انتخابات الأوروغواي توصل مغواراً سابقاً للرئاسة


فنزويلا الاشتراكية
2010 / 4 / 18 - 14:00     

في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي فاز خوسيه موهيكا، فوزاً نهائياً في انتخابات الرئاسة في الأوروغواي بنسبة 52,59% في جولة ثانية للانتخابات ضد منافسه الأبرز الرئيس السابق لويز آلبيرتو لاكال (1990-1995) بعد أن حصل كلاهما على نسبة أقل من 50% في الجولة الأولى في 25 تشرين الأول/أكتوبر الذي حصل فيها موهيكا على 47,5% ولاكال على 28,5%. فيما حصل لاكال في الجولة الثانية على 43%.
يمثل موهيكا ائتلاف فرنتيه آمبليو الإصلاحي وقد كان فوزه استكمالاً لحكم خلفه الرئيس السابق تاباريه باسكيس من ذات الائتلاف والذي كان أول رئيس اشتراكي للبلاد بعد فوز ائتلاف فرنتيه آمبليو في انتخابات عام 2004. وقد كان فوز الفيزيائي باسكيس نهاية لـ150 عام من حكم الجناح اليميني أو العسكري في البلاد.
وقد كان فوز موهيكا في الانتخابات الأخيرة دليلاً واضحاً على تفضيل شعب الأوروغواي سياسات الجناج اليساري، وإن بشكله الإصلاحي، على السياسات اليمينية، خاصة وأن لاكال قد حكم البلاد لـ5 سنوات لم تمنحه أي شعبية في هذه المرحلة التي أصبح الوعي الشعبي فيها قادراً على انتخاب السياسات الأفضل للبلاد بناء على البرامج العملية التي ينفذها الحزب الحاكم، وهو ما تؤكده أيضاً الصورة الايجابية التي كانت عليها برامج الرئيس باسكيس والتي سنشير لها لاحقاً.
خوسيه موهيكا البالغ من العمر 74 عام كان قائداً لحركة توباماروس للتحرير الوطني التي خاضت حرباً للعصابات في البلاد في سبعينيات القرن الماضي وهو الذي سجن أثناء الحكم العسكري الديكتاتوري في الأوروغواي من عام 1973 إلى عام 1985 وتم تعذيبه لسنوات عديدة. وبفعل ماضيه الثوري المعروف، حاول منافسوه أن يروجوا لحالة رفض لتوليه الحكم خوفاً من أن يمنح الدولة دوراً أكبر في الاقتصاد.
ولد موهيكا في العاصمة مونتيفيديو عام 1935 وانضم إلى الحزب الوطني في البداية ومن ثم أصبح عضواً في حركة التحرير الوطني-توباماروس- التي قادته إلى المشاركة في نضال مسلح ضد السلطات الحكومية. وبعد أن هزمت القوات الحكومية حركة التحرر عام 1972 اعتقل لما يقارب العقد. وعندما عادت الديمقراطية للبلاد تحرر بموجب عفو عام شمل كل المعتقلين السياسيين. وبعد مرور سنوات شكل أعضاء حركة التحرير الوطني-توباماروس-حركة المشاركة الشعبية التي أصبحت جزءاً من ائتلاف فرنتيه آمبليو الذي ضم غيرها من الحركات والأحزاب الإصلاحية من أقصى اليسار وحتى اليسار الوسط.
ومع انتشار قوة وشعبية الفرنتيه آمبليو فاز الائتلاف بغالبية قصوى في انتخابات عام 2004. عيّن موهيكا في ظل الحكومة السابقة وزيراً للزراعة واستمر في منصبه حتى شهر آذار/مارس من العام الماضي.
يعرف موهيكا بلباسه البسيط وطريقة كلامه الشعبية التي أصبحت نقطة يستغلها معارضوه لانتقاده. إلا أن أسلوبه هذا جعله أقرب إلى أبسط المواطنين والفئات الفقيرة.
في حملته الانتخابية الأخيرة، جال البلاد ملقياً خطاباته الانتخابية في وسط الشوارع وعلى الطرقات. وكان شعاره الأبرز هو إنشاء مدارس بدوام كامل لكي لا يقضي الأطفال وقتهم في الشارع إضافة إلى لا مركزة جامعة الدولة الرئيسية حتى لا يضطر طلاب الأرياف إلى الذهاب إلى العاصمة مونتيفيديو لاستكمال دراستهم.
وقد عرف عن موهيكا منذ خروجه من المعتقل أنه كرس نفسه إلى جانب عمله السياسي لزراعة الورود في مزرعته الصغيرة الواقعة في ريف العاصمة، حيث أكد أنه سيستمر بالإقامة عندما يصبح رئيساً للبلاد وحيث ينوي بناء مدرسة زراعية من راتبه الرئاسي.
