القوة ضد الدول الضعيفة .
--- التدخل في الشؤون الداخلية لدول اخرى .
--- الاحتلال الاجنبي (كليا أو جزئيا)
-- ممارسة القمع والعنف للتهجير او للسيطرة على شعب معين
باء- الاسباب الاقتصادية
-- عدم التوازن في النظام الاقتصادي العالمي.
-- الاستغلال الاجنبي للموارد الطبيعية للدول النامية .
جيم -- من الاسباب الاجتماعية
-- انتهاك حقوق الانسان ( بالتعذيب أو السجن أو الانتقام ).
-- الجوع والحرمان والبؤس والجهل .
-- تجاهل معاناة شعب مايتعرض للاضطهاد .
-- تدمير البيئة.
نحو رؤية متجددة للدين
الدين ظاهرة اجتماعية تاريخية , وهي قد ولدت مع الانسان منذ فجر التاريخ , وشكلت وعيه الاول . ان عمر الاديان السماوية يزيد على ثلاثة الاف سنة , لكن الوعي الديني أبعد من ذلك بالاف السنين . وقد شكل الدين ملاذا للبشر في مواجهة أسئلة صعبة ومحيرة , من جهة لاتجد أجوبة عنها الا في الغيب , واسئلة سهلة من جهة ثانية , يمكن الاجابة عليها عندما تتوفر الشروط لذلك .أما الموقف الماركسي من الدين كظاهرة اجتماعية في بلداننا فهو يشكل المسألة الاكثر تعقيدا , بالنظر الى كون موقف الماركسية منه قد نقل بشكل مشوه وانتقائي , والتقى موضوعيا , هذا التشويه للماركسية والتاثير السلبي الذي احدثه في الموقف منها , وانكفاء الناس بفعل ذلك مع مواقف الرجعية المحلية والخارجية . ومع موقف ممثلي التيارات الدينية الرجعية . وفي الحقيقة ان الماركسية لاتعادي الدين كدين , بل تعادي استخدامه كأداة من أجل ابقاء الجماهير العمالية والفلاحية , ولاسيما في البلدان المتخلفة التي تضطهدها الامبريالية واحتكاراتها , في حالة دائمة من الخمول أسيرة الغيبيات بعيدة عن المشاركة الضرورية في النضال من أجل الدفاع عن مصالحها وازالة الاستثمار عن كاهلها(22).
( الدين أفيون الشعب ) كلمات منتقاة من نص مطول نسبيا لماركس في كتابه (مقدمة لنقد فلسفة الحق) يقول ماركس( ان العذاب الديني هو تعبير عن العذاب الفعلي , وهو في الوقت ذاته احتجاج على العذاب الفعلي , فالدين هو زفرة المخلوق المضطهد , وهو بمثابة القلب في عالم بلا قلب , والروح في أوضاع خلت من الروح , أنه افيون الشعب)(23) . ان قراءة متانية لهذا النص تظهر أن ماركس استخدم في النص تعبير افيون الشعب بعكس تعبير افيون الشعوب الشائع والمستخدم من قبل مريديه وخصومه , فهو قد نظر اليه بمثابة الافيون الذي يجعل الانسان يحلم بالغد المشرق وبذلك فهو بحاجة اليه كعزاء نفسي لكي يستطيع مواصلة الحياة.
وماينبغي التوقف عنده هو أن د حسين مروه قد امتلك رؤية للاسلام كانت من أولى المحاولات الماركسية , التي تنظر الى الدين عامة والاسلام خاصة , نظرة مادية تاريخية صحيحة , بعيدة عن التبسيط و الابتذال و (اليسارية) , التي لايعرف أصحابها الا( أن الدين أفيون الشعوب) . فالمنهجية الماركسية , المادية التاريخية , تنطلق , في تقييمها للدور الاجتماعي للايديولوجيا , من رصد مكانتها في التاريخ الاقتصادي – الاجتماعي , الحضاري عامة , في المرحلة الزمنية المعينة , وفي اطار التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية المعينة . ومن هذه الزاوية ترفض المادية التاريخية أي تعميمات ميتافيزيقية ( غير ديالكتيكية , غير تاريخية ) , كالقول الذي ينسب أحيانا الى الماركسية – أن الدين رجعي الجوهر فليس للدين , أو لاية ايديولوجية جوهر ثابت تقدمي أو رجعي بحد ذاته , ليس لها تاريخ خارج عن تاريخ المجتمع, وبهذا المعنى ليس لها جوهر . فأن تقدمية المذهب الايديولوجي أو رجعيته , في الفترة التاريخية المحددة , ترتبط بمدى اسهامه أو اعاقته في ترسيخ علاقات اقتصادية – اجتماعية أكثر تقدما بالقياس الى ماسبقها وليس بالمقارنة مع عصرنا أو في النضال ضد العلاقات البالية التي ولى عهدها.
