في دائرة السينما والمسرح:


حسب الله يحيى
2010 / 4 / 29 - 10:37     

في دائرة السينما والمسرح:
مليار .. لطلاء جدار!
حسب الله يحيى
لا يكفي لأدارة مؤسسة ثقافية فنية كالسينما والمسرح.. متخصصون في شؤونها وانما هناك حاجة ملحة واساسية الى متخصصين يرسمون لآفاق عمل المؤسسة بدراية وخبرة ونزاهة ومنظور مستقبلي فاعل.
إلا أن دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة، ظلت لسنوات طوال تدعو للخروج من خندق التمويل الذاتي وباتجاه التمويل المركزي الذي يكفل لاعمالها وللعاملين فيها حقوقاً مهنية وانسانية، مثلما يرسم العمل فيها رؤى جادة وجديدة.. لا تضيق عليها حاجات ومتطلبات الربح والخسارة، وانما يكون الشاغل الاساس هو الابداع وليس من شيء سواه ولا من عقبة تحول من دون انجازه.
وكان الامل ان يشهد المسرح العراقي تحديداً تحولاً كبيراً عبر الحرية المتاحة والدعم المالي المضمون.. بعد ان كنا نشهد في بغداد وحدها اكثر من عشرين مسرحاً، تعرض فوق كل خشبة.. مسرحية جديدة، تظل مثار جدل النقاد ومتابعة جمهور المسرح.
غير ان متغيرات ما بعد 9/4/2003، فاجأتنا بما لم نكن نتصوره او نعتقد او نشك بتغييره سلباً واخفاقاً متواصلاً.. حتى اصبح (المسرح الوطني) هو الخشبة الوحيدة في بغداد، في ظل غياب تام لأي دار سينمائية ولأي انتاج سينمائي.. حتى اصبح العرض الوحيد للفلم الاسبوعي الذي كانت تعرضه دائرة السينما والمسرح غائباً وبشكل نهائي! وبدلاً من معالجة هذه المواقف السلبية التي تتطلب تقديم اعمال مسرحية منتقاة وافلام رصينة للعرض والمناقشة حسب؛ فوجئنا بمن يئد كل تجربة خلاقة ويجهض اعمالاً مهمة لتقديمها في المسرح الوطني، متجهاً نحو تأجير هذا المسرح لأحزاب وكيانات وشخصيات تعرض فيه شعارات دوغمائية او فعاليات فجة.. وفي احسن الاحوال تعمد هذه الدائرة الى انتاج عروض متواضعة لعدد من المسرحيين الشباب الذين لم تكتمل ادواتهم الفنية ومعطياتهم الفكرية، لتعرض في يوم واحد، وقد لا تعرض اصلاً، وإنما يراد منها المشاركة في مهرجانات خارج العراق ويحصل من خلالها عدد من مسؤولي الدائرة على ايفاد سفر من المال العام، فيما تكون جهة الصرف تلك البلدان الداعية للمهرجان والتي تحدد عدد المدعوين، الذين يضاف اليهم عشرات الطارئين ومن المال العام! ومع ان دائرة السينما والمسرح هي الجهة الرسمية الوحيدة ومسرحها (الوطني) هو الوحيد في بغداد الصالح للعروض المسرحية.. تعمد هذه الدائرة الى اغفال وتجهيل واهمال التعامل كلياً مع أي من الاسماء الراسخة في المسرح العراقي، وترفض رفضاً قاطعاً تضييف اسماء بعينها من تقديم عروضهم فوق خشبة المسرح الوطني، مثلما ترفض كذلك الاصغاء الى محاضرة او ندوة يمكن ان يشارك فيها اعلام المسرح العراقي امثال: د.سامي عبد الحميد، د. صلاح القصب، د. عقيل مهدي، د.فاضل خليل، د. شذى طه سالم.. ونقادكبار امثال: ياسين النصير، د. جميل نصيف، علي مزاحم عباس ..ولم نعد نشهد مسرحيات أثيرة مثل: الثعلب والعنب، كلكامش، الملك لير، ما كبث، موزارت وساليري، البيك والسايق، سيدرا تموز يقرع الناقوس وسواها..