وعلى الرغم من كل ما أشيع عن نواياه قيادة البلاد إلى حكم اشتراكي راديكالي، كان حديثه المتواصل عن توجهاته لإدارة البلاد تنفي كل هذه الشائعات، خاصة فيما يتعلق بتصريحاته عن نيته في إدارة البلاد وفق شكل يساري أقرب إلى الشكل البرازيلي والتشيلي، وهم الدولتان اللتان توصفان بأنهما "دول اليسار البراغماتي".
وعلى الرغم من المشروع الإصلاحي واليساري الوسط الذي انتخب بناءً عليه، إلا أن هذا الانتخاب هو دليل على الزيادة في الوعي الشعبي بعد 5 أعوام من اختيار هذا الشعب للرئيس الاشتراكي. وهو ما يدعو للكثير من التفاؤل مع ثبات شعب الأوروغواي على خياره الأول انعكاساً لقناعته بنجاح البرامج الاجتماعية التي طبقت في البلاد تحت حكم ائتلاف فرنتيه آمبليو. وهذا يجعل النصر هنا يكتسب أهمية فريدة في مشهد التحولات اليسارية في القارة الحمراء التي لا تشهد فقط زيادة في عدد المناطق الحمراء بل زيادة في درجة احمرار المناطق الحمراء أصلاً أو تلك المناطق القريبة من هذا الخط الثوري.
تنطلق هذه السياسة التي يتبناها موهيكا من مبدأ نجاح الرئيس السابق باسكيس في تحسين الكثير من الظروف في البلاد أثناء حكمه الإصلاحي، وقد أدرك موهيكا أن فوزه في الانتخابات إنما هو فوز لبرنامج الائتلاف، ومن هنا حرص على أن يكون أقرب إلى قرار الشعب وليس إلى توجهاته الخاصة. فبما أن برنامج الحكومة الوسطي ناجح شعبياً، فعزم موهيكا الاستمرار به بعيداً عن كل التوقعات بأن يسير بالبلاد إلى تحول مفاجئ يفرض على الشعب بشكل لا ديمقراطي.
فنظام باسكيس عند وصوله للحكم لم يقدم تغيراً راديكالياً، ولا اندفاع غير مدروس بل مجرد تغير متدرج على المدى البعيد حدث بشكل بسيط وهادئ.
وكما قال أحد المحللين "لن يكون من المنطقي أن تقوم الحكومة الجديدة بإجراء تحول في الوقت الذي حققت فيه السياسات القائمة نمواً للاقتصاد الوطني أعانت الدولة على تجاوز الأزمة المالية العالمية بلا خسائر تذكر."
لذا فقد كان حريصاً منذ البداية على التعهد باستكمال السياسات الاقتصادية التي اتبعها الرئيس السابق، فباسكيس، ومنذ توليه الحكم، حقق انخفاضاً في معدل البطالة من 12,3% إلى 7,3% وشجع الاستثمار الخارجي ورفع النفقات الاجتماعية ودعم الرواتب.
إضافة لذلك فقد نما اقتصاد الأوروغواي، الذي يعتمد على الزراعة والخدمات، بمعدل 5,7% أثناء حكم باسكيس متفوقاً على البرازيل والأرجنتين. علماً بأن الأوروغواي قد قللت اعتمادها على الأرجنتين والبرازيل من خلال تنويع عملياتها التجارية.
كانت خطة سيبال من أهم الانجازات، فقد أصبحت الأوروغواي بموجبها أول دولة في العالم توفر حاسوب محمول موصول إلى الانترنت لكل طالب في المدرسة الابتدائية في مدارس الدولة الحكومية، وهي خطة ستشمل الآن المدارس الثانوية.
كما أطلقت الدولة حملة إصلاح ضريبي بهدف توفير نظام إعادة الضرائب للمواطنين وذلك من خلال زيادة المبلغ المطلوب من قطاع الطبقات الوسطى والغنية.
القرار الأول الذي أكد صدق موهيكا في اتباع السياسات التي اختاره الشعب لأجلها، هو إعلانه بأنه سيعيد تعيين وزير الاقتصاد السابق دانيلو آستوري، الذي كان منافسه الأبرز في انتخابات الحزب لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية، وزيراً للاقتصاد.
في يوم الانتخابات الرئاسية، التي صوت فيها ما يقارب الـ 2,6 مليون مواطن، كانت حالة الطقس سيئة جداً إذ هطلت الأمطار بشدة مما حرم الكثير من الناخبين الوصول إلى صناديق الاقتراع. إلا أن هذه الظروف الجوية لم تمنع شعب الأوروغواي من تفجير فرحته واحتفالاته في العاصمة عندما أعلن فوز موهيكا في الانتخابات.
