المؤتمر الاستثنائي الأول للحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا


فنزويلا الاشتراكية
2010 / 4 / 16 - 14:38     

بعد انتهاء أعمال اللقاء الدولي الأول للأحزاب اليسارية في كركاس عقد الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا مؤتمره الاستثنائي الأول لمتابعة عملية الاستفادة من دروس التجربة الثورية الملموسة على أرض الواقع.
الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا كان قد أطلق الرئيس تشافيز في ديسمبر (كانون الأول) في عام 2006 الدعوة لتأسيسه ليكون لدى القوى الثورية أداة سياسية للبدء بعملية التحول نحو الاشتراكية، وبعد هذه الدعوة انضم لتأسيس الحزب الجديد 5,5 مليون مواطن فنزويلي في حينها.
وجاء مع الدعوة لتأسيس الحزب الجديد نداء للأحزاب اليسارية والتقدمية المنخرطة في الحركة البوليفارية لتحل نفسها وتنضم للحزب الاشتراكي الموحد، إلا أن الأحزاب الأساسية في الحركة البوليفارية وهي الحزب الشيوعي الفنزويلي وحزب الوطن للجميع، رفضت العرض، وكان رفض الأول على أساس طبقي، والثاني لأسباب أكثر غموضاً، أو فلنقل تبريرات تحتاج لتبريرات.
المسألة الطبقية في الحزب، التي تمثل جدالاً مستمراً للبعض أو عذراً للبعض الآخر للابتعاد عن العمل الثوري عندما يكون متاحاً-إما خشية الاغتيال أو لمجرد أنهم لا يحبون بذل أي مجهود، هي حقيقة لا يمكن نكرانها، بل هي حقيقة لابد من الاعتراف بها أولاً والتعامل معها بالشكل السليم ثانياً. فالحزب، أي حزب، لكي يكون له وجود، يحتاج ليكون ممثلاً عن مصالح فئة أو فئات أو طبقة، وقد تتداخل الخطوط أحياناً عند تحليل بعض الأحزاب إلا أنها في النهاية تمثل تموضعاً طبقياً ما، ولكنّ أي حزب، لا يحدد منح عضويته لأفراد على أساس مواقعهم الطبقية من ملكية وسائل الإنتاج، أو مستويات مداخيلهم تبعاً لمواقعهم الفئوية. فحتى بين العمال، في النظام الرأسمالي، تتفاوت أجورهم فيما بينهم-وفنزويلا لا يزال فيها هذا التفاوت-هذا من جهة، ومن جهة أخرى لسنا بحاجة للخوض في أصول الكثير من الرموز الثورية والاشتراكية العلمية كفريدريك أنجلس ولينين وتروتسكي وتشي جيفارا، فهؤلاء لم يكونوا عمالاً، فهل كان يجب طردهم من أحزابهم أو منعهم من تأدية أدوارهم التي كانت مفصلية في تاريخ الحركة العمالية العالمية، لا، حتماً لا، وسيعلق البعض بأن المسألة أوضح حتى من مناقشتها. لكن ومع هذا، فإن المسألة الطبقية في الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا تستمر بإثارة الجدل. وفي الحقيقة، يجب أن تستمر ولكن ليس بتفكير سطحي عجيب كالذي ذكرته، بل لا بد من تحليلها بشكل عميق وإن كان موجزاً.
الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا هو حزب جماهيري. قبل عقد المؤتمر الاستثنائي الأول قام الحزب بتجديد التسجيل لعضويته، فلم يسجل ذات العدد القديم، أي 5,5 مليون، بل ارتفع ليتجاوز 7 مليون عضو، وعندما تم تغيير البنية التنظيمية للحزب، واتباع البنية القائمة على أساس الفِرَق التي اتبعت خلال الانتخابات المحلية الفنزويلية في نوفمبر(تشرين الثاني) من عام 2008 التي نجح الحزب من خلالها بتحقيق إنجاز تاريخي بدخوله الانتخابات منفرداً دون أي تحالفات مما أظهر حجمه الحقيقي لينجح بالحصول على أكثر من 56% من الأصوات وبالتالي 17 ولاية من 22 و81% من البلديات، فكان واضحاً أن تلك البنية الأقل تعقيداً كانت فعالةً أكثر، وكما ذكرنا، فإن التجربة الثورية هي استخلاص لدروس الواقع. الفرق التي تشكل البنية التنظيمية للحزب، تنقسم إلى نوعين، فرق مناطقية وفرق عمالية، الفرق المناطقية يجب أن يتراوح عدد أعضائها بين 20-30 عضواً، أما الفرق العمالية فيجب أن نشير إلى أن اعتمادها تنظيمياً كان نصراً للتيار الثوري، إذ أراد البيروقراطيون إحباط مساعي العمال للحصول على ما ينظمهم داخل أماكن عملهم وليس فقط في مناطقهم ليكون لديهم فاعلية حقيقية، وبالتالي ستتواصل الفرق العمالية مع الفرق المناطقية للتنسيق فيما بينها، أي أن الثوريين في هذا حصلوا على ما أرادوا، كما أن الإضافة في عدد أعضاء الحزب كان 60% منهم ممن هم دون سن 29 عاماً مما يدفع مقترح تأسيس فرق على أساس أماكن الدراسة.
هذا الحزب الجماهيري، بعدد أعضائه الكبير، الذي من مجموعه يبلغ عدد العضوية الفاعلة قرابة 2,5 مليون عضو، وقدراته الانتخابية، التي تجاوزت 5,5 مليون صوت في انتخابات العام الماضي المحلية، لا يمكن إلا أن تتواجد وتتمثل فيه فئات المجتمع المتنوعة، ليس كلها، فالبرجوازية التقليدية لديها أحزابها، لكن يتواجد فيه تيار بيروقراطي يمثل الفئات البيروقراطية التي ازداد نفوذها عن ذي قبل نتيجةً لازدياد دور الدولة اقتصادياً-بالتأميم بشكل خاص فبدأت تتشكل فئات هجينة، ويوجد التيار الثوري الذي يمثل الطبقة العاملة والمزارعين وفئات أخرى كالطلبة مثلاً، الذي ازداد دوره كذلك بفضل التغييرات الاقتصادية أيضاً كاحتلال المعامل وتحرير الأراضي التي استولت عليها البرجوازية في جمهوريتها السابقة، وإقامة المجالس العمومية والنضال المستمر لبناء الكومونات-أساس الدولة الاشتراكية كما يراها قائد هذا التيار.
فإذاً، هذين التيارين الأساسيين المتصارعين لا يمكن أن يلغي أحدهما الآخر وفنزويلا لا تزال دولة رأسمالية قيد التدمير أو التحويل أو أي مسمى كان للعملية الانتقالية القائمة حالياً. وكما ذكرنا من قبل في "رسالة فنزويلا الاشتراكية" فإن انتصار التيار البيروقراطي سيعني تحول الفئة البيروقراطية إلى طبقة مما يعني حتماً بأن هذه الفئة باتت سائدة وأن الثورة انتهت، أو على الأقل توقفت حتى إشعار آخر، ولا يمكن له أن يهزم مادامت الدولة الرأسمالية مستمرة في الوجود ولم تتحطم تحت معاول الاشتراكيين، وتقدم التيار الثوري الذي أشرت إليه هو بجزء على حساب البرجوازية السابقة-باحتلال المعامل مثلا، وبجزء آخر هو نصر على البيروقراطية وفعلياً البدء بتحطيم الدولة الرأسمالية-بانتشار المجالس العمومية، منذ صدور قانونها في عام 2006 وحتى الآن مع صدور التعديل على القانون الذي يعطيها صلاحيات استقلالية أكبر ومقدرة على محاربة البيروقراطية بشكل أفضل، أي أن هذا التيار، يحقق المكاسب "الأكثر حسماً" إذا جاز التعبير.
