مستقبل الوطن العربي الراهنية والاستراتيجية


مصطفى العبد الله الكفري
2004 / 7 / 26 - 10:22     

عوامل عديدة تدعو الإنسان العربي أن يفكر بمستقبل الوطن العربي ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين، وأهم هذه العوامل: أن التفكير في المستقبل وتحديد معالمه يسهم في عملية صناعة هذا المستقبل، و تحفيز الإنسان على صنعه وعندما يفكر الإنسان بهذا المستقبل و تتم مناقشته من قبل المفكرين و غيرهم سيجد من يوافق على ذلك أو يعترض أو يضيف أو يحذف وهذا يؤدي في النهاية إلى المقارنة و المفاضلة بين البدائل و اختيار الأنسب و التفكير في المستقبل يجعل كل منا حسب موقعه في المجتمع العربي ينظر إلى الغد البعيد و ليس الاكتفاء بتدبير حاجات الغد المباشر و هذا يعني اتخاذ إجراءات لتأمين حاجات الغد المباشر و الغد البعيد مما يساعد على تأمينها و تسهيل الحصول عليها والتفكير بالمستقبل و التخطيط لمواجهة متطلباته هو ما يميز الإنسان المعاصر لأن الكائن الوحيد في هذه الطبيعة الذي يفكر بالمستقبل و يخطط له و يسهم في صنعه هو الإنسان و الإنسان فقط، لهذه الأسباب و أسباب أخرى أقل أهمية لا بد من البحث في مستقبل الوطن العربي .
الحقيقة التي لابد من الإقرار بها هي أننا لا نستطيع أن نتحدث عن مستقبل الوطن العربي دون أن نتذكر أن الوطن العربي ينتسب إلى مجموعة الدول النامية، و بالتالي فهو يعاني من كافة المشاكل و الصعوبات التي تعاني منها دول الجنوب، إضافة إلى مشكلة إضافية أخرى يعاني منها الوطن العربي فقط و هي مشكلة التجزئة،وبالتالي فإن مستقبل الوطن العربي يرتبط:
- بالقضاء على التخلف عن طريق التنمية،
- والقضاء على التبعية عن طريق الاعتماد الجماعي على الذات،
- والقضاء على التجزئة عن طريق الوحدة .
لقد ساد المجتمعات العربية في الفترة القريبة الماضية، سلوك يتسم بالراهنية يهتم بحل القضايا الآنية في الاقتصاد والمجتمع من خلال التركيز على سلسلة من الإجراءات والسياسات الإصلاحية التي تهتم بالدرجة الأولى بمعالجة المشكلات التي يواجهها الاقتصاد والمجتمع دون أن يحكمها بالضرورة " أفق إستراتيجي واضح حول أساليب النهوض الاقتصادي، وتحديداً الانتقال من مرحلة الإصلاح الاقتصادي إلى مرحلة التطوير الاقتصادي والتنمية الشاملة. إذ لا يكفي معالجة قضايا الواقع الراهن فحسب من خلال حل سلسلة من المشكلات الآنية، مثل السيطرة على معدلات التضخم، تثبيت سعر الصرف، تخفيض حجم العجز في الموازنة، أو في ميزان المدفوعات، وبقدر أهمية وضرورة مثل هذه الإجراءات إلا أنها تظل سياسات منقوصة وقاصرة إذا لم يتم ربطها وتوظيفها في إطار استراتيجية مستقبلية واضحة المعالم للنهوض والتطور الاقتصادي .
( والقضية الجوهرية هنا أن هناك العديد من التوجهات المستقبلية ذات الطابع الاستراتيجي يصعب على آليات السوق وحدها الاضطلاع بها ومثال ذلك :
• نمط التحولات الأساسية في البنية الإنتاجية.
• اتجاهات التطور التكنولوجي وفي أي مجالات النشاط سوف نحقق قفزة تكنولوجية.
• توزيع الكتل العمرانية من خلال رؤية مستقبلية للتوزيع الجغرافي المتوازن للسكان.
• استراتيجية النفاذ إلى الأسواق الخارجية في ظل التنافسية المتزايدة للعديد من البلدان النامية.
تلك نماذج للقضايا الاستراتيجية الكبرى التي تحتاج لبوصلة هادية وجهد تخطيطي إرشادي هائل .. لأنها تحتاج لأسواق مستقبلية غير موجودة أصلا ولأن الأسواق الحاضرة محدودة الكفاءة في حل المشكلات المتعلقة برفاهة الأجيال القادمة، فالرؤية المستقبلية هي في جوهرها بمثابة عقد تضامن بين الأجيال المختلفة التي تتعاقب على ارض الوطن، لكي لا يستأثر جيل واحد أو جيلان برغد العيش وتدفع الأجيال القادمة من الأبناء والأحفاد أعباء الاستدانة الداخلية والخارجية .. من قوت أبنائها).

