مصادر العلوم الإسلامية


مصطفى العبد الله الكفري
2004 / 7 / 28 - 12:29     

إنه لخطأ كبير وتجاهل خطر أن يبقى البحث في الفكر الاقتصادي وتطور المذاهب الاقتصادية يبدأ من تصورات أفلاطون وأرسطو والمفكرين الأوروبيين في روما القديمة واليونان القديم، وتحدث القفزة إلى القرن الثامن عشر مباشرة، متجاهلين الجهود العلمية والأخلاقية والظواهر في القرون الوسطى، بدعوى أن القرون الوسطى، هي عصور الجهل والظلام . لقد عمل علماء ومفكرو النهضة الأوروبية على إنكار أسلافهم المفكرين من علماء وفلاسفة العصر الوسيط، وأصروا على ارتباطهم بأسلافهم الأوروبيين (اليونان والرومان). حتى إنهم اعتبروا العلم محض ظاهرة أوروبية تبدأ في المجتمع اليوناني والروماني وتنتهي في المجتمعات الأوروبية الغربية ذات الحضارة التكنولوجية المعاصرة. (غير أن التفاتنا اليوم إلى أهمية التدقيق في تاريخ العلوم من جهة. والتفاتنا إلى البحث عن نشوئها وترعرعها في مختلف المجتمعات والحضارات الإنسانية، واعتبارنا العصر الوسيط عصراً ذهبياً بالنسبة لتكوين الروح العلمية وتطويرها في أحضان إحدى الحضارات العالمية الكبرى هي الحضارة الإسلامية، من جهة أخرى، كل هذا يجعلنا نراجع تلك المواقف المزدرية لإنتاج العصر الوسيط).( )
يصف جورج سارتون، العرب المسلمين في زمن ازدهار الدولة الإسلامية خلال الفترة من منتصف القرن الثامن الميلادي وحتى نهاية القرن الحادي عشر، ويقول عنهم (هم عباقرة الشرق في القرون الوسطى)، لقد قدموا للحضارة الإنسانية مأثرة عظمى، في كتابة أعظم المؤلفات والدراسات قيمة وأصالة وعمقاً باللغة العربية، التي كانت لغة العلم للجنس البشري آنذاك. (فما من شخص يريد الإلمام بثقافة ذلك العصر، كان قادراً على ذلك دون أن تكون له معرفة باللغة العربية).( ) ليس هذا فحسب، بل أشاد العرب دولاً لهم في أطراف الجزيرة العربية على شواطئ بحر العرب، وفي بلاد الرافدين وبلاد الشام وفي شمال أفريقيا، ثم وصلت إلى الأندلس وحتى حدود فرنسا في أوروبا. وأقاموا هناك حضارات ما تزال موضوعاً هاماً في كتب التاريخ والكتب المعاصرة. لقد حمل العرب المسلمون (رسالة ذات طابع إنساني، يبلغونها للعالم أجمع. فاقترن قيام أول دولة قومية لهم برسالة إنسانية عبرت عن خصائص العروبة، كمفهوم متجدد في اتجاه التقدم من أجل الإنسانية( ).
ظهرت العلوم الإسلامية وملامح الفكر الإسلامي وتطورت بالاعتماد على المصادر الرئيسة التالية:( )
1 - القرآن الكريم: " إن الذي أخصب الفكر العربي الإسلامي هو (القرآن) وأن نزوله يشكل حدثاً مهماً في تاريخ العرب بشكل خاص والأمم بشكل عام، حيث جاء بنظرية كونية سماوية وحد العرب في أمة واحدة لها رسالتها وخصائصها من لغة ودين وعادات، وإن أحد أسباب انتشار الإسلام وضوح مبادئه التي تؤكد على العدل والمساواة والإحسان وتهذيب النفوس والتسامح.( ) ومن أهم الآثار الفكرية للقرآن في المجتمع العربي ظهور القراء الذين شكلوا فئة متميزة فكرياً واجتماعياً، ولعبوا دوراً كبيراً في الحياة الفكرية في الإسلام في عصوره الأولى. كما شمل ذلك دراسة المبادئ والأفكار الاقتصادية كما جاءت في القرآن الكريم .
2 - التفسير: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أول شارح للمعاني التي وردت في القرآن الكريم ليبيين (للناس ما نزل إليهم) والتبيان هنا يعنـي التوضيح والتفسير . لقد كان الرسـول يبيـن لأصحابه معاني القرآن الكريم وأهدافه وما يسأل عنه.
ثم كثر المفسرون اللذين لعبوا دوراً كبيراً في تحديد ملامح الفكر الإسلامي، ومنه الفكر الاقتصادي الإسلامي، فاشتهر عدد قليل من الصحابة بالقول في تفسير القرآن الكريم، وأكثر من روي عنه منهم علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير. وجاء التفسير ليحدد العديد من ملامح الفكر الاقتصادي، والمعاملات بين الناس وبخاصة ما يتعلق بالكسب الحلال وتحريم الربا والغش … الخ.
3 - الحديث: والحديث أو السنة هو كل ما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير، وبعد عصر الرسول ضُم إلى الحديث كل ما ورد عن الصحابة لأنهم كانوا يعاشرون النبي ويسمعون قوله ويشاهدون فعله ويُحدثون بما رأوا وما سمعوا، وجاء التابعون بعد ذلك فعاشروا الصحابة وسمعوا منهم ورأوا ما فعلوا، فكانوا من الإخباريين عن رسول الله وصحابته. ( )
لقد كان للحديث الصحيح أو الموضوع أكبر الأثر في نشر العلم والثقافة في العالم الإسلامي وفي تغذية الفكر العربي بشكل خاص، حيث ازدهرت العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية ومنها، الفكر الاقتصادي الإسلامي. عكس ما يروج له الفكر الاقتصادي الغربي، الذي يرى أن بداية الأفكار الاقتصادية ظهرت عند اليونان القديم (أفلاطون) ثم قفزت إلى العصور الحديثة في أوروبا.
4- التشريع (الفقه): بعد نزول القرآن الكريم أصبح القرآن والحديث أهم مصادر التشريع الإسلامي (الفقه) وكان دورهما كبيراً في تطور الفكر الإسلامي. ولم يقتصر التشريع على بيان أصول الدين والدعوى إليه والأمر بمكارم الأخلاق والنهي عن الفواحش، بل تعرض التشريع للمسائل المدنية والأحوال الشخصية والجنائية من نكاح وبيع وأجار ونحو ذلك. وبذلك أصبح القرآن والسنة مصدري التشريع وأساس القانون الإسلامي كما أضحى الاجتهاد مصدراً ثالثاً من مصادر التشريع فيما لم يرد فيه نص في القرآن أو الحديث.( )
5 - آراء الفلاسفة والمفكرين المسلمين (الاجتهاد): ومن بينهم ابن خلدون، والمقريزي، والفارابي، وابن سينا وغيرهم.
والإسلام لا يقتصر على العبادة، الصوم والصلاة والحج والزكاة، وتحسين الخلق والتهذيب، وإنما يدعو أيضاً إلى حماية المجتمع والدفاع عن استقلاله، وصيانة كرامة الإنسان، ومنع الاستعمار من نهب الثروات الطبيعية للدول الأخرى، كما يحارب التخلف والتبعية والشعور بالنقص تجاه الدول المتقدمة. إنه نظام شامل وكامل يعالج جميع شؤون الإنسان ويتدخل في سائر المجالات الحياتية، ويحاول الإسلام أن يضع الحلول المناسبة للمشكلات والصعوبات التي تعترض مسيرة المجتمع نحو الخير والعدل والمساواة. ( )