أما حقل السينما، فليس بوسعنا الحديث عنه، لان دائرة السينما والمسرح، لا تملك من فن السينما سوى الاسم، أما صناعة الافلام وحتى مجرد عرضها.. فلا شأن لها به، باستثناء فلم (الكرنتينة) للمخرج عدي رشيد الذي ساعدت الدائرة بانتاجه.
وكان الأمل ان ترقى هذه الدائرة لتقديم ثقافة سينمائية ومسرحية، في حالة عجزها عن الانتاج.. خاصة ان معاهد وكليات الفنون الجميلة.. تضخ اعداداً كبيرة من الخريجين المتخصصين الذين لا يجدون أي سبيل لممارسة تخصصاتهم التي اكتسبوها عبر سنوات مضنية من الدراسة..
واذا كانت هذه المؤسسة قد منت عليهم بعقود تتراوح مبالغ صرفها من (100-150الف دينار) شهرياً ولمدة زمنية محددة؛ وجدناها تستغني عن خدماتهم بعد مدة وجيزة تحت مسوغ عدم وجود مخصصات مالية.. في وقت يتم الصرف على مكاتب مسؤولي هذه الدائرة وايفاداتهم المكوكية.. الملايين من دون حسيب ولا رقيب ولا هاجس من المسؤولية ومن رسالة المسرح الأنسانية والثقافية النبيلة!
وقد فوجئنا مؤخراً رصد مبلغ (مليار و450مليون دينار) لترميم المسرح الوطني.. كما اورد هذا الرقم موقع المؤتمر الوطني العراقي بتاريخ 19/4/2010 واشارته الى استقالة مدير الدائرة الهندسية في المسرح الوطني المهندس عبد القادر احمد من منصبه من دون بيان اسباب الاستقالة، في وقت اكد على المبلغ المرصود..
وجاءت آراء الفنانين المنضوين في ملاك دائرة السينما والمسرح، والتي نقلها الزميل: عبد الجبار العتابي في الموقع والتاريخ نفسه، مخيبة للآمال، لا لأنها تعبر عن طموحات وحاجات شخصية وتجارية حسب؛ وانما بوصفها تنم عن طروحات تجمع بين الذاتي والموضوعي..بدلاً من فضح وكشف المستور لما آلت اليه هذه الدائرة من سوء وتردي كلية العمل في ادارتها وتمويلها وانتاجها ومسيرة عملها.. خاصة ان معظم العاملين فيها لم يعد لهم عمل، ودوامهم المطلوب لا يتم الا في (كافتيريا) الدائرة.. فضلا عن معرفتهم التامة بأن المسرح الوطني قد تم ترميمه وتأهيله بشكل ممتاز بعد ان تعرض للنهب والتخريب عام 2003، ولا يمكن بأي حال من الاحوال صرف مبلغ (مليار و450مليون دينار) على طلاء جدرانه وتنظيف مجاريه وجلي كاشيه.. فمثل هذا المبلغ يكفي لبناء ليس (المسرح الوطني) برمته، وانما بناء عدة مسارح اخرى الى جانبه!
ان ما نشهده في دائرة السينما والمسرح، أنموذج لعدد من دوائر وزارة الثقافة التي تشهد تراجعاً سلبياً خطيراً في غياب المنجز الثقافي المثمر والمؤثر.. وما لم يتم الانتباه الى الواقع المتردي هذا، فان مآل هذه الدائرة وسواها لن يؤدي الا الى العدم والاضمحلال والتلاشي.. وبالتالي سنشهد ثقافة سلبية يسودها الفساد وتعمها الأمية ولا تعلو فيها سوى اصوات الفوضى والدخلاء..!