حكومة جديدة .. ليبرالية جديدة

مركز الدراسات الاشتراكية
2004 / 7 / 26 - 10:30     

خرج التشكيل الوزاري الجديد ليؤكد على إصرار النظام الحاكم على ثوابت ثلاثة لا يبدو أنه ينوي التنحي عن أيا منها، وهي تعميق سياسات السوق الحر والليبرالية الجديدة في مصر، وتوريث الحكم لجمال مبارك وأصدقائه من رجال الأعمال، والتبعية للإمبريالية ومحاولة استرضاء السيد الأمريكي حتى يرضى ويقبل بـ"إنجازات" القائمين على حكم المستعمرة المصرية. وقد كانت هذه الثوابت ـ باستثناء توريث الحكم لنجل الرئيس ـ هي أركان الحكم الأساسية منذ منتصف السبعينيات.



لكن المرحلة الحالية التي يرمز لها التشكيل الوزاري الجديد تنفرد بعدة عناصر لم تبرز في أي من سابقاتها من المراحل المتعاقبة منذ منتصف السبعينيات، أو لنقل، ليس للحد الذي وصلت إليه الأمور الآن. فالدولة على شفا الإفلاس بشكل يفوق الموقف المتردي الذي كانت عليه مصر في نهاية الثمانينيات، والتي لم تخرج الدولة منه سوى بالتبرعات الأمريكية في مقابل مشاركة مصر في ضرب العراق في حرب الخليج الأولى. كذلك حاول النظام، من خلال إحالة رموز الفساد القديمة على المعاش، إيهامنا بأن الحكومة الجديدة بريئة من الفساد، في حين أنها إذا كانت أقل فسادا (إذا اختزلنا مفهوم الفساد لاختلاس الأموال العامة)، فهي بالقطع أكثر نهبا (إذا تذكرنا ما يفعله رجال الشركات الاحتكارية الملتفين حول رجال الحكم). وأخيرا، يمكننا أن نرى بلا لبس أنه لم يحدث منذ زوال الاحتلال البريطاني أن تم بهذا الوضوح تشكيل حكومة هدفها نيل رضا "المستعمرين" من خلال برنامج صيغ لإرضاء الإمبريالية الجديدة في المنطقة والعالم. وتعد علاقة الحكومة الجديدة المباشرة بكبار رجال الأعمال غير مسبوقة منذ قيام الدولة الناصرية. أما عن توريث الحكم وتدخل نجل الرئيس الواضح في تشكيل الحكومة فيعيدنا إلى الفترة الملكية التي بدأت تعود في ثوب جمهوري مبتذل.



نحن إذا أمام تغيير وزاري يرمز إلى زيادة نفوذ رجال الأعمال وانحياز الدولة للشركات المتعددة الجنسيات على حساب طبقات الشعب الكادحة التي تمثل أغلبية الشعب .. أمام تغيير وزاري يؤكد على مسيرة التوريث، ويوطد ليبرالية النهب ويعمقها في مصر، ويعيد حالة شبه الاستعمار التي حكمت مصر قبل الاستعمار البريطاني المباشر. وأخيرا، نحن أمام تغيير يقوم بتنفيذه مجموعة من التكنوقراط يروج لهم البعض على أنهم "نظيفو" اليد!!



ونظرا للانحياز الكبير لرجال الأعمال والشركات الكبرى والاستعمار الذي يظهر في شكل الحكومة الجديدة وفي الملابسات التي سبقت التشكيل، فلم يكن من المستغرب أن تفتقر تصريحات الحكومة الأولية لأي توجه اجتماعي. فالحكومة تضم نفس المسئولين الذين كانوا وراء قرار هدم مستشفى الشاطبي للأطفال من اجل تحويله لحديقة تليق بمقام سيدة مصر الأولى، وتضم نفس المسئولين الذين كانوا وراء تشريد عشرات الآلاف من عمال الزبالة وتحويل رزقهم للشركات المتعددة الجنسيات، ونفس المسئولين الذين اتفقوا على اتفاقية المناطق الحرة والغاز مع إسرائيل. ببساطة، لا يهم إذا كانت التشكيلة الجديدة من غير المختلسين بالمعنى المباشر، هذا إن كانت حقا كذلك. فانحيازهم لسياسات الليبرالية الجديدة والإفقار وصل إلى أكبر مدى، ولا يوجد لديهم ما يقدمونه للطبقات الكادحة سوى المزيد من الاستغلال والمزيد من الاستعمار. وذلك بالطبع سيتطلب المزيد من القمع البوليسي. إن التغيير الأساسي الذي طرأ إذا على الساحة في مصر هو أن كل تعميق الاستغلال الليبرالي سيتم بدون دور للمختلسين القدامى. يبدو أن هذا هو مفهوم الإصلاح الجديد لدى أصدقاء ولى العهد. وهذا ما يتميزون به عن آبائهم من الديكتاتوريين.

لا للتوريث .. لا للإفقار