ومن هنا فأن الاعتراف بتقدمية الدين على الصعيد الاجتماعي في مرحلة معينة من التاريخ أمر لايتناقض أبدا مع المادية الديالكتيكية والتاريخية ( برغم تعارضها المطلق مع العقائد الدينية على الصعيد المعرفي ). ولذا نجد ماركس وانجلس يتحدثان عن ثورية المسيحية الاولى , ويشيدان بدور الحركات الدينية في أوربا العصر الحديث ..
وفي رسالة لانجلس الى ماركس (حوالي 26-5-1853) تجري الاشارة الى ثورة محمد الدينية , وخلفيتها الحضارية , والى أن العرب , حينما كانوا يعيشون عيشة حضرية مستقرة كما هو الحال في المنطقة الغربية – الجنوبية , كانو شعبا متمدنا , كالمصريين والاشوريين وغيرهم , فتدل على ذلك منشأإتهم المعمارية . وهذا يفسر الكثير من الفتح الاسلامي(24) . ومن هذه الزاوية ينظر د حسين مروه الى الاسلام وظهوره ( فأن الاسلام , بفضل خروجه بالعرب الى عالم ماوراء شبه الجزيرة ,قد نهض بدوره العظيم في دفع عملية التطور الاقتصادي –الاجتماعي لمجتمعات اسيوية وافريقية واوربية عدة )(25) . هذا على الصعيد التاريخي – العالمي . وعلى مستوى الجزيرة العربية نفسها , موطن الاسلام , ترتبط تقدمية الاسلام وثوريته بأنه , أولا , قد أعلن سلوكيا وشرعيا , أنه يقف الى جانب الكادحين والمعدمين ممن يكسبون قوتهم اليومي من الرعي أو الخدمة في القوافل أو التعامل الجزئي مع التجارة بالمفرد , وذلك في مواجهة فريق أولئك التجار الكبار والمرابين وزعماء القبائل المتعاملين مباشرة مع زعامة قريش , كما وترتبط ثورية الاسلام , ثانيا بأنه سيكون صاحب الفعل الاكبر في دفع حركة التغيير لصالح التقدم , أي لصالح العملية التاريخية التي كانت تتجه الى نقلة في العلاقات الاجتماعية من شكلها القبلي البدائي الى شكل ما اخر يعدوه في سلم التطور والتقدم (26). وبالاتفاق مع ذلك الواقع جاءت المبادئ الاسلامية الاساسية العامة التي تنهض عليها البنية الكلية لفكر الاسلام , والتي اعتمدتها القوى المعارضة للايديولوجية السلطوية سلاحا تقدميا في مواجهتها , وهي مبادئ تناقض الاستبداد والظلم الاجتماعي والفردي كليهما وذات وجهة اجتماعية من حيث الاساس , تعني أنها تضع الاولوية لمصلحة المجتمع ككل , وترمي الى توفير القاعدة المادية لسيطرة حكم العدالة الاجتماعية فوق كل سيطرة واقعة أو محتملة( 27)...الخ.

الاستنتاجات والتوصيات
-1 أن المصدر الاصلي للارهاب هو النظام الرأسمالي المعولم الذي يتعمق طابعه المتوحش ويزداد ميله لتجاوز الحدود القومية , ويمهد لالغاء أو أضعاف دور الدول القومية , حتى في أكثر البلدان تقدما بين البلدان الرأسمالية . ولكن من الضروري لنا كشعوب مضطهدة أن نفرق في موضوع العولمة بين ماتعبر عنه هذه التحولات من ميل موضوعي لتوحد العالم , هذا من ناحية ومن ناحية ثانية , مايعبر عنه طابعها الاستغلالي من اخطار تهدد البشرية في حاضرها وفي مستقبلها وتهدد الدول الضعيفة التطور , وتهدد فقراء العالم من كل الفئات من جراء هذا التوحش, لكي نستوعب أن العولمة بطابعها الاستغلالي ليس قدر محتم على الشعوب وبالتالي ينبغي مواجهتها بعولمة أنسانية , فبما أن الرأسمال عالمي وهجومه عالمي فينبغي مواجهة التحدي هي الاخرى ذات نطاق عالمي .
2- المصدر الاخر للارهاب يتمثل في النظم الاستبدادية المدعومة من تكتلات طائفية وحزبية وعشائرية والتي تتعارض بصورة مطلقة مع اي مظهر من مظاهر الديمقراطية وتقيد الحريات وتسلب الافراد والجماعات حقوقهم السياسية والاجتماعية . هذه الانظمة تكون مؤهلة بطبيعتها لان تولد كل اشكال الاعتراض عليها , وفي ظل ضعف الوعي وغياب الحركات الديمقراطية الفاعلة على الساحة السياسية , فأن اشكال الرفض لهذه الانظمة ولكل الواقع القائم تصبح ذو طابع عشوائي ومدمر , وهذا يفسر ظهور الحركات الاصولية ذات الطابع التدميري, كرد فعل على هذه الاوضاع.
