عشرون ملاحظة حول الملاحظات الست للرفيق آمال الحسين حول الثورة الصينية


خالد المهدي
2010 / 4 / 16 - 02:11     

لم يكن في نيتي الدخول في سجالات فكرية أو سياسية حول الماوية قبل نشر الدراسة التي نقدمها حول الماركسية اللينينية الماوية: لأنها في اعتقادي سوف تجيب على العديد من الانتقادات ومن الإشكالات التي لازالت عالقة حول الموضوع، لكن تسرع الرفيق آمال الحسين في إبداء ملاحظاته حول الموضوع ونقد بعض الأفكار التي نسبها لنا نحن الماركسيون اللينينيون الماويون فرض ضرورة الرد، خصوصا وان الرفيق الحسين حاول انتقاد أفكار أو مواقف نسبها لنا دون أن تكون لنا أية علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد.
لذلك نجد أنفسنا مضطرين إلى تقديم بعض الملاحظات حول ما كتبه.
يقول الرفيق آمال الحسين في مستهل ملاحظاته: "إن البعد التاريخي لمفهوم الماركسية اللينينية لا يتم من منطلقات ايديولوجية وسياسية صرفة التي تجعل صاحبها ينفي وجود المعارضين لأفكاره ويكن العداء لكل من يخالفه الرأي كما يفعل "الماويون المغاربة" تجاه الماركسيين اللينينيين، بل النظرة الى هذا المفهوم يجب ان تنطلق من البعد الفلسفي للديالكتيك الماركسي وليس من الأوهام الإيديولوجية والسياسية الصرفة...".
إن مجرد هذه الفقرة التي أدلى بها آمال الحسين تكشف وتكثف ما تعانيه الحركة الشيوعية ببلادنا من أزمة فكرية وسياسية.
1- أولا نحن الماركسيون اللينينيون الماويون المغاربة لا ننفي وجود معارضين لأفكارنا، بل على العكس من ذلك تماما، فحجم الإنتاج الفكري الذي قدمناه يوضح بجلاء أننا نأخذ المعارضين لأفكارنا مأخذ الجد ونصارعهم فكريا لأنا نؤمن انه من خلال هذا الصراع ينمو الخط الفكري والسياسي. لماذا إذن يقول آمال الحسين بأننا ننفي وجود المعارضين لأفكارنا؟ إنه وحده من يملك الإجابة على هذا السؤال.
2- ثانيا: آمال الحسين لا يقف الى حد اتهامنا بأننا ننفي وجود المعارضين لأفكارنا، بل إنه يتهمنا أيضا بأننا نكن العداء لكل من يخالفنا الراي خصوصا اتجاه ما أسماه"الماركسيين اللينينيون" وهذا الاتهام يصدر من قلم يقول عن نفسه انه ماركسي لينيني.
من اين استقى الرفيق استنتاجاته هذه، اي أننا ننفي وجود المعارضين لأفكارنا وأننا نكن في نفس الوقت العداء لمن يخالفنا الرأي، وقبل ذلك كيف يمكن لمن ينفي وجود المعارضين لأفكاره ان يكن العداء لهم؟ اليس ذلك بمثابة من يكن العداء لشيء غير موجود.
إن ما قاله آمال الحسين وحده دون ادني جهد يدل على انه يوزع الاتهامات يمينا ويسارا حتى دون أن يفكر فيما يكتب.
عيب على إنسان يدعي انتمائه لماركس ولينين ان يوزع الاتهامات بشكل مجاني، فهذه ليست بأخلاق الشيوعيين إنها حقا أخلاق المدارس البرجوازية.
3- ثالثا: فيما يخص قوله بأننا نكن العداء "للماركسيين اللينينيين" فهذا افتراء وجهل أيضا.
افتراء، لأننا لنا علاقات رفاقية مع العديد من المناضلات والمناضلين وبعض المجموعات التي تتبنى فعلا "الماركسية اللينينية" وتخالفنا الرأي حول الماوية (وليس ماوتسي تونغ)، لنا معهم علاقات رفاقية تتعدى المجاملة البرجوازية، نناضل سويا على صعيد العديد من الجبهات ووسط هذا النضال نتصارع فكريا وسياسيا لكن بشكل ديمقراطي وبالشكل الذي يخدم الحركة الشيوعية ببلادنا وينمي الثقافة والأخلاق الشيوعية في صفوف المناضلات والمناضلين.
