الماركسية اللينينية الماوية: تقاتل، تصمد و تنتصر6 - الاشتراكية العلمية (4)


خالد المهدي
2010 / 4 / 4 - 15:00     

لننتقل الى نقطة أخرى من اسهامات لينين في تطوير الاشتراكية العلمية : قضية ديكتاتورية البروليتاريا و البناء الاشتراكي .
إن إحدى الانتقادات ، أو لنقل بصيغة اوضح ، التهجمات التي يتعرض لها ستالين و لا زال الى يومنا هذا من طرف كل الانتهازيين يمينا كانوا ام " يسارا" ، هي ادعاؤهم ان ستالين حول ديكتاتورية البروليتاريا الى ديكتاتورية الحزب الوحيد . و بعدها الى ديكتاتورية شخص واحد .
ان الماركسية على عهد ماركس و انجلز لم تقدم جوابا واضحا حول علاقة و دور الحزب الشيوعي بالدولة البروليتارية لا لشيء الا لانها لم تعش تلك التجربة الملموسة . لينين عاش هذه التجربة و أغنى الاشتراكية العلمية من هذا الجانب فإبان التهييء الفكري و السياسي للاممية الثالثة سلط لينين نقده للشيوعيين الالمان " اليسراويين " واصفا اليسراوية بانها "مرض الشيوعية الطفولي " و في هذا النقد سخر لينين من " المعارضة المبدئية "و هي كتلة من اليسراويين داخل الحزب الشيوعي الالماني " اتحاد السبارتاكيين ) لوضع المسالة على النحو التالي ".... يواجهنا هذا السؤال : من ذا الذي يجب أن يضطلع بالديكتاتورية : الحزب ام الطبقة العاملة ؟ هل ينبغي مبدئيا ان نسعى لديكتاتورية الحزب ام ديكتاتورية الطبقة البروليتاريا ؟ .."
و بعد تحليل " مسهب " تصل المعارضة اليسراوية الى النتيجة التالية : "... هناك ديكتاتورية الزعماء و هناك ديكتاتورية الجماهير ..." ،لقد وصف لينين طرح المسالة على هذا الشكل بانه " يشهد وحده باختلال الفكر اختلالا عجيبا لا يرجى شفائه " 38. و يضيف لينين بعد تحليل هذه الشعارات ، بأن " إيصال الحديث هنا الى حد القول بأن ديكتاتورية الزعماء هي بوجه عام النقطة المقابلة لديكتاتورية الجماهير ، هو بلادة وسخافة تدعو للضحك "39.
طرح مسألة بذلك الشكل و معارضة الحزب بالطبقة كما يفعل التروتسكيون اليوم و الاشتراكيون – الديمقراطيون الامبرياليون و الانتهازيون و كل منتقدي ستالين حول هذه النقطة يعني في حقيقة الامر " انكار الحزبية و الطاعة الحزبية .