3- أن تهميش المجتمعات العربية في المنظومة العالمية الجديدة , يتجلى بدوره في غياب ارضيات حقيقية يمكن انطلاق النضال منها , ذلك لان التهميش في الاطار العالمي ينتج تهميشا على صعيد داخلي . ان الاغلبية المتزايدة من قوى العمل لاتنخرط في مؤسسات انتاجية ذات شأن , فالعامل لايستطيع أن يناضل من اجل تحسين اموره في الانتاج وسجد وشائل معيشته في الاندراج في تلك الاعمال التي سميت غير شكلية وهي ذات طابع غير مستقر , وهذه الظروف تهيأ الجماهير لقبول سيادة السوق ,كما تغذي البحث عن الحلول الفردية لتحل محل العمل الجماعي . وهذه الاوضاع هي المسؤلة عن ظاهرة عامة في جميع اقطار العالم المهمش , وهي هجرة النضال من ارضية الواقع الاجتماعي الغائبة الى سماوات البديل المطلق ذي الطلبع الثقافوي أو الديني( 28) وهذا مايفسر اتجاه الشباب الثائر الى الاسلام السياسي.
4- لابد من رفع الاضطهاد عن تراثنا العربي الاسلامي , ذلك الاضطهاد الذي لحق به في ظروف الارهاب الفكري الظلامي في مراحل من التاريخ العربي والاسلامي او في ظروف قمع الاستشراق الغربي له ومحاولات طمسه وتشويهه – هذا الاضطهاد يعاد انتاجه من جديد اليوم من قبل قوى التخلف الظلام . وضرورة العمل الجاد الواعي لاعادة الاعتبار لماهو حي بالفعل من عناصره وكشف الصلة المطموسة فيه , بين ماضينا والحاضر لاثبات الاصالة في ثقافتنا الوطنية المعاصرة.
5- أن اعادة بناء القوى الشعبية الديمقراطية على الساحة , هي نقطة الانطلاق الضرورية التي لامفر منها , فلن يكون هناك حل للازمة الطاحنة التي يمر بها عالمنا الا بتوحيد جهود جميع المتضررين والمضطهدين في مواجهة النظام العالمي الجديد أي لابد من التحرر من وصفات الليبرالية الجديدة وأوهام الرفض الفاشي لها , وتحقيق البديل الانساني الديمقراطي.
الهوامش
-1 حوزيف بشاره- معضلة الارهاب الديني – موقع ناقد
2- د هادي محمود – التوضيف السياسي للفكر الديني – مطبعة دار الرواد المزهرة – بغداد ص16-17
3- د خالد عبيدات – ظاهرة الارهاب – محاضرة نشرت في صحيفة الرأي الاردنية في عددها الصادر 26-11-1979 ص44
4- جيمز أدمز – تمويل الارهاب الدولي - شركة سيمون ويشستر ( بالانكليزية نيويورك 1986 ص 10
5- المصدر نفسه ص 8
6- محمد السماك – الارهاب والعنف السياسي – دار النفائس للطباعة والنشر – بيروت 1992 ص31
7- سليم قرحالي – مفهوم الارهاب في القانون الدولي – بحث مقدم لنيل الماجستير للعام الدراسي 88-89 جامعة الجزائر ص 16.
8- مصدر سابق ص 19
9- نصر شمالي – النظام المرابي العالمي – مجموعة باحثين – دار المستقبل – دمشق –ط1 1991 ص 65
10- تيري ايجلتون – الارهاب المقدس – ترجمة اسامه اسبر –بدايات للطباعة والنشر – سوريه –دمشق ط1 2007 ص 6-7
11- احمد يوسف التل - الارهاب في العالمين العربي والغربي – دار المكتبة الوطنية ط1 1998 عمان ص
12- الطبري – تاريخ الطبري ج 2 ص 232
13- نفس المصدر ص 234
14- هادي العلوي –خلاصات في السياسة والفكر السياسي في الاسلام -دار المدى للثقافة والنشر –ط4 2004 ص52
15- مصدر سابق ص 40
16- مصدر سابق ص 105
17- مصدر سابق ص 40
18- جواد علي –الفصل في تاريخ العرب –ج 1 المقدمة.
19- انيس صايغ – تطور المفهوم القومي عند العرب - دار الطليعة ص 11
20- د كريم مروه – حوار الايديولوجيات –دار الفارابي بيروت- ط1 1997 ص31-36
21- محمد عبد العزيز اسماعيل – الارهاب والارهابيون –مطبعة الحسيني الحديثة – الاحساء 1994 ص82
22- د كريم مروه- كريم مروه يتذكر بمايشبه السيرة- دار المدى –دمشق -1 2002 ص157
23- مصدر سابق ص 7
24- ماركس وانجلس – المؤلفات –(بالروسية) –المجلد 28- ص 17
25- د حسين مروه – مقدمات اساسية لدراسة الاسلام –بيروت 1980 ص 17
26- المصدر السابق ص 14
27- المصدر السابق ص 28
28- د سمير امين – في مواجهة أزمة عصرنا – سينا للنشر ط1 1997 ص 287-288 .