إن هذا الافتراء الذي ينشره آمال الحسين حول كوننا نكن العداء لكل من يخالفنا الرأي لا يمكن أن نصنفه سوى في خانة الوسائل البرجوازية التي يخوض بها البعض الصراع ضد الآخرين، أما إذا اعتبر الرفيق الحسين الصراع الفكري الذي نخوضه داخل الحركة الشيوعية ضد الأفكار البرجوازية والممارسات غير البروليتارية هو بمثابة عداء نكنه للآخرين فتلك قضية أخرى تستدعي نقاشا آخر.
إن ما قاله الرفيق الحسن هو إلى جانب انه افتراء فهو جهل أيضا، جهل بالأوضاع الحقيقية للحركة الشيوعية ببلادنا. لقد ادعى بأننا نكن العداء "للماركسيين اللينينيين" لكنه في المقابل لم يقل لنا من هم هؤلاء "الماركسيون اللينينيون" هل كل من يقول عن نفسه انه ماركسي لينيني هو كذلك؟ لقد قال لينين ذات مرة " إن الحمقى وحدهم من يصدقون ما يقوله المرء عن نفسه".
نعم نحن نكن العداء، ليس للأشخاص طبعا، فأخلاقنا لا تسمح بذلك، بل للخطوط الانتهازية التي تدمر الحركة، حتى وإن قالت عن نفسها أنها تتبنى الماركسية اللينينية.
إن الرفيق آمال الحسين غير قادر على تمييز الخطوط داخل الحركة الشيوعية ببلادنا وذلك ناتج في اعتقادي على الجهل بمضمون ومحتوى هاته الخطوط .
لنترك كل ذلك جانبا ، لأن التاريخ وحده كفيل بكشف العديد من الحقائق حول ما يدعيه آمال الحسين لكن قبل التعليق على ملاحظاته بخصوص الثورة الصينية لنا أيضا ملاحظة أخرى حول منهج الرفيق في "نقدنـ"نا
4- إنه يقول بان "البعد التاريخي لمفهوم الماركسية اللينينية لا يتم من منطلقات ايديولوجية وسياسية صرفة" لكنه بعد سطرين سوف يعود ليقول:" بل إن النظرة الى هذا المفهوم يجب أن تنطلق من البعد الفلسفي للديالكتيك الماركسي" أليس البعد الفلسفي هو أيضا يدخل ضمن منطلقات ايديولوجية؟
غريب أن يستعمل الإنسان الأفكار التي ينتقدها كمنطلقات لنقده.
أما بخصوص ملاحظات آمال الحسين عن الثورة الصينية فتلك قصة أخرى و سوف نعالجها بشكل آخر و نسجل ملاحظاتنا على ملاحظاته
5- إن كل محاكمة وملاحظات الرفيق الحسين يمكن إيجازها على النحو التالي:
إن الماركسية اللينينية هي مفهوم نتج تاريخيا من خلال الثورة الاشتراكية وهو بالتالي يجيب عن قضايا هذه الثورة وقضايا البناء الاشتراكي، في حين أن الثورة الصينية هي ثورة برجوازية لم تستطع أن تصل الى مرحلة الثورة الاشتراكية، ومنه فإن الانتاج الفكري لماوتسي تونغ لا يمكن ان يتجاوز الماركسية اللينينية لأنه انتج ضمن ثورة برجوزاية لا يمكن أن تتجاوز الثورة الاشتراكية
وقد حاول آمال الحسين جاهدا ان يوضح هذا المعنى ويدافع عنه مستعينا بمقولات لماوتسي تونغ نفسه ترجع تاريخيا الى سنة 1937، اي أيام وسنوات إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بالصين، او حسب اصطلاح ماو نفسه: ثورة الديمقراطية الجديدة
وإليكم بعض صيغ آمال الحسين :
"إن الثورة الصينية لم تستطع تجاوز مرحلة الثورة البرجوازية رغم انها حدث عظيم بعد الثورة الاشتراكية السوفياتية، وبذلك لا يمكن أن تضيف الى الماركسية اللينينية فلسفيا ومعرفيا...".
" إلا ان الثورة البرجوازية الصينية لم تستطع تجاوز تناقضاتها الداخلية... لتبقى رهينة منطلقاتها النظرية المتسمة بالماركسية اللينينة دون القدرة على تجاوزها الى الممارسة العملية في البناء الاشتراكي، الشيء الذي يمنعها من ان تضيف للثورة الاشتراكية جديدا...".
هل بالفعل كما يدعي آمال الحسين ان الثورة الصينية لم تستطع تجاوز مرحلة الثورة البرجوازية؟.