و هذا بالنسبة للينين " ... ما يعادل تجريد البروليتاريا من السلاح تجريدا تماما لصالح البرجوازية " و هو ما يعادل التشتت و التذبذب الموجودين لدى البرجوازية الصغيرة . بالنسبة للينين يشكل النضال ضد البرجوازية الصغيرة اكثر النضالات قساوة و صعوبة لان هؤلاء لا يمكن طردهم و لا يمكن قمعهم ، إنما يلزم ان نتعايش معهم ، فمن الممكن ( و الواجب ) اصلاحهم و تربيتهم من جديد " 40 .
"ان قوة العادة عند الملايين و عشرات الملايين من الناس لهي ارهب قوة " هكذا يتحدث لينين .
لهذا يكون " ان من يضعف ، و لو لحد ضئيل للغاية ، نظام الطاعة الحديدي في حزب البروليتاريا( خاصة في عهد ديكتاتوريتها ) ، يساعد عمليا البرجوازية ضد البروليتاريا" 41 . هذه هي نظرة لينين أما أولئك الذين يهاجمون ستالين من هذه الزاوية فانهم مجرد جبناء لا يستطيعون اعلان نقدهم للينين و اعلان معاداتهم لا "للستالينية " بل للينينية التي قالت بكامل الصراحة و الوضوح " ان العلاقة بين الزعماء و الحزب و الطبقة و الجماهير ، و كذلك ايضا موقف ديكتاتورية البروليتاريا و حزبها من النقابات هما عندنا الآن بالشكل الملموس التالي : تحقق الديكتاتورية على يد البروليتاريا المنظمة في السوفييتات ، و البروليتاريا يقودها الحزب الشيوعي البلشفي ..."42. و أن هذا الحزب "تديره لجنة مركزية منتخبة في المؤتمر و مؤلفة من 19 عضوا ، هذا وتدير الاعمال اليومية في موسكو هيئتان اقل عددا من تلك ، هما المكتب السياسي و المكتب التنظيمي، و كل منهما مؤلف من خمسة أعضاء من اللجنة المركزية و.. و النتيجة هي اذن وجود " حكم القلة " بكل معنى الكلمة .
لا توجد هناك مسألة هامة ، سياسية او تنظيمية ، تقوم بحلها احدى دوائر الدولة في جمهوريتنا بدون ارشادات توجيهية من لجنة الحزب المركزية " 43 .
و اذا كان هذا موقف لينين من العلاقة بين الدولة و الحزب فانه بنفس المضمون يتحدث عن علاقة الحزب بالنقابات التي اعتبرت من ادوات الثورة أي من ادوات انجاز الثورة و توطيدها بعد الانتصار .
فالحزب " يستند في نشاطه مباشرة الى النقابات ... التي هي شكليا غير حزبية . و الواقع ان جميع الهيئات الادارية ، للأكثرية العظمى من النقابات ،و بالدرجة الاولى ، طبعا ، المركز او المكتب الروسي النقابي العام ...تتألف من الشيوعيين و تنفذ جميع توجيهات الحزب ، و النتيجة هي بالاجمال وجود جهاز بروليتاري ، جبار للغاية ، واسع نسبيا و مرن ، جهاز غير شيوعي شكليا ، يرتبط بواسطته الحزب ارتباطا وثيقا بالطبقة و بالجماهير و تتحقق بواسطته و عن طريق قيادة الحزب له ديكتاتورية الطبقة " 44.
غير أن الارتباط بالجماهير لم يكن عن طريق النقابات وحدها بل عن طريق مؤسسات أخرى لا تقل أهمية مثل " مؤتمرات العمال و الفلاحين غير الحزبية"و قد عمل الشيوعيين و على رأسهم لينين الى ..." دعمها و توسيعها و تطويرها و ذلك لتتبع مزاج الجماهير و الاقتراب منها و الاجابة على متطلباتها و تقديم خيرة أفرادها لوظائف الدولة و غير ذلك " 45.
