دائرة المفتش الثقافي العام: من مهمة رصد الفساد .. الى التغافل عنه


حسب الله يحيى
2010 / 5 / 7 - 15:15     

الى اين تتجه وزارة الثقافة والى أي هدف تريد الوصول؟
وهل نبقي على مديريات معطلة عن العمل، ولا تقدم الواحدة منها سوى احتفالية موسيقية سنوية، او معرضاً تشكيلياً تتكرر لوحاته في كل فصل، أو مجلة بلا هوية، او علاقات دائمة الخضرة مع الخارج، جافة متوترة مع الداخل، ام مديرية لا يعرف مديرها لغة خطابها، او براءة طفولة لا تبرىء كبارها من الغفلة او دائرة تؤجر مسرحها وتطرد فنانيها وترمم ادارتها، او مديرية ازياء لازي لها؟
لا نعرف من نخاطب في وزارة الثقافة.. هل نوجه كلامنا الى الوزارة الكائنة في شارع حيفا، أو الوزارة الكائنة في شارع فلسطين.
ومن ثم.. الى من نوجه شكوانا، ونعرف بالأخطاء الجسيمة التي باتت تقليداً تسير عليه هذه الوزارة منذ سبع سنوات عجاف.. ولا من حلول ولا انتباه ولا هم يكتبون ويندبون ويكشفون..؟
كان الأمل يشكل نقطة ضوء يمكن ان نتوجه اليها عبر دائرة المفتش العام في وزارة الثقافة، بوصفها دائرة الحق العام، الراصد للسلبيات، الذائد عن المال العام، النزيه، العفيف، الحريص، الأمين، اليقظ، الذي لا يأتيه الصدأ والخطأ لا من يمينه ولا من يساره.. لكننا فوجئنا بما لم نحسب له حساباً من قبل، ولا ندري مداه، ولا منطقه، ولا طبيعة عمله.. ذلك ان هذه الدائرة الرقابية التي تدقق وتفتش وتنظر في كل خفي وفي كل شائبة.. وقد تحولت الى دائرة تقيم المعارض التشكيلية، وتعرض مسرحية، وتكرم فنانات، وتعنى باليتامى والمساكين، وتبنى علاقات مع منظمات المجتمع المدني، وتحتفل على وفق ما تشاء .. ووقت تشاء، والصرف.. خزينة مفتوحة امام مشاريعها الغضة!!
اما مهمتها الرئيسة في تشخيص وتحديد ورصد الفساد الاداري والمالي في كل مديرية من مديريات هذه الوزارة، فقد غضت الطرف عنها، وكأن الأمر لا يعنيها ولا يمت اليها بصلة، وليس في صلب واجباتها والمسؤوليات المناطة بها!
لا يعنيها ابدا ان يصرح وكيل الوزارة للزميلة (الصباح الجديد) في 28/2/2010 قائلاً:
(اعلن امامكم بأني اسحب اعترافي بهذه الوزارة، وأود ان اكشف عن وجود عمليات تهريب لآثار العراق يقوم بها المدير العام للعلاقات الثقافية بتغطية الوزير) نصاً / كما لا يعنيها البحث عن اجابات تتعلق بصرفيات كل مكتب من مكاتب الوكلاء والمدراء، وكم صرفوا على الايفادات التي عمت كل بلدان العالم، وكم اسبوعاً اقاموا تحت مسوغ (الاسبوع الثقافي) هنا وهناك في وقت لا نجد سنة ثقافية واحدة يمكن ان نقر بوجود خطاب ثقافي واحد مقترن بها؟!
دائرة المفتش العام في وزارة الثقافة، باتت عبئاً آخر يضاف الى سلسلة الاعباء التي تنوء تحت ثقل اخطائها هذه الوزارة التي لم تقدم للثقافة والمثقفين اكثر من باقة ورد عطرة لمناسبة انتخابات اتحاد الادباء والكتاب في العراق.. أما ان كانت هذه الباقة ذابلة وعديمة العطر.. والألوان.. فلا شأن لها به.
يكفي انها قامت بدور دبلوماسي وعرف اجتماعي يتولى مهمة المشاركة في حفل سعيد او حزين..
أما ما يتجاوز هذا (العرف) فلا تعرفه هذه الوزارة وليس بوسع دائرة المفتش العام السؤال عن ثمن اكليل الورد هذا.
ان مهمة المفتش العام، مهمة تتعلق بتمثيل الحق العام والضمير الحي والراصد المخلص الامين لأرادة الثقافة والمثقفين في البلاد التي تجتاحها ثقافة العنف والجهل والفساد.. والتي لا تقابلها هذه الوزارة بخطاب نزيه ونقي وانساني معمق.. بل هي على العكس من ذلك تسهم مساهمة فعالة في تعميم كل ما ينم عن الجهل والفساد والعنف وذلك عن طريق هذا الجفاء الذي تزرعه بينها وبين كل ما هو حضاري ومتحضر ويتطلع الى حدائق الكلمات التي تشد الناس الى بعضها.
وبدلاً عن تشخيص الاخطاء والفساد في هذه الوزارة تقوم دائرة المفتش العام بما هو خارج اختصاصاتها ومسؤولياتها.. مهملة حقيقة وجود مديريات داخل الوزارة معنية بتغطية واقامة هذه النشاطات. وان هناك وزارة بكاملها معنية بالشوؤن الاجتماعية..
نعم .. يمكن لهذه الدائرة ان تتولى الايعاز بثقافة وقائية يمكن لوزارة الثقافة القيام بها للحد من الفساد الذي يعصف بالبلاد كلها.. وهو توجه نبيل وجدير بالاهتمام.. شرط ان لا يكون على حساب اغفال عيون الرصد عن كل حقوق المجتمع التي تهدر في السر والعلن.. وعبر هذه الملاحظات الموجزة.. لا نريد ان نكون اوصياء ولا نعطي تعليمات لدائرة المفتش العام فتلك امور تحددها القوانين التي سوغت انشاء مثل هذه الدوائر.. وانما نتوجه بهذه الملاحظات، مساهمة منا في تأشير وتحديد ما اغفل وغيب واهمل.. وتوجه العمل الى ما رجاء منه ولا مهمة تتعلق بصاحبه.. وانما هي افعال للدعاية التي تستهلك حقيقة ما يرجى ويطلب ويناط بدائرة المفتش العام.. التي لم تعد تفتش عن الفساد وانما صارت تدور حوله.. دور المغفل الذي لا يعرف ما الذي يفعله وما هو دوره وما المطلوب منه؟!