ألمدلولات السياسية لمعاهدة -سالت 3- الاستراتيجية الروسية- الامريكية!


احمد سعد
2010 / 4 / 12 - 19:43     

أخط هذه الكلمات صباح التاسع من نيسان/ ابريل الذي سيشهد في العاصمة التشكية براغ حدثا تاريخيا بتوقيع معاهدة "سالت3" للحد من الاسلحة الصاروخية الهجومية الامريكية والروسية والتي سيمهر كل من الرئيس الروسي ميدفيدف والامريكي اوباما التوقيع على هذه المعاهدة الهامة. وتجدر الاشارة الى ان العمل بموجب معاهدة "سالت2 "توقف في شهركانون الاول/ ديسمبر من العام الماضي ولم تجدد رغم مواصلة التفاوض الامريكي الروسي الذي تعثر بسبب بروز ملامح الحرب الباردة في العام 2008 بسبب الاستراتيجية العدوانية الامريكية التي تجسدت ببرنامج النظام الدفاعي الاستراتيجي، بنشر الدروع الصاروخية ومحطات المراقبة الاستراتيجية الامريكية على الاراضي التشيكية والبولونية وغيرهما، وتصعيد العدوان في جنوب شرق آسيا والشرق الاوسط، إستراتيجية رأت في مدلولها السياسي اوساط الكرملين خطرا يهدد الامن القومي الروسي. ولعل الانفجار الذي حدث في قيرغيزستان وعاصمتها باشكيك والاحتمال باسقاط الحكم الفاسد والمتعفن هناك المدجن امريكيا وتقام على اراضيه قاعدة عسكرية امريكية ضخمة، كمحطة تزويد عسكرية للقوات الامريكية والاطلسية في افغانستان، وكذلك محراك الشر الارهابي وتفجيراته ومحاولاته نسف الامن والاستقرار في انغوشيا والشيشان ومختلف مناطق شمال القفقاز، كل ذلك وغيره جعل القيادة الروسية، السياسية والعسكرية تفكر بان اتحاد جمهوريات روسيا الفيدرالية يهدده الخطر والاختراق، وانه لا مفر ولحماية مصالح النظام من استعادة مكانة روسيا كدولة عظمى لها دورها ومكانتها المؤثران بالمشاركة في صياغة القرارات السياسية والاقتصادية المتعلقة بطابع ومدلول التطور في عالمنا. وركزت القيادة الروسية بالضرب على اوتار قومية الدولة الروسية العظمى وتعمل في نفس الوقت على تطوير قدراتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية وان تطور درجات النمو الاقتصادي الروسي. وقد ساعدت عائدات النفط والغاز الطبيعي وبيع الاسلحة الروسية في بلورة قاعدة تمويلية قوية للتطور الاقتصادي والمعيشي لفئات من البرجوازية الروسية الطفيلية والبيروقراطية الصاعدة. كما بدأ النظام الروسي خطة منهجية لاستعادة مواقعه التي فقدها في العديد من البلدان بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي. أضف الى ذلك انه رغم انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي الا ان روسيا بقيت دولة نووية عظمى تملك اكبر ترسانة نووية في العالم، فروسيا تملك اربعة آلاف وستمئة رأس نووي صاروخي بينما تملك الولايات المتحدة الامريكية الفا وستمئة رأس نووي صاروخي. وقد اثبتت معطيات الواقع خلال العقدين الماضيين من الزمن ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي انه لا يمكن هيمنة قطب واحد عالميا لا استراتيجيا ولا سياسيا ولا اقتصاديا. وقد اثبت نهج القطب الواحد الذي مارسته ادارة بوش واليمين المحافظ من خلال عولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم والبلطجة العدوانية العربيدة، قد اثبت فشله. وان لكل نظام وكل دولة مصالحها، وتعدد المصالح حتّم تعدد الاقطاب والمحاور في عالمنا. وتسونامي الازمة المالية التي انطلقت من الولايات المتحدة واجتاحت مختلف البلدان الرأسمالية اثبت عجز قطب واحد، القطب الامريكي. وهذا ما ادركته ادارة اوباما، ادركت ان لروسيا طاقة ومخزونا صاروخيا نوويا يستطيع تدمير كل الولايات المتحدة، وللولايات المتحدة ترسانة نووية تستطيع شطب روسيا عن الوجود. كما ان روسيا وامريكا تمتلكان (90%) من القوة الذرية العالمية. ومجرد عقد المعاهدة بين مدفيديف واوباما لخفض الترسانة الصاروخية النووية الهجومية بنسبة (30%)، مجرد عقد اللقاء يعكس اقرارا واعترافا امريكيا بفشل وانتهاء مرحلة المتاجرة والسمسرة بمقولة القطب الاوحد، وان التغيرات الجيوسياسية المبنية على قواعد رعاية المصالح "الوطنية" جعل ادارة اوباما تجنح عمليا لعقد صفقة مصالح متبادلة مع روسيا تخدم الاستراتيجية الطبقية للرأسمالية الامريكية ومكانتها عالميا كما تخدم المصالح الطبقية والسياسية للنظام الروسي.