فمن يريد أن يتخيل حزباً حاكماً، في دولة تستولي على وسائل الإنتاج لنقلها ليد المنتجين-أي أنه توجد هذه المرحلة الانتقالية التي تعطي نفوذاً ما للبيروقراطية، دون أن تتواجد بين صفوف الحزب قوى بيروقراطية وأن يكون التيار الثوري وحيداً في الحزب، فليستمر بأحلامه، ولا يلمنا إن أدناه بالانعزال عن الواقع وترك الاشتراكية العلمية جانباً بتحليلاته واعتماد الأوهام التي لم ولن تكون يوماً حقيقةً.
الصراع الحتمي، بين التيار البيروقراطي والتيار الثوري، يستدعي دوماً من هذا الأخير أن يكون على مستوى المواجهة ومدركاً لأهميتها وخطورتها، ومستوعباً إلى حد كبير واقعها وكيفية الخوض فيها، والتيار الثوري بقائده تشافيز، نجح في الدفع نحو هذا المؤتمر الاستثنائي ليفرض موضوعاته للنقاش.

فنزويلا مركز النشاط الثوري العالمي
قبل بداية هذا المؤتمر، أطلق الرئيس تشافيز نداءه التاريخي، نحو الأممية الاشتراكية الخامسة، وكرر المطلب مع بداية أعمال المؤتمر الاستثنائي الأول "أدعو المؤتمر الاستثنائي الأول للحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا أن يضع في أجندته للنقاش مقترح دعوة الأحزاب والتيارات الاشتراكية لإقامة الأممية الاشتراكية الخامسة.." هذا النداء التاريخي لم يكن بدوافع اعتباطية، بل هو حاجة ملحة، ليس فقط للثورة البوليفارية في فنزويلا بل للعالم كله فلقد "استطاع النظام الرأسمالي أن يفرض نظاماً إنتاجياً وتطويرياً يدمر الكوكب ويهدد بقاء الجنس البشري" بحسب الرئيس تشافيز.
فالثورة في فنزويلا، تحتاج بشكل حتمي لبعد أممي، إذا ما أريد لها أن تكون اشتراكية وثورةً دائمةً، وليس فقط بتأمين نطاق جيوسياسي يساري أو تقدمي بل بعودة الحياة من جديد بعد طول انتظار للقوى الاشتراكية كافة في العالم، التي لم تنحدر بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي كما يروّج محبوه بشكل أعمى، بل قبل ذلك بكثير متزامناً مع انحطاط التجربة السوفييتية بسيطرة الطبقة البيروقراطية عليها، الذي توج بقرار فردي من ستالين بحل الأممية الثالثة، وتبرهن عليه فشل الأممية الرابعة التي ما استطاعت إنقاذ ما يمكن إنقاذه أممياً.
أما اليوم، يقول الرئيس تشافيز "مركز النضال الثوري هو في أمريكتنا. وفنزويلا هي مركز هذه المعركة. يعود الأمر لنا لأداء دور الطليعة وعلينا أن نؤديه، لنستوعب وندرك المسؤولية الكبيرة على أكتافنا." فلقد انتقل مركز النشاط الثوري والاشتراكي من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية كما يقول الرئيس تشافيز، وكما يقول الواقع الفعلي. وتصدي التيار الثوري وقائده لهذه المسؤولية التاريخية يعني أنهم على وعي كافي لما يجب القيام به، وأنهم يدركون أهمية الأممية لثورتهم كما جاء على لسان الرئيس تشافيز "لا يمكننا أن نفشل الشعب والشعوب الشقيقة،" وردود عدد من الأحزاب على الدعوة للأممية الخامسة كان فيها الكثير من المعاني، وأدرك بعضها الحقيقة الاشتراكية للثورة البوليفارية في فنزويلا التي يدل توجهها الأممي على الكثير مما كانوا يبحثون عنه لإعادة إحياء حلم كل اشتراكي علمي، على الأقل، على وجه هذه المعمورة، كما يعني أن البيروقراطية في الحزب والبرجوازية القديمة قد تلقتا ضربة جديدة تسجل لصالح الثوريين.