لكن وسط هذا الترتيب العام للسلطة البروليتارية للدولة السوفياتية "...تجري جميع اعمال الحزب عن طريق السوفييتات التي توحد الجماهير على اختلاف مهنهم " و هكذا يتحدث لينين عن مؤتمرات السوفييتات " ... بوصفها تلك المؤسسات الديمقراطية التي لم تعهدها بعد افضل الجمهوريات الديمقراطية في العالم البرجوازي ، و عن طريق هذه المؤتمرات و كذلك عن طريق تعيين العمال الواعين لمناصب مختلفة في الريف ، يتحقق الدور القيادي للبروليتاريا إزاء الفلاحين ، و تتحقق ديكتاتورية بروليتاريا المدن ، و يتحقق النضال المنتظم ضد الاغنياء من الفلاحين و البرجوازيين و الاستثماريين و المضاربين منهم و غير ذلك "46.
تلك كانت بإيجاز موضوعات لينين فيما يخص ديكتاتورية البروليتاريا و علاقة الحزب بباقي المؤسسات السياسية و الاجتماعية الاخرى وسطها .
إن أحد مآثر الرفيق ستالين هو انه دافع باستماتة عن هذه الرؤية اللينينية عن علاقة الحزب بالدولة و بباقي المؤسسات السياسية و إن كان تطبيق هذه الرؤية قد حمل بعض الإشكالات التي سوف نعالجها فيما بعد.
الاسهام السابع للينين حول الاشتراكية العلمية هو ذاك المرتبط بسبل بناء الاشتراكية و توطيد ديكتاتورية البروليتاريا .
انطلاقا من الموضوعات الكلاسيكية لماركس و انجلز حول الاشتراكية سوف ينادي لينين بضرورة تطوير القوى المنتجة كشرط ضروري من اجل بناء الاشتراكية خصوصا في بلد كروسيا التي تعتبر متأخرة جدا من الناحية الاقتصادية بمقارنتها بالدول الاوروبية كفرنسا ، انجلترا و المانيا ...الخ . و هكذا طرح لينين مهمة تطوير الاقتصاد خصوصا في مجال الصناعة و صناعة وسائل الانتاج بشكل أولي ، فبالنسبة للماركسيين فان روسيا قد عرفت تطورا هائلا على مستوى البينة الفوقية السياسية الذي حققته ثورة أكتوبر ، و التي لم تحققه أي دولة قبلها على مر التاريخ . غير أن هذا التطور في البناء الفوقي السياسي كان يقابله تأخر كبير في البنية التحتية الشيء الذي طرح بإلحاح ضرورة تطوير القوى المنتجة ، كمهمة قصوى ، من أجل خلق الشروط المادية والموضوعية لتوطيد الاشتراكية و تطويرها .
فالاشتراكية كما حددها ماركس و انجلز هي الحل الصحيح و العلمي لحل التناقض الذي يتحكم في تطور أسلوب الإنتاج الرأسمالي أي التناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل و الملكية الخاصة لوسائل الانتاج .
غير أن جعل العمل اجتماعيا ليس مهمة الاشتراكية و انما هو مهمة تاريخية تنجزها و تحققها الراسمالية . و هكذا وجدت ثورة اكتوبر نفسها امام هذا الوضع "الخاص " و الجديد . فكيف اذن على الاشتراكية التي يجب أن تحطم الراسمالية ان تحل الطابع الاجتماعي للعمل و الملكية الخاصة لوسائل الانتاج في حين ان الطابع الاجتماعي للعمل بروسيا لا زال قليل التطور ؟
من هذا الاشكال الذي واجهته ثورة اكتوبر ، و هو بالمناسبة الاول من نوعه في تاريخ البشرية ، برزت ثلاث استنتاجات أو إجابات :