قال موهيكا بعد إعلان النتيجة، أمام آلاف المواطنين المبللين من الأمطار، موجهاً كلامه للمعارضين "هنا لا يوجد ناجحين وخاسرين، كل ما حدث هو أن حكومة جديدة قد تم انتخابها." وأضاف "إذا جعلني مزاجي كمقاتل أن استرسل في أي من عباراتي في أي وقت، فأنا أعتذر، وغداً سنمضي كلنا معاً." علماً بأنه قد عرض على المعارضة اتباع أسلوب التفاوض بخصوص الكثير من قضايا الخلاف. وقال "إن فوزي ببضعة أصوات أخرى لا يعني أنني أفضل من أي كان."
وبعد يوم الانتخابات بيوم واحد تعهد في برنامجه الإذاعي "الحديث إلى الجنوب" بأن يلتزم من أجل التكامل في البلاد. يقول "يجب بداية أن نستمع إلى من يخالفوننا الرأي لأن أسبابهم بلا شك هي جزء من الحقيقة."
استكمل موهيكا خطابه بعد النصر قائلاً "تذكروا، في فرحتكم هذه، أن هناك أناس يعيشون حزناً، وهم مواطنون مثلنا، أخوتنا بالدم، فلا يوجد نصر أو فشل هنا. هو فقط اختيار لحكومة. حكومة لا تملك الحقيقة بل نحتاجها جميعاً."
وموجهاً كلامه للمناصرين المشجعين تحت الأمطار "رفاقي، هل تعلمون؟ إن العالم معكوس. العالم معكوس لأنكم أنتم من ينبغي أن تكونوا هنا، على المسرح، تتلقون تصفيقنا، لأنكم ناضلتم، واستمريتم بالنضال حتى كسبتم هذه المعركة. كل هذا فانِ، وأنتم الباقون. هناك من يعتقد أن القوة عالية ولا يدركون أن القوة هي في قلب الجماهير. شكراً لكم، لقد كلفني حياة كاملة لكي أكتشف هذه الحقيقة." وأنهى خطابه قائلاً "قد نخطئ ولكننا لن ندير ظهورنا للمشاكل أبداً."
قادة دول أمريكا اللاتينية الأكثر يسارية واشتراكية، أدركوا أهمية فوز موهيكا وما يضيفه هذا الفوز على مسيرة الثورة الدائمة في القارة. لأن انتصاره ليس إلا وعي شعبي وخيار وطني اقترب إلى البرنامج اليساري بإرادته الخاصة، ومن ثم ثبت على هذا الخط بعد اقتناعه بفعاليته وصدقه، ويبقى الخيار الشعبي، مهما كان وبأي اتجاه كان، هو مقياس التقدم والديمقراطية في البلاد وهو الخطوة الأهم قبل الخوض بالحديث عن البرنامج الأفضل من وجهة نظر توجه ما. فالدولة التي فيها يختار الشعب اليمين أفضل من تلك التي يفرض فيها اليسار على الشعب، إلا أن التجربة في أمريكا اللاتينية قد أثبتت أن الشعوب الحرة، بعد أن تجرب البرامج، تختار القائد الأكثر اجتماعية، والأهم في ذلك أن خيارها ديمقراطي.
قال الرئيس الإكوادوري رافائيل كوريا "إن انتصار موهيكا يمثل انتصارا للديمقراطية وللقارة بأكملها."
حتى الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، وعلى الرغم مما ضمنه تعليقه على الفوز من حزن على الحس الثوري الذي وعد موهيكا شعب الأوروغواي أن يتخلى عنه، إلا أنه أشار لأهمية وجود رجل مثله في القارة بحكم خبرته لكي يواجه محاولات اليمين ومساعيه للانقلاب على المد اليساري في القارة.
فبعد تهنئة شعب الأوروغواي على فوز موهيكا وتأكيده على أن فوزه يعكس التغيير والكرامة والسيادة في أمريكا اللاتينية، أشار الرئيس تشافيز إلى أن خيار شعب الأوروغواي يؤكد للعالم التزام هذا الشعب بقيم التعمق في مشروع التغيير الاجتماعي والعدالة التي بدأت قبل 5 أعوام في البلاد.
قال الرئيس تشافيز على غرار ما قاله المحرر اللاتيني خوسيه مارتي الذي وجه هذه العبارة بالأصل إلى فنزويلا "قولي لنا يا أوروغواي كيف لنا أن نخدمك، وستجدين في داخلنا كلنا أبنائك وبناتك."
إن انتخاب خوسيه موهيكا هو مكسب كبير تفوق أهميته مكسب انتخاب حكومة يسارية جديدة في دولة محسوبة على اليمين. لأنه ليس انتصار لحاكم يساري بل انتصار لوعي شعبي أصبح الآن أقرب للثورة الممتدة في قارة الأممية الخامسة.