**ألاستراتيجية النووية الجديدة:قبل حوالي عام صرح الرئيس الامريكي اوباما في براغ التشيكية انه سيعمل من اجل جعل العالم نظيفا وخاليا من الاسلحة النووية، وانه انسجاما مع تصريحه هذا، مع رؤيته المستقبلية، فانه عشية لقائه بالرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف قد اعلن في" البيت الابيض" عن "استراتيجية نووية جديدة" (دوكترينا ذرية جديدة)، وتشمل هذه الخطة اولا التوقيع على معاهدة "سالت 3" لتخفيض الترسانة النووية وعدم انتاج اسلحة نووية هجومية جديدة. وفي جوهر الخطة الجديدة امتناع الادارة الامريكية عن استعمال الاسلحة النووية في النزاعات الدولية، ولكن هذا البند لا يسري على الانظمة المتمردة، على ايران وكوريا الشمالية. وحسب ما اكد وزير الدفاع الامريكي (يديعوت احرونوت 7/4/2010) "ان الخطة الجديدة جاءت لتوضح لايران وكوريا الشمالية ان جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، وان الولايات المتحدة تنظر الى هاتين الدولتين كما تنظر الى منظمات ليست دولا تستطيع الحصول على سلاح نووي"!! كما تؤكد الخطة الاستراتيجية الجديدة ان تخفيض الترسانة الصاروخية الهجومية وعدم تطوير انتاج صاروخي جديد لن يمس ابدا الحفاظ على الامن القومي الامريكي، اذا ان لدى الولايات المتحدة والحلفاء في حلف الناتو ما يكفي من اسلحة تقليدية مدمرة لردع أي خطر يهدد الامن الامريكي. كما ستنشط الادارة الامريكية في الضغط لمنع بلدان من انتاج او حصول على اسلحة نووية، واقناعهم ان الخطر الاساسي يكمن في "الارهاب النووي" ومنع وصول الاسلحة النووية الى المنظمات الارهابية.
إن من اهداف توقيع المعاهدة الروسية الامريكية في براغ العمل على تحسين العلاقات الامريكية- الروسية، كما تتوخّى ادارة اوباما ان يساهم تحسين العلاقات مع موسكو تجنيد روسيا بموقف اكثر صلابة بتأييد المقترحات الامريكية، بفرض عقوبات قاسية على ايران والضغط على الصين ايضا لاتخاذ موقف شبيه، خاصة بعد تليين الموقف الروسي. وحقيقة هي ان توقيع هذه المعاهدة في براغ حدث تاريخي هام نأمل ان يكون فاتحة على طريق انجاز الهدف الاستراتيجي المركزي بتدمير جميع اسلحة الدمار الشامل والوصول الى عالم خال من اسلحة تدمير الحضارة الانسانية، ولكن رغم ذلك لا تزال تعترض الطريق بعض العراقيل، ففي تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف فان موسكو تهدد بالانسحاب من المعاهدة اذا بنت الولايات المتحدة النظام الاستراتيجي "الدفاعي" الاذرع الصاروخية في تشيكيا وبولونيا او في جورجيا وغيرها.