الطليعة الثورية تدمر الدولة الرأسمالية
لوح الرئيس تشافيز خلال المؤتمر بكتاب لينين "الدولة والثورة" ونصح الحاضرين بقراءته لأهميته، لأهمية استيعاب العلاقة بين القديم والجديد، وكيفية تحقيق الثورة لنصرها بإزالة العقبات المتعفنة من طريقها. فحدد بأنه خلال العقد المقبل لابد من استكمال المهمة لتغدو فنزويلا "بلداً اشتراكياً..بقيم اشتراكية..تقوم على أساس الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج" ودعا للإطاحة بالدولة الرأسمالية لا بإصلاحها أو تملكها من قبل الحزب، ولا بإملاء الاشتراكية من أعلى، بل بالاشتراكية من القواعد، بتغيير شكل ملكية وسائل الإنتاج، بجعلها اجتماعيةً مما يشكل نجاحاً وأيضاً دعماً لتقدم الثورة-بإضعاف البيروقراطية والبرجوازية كما ذكرت.والاشتراكية من القواعد-بحسب الرئيس تشافيز-تكون بزيادة وعي الطبقة العاملة.
البروليتاريا، الطبقة العاملة، تزيد من وعيها بالنضالات وفي هذه المرحلة لابد من زيادة صلابة "التحالف بين الحزب والطبقة العاملة" الذي يتم باستمرار التفاعل بينهما-بالنقاش خاصةً والاستفادة من الديمقراطية داخل الحزب وخارجه، لتبلغ البروليتاريا مرحلة من الوعي تكون قادرة معه على تغيير البنى الهيكلية لمنظماتها التي كانت نافعة حتى الآن كالنقابات ولكنها يجب أن تتقدم لتواكب المرحلة فالثورة لا يمكنها أن تستمر ما لم تتقدم البروليتاريا "للعب دور الطليعة" لمواجهة أولئك الذين حذر منهم الرئيس تشافيز بأنهم "يرتدون قمصاناً حمراء ويدعون أنهم بوليفاريون، لكن مصلحتهم هي بالدفاع عن مصالح الملكية الخاصة" فكلما خطونا نحو المزيد من الملكية الاجتماعية أرادوا أن "يضغطوا على مكابح الثورة".
فالعمل الآن، بل التحدي، يكمن في تشكيل الطليعة الثورية. يقول الرئيس تشافيز:"الكثير من النضالات الشعبية تطول، تصاب بالإرهاق وتموت. لذلك فإن طليعة واعية واضحة هي مهمة، لذلك أريدكم أن تكونوا طليعة ثورية وأريد أن أكون هنالك معكم" لمساندة النضالات الشعبية وللمضي قدماً في التحول الاشتراكي فالتيار داخل الحزب آن له أن يحقق المزيد من التقدم على حساب البيروقراطيين والبرجوازيين-وإن كان لن يلغيهم فجأةً-ليصبح طليعة الحزب والثورة، وذلك بتحقيق المزيد من المكاسب الملموسة التي تؤمن الأساس المادي لهذا التحول وتحصنه وتضمن تحقيقه.
الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا سيستكمل أعماله في نهاية كل أسبوع حتى أبريل(نيسان) في عام 2010 على أمل إنهاء أعماله مع إطلاق الأممية الخامسة، ليكون ربط النضال الداخلي بالنضال الأممي، وليكون التقدم نحو الطليعة الثورية الحقيقية في فنزويلا مترافقاً مع تحمل المهام التاريخية الملقاة على عاتق الثورة أممياً وتحمل الأمميين لمهامهم أيضاً في هذه المرحلة الهامة التي نبدأها بنداء تاريخي من قائد ثورة يبدو أن التاريخ قد حجز لها مكاناً بارزاً ولن يجعلها عابرةً في صفحاته.