6- قبل أن نجيب على هذا السؤال نود أن نقول أن ما قاله الرفيق آمال الحسين هو أولا ارتداد كلي حتى عن ما كانت تتبناه الحركة الماركسية اللينينية في السبعينات، وخصوصا منظمة الى الأمام التي كانت تتحدث عن الثورة الاشتراكية بالصين، وكانت تقول بالماركسية اللينينية فكر ماو . وما يقوله الرفيق آمال الحسين سوف يؤدي بنا أولا عند تقييم تجربة الحملم وخصوصا منظمة إلى الأمام إلى امتلاك الجرأة لنقد هذه الأخيرة ايديولوجيا وسياسيا و هو ما لم يفعله الرفيق الحسين.
ثانيا آمال الحسين ينفي بشكل قاطع أن تكون الصين قد تجاوزت مرحلة الثورة البرجوازية، إن هذه الملاحظة تدل على جهل الرفيق وهو جهل مزدوج، جهل بالتاريخ أي تاريخ الثورة الصينية وجهل بالماركسية.
7- جهل بالتاريخ لأن الرفيق الحسين لم تتجاوز معرفته بالثورة الصينية سنة 1949، أي سنة حسم السلطة السياسية وإقامة الديمقراطية الشعبية، في حين أن الثورة الصينية امتدت من ذلك التاريخ حتى سنة 1976 مرورا بالقفزة الكبرى إلى الأمام (1956) وأساسا بالثورة الثقافية العظمى 1966-1976، وهذه المرحلة خصوصا الأخيرة منها توضح طبيعة الثورة الصينية وتوضح المضمون الاشتراكي لا سواء على المستوى الاقتصادي، ولا سواء على المستوى السياسي والثقافي.
8- جهل بالماركسية لأن الرفيق آمال الحسين قد نسي أو تناسى ما تعنيه الثورة بالنسبة للماركسيين. لقد جابه لينين مثل هاته الحجج، مثل هذا المنطق الذي يتحدث به الرفيق آمال الحسين، فبعد ثورة فبراير 1917 بأشهر قليلة سوف يوضح لينين ضرورة حسم السلطة السياسية لصالح البروليتاريا، أي إنجاز الثورة الاشتراكية، فلينين الذي "ينتسب" إليه الرفيق الحسين قد جابه معارضة بعض البلاشفة الذين طالبوا بعدم القيام بهذه الخطوة وكان تبريرهم في ذلك أن الثورة البرجوازية الديمقراطية لم تنته بعد ولم يتم إنجاز مهامها. لقد سخر لينين من هؤلاء البلاشفة قائلا بأن من يقول بان الثورة البرجوازية لم تنته بعد يجب أن يتم وضعه في أرشيف البلاشفة القدماء"، رد لينين كان بطرح السؤال: ماذا تعني الثورة؟
" إن انتقال السلطة من طبقة إلى أخرى هو الدليل الأول، الرئيسي، الجوهري على الثورة سواء بمعنى الكلمة الدقيق أم بمعناها السياسي والعملي."
محاكمة الرفيق الحسين تقول بان ماو تسي تونغ لم يستطع تطوير الماركسية اللينينية لأن هذه الأخيرة هي نتاج للثورة الاشتراكية، وأن الثورة الصينية ثورة ذات مضمون برجوازي، وبالتالي، فإن كل الاطروحات النظرية التي انتحت خلالها لا يمكن أن تتجاوز وتطور أطروحات أنتجت إبان ثورة اشتراكية.
إن هذا التحليل لا علاقة له بالماركسية، ويكشف ثلاث أخطاء لدى الرفيق الحسين.
9- أولا، من قال أن تطوير الماركسية يستدعي الانتقال من ثورة إلى أخرى؟ وهي نفسها الصيغة التي استعملها البعض لرفض الماوية من منطلق ضرورة الانتقال من مرحلة اقتصادية إلى مرحلة أخرى.
لينين سنة 1901، اي قبل الثورة الاشتراكية، بل قبل حتى الثورة البرجوازية أيام المحاولات الأولى لبناء الحزب الثوري بروسيا قد جابه الاقتصادويين والانتهازيين الذين كانوا يصرخون بضرورة "تطوير الماركسية" وفتح "المجال لحرية النقد" ليس عن طريق التحليل الذي يقدمه آمال الحسين، فلينين لم يجابه الانتهازيين بالقول ان الماركسية "نظرية كاملة" ولم يجابه الانتهازيين بأنه لا حاجة لتطوير الماركسية، ولم يجابه الانتهازيين بالقول أن تطوير الماركسية يستدعي الانتقال إلى الثورة الاشتراكية لأنها هي وحدها التي توفر الشروط المادية لتطوير الماركسية، ولم يجابه الانتهازيين بالقول ان الماركسية هي نظرية البروليتاريا في عهد رأسمالية المنافسة الحرة، وسوف تبقى مادامت هذه المرحلة قائمة" كما يفعل الكثيرون اليوم.