الاولى : تقول بتجاوز هذا الوضع عن طريق نقل الثورة الى اوروبا و بالتالي حل هذا الإشكال عن طريق مساعدة البروليتاريا الاوروبية للبروليتاريا الروسية .

الاجابة الثانية : تقول انه ما كان من اللازم ، اصلا ، القايم بالثورة الاشتراكية في بلد متخلف اقتصاديا و لا زالت قواه المنتجة غير ناضجة بما فيه الكفاية .

الاجابة الثالثة : تقول بتطوير الاقتصاد و القوى المنتجة تحت قيادة ديكتاتورية البروليتاريا عن طريق السماح بوجود الراسمالية " في الحدود المسموح بها "و هذا ما ذهب اليه لينين و اقترح خلال المؤتمر العاشر للحزب السياسة الاقتصادية الجديدة " النيب "ذات المضمون الراسمالي . و قد ساعدت هذه السياسية على خروج الاتحاد السوفياتي من الازمة الاقتصادية بل و مكنت من وضع اسس جيدة للتطور الاقتصادي اللاحق .
الرفع من الانتاج و تطوير الاقتصاد و تطوير قوى الانتاج ذلك كان هو الشعار الاول الذي حدده لينين لتوطيد الاشتراكية . و قد شكل فيما بعد كما سوف نرى المبدأ الموجه لسياسة الحزب فيما بعد . أي على عهد ستالين . في نفس المضمار سوف يقدم ايضا الرفيق لينين موضوعاته حول حل التناقض بين البروليتاريا و الفلاحين على صيغة " التجميع " و " التعاون " تجميع الاراضي في كولخوزات و تعاون الفلاحين في استثمارها .
و قد كانت هذه الرؤية هي امتداد لما قاله انجلز حول المسألة سنة 1891.
لقد وضع الرفيق لينين امام الحزب و امام الطبقة العاملة بالاتحاد السوفياتي مهمة تطوير القوى المنتجة و بالدرجة الاولى تطوير الصناعة كمهمة تحظى بالاولوية من اجل توطيد الاشتراكية بروسيا . غير أنه مع ذلك كان يدرك الصعوبات الاساسية الاخرى التي تقف امام تطور الاشتراكية : أي الانتاج البضاعي الصغير .
بالنسبة للينين فان منتجي البضائع الصغار،" ... لا يمكن طردهم ، و لا يمكن قمعهم ، إنما يلزم ان تتعايش معهم ، فمن الممكن ( و الواجب ) اصلاحهم و تربيتهم من جديد و ذلك فقط بواسطة عمل تنظيمي مديد بطيء تكتنفه الحيطة . فهؤلاء يحيطون بالبروليتاريا من جميع الجهات بروح البرجوازية الصغيرة ، و هذه الروح تتسرب في البروليتاريا و تفسدها ، و تسبب على الدوام عند البروليتاريا تكرار النواقص الملازمة للبرجوازية الصغيرة : الميوعة ، التشتت ، الفردية ، الانتقال من الحماسة الى الخمود " 47. ليضيف بأن " ديكتاتورية البروليتاريا عبارة عن نضال عنيد ، دموي ، قسري و سلمي ، حربي و اقتصادي ، تربوي و اداري يشن ضد قوى و تقاليد المجتمع القديم . إن قوة العادة عند الملايين و عشرات الملايين من الناس لهي ارهب قوة " 48 .
" ان الانتصار على البرجوازية الكبيرة المتمركزة لأهون الف مرة من " الانتصار " على الملايين من المالكين الصغار ، فهؤلاء يوجدون بنشاطهم اليومي غير المحسوس و المفسد ، ذات النتائج التي تحتاج اليها البرجوازية ، و التي تبعث البرجوازية " 49.
إن قوة العادة و التقاليد و الافكار و كافة العناصر الرجعية في البناء الفوقي الذي ترثه الاشتراكية من المجتمع القديم بعد انتصارها تشكل إحدى المصاعب الاكثر خطرا على ديكتاتورية البروليتاريا بل إنها تبعث البرجوازية من جديد و قد توفق لينين الى حد كبير في استخدام هذا المصطلح : تبعث البرجوازية . و هو يختلف في دلالاته على مصطلح تخلق البرجوازية .
صحيح أن التغلب على هذه المصاعب لا يمكن ان يتم إلا بتوفر الشروط المادية أي تطوير القوى المنتجة أساسا و البنية التحتية التي توفر هذا الأساس المادي للبناء الفوقي . غير ان هذه المهمة لا يمكن انجازها بين عشية و ضحاها و لا يمكن انجازها حتى في عشرات السنين ، فالتغلب على قوة العادة و التقاليد التي رسختها قرون من الزمن لا يمكن محوها بمجرد امتلاك الدولة لوسائل الانتاج . إن مصادرة الملكية الخاصة انما هي الخطوة الاولى الضرورية لذلك ، لكنها لا تحمل الحل في ذاتها كما عبر عن ذلك انجلز . إن تطوير القوى المنتجة هي مهمة ذات اهمية قصوى ، و لا يمكن للاشتراكية أن تتوطد بدونها . لكن و مع ذلك فلا يجب ان تنظر للمسألة بنظرة أحادية الجانب ، فتطوير هذه القوى الإنتاجية يتم في شروط و ظروف محددة و هذه الشروط نفسها تؤثر على صيرورة تطوير هذه القوى . ان الاقتصاد هو المحدد لكن ذلك لا يعني ان باقي الجوانب في الحياة الاجتماعية لا اهمية لها بل على العكس من ذلك تماما ، لقد ساد الاعتقاد لفترة طويلة لدى العديد من الماركسيين ( و الحق يقال لا زال هذا الرأي سائدا الى حدود اليوم ) ان العنصر الحاسم الوحيد في تطور العملية التاريخية هو الاقتصاد و أن باقي العناصر الفوقية ليست سوى تابعة له .

