الانتخابات :- المشكلة ام الحل ؟


طلال احمد سعيد
2010 / 4 / 25 - 20:35     

اختارت الشعوب العملية الانتخابية كطريق وحيد لتسمية حكامها حسب رغبتها وبشكل شرعي وفق الاساليب الديمقراطية , وقد توصلت الى صيغ متقدمة لاجراء العمليات الانتخابية بشكل حر نتيجة الممارسة وتجارب الماضي وكثمرة للوعي السياسي والثقافي الذي يتمتع به المواطن هناك .
عندما سقط نظام صدام حسين لم يكن العراق ارضية مناسبة لاقامة الديمقراطية فالبلادمدمرة والشعب متعب وهو خارج للتو من كوارث الحروب والحصار الاقتصادي , صحيح كان هناك مطلبا عاما بضرورة التخلص من النظام الديكتاتوري الفردي الشمولي الا ان الرؤى لم تكن واضحة تماما حول الطريق الذي ينبغي سلوكه من اجل بناء عراق جديد . الحملة الايمانيه التي اعلنها صدام حسين في منتصف التسعينات جعلت الخطاب الديني هو المسيطر على الشارع وتحولت الجوامع الى منابر لتوجيه الجماهير بما يخدم ديمومه السلطة ونشر الافكار الرجعيه وذلك تماشيا مع الموجة التي اجتاحت المنطقة العربية ومنطقة الخليج انذاك .
الشارع العراقي عام 2003 كان جاهزا لاحتواء التيار الديني بمختلف اشكاله وتوجهاته وطوائفه , واصبح الطريق ممهدا امام الاحزاب والجماعات الدينيه التي عادت من الخارج فانطلقت بسرعه لتشديد قبضتها على المواطن من اجل توجيهه لاستيعاب وقبول طروحات الاسلام السياسي وشخصياته التي دخلت بعد الاحتلال . وقد اسفرت نتائج الانتخابات التي جرت عام 2004 -2005 عن فوز ساحق للاحزاب الدينيه وبذلك تمكنت خلال السنوات السبع الماضية من ان تؤسس مواقع سياسية قوية من الصعب اختراقها . وفي خضم سيطرة الاحزاب الدينيه على مفاصل الحكم وعلى الشارع لم تجد القوى الديمقراطية والتقدمية موطيء قدم وفسحة مناسبة وسط ذلك الاندفاع العارم اتجاه تلك الاحزاب والتنظيمات التي اصبحت وكانها الممثل الحقيقي والوحيد لشعب العراق ذي الحضارة العريقة .
لقد كان حصاد السنوات السبع الماضية مؤلما فلم يتحقق اي انجاز او تقدم انما تراجعت البلاد في كل المضامير مثل الاقتصاد والتعليم والصحة والنقل والخدمات فضلا عن ان العراق تحول الى بؤرة متقدمة للفساد المالي والاداري وصار مثلا يشار اليه من قبل العديد من المنظمات الدولية . وبالنتيجة فان ما اقيم في البلاد هو عبارة عن نظاما هشا لايملك من مقومات الديمقراطية الا القليل فالوضع الان لايختلف كثيرا عما كان عليه قبل سبع سنوات عندما تشكل مجلس الحكم على اسس طائفية ووفق مباديء المحاصصة .
قبل الانتخابات الاخيرة بدى صوت المواطن مسموعا وهو يتحدث عن سوء الاوضاع ويعبر عن رغبته بالتغيير وانتخاب من هو قادر على خدمة الناس وتحقيق مطامحهم ، ووجدت بعض القوى المعارضة والبعيدة عن التيارات الدينيه وجدت الطريق ممهدا امامها لخوض المعركة الانتخابية تحت لافتات جديدة تدعوا الى الاصلاح والتغيير باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لانتشال المواطن العراقي من الاحتقان الذي عاشه منذ سنوات مابعد السقوط ، والغريب في الامر ان رئيس الوزراء الحالي كان في مقدمة المنتقدين للوضع للقائم وشن هجوما على حكومته باعتبارها حكومة محاصصة ووعد بالتغيير حتى ان وزير ماليته كتب شعارا انتخابيا بجانب صورته يقول ( لنبدأ الان ) .
في 7-3-2010 توجه المواطن الى صناديق الاقتراع من اجل التغيير وبعد مرور اكثر من خمسين يوما على بدء عملية الاقتراع فان الوضع في البلاد اصبح اكثر ضبابيه حيث كثرت التصريحات والمداولات من اجل تسمية من يشكل الحكومة المقبلة ووسط هذا الحراك السياسي المحموم قررت اللجنه القضائية المختصة بالتصديق على نتائج الانتخابات اجراء العد والفرز اليدوي لمدينه بغداد والذي سينتج عنه العديد من المشاكل ففي ضوء النتائج التي ستظهر سيطلب اخرين باجراء العد والفرز اليدوي في محافظات اخرى وهو ماحصل بالفعل الان عندما طلبت القائمة الكردستانيه اعادة العد في محافظتي نينوى وكركوك تبعها طلب القائمة العراقية باعادة العد في محافظات الجنوب , وتعدى الامر الى ابعد من ذلك عندما اقترحت القائمة العراقية اعادة اجراء الانتخابات برمتها في ظل حكومة مؤقته محايدة وذلك لضمان نزاهه العملية الانتخابية . وفي ظل هذه التجاذبات نرى ان اعادة العد والفرز في الانتخابات الذي جاء بناءا على طلب ائتلاف دولة القانون يمثل انقلابا واضحا على الديمقراطية اذ لم يسبق اتخاذ مثل هذا الاجراء في بلد اخر عدا حالة واحدة حدثت في الولايات المتحدة خلال انتخابات الولاية الثانيه لجورج بوش الابن عندما اجري العد الفرز اليدوي في مناطق جزئية ومحددة من فلوريدا فقط .
ان اجراء مراجعه لواقع العراق خلال السنوات السبع الماضية تظهر ان الجهات التي حكمت البلاد طيلة تلك الفترة هي نفس الجهات التي تعمل الان من اجل عقد تحالفات لتحقيق اكثرية برلمانيه من طائفة واحدة يعهد اليها تشكيل الحكومة المقبلة مستفيدة من التفسير الذي اصدرته المحكمة الاتحادية حول نص المادة (76) من الدستور .
ان الكلام عن التغيير يذهب ادراج الرياح عندما يعود الائتلاف الطائفي من جديد وهو يعد امتدادا لما حصل بعد انتخابات 2004 و2005 ويعكس تناقضا واضحا بين رغبة الجماهير ودعوه الولايات المتحدة لتطبيق النهج الديمقراطي من جهه وبين تمسك الائتلافات السابقة بالحكم وعدم اعترافها بالشرعيه الانتخابية من جهه اخرى مما يؤكد ان العراق مازال يمثل دولة زعامات متحديا بذلك كل قواعد اللعبه الديمقراطية .
بعين الوقت لو نظرنا للامر بواقعيه وبعيدا عن الملابسات السياسية لوجدنا ان الانتخابات الاخيرة خلقت حالة من الشلل الديمقراطي وذلك لعدم حصول ايه كتله للاغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة المقبلة الامر الذي سيلجيء البلاد الى حكومة تضمن تمثيلا لكل المجموعات الطائفية والعرقية والعلمانيه وهي معادلة في غاية الصعوبة قد تؤدي الى حكما غير متجانس لايتخلف كثيرا عن حكم السنوات الاربع الماضية وهي بالتاكيد تجربة لم يكتب لها النجاح .
السؤال الان الذي يطرح نفسه هل ان الانتخابات هي المشكلة ام هي الحل ؟؟