إن الماركسي لينين الذي أدرك خلفيات أولئك الذين ينادون بحرية لنقد بقوله" ونحن نسأل الآن: أي شيء جديد قدمه لهذه النظرية «مجددو»ها الصخّابون الذين أثاروا في زمننا هذه الضجة الشديدة ملتفين حول الاشتراكي الألماني برنشتين؟ لا شيء أبدا: فإنهم لم يدفعوا أي خطوة إلى الأمام هذا العلم الذي أوصانا ماركس وانجلس بتطويره؛ ولم يعلموا البروليتاريا أي أساليب جديدة للنضال؛..."
إن لينين هنا لم ينفي إمكانية تطوير الماركسية وفقط، بل إنه اقر بضرورة تطويرها وأوصى الماركسيين بذلك. لقد قيل هذا الكلام في بداية القرن العشرين، اي قبل الثورة الاشتراكية وقبل بروز الامبريالية وقبل الحرب العالمية الأولى. إن هذا التحليل الذي قدمه الرفيق لينين يحطم بلا رحمة كل كلمة قالها الرفيق الحسين حول تطوير نظرية البروليتاريا.
10- الخطأ الثاني الذي في ما قاله الرفيق آمال الحسين هو انه ربط الماركسية اللينينية بالثورة الاشتراكية، صحيح أن هذا المفهوم قد تم تعميمه وسط الحركة الشيوعية العالمية بعد موت لينين، لكن مضمون "الماركسية اللينينية" يعني الانتقال بفكر ونظرية البروليتاريا إلى مرحلة أعلى تجيب على العديد من الإشكالات والقضايا التي لم تقدم الماركسية إجابة عنها لأنها لم تعشها أو لأنها لم تطرح بحدة في حياة ماركس وإنجلز، ومنه فاللينينية باعتبارها تطوير خلاق للماركسية لا ترتبط بالثورة الاشتراكية وفقط، إن هذه الأخيرة هي بكل تأكيد جزء منها، لكن اللينينية باعتبارها تطوير للماركسية قد برزت قبل أكتوبر 1917، اي قبل الثورة الاشتراكية، وهنا نحن طبعا لا نتحدث على المصطلح وعلى التسمية، وإنما نتحدث عن تطوير الماركسية من طرف الرفيق لينين، تطويره لنظرية الحزب، للثورة البرجوازية بقيادة البروليتاريا، لقوانين الامبريالية و.....الخ.
كل هذا ينفي ويهدم ما قدمه الرفيق آمال الحسين من تحليل.
11- الخطأ الثالث للرفيق آمال الحسين هو أيضا في نظرته لتطور العلوم ولشروط تطور العلوم والأشخاص الذين يقومون بذلك، فالماركسية بوصفها على تتطور من خلال الممارسة العملية، وهذا الكلام الذي يقول به حتى الرفيق آمال هو كلام سليم. لكن القول بان ماو تسي تونغ لم يكن من الممكن أن يطور الماركسية اللينينية لأن "الثورة الصينية لم تتجاوز مرحلة الثورة البرجوازية" هو كلام يدل على منطق قومي فج لا علاقة له بالأممية ولا بالفلسفة الماركسية التي تتحدث عن وحدة الفكر البشري.
إن ما قاله الرفيق آمال الحسين يصب في دائرة تلك المحاولات التي يقوم بها بعض المفكرين البرجوازيين الصغار أمثال محمد عابد الجابري الذي يتحدث عن "العقل العربي"، إن ماركس الذي شيد الماركسية لم يكن فرنسيا، لكنه درس الثورة الفرنسية، ووضع أسس الاشتراكية العلمية، ولم يكن إنجليزيا، لكنه درس الاقتصاد الانجليزي، وغيره وشيد الاقتصاد السياسي الماركسي...الخ.
وماو قد عاش فترة إقامة ديكتاتورية البرولتاريا بالاتحاد السوفياتي، وكان مطلعا عليها و على إشكالاتها وعاش ايضا مرحلة سيطرة التحريفية على السلطة السياسية وإعادة الرأسمالية بالاتحاد السوفياتي وصارع ضدها...الخ.