إن الماركسي انجلز قد أشار الى هذه الظاهرة في أواخر 1890 حيث كتب الى يوسف بلوخ يقول :
" ...وفقا للمفهوم المادي عن التاريخ ، يشكل انتاج و تجديد الحياة الفعلية العنصر الحاسم ، في آخر المطاف ، في العملية التاريخية ، و أكثر من هذا لم نؤكده في يوم من الايام ، لا ماركس و لا أنا . أما إذا شوه أحدهم هذه الموضوعة بمعنى أن العنصر الاقتصادي هو على حد زعمه ، العنصر الحاسم الوحيد ، فإنه يحول هذا التأكيد الى حملة مجردة ، لا معنى لها و لا تدل على شيء " .
" نحن نصنع تاريخنا بأنفسنا، و لكننا أولا ، نصنعه في ظل مقدمات و ظروف محددة جدا ، الاقتصادية منها هي الحاسمة في آخر المطاف . و لكن الظروف السياسية و غيرها ،و حتى التقاليد التي تعيش في رؤوس الناس ، تلعب هي أيضا دورا معينا ، و إن لم يكن الدور الحاسم " 50.
ان اهتمام الماركسيين بالجانب الاقتصادي في تطور العملية التاريخية قد أخذ منذ ماركس و انجلز بعدا متضخما ضارا و هذا ما سوف ينبه اليه انجلز في نفس رسالته و يوضح ايضا الشروط التي افرزته حيث كتب يقول :
".. ماركس و كذلك أنا مسؤولان جزئيا عن كون الشباب يعلقون احيانا على الجانب الاقتصادي أهمية أكثر مما يجب . و قد اضطررنا ، أثناء الاعتراض على خصومنا ، الى تأكيد المبدأ الرئيسي الذي انكروه ، ولكننا كنا دائما لا نجد الوقت و المكان و الامكانية لتقدير العناصر الباقية المشتركة في التفاعل حق قدرها . و لكن ما ان بلغت الامور حد تحليل مرحلة من المراحل التاريخية ، أي حد التطبيق العملي ، حتى يتغير الحال ، و لم يبق من الممكن هنا أن يقع أي خطأ . و لكن مع الاسف ، يعتقدون في غالب الأحيان أنهم فهموا النظرية الجديدة فهما تاما و ان بوسعهم تطبيقها على الفور ما أن يستوعبوا موضوعاتها الاساسية ، مع العلم أنهم لا يستوعبونها دائما بصورة صحيحة . و على هذا استطيع أن ألوم كثير من " الماركسيين " الجدد ، إذ بفضل هذا أيضا نشأ تشوش مذهل .."51.
هكذا تحدث انجلز عن اهمية باقي عناصر تطور العملية التاريخية و تطور المجتمعات . عن هذا التنبيه الذي اعطانا إياه انجلز ، أي التضخيم من العنصر الاقتصادي في تطور المجتمعات هو الذي سوف يتحول فيما بعد الى نظرية رجعية هي ما اسماها ماو تسي تونغ بنظرية "قوى الانتاج الرجعية " التي شكلت شعار البرجوازيين لإعادة الراسمالية في عهد ديكتاتورية البروليتاريا و هو ما سوف نوضحه بمزيد من التفصيل في المقالة المقبلة .
إن لينين بالرغم من انه لم يعش سوى مدة قليلة من حياته في عهد بناء و توطيد ديكتاتورية البروليتاريا قد أدرك مع ذلك الى أين تتجه الامور و حذر من ذلك . ففي آخر مقالاته أعطى أهمية فائقة لضرورة إعادة تنظيم التفتيش العمالي و الفلاحي للحد من البيروقراطية التي تفشت في جهاز الدولة نتيجة لوجود " موظفين " لا زالوا يحملون عقلية المجتمع القديم الدواوينية ، و ما كان لهم إلا أن يكونوا كذلك ، فجعل الملكية عامة لا يلغي العقلية البيروقراطية و الدواوينية التي ترسخت في عقول الناس في المجتمع القديم ، كما أن هؤلاء " الموظفين " لا يمكن الاستغناء عنهم بل يجب تربيتهم و مراقبتهم و رفع وعيهم . لقد نادى لينين بضرورة أخذ الحذر من العجلة و من الحمية و تعويضها بالتعليم و المعرفة من خلال ما تظهر الوقائع الملموسة و هكذا طالب لينين قائلا " لتجديد جهاز دولتنا ينبغي لنا مهما كلف الأمر أن نضع نصب أعيننا المهمة التالية : أولا ، أن نتعلم ، ثانيا أن نتعلم أيضا ، ثالثا أن نتعلم دائما "52 . و في نفس السياق سوف ينادي لينين بإنشاء التعاونيات في صفوف كل الجماهير خصوصا الفلاحين الى درجة انه أعلن " اليوم يحق لنا أن نقول أن مجرد نمو التعاون يعني في نظرنا نمو الاشتراكية بالذات " 53.
غير ان الوصول الى التعاون حسب لينين دائما يستدعي أولا " القيام بعمل ثقافي بين جميع جماهير الفلاحين " 54. القيام بثورة ثقافية لذلك يقول لينين " يكفي لنا اليوم أن نقوم بهذه الثورة الثقافية لكي تغدو بلادنا اشتراكية تماما " 54.
إن الوقائع التي عرفها تطور المجتمع الاشتراكي بعد لينين كلها أثبتت صحة هذا الجانب من رؤية لينين لكنها في نفس الوقت ابرزت ان الإشكال هو اعمق من ذلك و الاجابة عليها تستدعي ما هو اعمق مما حدده لينين .
إن الثورة الثقافية الصينية الكبرى تقدم لنا عن حق إجابة عن أساس هذه الاشكالات و الاجابة عنها . و هو ما سوف نعالجه لاحقا أيضا .

-------------

38- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية .
39- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية.


40- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية
41- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية
42- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية
43- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية
44- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية
45- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية
46- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية.
47-لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية.
48- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية .
49- لينين : مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية.
50- انجلز : رسالة الى يوسف بلوخ 1890.
51- انجلز : رسالة الى يوسف بلوخ 1890.
52- لينين : من الأحسن أقل شرط أحسن .
53- لينين : حول التعاون .
54 – لينين : حول التعاون .
55 – لينين : حول التعاون .