من أين تبدأ الديمقراطية؟ قراءة في تجربة حزب الوفد المصري


رياض الأسدي
2010 / 5 / 30 - 07:32     

الديمقراطية ليست مجرد انتخابات وتعددية وبرلمان وأحزاب وتداول سلمي للسلطة، هذه مظاهر وآليات ضرورية للديمقراطية، لكن الديمقراطية في مضمونها النهائي تربية وثقافة اجتماعية وسياسية قبل أي شيء آخر، مثلما هي احترام للرأي المغاير واستبعاد دائم للعنف بكل صوره وأشكاله. وهذا ما لا يدركه كثير من سياسي العراق الحاليين المصابين بمرض المراهقة السياسية الشهير كما شخصه لينين قبل مائة عام تقريبا.
وحزب الوفد المصري كان قد بدأ مما عرف بحركة (التوكيلات) التي منحت الزعيم السياسي الليبرالي سعد زغلول مئات آلاف التواقيع للحديث باسم شعب مصر في بداية القرن الماضي. وهكذا سافر سعد زغلول بوفد للدفاع عن الشعب المصري إلى باريس وفرساي لعرض مطالبهم الوطنية في الحرية والاستقلال وخاصة بغد ثورة 1919 المعروفة التي سجل بها المصريون أروع المثل في الكفاح الوطني. استطاع سعد زغلول أن يعرض مظلمة الشعب المصري دون ان يوقع على وعد بلفور كما فعل الامير فيصل بن الحسين!
ومن هنا جاء أسم حزب الوفد تاريخيا وسجل أسم الوفديين بأحرف من نور. تقول فطيم العمشه وهي عراقية فقدت أولادها الأربعة في حروب صدام: مادمنا نحن العراقيين واقعون تحت الاحتلال فهل نحتاج إلى حركة توكيلات الآن؟ وهل يمكننا ان نؤسس وفدا للاميركان نطالبهم فيه بترك بلادنا ونفطنا وشاننا الداخلي والخارجي؟ وهل سيظهر فينا رجل مثل سعد زغلول باشا؟ أو مثل مصطفى النحاس؟ ربما من يدري فأرض العراق حبلى بكلّ شيء.
- ها خاله فطيم أشو هلأيام تحكين بالعمق..؟ صايره ليبراليه؟
- لا والله بس أفكر..
- وين وصل بيك الفكر؟
- وصل للسيدة اجلال هاني!
- هاي منو بعد؟
- وفديه لم تحصل إلا على ثلاث أصوات في الانتخابات.
- عودين ليييش؟
- لا يزال دور المرأة مغيبا بالسياسة.
- المهم المشاركة والتحدي.
لكن هذا الحزب الليبرالي القديم كان قد حلّ في عام 1953 في إثر الانقلاب العسكري في 23يوليو/تموز1952 وتلك كانت البداية البائسة للعسكرتاريا العربية المعاصرة. لكن الوفد عاد إلى العمل السياسي في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. ورغم إن هذا الحزب لم يحقق نجاحا واضحا كما هو الحال في معظم الأحزاب التاريخية في العالم العربي، لكنه واصل العمل السياسي الجاد في هذه الأيام وقام بتجربة سياسية مهمة تتعلق بحياته الداخلية حيث جرت انتخابات ساخنة بين شخصيتين سياسيتين فيه هما الدكتور محمود أباظة رئيس الحزب ومنافسه الدكتور السيد البدوي فنتج عن تلك الانتخابات للجمعية العمومية للوفد والبالغ أعضاؤها 2200 شخصا -اشترك 1500 منهم - حيث فاز السيد البدوي برئاسة الحزب بفارق أكثر من ثلاثمائة صوت. وكونت هذه التجربة بداية مهمة لضرورة الديمقراطية في حياة الأحزاب الداخلية، فلا يمكننا أن نتصور حزبا لا يمارس الديمقراطية في داخله يمكنه أن يكون ديمقراطيا بعد فوزه بالسلطة لأن فاقد الشيء لا يعطيه أبدا.
ومن اللافت للنظر هو هذه الأريحية بين الرئيس السابق والرئيس الحالي حيث هنأ الخاسر الفائز ظهر الجميع يدا بيد الفائزون والخاسرون على حدّ سواء. ولم يدر الخاسر ظهره ويذهب إلى الانشقاق أو يؤسس حزبا جديدا! كما هو عليه الحال في العديد من الحالات السياسية لدينا. فمهما حاول السياسي الديكتاتوري الآتي من رحم مركزية سياسية مصطنعة أن يظهر أشياء مزيفة من هنا وهناك: إن هي إلا مكياج بائس لن يلبث طويلا حتى يسيل على وجهه الديكتاتوري الاصيل الكالح حتما فشمس الحرية حارقة مزيلة لجميع المكياجات والأصباغ مهما حاول البعض أن يظهر مدى ثباتها.
والديمقراطيون والاحزاب الديمقراطية يعيشونها ويمارسونها ويقبلون بها حتى وإن جاءت نتائجها في غير صالحهم. اما الديمقراطية هنا لدينا في العراق فإن الضد هو الصحيح دائما فمعظم الاحزاب لم تمارسها في حياتها الداخلية بل إن بعضها يحسبها مجرد آليات للوصول إلى السلطة فحسب. ولذلك ما ان يتضايق الواحد من هؤلاء السياسيين (الكبار) بشيء حتى يلوح إما بالحرب الاهلية او الفوضى وكلا الحالتين ألعن الواحدة من أختها. لماذا يفعلون ذلك؟ تقول فطيم العمشه: لأنهم لم يتعلموا الديمقراطية على أصولها بعد!
- وما أصول الديمقراطية عيني فطم؟
- أن تكون ديمقراطيا من الجلد إلى الجلد!
- يعني شنو؟!
- تقول آني وآني تريد أعلمك!
وكان السينارست الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة الذي توفي قبل أيام ونعته جميع قلاع الثقافة العربية من اليمين واليسار قد كتب مقالة حارة في جريدة الأهرام نعى فيها نفسه والأوضاع السياسية المزرية التي وصلتها مصر وخاصة غياب دورها الإقليمي التاريخي قبل رحيله، ثم دعا إلى التفاف المصريين حول الوفد لأنه آخر ما تبقى من ليبرالية في تلك البلاد العريقة برأيه.
تقول فطيم العمشه: لم يمت أسامة انور عكاشة ابدا الذين ماتوا هم أولئك الذين راهنوا ويراهنون على موت مصر! وسيموت أيضا جميع اولئك السياسيين – باعة الفستق- الذين يراهنون على موت أو تقسيم العراق.. موهششكل؟