ديمقراطية الوقت الضائع


طلال احمد سعيد
2010 / 5 / 19 - 16:01     


بداية الشهر الحالي جرت الانتخابات البريطانيه وانتهت بكل هدوء وظهرت نتاءجها بعد 24 ساعه ولم يتقدم طاعن ولامطعون بها وقد افرزت النتائج فوز حزب المحافظين بنسبة قليلة يليه حزب العمال ثم حزب الديمقراطيين الاحرار الذي جاء بالمركز الثالث يضاف الى ذلك فوز عدد من المستقلين وبعد اربعه ايام خرج رئيس الوزراء كوردن براون من مقر رئاسة الوزراء ترافقه زوجته وولديه مشيا على الاقدام بعد ان قدم استقالته من رئاسة الوزارة ومن رئاسة حزب العمال البريطاني . وبعين الوقت اعلن الفائز الاول ديفيد كاميرون رئيس حزب المحافظين عن شروعه بتشكيل الوزارة الجديدة مع حليفه رئيس حزب الديمقراطين الاحرار الذي كان بالامس خصما له اثناء المعركة الانتخابية .
هذه الديمقراطية المثالية لانأمل نحن العراقيون ان نرقى اليها غير اننا نطالب بتطبيق الحد الادنى من تلك المثل والاعراف فالانتخابات النيابية جرت في العراق يوم 7-3-2010 وانطلقت قبل ذلك شعارات الكتل والاحزاب المتنافسة والتي شاركت في المعركة الانتخابية وجميعها تمحورت حول شعاريين اساسيين هما التغيير والمواطنه ونبذ الطائفية وسياسة المحاصصة .
افرزت الانتخابات العراقية فوز اربعة كتل رئيسية فيها تتقدمها القائمة العراقية وكانت نتائج الانتخابات شبيهه بما افرزته الانتخابات البريطانيه غير ان المسيرة التي اعقبت اعلان النتائج كانت مغايرة تماما فسرعان ماطعنت قائمة دولة القانون الحاكمة بتلك النتائج وقالت انها مزورة ’ وهو موقف يدعو الى التعجب عندما يصدر من قائمة السلطة الحكومية لذلك فكان واضحا منذ البداية ان قائمة دولة القانون تهدف من وراء الطعن تأخير انعقاد مجلس النواب الجديد قبل الوصول الى ترتيبات من شأنها ان تبعد القائمة الفائزة عن تشكيل الوزارة القادمة وكان لها ذلك عندما انتزعت قرارا من المحكمة الاتحادية حول احقية الكتل الاكبر في تشكيل الوزارة وعلى ضوء ذلك عقد اتفاق بين الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون وهو اتفاق هش يحمل بصمات طائفية .
من خلال عملية العد والفرز اليدوي توقعت دولة القانون ان تحصل على المزيد من المقاعد كي تكون هي المتغلبة على القائمة العراقية وهذا هو بالضبط الهدف الرئيسي من الطعن المقدم . لقد كانت حصيلة الطعن في الانتخابات وعملية العد الفرز اليدوي تأخير للعملية الانتخابية بلغ حوالي ثلاثين يوما وجاءت النتيجة مطابقة لما اعلنته المفوضية المستقلة يوم 26-3-2010 وبذلك تكون حجة قائمة دولة القانون قد سقطت . ومن الملاحظ ان الحرص الذي ابداه السيد رئيس الوزراء على سلامة صوت المواطن العراقي لم يكن مقنعا لان حقوق هذا المواطن تنتهك يوميا في كل المجالات وعلى كل الاصعدة , هذا من ناحية ومن الناحية الاخرى فان العملية كلفت البلاد ثلاثة مليارات من الدنانير هدرت دون سبب في الوقت الذي يعيش فيه ملايين العراقيين تحت خط الفقر وهم احوج مايكونوا الى تلك الاموال التي ذهبت دون سبب معقول .