إن ذلك يعني حتى بمنطق الرفيق آمال الحسين أن ماو تسي تونغ عاش الإشكالات الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية للثورة الاشتراكية، وهذا أيضا يهدم كل التحليل الذي قدمه الرفيق آمال الحسين.
أما إذا كان الرفيق الحسين يعتقد أن المفكر الذي من الممكن ان يطور الماركسية يجب ان يكون من نفس البلد الذي أنجزت فيه الثورة الاشتراكية فتلك قضية أخرى لا يمكن أن نتناولها إلا من زاوية نقد الفكر القومي ولا علاقة لها بالأممية ولا بالشيوعية ولا بالماركسية.
12- يقول الرفيق الحسين: "....بعد اغتيال ستالين (ولا اعتقد انه من المفيد تسجيل ملاحظة هنا فالرفيق ربما له مصادره الخاصة التي تؤكد ان ستالين تم اغتياله) وصعود الانتهازية التحريفية إلى السلطة..والتراجع عن الخط والاستراتيجية اللينينيتين".
إن هذه الملاحظة التي أدلى بها الرفيق الحسين تستدعي المزيد من التدقيق، حيث لا يكفي المرور عليها مرور الكرام، لقد أصبح الحديث عن استيلاء التحريفية على السلطة بالاتحاد السوفياتي بعد موت ستالين مسألة شبه مسلمة، كما لو أنها لا تحتاج إلى تحليل وتدقيق، وهذا ما يفعله الرفيق الحسين.
إن استيلاء التحريفية على السلطة في بلاد لينين وستالين طرح ويطرح على الحركة الشيوعية الأممية وفي كل بلد على حدا العديد من الأسئلة المؤرقة.
كيف استطاعت التحريفية الاستيلاء على السلطة مباشرة بعد موت ستالين في بلد استمرت فيها الثورة الاشتراكية ما يناهز الأربعين سنة؟ كيف استطاعت التحريفية الاستيلاء على السلطة في بلد يقول عنه الرفيق آمال إنه انعدمت فيه بشكل كبير الفوارق الطبقية؟
أين كانت هذه التحريفية إذن؟ هل ولدت مباشرة بعد موت ستالين؟ لن نعتقد أن هناك أحد يدعي الماركسية قد يتجرأ للإجابة بنعم على هذا السؤال.
فالماركسية تعلمنا أن كل تعبير سياسي أيا كان له جذوره الطبقية، وهو انعكاس في البناء الفوقي الإيديولوجي والسياسي للبناء التحتي الاقتصادي ...الخ.
إذن ما هي الجذور الطبقية لهذه التحريفية في بلد تنتفي فيه بشكل كبير الفوارق الطبقية، وفي بلد بنى وشيد الاشتراكية على طول ما يناهز الأربعة عقود؟
ألم تكن هذه التحريفية موجودة في حياة الرفيق ستالين، لماذا إذن لم يتم الكشف عنها ومحاصرتها وتعريتها وعزلها؟
ألم يكن هؤلاء التحريفيون أعضاء في الحزب؟ بل أعضاء في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي إلى جانب ستالين وديمتريف؟
إن الرفيق الحسين لا يطرح على نفسه هذه الأسئلة، حيث يكتفي بالقول: "إن الانتهازية التحريفية استولت على السلطة". إذن ليحاول الرفيق الحسين ان يجيب على هذه الأسئلة انطلاقا من "الماركسية اللينينية"، ماذا قالت الماركسية اللينينية حول هذا الموضوع؟؟ هل قدم ماركس او لينين إجابة عن هذه الأسئلة؟ بل هل كان من الممكن أصلا أن يقدم ماركس او لينين إجابة عن أسئلة لم تطرح إلا بعد موتهم بفترة طويلة وطويلة جدا.
إن مجرد طرح هذه الأسئلة يجعلنا في قلب إحدى الموضوعات الأساسية للماركسية اللينينية الماوية.
لقد سبق وانتقدنا، بما فيه الكفاية الفكرة القائلة بان "اللينينية هي ماركسية العصر الامبريالي، وستبقى مادامت الامبريالية قائمة"، وقلنا ان الماركسية وان فكر الطبقة العاملة يغتني ويتطور عبر الممارسة العملية، أي عبر ما يخلقه الواقع الموضوعي أمام الممارسة العملية من إشكالات نظرية وسياسية وتنظيمية.