في عالمنا اليوم و بعد توقيع اتفاقيات الغات (GATT) وقيام منظمة التجارة العالمية التي تسعى إلى تحرير التجارة الخارجية يتزايد التداخل و الترابط بين ثلاثة مستويات في العلاقات الاقتصادية الدولية :
1 - المستوى الوطني ( داخل حدود الدولة الواحدة ).
2 - المستوى الإقليمي، ويمكن تعدد المستويات الوسيطة تحت الإقليمية التي تؤدي في النهاية إلى المستوى الإقليمي ( ففي البلدان العربية نلاحظ أن نموذج المستويات الوسيطة تحت الإقليمية يتمثل في مجلس التعاون الخليجي أو اتحاد دول المغرب العربي أو دول إعلان دمشق أو مجلس التعاون العربي المعطل . أما المستوى الإقليمي فيتمثل بالوحدة الاقتصادية العربية .
3 - المستوى العالمي ( على صعيد الاقتصاد العالمي ) حيث يسعى الجميع إلى عولمة الاقتصاد .
وأي مستقبل للتعاون بين الدول العربية يجب أن يراعي هذا التداخل بين المستويات الثلاثة المذكورة أعلاه .
ينظر العالم إلينا اليوم كأمة عربية واحدة لها حضارة عريقة ورغبة في بناء مستقبل أجيالها. ولابد من التكتل الاقتصادي العربي لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية الأمريكية والأفريقية والآسيوية والاميركالاتينية بدلاً من تكريس السياسات القطرية الضيقة. ولابد من اغتنام الفرصة لوضع أسس التعاون الاقتصادي العربي للدخول في النظام العالمي الجديد ( العولمه)، ونحن نقترب من الألفية الثالثة للميلاد.
1 ـ دعم الإصلاحات الاقتصادية في الدول العربية وتأهيل الاقتصاد العربي للدخول في القرن الحادي والعشرين ضمن التكتلات الاقتصادية العالمية العملاقة.
2 ـ قيام سوق عربية لرأس المال وحركته في إطار الوطن العربي، وضع إطار قانوني وتشريعات جديدة تتلاءم مع المتغيرات الحاصلة في الأسواق العالمية.
3 ـ حرية انتقال عناصر الإنتاج والإنتاج وقوة العمل والأشخاص ورأس المال فيما بين الدول العربية. إضافة إلى حرية التملك والإرث.
4 ـ توحيد السياسات النقدية والمالية والجمركية والنقل والترانزيت والتجارة الخارجية.
5 ـ خلق مرصد عربي اقتصادي اجتماعي مهمته تقييم واقتراح السياسات الاقتصادية العربية، وتحديد الاختلافات وعوامل تلافيها. وهذا يتطلب خلية استشارية تضم الخبراء العرب تكلف بالتفكير في السياسات الاقتصادية العربية في ظل المتغيرات الدولية. ويمكن أن يكون لجامعة الدول العربية دور هام في إنجاز مثل هذا الأمر.
6 ـ لابد من استشراف آفاق المستقبل ووضع تصور مستقبلي لموقع الوطن العربي في المحيط الإقليمي والدولي وتصور مفهوم محدد للأمن القومي العربي، وتوقع مدى إمكانية قيام السوق العربية المشتركة وما يرتبط بها من قضايا الحماية والدعم والمنافسة والحرية الاقتصادية.
7 ـ وضع استراتيجية بناء القدرة التنافسية والتي تعد جزء لا يتجزأ من استراتيجية عليا للتنمية الشاملة في الوطن العربي.
8 ـ الارتقاء بالقدرات البشرية على مستوى الوطن العربي.
ويمكن أن يكون الدرس الذي تقدمه التجربة الصينية في تعاملها مع العولمه درساً هاماً بالنسبة لجميع الدول النامية والدول العربية خاصة. إذ تمكن هذا البلد من إطلاق عملية التنمية بجناحيها الاقتصادي والاجتماعي فنجح، واعتمد على إمكاناته وطاقاته الذاتية بالدرجة الأولى، كما حاول إصلاح بنى اقتصاده الاشتراكي من دون أن يدمرها فأصلح وأراد أن يتعامل مع العولمه بعقل مفتوح ومن موقع قوة الاقتصاد الصيني فأضحت سوقه جاذبة للاستثمارات الخارجية الخاصة والعامة.
إن عالم المستقبل هو عالم التكتلات الاقتصادية، عالم الشركات و الاستثمارات الكبرى، عالم التقانة و المعلوماتية، عالم الإدارة القادرة و القرار النافذ . لذلك يتوجب على البلدان العربية أن تخطو خطوات حاسمة في استمرارية لا رجعة فيها لتحقيق هدف التكامل الاقتصادي العربي و الوحدة الاقتصادية العربية التي بدونها لن يستطيع العرب بناء اقتصاد عربي قادر على البقاء و المنافسة في عالم الاقتصاد المعاصر .

الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
[email protected]