مما لاشك فيه ان اكثر الثوابت اهمية هو الاعتراف بشرعيه الانتخابات اعتمادا على الشهادات الصادرة من جهات دولية تؤيد ذلك لذا فأن القبول بالنتائج هو من اولويات العملية الديمقراطية بصرف النظر عن كل ما اثير حولها من ملاحظات لم تكن لها قيمة تذكر , ومن هنا نخرج بنتيجة مهمة هي ان الذي اخر صدور النتائج واجل انعقاد البرلمان الجديد يتحمل كامل المسؤولية عما سيترتب على التاخير من اضرار للعملية السياسية في البلاد .
لعل من الثوابت التي ينبغي التاكيد عليها دوما هي ان العراق يخوض معركة مع الزمن فالوقت هنا له اهمية قصوى وان اضاعته من اخطر مايواجهه الشأن الداخلي الان فأن السمات الاساسية للازمة العراقية مازالت قائمة منذ سقوط النظام فالامن مفقود والاقتصاد مهشم والخدمات غائبة والفساد مستشري والبطالة متفاقمة والفوضى عارمة والطائفية متأصلة والمجتمع متشظي والوطنيه تحتضر والسؤال اين نحن الان ؟؟ . اذا اخذنا بلحسبان الوقت الذي ضاع منذ اعلان نتائج الانتخابات في 26-3-2010 واضفنا اليه الخطوات الدستورية المطلوبة لعقد مجلس النواب واختيار رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فأن تلك العملية سوف لن تنتهي قبل بداية شهر ايلول القادم وهذا يعني اننا نبقى سته اشهر بدون سلطة تشريعيه وان السلطة التنفيذية الحالية هي لتمشية الاعمال وهو امر لايوافق القائمون عليها والمثال العراقي نادر الحصول حيث ليس من المعقول ان تستغرق عملية الانتخابات واختيار المناصب السيادية كل هذه الشهور .
الكل يدرك ان مصلحة الوطن فوق الجميع وان وضع العراق الهش يجب ان لايستمر والعراق الذي كان يشكل ثقلا كبيرا بين دول المنطقة ينبغي ان يعود الى ذلك الموقع . ومن المؤسف ان الاخبارتحمل لنا كل يوم مايفيد بان هناك من يتجاوز على هذا البلد العريق فحادثة حجز الطائرة العراقية في مطار لندن ليست ببعيدة والانباء التي تفيد بان الكويت خصصت مبالغ كبيرة لتحويل مياه نهر دجلة في سوريا لغرض ارواء اكثر من ميتين هكتار من الاراضي الزراعيه هناك لاغراض استثمارية كل ذلك يجب الوقوف عنده لمعالجة وضع العراق الحالي بما يتطلبة من القوة والحزم . اما الحالة الامنيه فنحن في وضع لانحسد عليه والعراق صار مليئا بعصابات الارهاب والقتل والاغتصاب والسرقة وغيرها والخارجون عن القانون يتحركون بكامل حريتهم لممارسة كل مامن شأنه ان يخل بأمن الوطن .
الخلافات بين الكتل الفائزة يجب ان لاتكون عائقا امام احراز تقدم باهر خلال السنوات الاربع القادمة بشرط ان يحترم الجميع الخيار الديمقراطي العلماني الذي قرره شعب العراق بالاغلبية . الوضع العام في البلاد يتطلب جهدا اضافيا متواصلا للنهوض في كل المرافق بلا استثناء فالشعب العراقي سئم الوضع الذي يعيش في ظله وهو ينظر الى مستقبل افضل وباقصى مايمكن من السرعه .
ان انعقاد مجلس النواب وتشكيل المنظمات الدستورية والوزارة مسألة عاجلة ولاتتحمل اضاعه في الوقت ولاتتطلب هذا السيل المتواصل يوميا من التصريحات والتصريحات المضادة والاجتهادات والتحليلات السياسية الجوفاء . الشعب العراقي يريد انجازا حاسما واكيدا وبفترة قياسية لذلك فأن على من يتولى المسؤولية القادمة ان يكون مدركا جيدا لعظم تلك المسؤولية ومتفهما لما يعنيه شعار الشعب هو مصدر السلطات .