وقد أثبتت التجربة العملية الملموسة الحاجة إلى تطوير العديد من الاطروحات النظرية والسياسية والتنظيمية أيضا للماركسية اللينينية. فهل يعني ذلك انتقاصا من هاته التجربة؟ قد يبدوا الأمر كذلك ، لكن سوى لأصحاب التفكير الميكانيكي غير الجدلي
13- يقول آمال الحسين بان "الثورة الصينية هي وليدة الثورة الاشتراكية بالاتحاد السوفياتي"ـ انظروا إلى هذا القول أوليس ذلك نفي كلي للماركسية ولأسس الاشتراكية العلمية التي تؤكد بان الثورة في بلد ما هي وليدة التناقضات الطبقية فيه، وان هذه التناقضات وتطورها هو ما يولد الثورة باعتبارها حلا لهذه التناقضات.
صحيح ان الثورة الاشتراكية بالاتحاد السوفياتي قد قدمت العون الكبير للثورة الصينية لا سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، غير انه دون نضج التناقضات الطبقية بالصين ودون وجود خط فكري وسياسي سليم ما كان للثورة الصينية أن تكلل بالنجاح حتى وغن اجتمعت كل شعوب العالم ودوله لدعمها. هذه الألف باء الاشتراكية التي ينفيها الرفيق الحسين بجرة قلم.



14- يقول الرفيق أمال الحسين:"...نرى اليوم الصين مؤهلة لتصبح من اكبر الامبرياليات"، وإذا ما سئلنا الرفيق لماذا؟ يجيب بما يلي: "لكون منطلقات البرجوازية التي أرستها الثورة الصينية صلبت عود اقتصادها الرأسمالي الحديث الذي لا يمكن تجاوزه". انظروا إلى ذلك جيدا "لا يمكن تجاوزه" وإذا كان الأمر كذلك فما الداعي للثورة بالصين اليوم؟ !!، وبعد هذه الهفوة سوف يطلق الرفيق العنان لقلمه ليكتب قائلا: "فالانتهازية التحريفية بالصين حولت البلاد بسلاسة بعد موت ماوتسي تونغ مباشرة إلى طريق الرأسمالية، بينما في الاتحاد السوفياتي فرغم محاولات الانتهازية التحريفية الى تحويل القوى المنتجة الاشتراكية التي خلقتها الثورة الاشتراكية إلى قوى إنتاج رأسمالية لم تستطع (انظروا إلى ذاك جيدا) إلا إعلان انهيار التجربة الاشتراكية بعد أكثر من ثلاثة عقود من محاولات الهدم...".
هذا نموذج من محاكمات قلم يقول بأنه ينتمي الى ماركس ولينين، حسنا لنوجه انتباهنا قليلا إلى ما كتبه هذا الرفيق.إن الحديث بان التحريفية السوفياتية" بالرغم من كل محاولاتها الى تحويل القوى المنتجة الاشتراكية...لم تستطع إلا إعلان انهيار التجربة الاشتراكية بعد اكثر من ثلاثة عقود من محاولات الهدم" هو مجرد هراء وكلام لا علاقة له بالواقع من جهة، ومن جهة ثانية فإنه حديث يصب في خانة التحريفية الخروتشوفية التي كانت تتغنى هي الأخرى بالاشتراكية وعملت كل ما لديها من مجهودات لخداع الشعوب وبعض الأحزاب الثورية بأن الاتحاد السوفياتي ظل حتى بعد وفاة ستالين بلدا اشتراكيا.
إن الرفيق الحسين يحاول ان يقنعنا بان الاتحاد السوفياتي ظل بلدا اشتراكيا حتى بداية التسعينات من القرن الماضي الذي أعلنت خلاله "انهيار التجربة الاشتراكية" وهذا التحليل لا نجده في حقيقة الأمر سوى في أدبيات الأحزاب الانتهازية وأحزاب البرجوازية الصغرى مثل حزب النهج الديمقراطي بالمغرب الذي يتحدث هو الآخر عن انهيار "التجربة الاشتراكية" في بداية التسعينات من القرن الماضي. غير ان ادبيات الماركسيين الحقيقيين تقول غير ذلك، الحزب الشيوعي الصيني تحت قيادة ماو نفسه كان يتحدث عن الامبريالية السوفياتية بعد المؤتمر العشرين بسنوات قليلة، أنو خوجا أيضا وحزب العمل الالباني كان يقر بتحول الاتحاد السوفيتاتي بعد موت ستالين الى إمبريالية، منظمة الى الأمام المغربية اتخذت نفس الموقف اتجاه الامبريالية السوفياتية.