وتناغمًا مع الخطة الاستراتيجية الجديدة بادر الرئيس الامريكي باراك اوباما بالدعوة لمؤتمر دولي وبهدف معلن هو الحد من انتشار الاسلحة النووية وعدم وصول هذه الاسلحة الى منظمات ارهابية! سيعقد المؤتمر في واشنطن اليوم الاثنين وغدا الثلاثاء بمشاركة اكثر من اربعين رئيس دولة وحكومة وعدم دعوة كل من ايران وكوريا الشمالية للمشاركة في المؤتمر. ودعي للمشاركة عدد من دول المنطقة خاصة التي تدور في الفلك الامريكي مثل مصر والسعودية والاردن ودولة الامارات العربية وكذلك الهند وباكستان. كما ستشارك اسرائيل ولكن ليس على مستوى رئيس الحكومة نتنياهو بعد ان اعلن هذا عن ذلك في آخر الاسبوع الماضي خشية ان تتعرض اسرائيل للضغط لكشف ملفها النووي امام العالم، في الوقت الذي ترفض فيه التوقيع على معاهدة جنيف لمنع انتشار الاسلحة النووية، وتحتكر ترسانة من السلاح النووي. فقد يقوم احد المندوبين العرب او من غير العرب في مؤتمر واشنطن بالاعتراض على الكيل بمكيالين، بفرض عقوبات قاسية على ايران لمنعها من انتاج السلاح الذري، بينما في اسرائيل يوجد سلاح نووي ومنشئات نووية منذ عشرات السنين ويجري التعامل معها وكأنها فوق القانون الدولي ويُغض الطرف عن قوتها النووية ولا تخضع منشئاتها النووية للمراقبة من قبل اللجنة الدولية للطاقة النووية!! وحكومة نتنياهو ومستشاروها يدرسون وبالتنسيق مع الادارة الامريكية سبل الخروج من هذا المأزق الذي قد يحرج الادارة الامريكية ويضع علامة سؤال حول الاهداف التي تتوخاها من هذا المؤتمر. وقد نشر في عدد يوم الخميس الماضي لجريدة "يديعوت احرونوت" عن مبادرة امريكية للحل في الخريف القادم. والواقع ان بنود هذه المبادرة تضمنتها مطالب ادارة اوباما التي طالبت نتنياهو الاجابة عليها شخصيا. وهي تعيد الى الاذهان خطة الرئيس كلينتون معدلة بشكل هامشي. وقد نشرت في عدد 6/4/2010 من الجريدة نفسها وتتضمن مواصلة التجميد الانتقائي للاستيطان الى ما بعد الثامن والعشرين من ايلول، عدم البناء الاستيطاني في الاحياء العربية من القدس الشرقية المحتلة، نقل كل السلطة الامنية في المنطقة "أ" الى السلطة الفلسطينية، البدء في التفاوض حول مصير القدس في المفاوضات غير المباشرة لجسر الهوة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، انسحاب الجيش الاسرائيلي من كل المناطق التي احتلها ثانية بعد مجزرة القدس والاقصى، السماح للفلسطينيين باقامة مؤسساتهم الرسمية في القدس الشرقية، توسيع سلطة السيادة الفلسطينية لتشمل المناطق المصنفة "ب"، التفاوض حول الحل الدائم ينتهي بعد سنتين من بدئه!!.
ومن المنتظر ان ترد حكومة نتنياهو على هذه المطالب الامريكية او على بعضها اثناء عقد مؤتمر واشنطن اليوم الاثنين. وقد تؤلف الردود الاسرائيلية غير الملزمة اصابع المخدرات في هذا المؤتمر لتسطيل دواجن انظمة العرب وجعلهم يرقصون في حلبة الوهم ان امريكا ناصرتهم وعليهم مناصرتها ضد ايران. ولكن الشعب الفلسطيني الذي يواجه جرائم المحتلين في القدس الشرقية، في الشيخ جراح وفي المناطق المحتلة لن تخدعه المبادرات الامريكية- الاسرائيلية التي تنتقص من ثوابت حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف.
ما يثير التفاؤل ان مؤتمر واشنطن الامريكي يواجه التصدي والمواجهة والكشف عن اهدافه الحقيقية. فالامبريالية الامريكية وحلفاؤها الذين يخلطون بين الارهاب والمقاومة لضرب حق الشعوب في الحرية والسيادة والتطور الخلاق لا يتورعون اليوم عن خلط الاوراق بين تطوير طاقة نووية لاغراض سلمية وبين تطوير طاقة لاغراض عسكرية وذلك بهدف حرمان الدول النامية من استغلال القدرة الهائلة للطاقة النووية، في مجال التنمية ودفع عجلة التطور الاقتصادي المدني. ولهذا، وبمبادرة من ايران سيعقد بعد اسبوع من مؤتمر واشنطن في 17 و 18 نيسان الجاري المؤتمر الايراني تحت شعار "طاقة ذرية للجميع، سلاح نووي لا لاحد" بمشاركة اكثر من دولة بينها الصين. فهذا المؤتمر يؤكد ليس فقط الاباطيل الامريكية- الاسرائيلية واكاذيبهما حول اهداف المشروع النووي الايراني، وان هدفه سلمي وليس عسكريا، بل يؤكد ايضا الحق الشرعي والقانوني لاية دولة نامية باستغلال الطاقة النووية للاغراض السلمية وان لا تبقى منجزات الثورة العلمية التقنية والمعلوماتية حكرا على الدول الرأسمالية الغنية عالية التطور. وان روسيا يجب ان تجد مكانها الطبيعي الى جانب الدول النامية اذا ارادت فعلا ان تستعيد دورها ومكانتها كقوة مبادرة في بلورة القرارات السياسية الهامة لتطور البشرية. والدول النامية المناهضة للهيمنة الامبريالية ولاحتكاراتها مصاصة دماء الشعوب وخيراتها الوطنية تجد في روسيا حليفا طبيعيا للخروج من دوامة التخلف والتبعية وتحسين مستوى تطورها وظروف معيشة شعوبها.