العواصم الثقافية.. من يعصمها من عاصفة الحقيقة؟


حسب الله يحيى
2010 / 5 / 19 - 09:47     

العواصم الثقافية.. من يعصمها من عاصفة الحقيقة؟
حسب الله يحيى
لايمر اسبوع واحد من دون ان تعلن وزارة الثقافة، انها اختارت احدى المدن العراقية.. عاصمة للثقافة، في وقت نعرف فيه ان هذه المدينة التي يجري اختيارها عاصمة للثقافة، لاتصلح ان تكون مقهى شعبيا يضم خمسة مقاعد صالحة للجلوس ويمكن لهم الحصول على جريدة يومية يقرأونها، ولاقدح من الماء النظيف يروون به ظمأهم منه، ولاقدح من شاي الحصة التموينية صالح للاستخدام البشري وقرص من الاسبرين يعالجون به صداعهم لم يفت اوان استعماله صحيا..!
وزارة الثقافة.. اختارت ان تسافر باستمرار، ولملاكها حق السفر لمدة 360 يوما في السنة برفقة من يشاؤون.. لاقامة وليمة عشاء فاخرة على شرف اسبوع ثقافي بائس ليس بوسع اصحابه مخاطبة العراقيين في الداخل.. بسبب فقره وهامشيته وعدم وجود العناصر الكفء القادرة على تقديم فعالياته..
ولاعلينا من التصريحات الطرية ولا اللقاءات الحميمة ولا الاخبار التي صدرت من اجلها مجلات وصحف الوزارة التي يتولى رئاسة تحريرها المدراء العامون انفسهم من دون ان يعرفوا لغة وطبيعة مجلاتهم فضلا عن عدم قدرتهم على الكتابة فيها.
لاعلينا من مهرجانات، وتكريمات، ومسرحيات، ومعارض يتم الاعلان عنها.. ذلك ان حقيقة كل ما يعلن عنه وارد لاغراض دعائية.. اما محتوى وجدية ما يتم الاعلان عنه فلا تكتب عنه اية ملاحظة.. فعدد من (الزملاء) الذين يغطون تلك (النشاطات) يقبضون المقسوم ويسكتون.. وكفى الوزارة شر النقد والنقاد والحساد.
ولان كل المنابر الصحفية والفضائيات.. اختارت السكوت عن هذا الواقع الثقافي المتردي الذي يضم الاف الموظفين العاطلين عن اداء اي عمل في الوزارة، وجدناها تمضي في مسارها السلبي.. ساخرة ومهمشة ومتغافلة عن الثقافة والمثقفين بشكل كلي.. في وقت يمكن فيه ان تكون وزارة الثقافة.. الوزارة الاهم في العراق اليوم وذلك بسبب الدور الثقافي والفكري والابداعي الذي يمكن ان تلعبه في ظل الصراعات السياسية التي تعصف بالبلاد راهنا..
ولعل العبارة الممتازة والموجعة والصادقة والنبيلة التي تحدث بها احد الطلبة المسيحيين مؤخرا ممن طالتهم اعمال القتل والعنف والدمار والتهجير من قبل العناصر الاجرامية المعتمة.. والتي جاء فيها: (نريد ان نعلم ابناء هؤلاء الارهابيين.. لغة المحبة والسلام والوئام، ليكون ردنا الصحيح والسليم عليهم) اجمل واكثر تأثيرا وفاعلية من كل انجازات وزارة الثقافة وعلى مدى سبع سنوات من هذه (النشاطات) الهامشية العرجاء.
واذ نضع هذه العبارة امام المسؤولين في وزارة الثقافة.. لانحمل معنا نقمة او عداء لاحد، ولانضع انفسنا بديلا وظيفيا لاحد.. فليس هذا ما نطمح اليه وانما نوجه ونقترح ونمني انفسنا بثقافة حقيقية ترى وتعمل بدأب واخلاص لنشر قيم الفضيلة والسلام والتسامح والمحبة، وفضح اساليب قهر الانسان وادانة الفساد والعمل على اصلاح جذري من جميع مفاصل الوزارة.. والاستعانة بالخبرات الثقافية المعروفة بكفاءاتها ورصانتها ونزاهتها وقدراتها وتجاربها في تحقيق ثقافة وطنية رفيعة المستوى.
اما ان يتم بناء (بيوت ثقافية) في المحافظات بلا ثقافة، او (اسابيع ثقافية) لاغراض تتعلق بالايفادات والمكاسب المالية والترويح عن النفوس.. او اقامة مهرجانات مسرحية وسينمائية والعراق كله بلا دار واحدة للسينما.. ولا قاعات للمسرح باستثناء (المسرح الوطني) في بغداد والذي صار يؤجر بمليون وربع المليون دينار يوميا.. ولاتعرض فيه الا اعمال عدد من شباب المسرح وليوم واحد في وقت يغيب فيه رواد المسرح واساتذته الكبار..
او معرض يعاد كل شهرين ومجلات وصحف وزارة.. مجهولة الهوية مكدسة في المخازن.. فهذا كله لا يشكل ثقافة وطنية حقيقية.. ولايمكن ان يجعل من بغداد الحضارة والعطاء.. عاصمة للثقافة.. في ظل معطيات كهذه مفرغة من المحتوى.
ان وزارة الثقافة مدعوة لتفعيل دورها الحقيقي في بناء ثقافة حقة بعيدا عن تهميش اعلام الثقافة والخطاب الثقافي الرصين.
ولابد من الالتفات اليها من قبل اعلى الجهات المعنية في البلاد.. على الرغم من كل الصعاب والمشاغل والازمات الراهنة في العراق.. فحسبنا ان ما يجري حاليا.. يعد فراغا ثقافيا اكثر منه فراغا سياسيا وواقعا امنيا هشا وازمات معيشية وخدمية تمر بالعراقيين اليوم.. ذلك ان مرجع كل ما يجري من سلبيات.. مصدره وجذره ونبعه من بذرة ثقافية ونبت ثقافي غائب..
من هذا المنطلق.. ندعو الى تفعيل الدور الثقافي العراقي بدءا بوزارة الثقافة وجميع مفاصلها وصولا الى كل مرفق من مرافق الحياة العراقية برمتها.. وصولا الى حياة عراقية امنة ومشرقة ومزدهرة.