إن الرفيق الحسين لا يعرف شيئا عن صراع ماوتسي تونغ ضد التحريفية المعاصرة، ذلك الصراع الذي خلف دروسا عظيمة للثوريين اليوم.

15- إن الادعاء بأن التحريفية بالاتحاد السوفياتي لم تستطع إلا إعلان انهيار التجربة الاشتراكية بعد أكثر من ثلاثة عقود من محاولات الهدم هو دفاع، عن غير وعي طبعا، عن الامبريالية السوفياتية وعن الجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب الروسي وشعوب الاتحاد السوفياتي، وشعوب العالم.
إن ما انهار في بداية التسعينات ليس التجربة الاشتراكية أيها الرفيق، وإنما الامبريالية الروسية، إن ما انهار هو التحريفية وليست الاشتراكية، فالتجربة الاشتراكية بالاتحاد السوفياتي تلقت هزيمة مؤلمة مباشرة بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي بالاتحاد السوفياتي الذي أطلق العنان للرأسمال على كافة الجبهات.
إن الرفيق آمال الحسين بحديثه هذا يعتقد أنه يدافع عن التجربة الاشتراكية في حين انه ينال منها، طبعا نقول هذا ونؤكده أن الرفيق يفعل ذلك من دون قصد، وعن غير وعي، فالتحليل الذاتي الذي يقدمه الرفيق هو الذي قاده إلى هذا الخندق.
16- الرفيق الحسين لم يقف عن هذه الحدود، بل إنه ذهب أبعد مما يتصوره العقل حين يقر أن :" حدث الثورة الاشتراكية بالاتحاد السوفياتي سيبقى يعرقل الانتهازية التحريفية التي تسعى إلى تحويل روسيا إلى إمبريالية، حيث لم تستطع بعد تجاوز عرقلة القوى المنتجة الاشتراكية التي نمت في أحضان الثورة الاشتراكية والتي ستبقى تعرقل أي محاولة لتحويل روسيا الى إمبريالية حديثةّ".
ما كل هذا الهراء، هل بالفعل الرفيق آمال الحسين يفكر قبل ان يكتب ما يكتبه؟ ! إن هذه الفقرة وحدها تستوجب ان نسجل عليها ليس 6 ملاحظات، بل 36ملاحظة.
إن الرفيق الحسين يعتقد ان من يستولي على السلطة اليوم بروسيا هي الانتهازية التحريفية؟ لا اعتقد أن الرفيق يعرف شيئا عن الخط الفكري والسياسي للقادة الروس اليوم، عن اي تحريفية وعن اي انتهازية تتدحث ايها الرفيق، اليوم ليس هناك تحريفية في السلطة بروسيا، بل هناك رأسماليون امبرياليون بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى اقتصادي وايديولوجي.
لقد كانت الحركة الشيوعية العالمية كلها، تتحدث قبل التسعينات عن التحريفية السوفياتية لأن "الحزب الشيوعي بالاتحاد السوفياتي" الذي كان في هرم السلطة السياسية كان يتمسح بالماركسية وباللينينية ويحرفها لخدمة مشاريعه الامبريالية، أما اليوم فلا شيئا من ذلك، فلماذا الحديث عن التحريفية والانتهازية السوفياتية؟
17- الرفيق الحسين يعتقد أيضا "أن الثورة الاشتراكية سوف تبقى تعرقل اي محاولة لتحويل روسيا الى دولة امبريالية حديثة".
فأين يمكن أن نصنف روسيا اليوم إذا لم نصنفها كدولة إمبريالية، هل هي دولة اشتراكية؟ أم انها مستعمرة ام شيء آخر لا يعرفه سوى الرفيق آمال الحسين !!!
إن هذا التعصب ، وهذا التحليل الذاتي حتى النخاع لتقييم الثورة الاشتراكية يزيد من أزمة الحركة الشيوعية ببلادنا ، ولا يقدم اي شيء لصالحها أبدا.
ويتهمنا الرفيق آمال الحسين بقوله: "وهدم القوى المنتجة الاشتراكية لا يمكن حدوثه بالسهولة بمكان كما يتصوره أصحاب التعصب لتحديث الماركسية اللينينية عن طريق الماوية".
هانحن الذين أصبحنا متعصبين !! وعلى كل حال لن نعير هذا الاتهام اي انتباه لأنه يفتقد لأي دليل او حجة، أما حجتنا في تعصب الرفيق فقد قدمنا الكثير منها ولازال.
18- إن ما يقوله الرفيق آمال الحسين حول "القوى المنتجة" هي بالذات الأطروحة النظرية التي اعتمدتها التحريفية بالاتحاد السوفياتي وبالصين أيضا لإعادة الرأسمالية في هذين البلدين، تلك الأطروحة التي وصفها الرفيق ماو بنظرية "القوى المنتجة الرجعية" التي تعتقد بان بناء الاشتراكية وتثبيت ديكتاتورية البروليتاريا يمر في المقام الأول عن طريق "تطوير القوى المنتجة". لقد أدينت هذه النظرية إبان الثورة الثقافية، واستطاع الثوريون (ات) بقيادة ماو أن يبرزوا أولوية الصراع الطبقي على الإنتاج، إن تلك المعركة أيضا يجهلها الرفيق آمال الحسين.
19- الرفيق الحسين الذي يقول بأن"هدم القوى المنتجة الاشتراكية لا يمكن حدوثه بالسهولة بمكان" لم يوضح للقراء ما يقصده "بالقوى المنتجة الاشتراكية" فبالنسبة للماركسيين ليست هناك "قوى منتجة اشتراكية" وقوى منتجة رأسمالية، او إقطاعية.
إن هذا المفهوم "القوى المنتجة الاشتراكية" لا يستعمله في حدود علمي سوى الرفيق آمال و التحريفية السوفياتية والصينية سابقا. أما الماركسية فتحدثت عن علاقات الإنتاج الاشتراكية وعلاقات الإنتاج الرأسمالية او الإقطاعية.
ما هي هذه "القوى المنتجة الاشتراكية"؟ سؤال يظل عالقا ولا نعتقد أن الرفيق آمال الحسين قد يتجرأ للإجابة عليه.
أما كيف يصعب هدم "القوى المنتجة" فإن الرفيق الحسين أيضا لا يقدم جوابا عن ذلك سوى بعض الكلمات والاتهامات المجانية.
لكن نعتقد انه لا بد من الإدلاء ببعض الملاحظات هنا. إن ما يصعب فعله ليس هو هدم"القوى المنتجة"، بل إنمائها هو الشيء الصعب لأن تستدعي تطوير علاقات الإنتاج لأنها هي مربط الفرس، وتطوير هذه الأخيرة يستدعي العنف ويستدعي الثورة.
إن ما يميز ثورة البروليتاريا الاشتراكية عن باقي الثورات (وهو الشيء الذي لا ينتبه إليه الرفيق الحسين) إنما هي أن البروليتاريا هي الطبقة الوحيدة في التاريخ التي تفرض عليها شروطها المادية أن تسيطر سياسيا قبل أن تسيطر اقتصاديا.
إن الإقطاع أو البرجوازية قد قامت بثوراتها بعد أن استطاعت أن تثبت أقدامها اقتصاديا، في حين أن البروليتاريا غير المالكة لأي شيء سوى قوة عملها لا يمكنها ان تسيطر اقتصاديا إلا عن طريق السيطرة السياسية والإيديولوجية وعندما تفقد البروليتاريا سيادتها السياسية والايديولوجية فإن ذلك بمثابة نهاية الثورة الاشتراكية، هكذا كان الحال بالاتحاد السوفياتي وبالصين بعدما استولت التحريفية على السلطة.
20- من كل هذه المنطلقات السابقة يحاول الرفيق الحسين ان يقدم تفسيرا عن تأخر روسيا وعن "التقدم" الاقتصادي الذي تعرفه الصين. فما اسماه "القوى المنتجة الاشتراكية تعرقل تحول روسيا إلى دولة إمبريالية حديثة" و"المنطلقات البرجوازية" التي أرستها الثورة الصينية عجلت بتحول الصين إلى إمبريالية جديدة !!!
إن هذا التحليل هو نسيان لللينينية ونسيان لأحد القوانين الموضوعية التي تحكم تطور الامبريالية الذي صاغه لينين في مؤلفاته حول الامبريالية، اي "قانون التطور اللامتكافئ". بهذا القانون نستطيع تفسير "التقدم" الاقتصادي الذي تعرفه الامبريالية الصينية، مقارنة مع مثيلتها الروسية، أما الحديث عن"عرقلة القوى المنتجة الاشتراكية لتطور روسيا ...." فهو يدخل من باب الهراء "النظري" ليس إلا.

--------------
لينين: برنامجنا
لينين: رسائل حول التكتيك