مصادرة الحقوق الفردية للمواطنين بين الحظر التعسفي والعبوات الناسفة !!


احمد عبد الستار
2010 / 4 / 3 - 11:57     

نشر عدد من المواقع الالكترونية وبعض وسائل الإعلام المحلية وأغلبها إسلامية يوم 16/3 ضمن نشراتها اليومية قرار مجلس محافظة واسط الجريء عن منع بيع وتداول الخمور في المحافظة وتشدده إلى عدم ( تسليم أي ضابط يحتسي الخمر أي منصب في المراكز الوظيفية ضمن نطاق عملها( , وجاء في صيغة الخبر أيضا (أن توصيات سابقة صدرت خلال الدورة الماضية لمجلس واسط منعت بيع الخمور بجميع أنواعها في الأماكن العامة وطالبت بإغلاق محال بيعها، الأمر الذي دفع قسماً من الذين كانوا يتعاطونها إلى التعامل مع بعض السماسرة والتجار بطرق غير معلنة، تتم غالبيتها داخل البيوت أو في سيارات متنقلة، فيما تم استهداف بعضها بعبوات ناسفة لأكثر من مرة( .
إن الصيغة أعلاه على الرغم مما تبدو صورتها عليه من عفوية , كأنها لا تعدو كونها مجرد خبر عادي لكنها تحمل بين ثنياتها دلالات بعيدة ومعاني أعمق , وتحديداً العبارة الأخيرة من المقطع السابق ذكره ( العبوات الناسفة ) , التي وردت فيه بكل تلقائية , لو تأملنا العبارة من وجهة أخرى من وجهة نظر رسمية , لوجدنا إنها على شيء من الغرابة , وتكمن غرابتها كونها لا يمكن أن تكون رسمية ضمن سياق خبر رسمي , فهي ستكون عرضة أمام مساءلات مفتوحة ويترتب عليها أيضا مسؤولية قانونية , لكنها كيف وردت كلاحقة تممت الخبر ؟ , أانزلقت أشبه ب( زلة اللسان ) ؟ , تلك الظاهرة السيكولوجية التي أشار إليها عالم النفس الشهير ( سيغموند فرويد ) , التي تعبر حسب رأيه عن عالم اللاشعور وكيف تزيح الستار مفردة نافرة تطفو فجأة من خلال سياق حديث ما , إلى عالم آخر يعتمل في مكان آخر غير مؤتلف مع اللحظة الراهنة للمتحدث يدعوه اللا وعي , وهذه الفعالية تشكل مع الوعي كوحدة واحدة فيما يُعلن ويُضمر , أساس الحياة النفسية للإنسان و مركب شخصيته , إن صيغة ( العبوات الناسفة ) التي تستهدف بائعي الخمور في واسط مرات عديدة , جاءت برأينا متكاملة مع مجمل الخبر , وصادقة , تشكل مركب لشخصية مميزة , هي الأحزاب الإسلامية المتسلطة وممارساتها السياسية في المجتمع , سواء أكانت أثناء مزاولتها الحكم والسلطة رسمياً , أو من خلال الوجه الآخر للعملة , من خلال مليشياتها المتحكمة بمصائر الناس , كمركب منسجم , والأول يكمل الثاني , هذه هي الطريقة التي ألفها العراقيون في السنوات العجاف التي مرت من حكم الإسلاميين وطريقة إدارتهم للسلطة مع المجتمع , وأيضاً يعطي الخبر دليل حاسم على إن المليشيات هي الوجه الآخر لسلطتهم بشقيه التشريعي والتنفيذي , التي لا تظهر للعلن , وتمارس سلطة كبيرة لا تقل وزناً وأهمية من السلطة الرسمية العلنية بل أخطر , و إلُا ما هي العلاقة بين قرارات المنع والاستهداف بالعبوات , ألا تُصيب الطريقتان هدف واحد , وربما يجادل آخرون بأن المليشيات خارجة على القانون وهي غير الأحزاب التي في السلطة , لكن الواقع الذي عشناه وتراكم الحقائق اليومية يقول بغير ذلك , يشير إلى إن المليشيات أداة تنفيذ جاهزة وفورية لما لا تستطيع تنفيذه الواجهات الرسمية أو يحرجها , كسلطة ظل غير مقيدة بأي التزام , وقد مارست المليشيات فضائع لا تعد , ُتفضح دائماً بالنهاية وتنكشف علاقتها السرية مع السلطة في مرات ومرات من على منابر الإعلام وأمام أنظار المجتمع المبتلى بهم والمقاوم لسلطتهم بعناد .
لا يمكن منع الخمور إطلاقا لا من قبل سلطة ولا من قبل مليشيات , وهذه حقيقة ثابتة عليهم أن يتأكدوا من رسخوها , لأن أعداد من يتناولونه في العراق يوميا هم بالملايين , وعليه مع هذا الحال يكون الخمر حاجة اجتماعية, مطلوبة يوميا كأي متناول عادي ولا سيما من قبل الشباب غير المعنيين بأي عقد أخرى سوى حياتهم المتفتحة , إضافة إلى تناوله , يوفر بيعه فرص عمل لآلاف من العاطلين عن العمل وخصوصا في بعض مدن الوسط والجنوب المحظور تداوله فيها علناً , وهذا سبب المقاومة العنيدة التي يبديها بائعو الخمور في المدن الأخيرة لكل محاولات المنع وحتى ( للعبوات الناسفة ) والمطاردات التطهيرية , لأنهم يدافعون عن مصدر معيشتهم التي وفرها لهم بيع الخمر , عوضاً عن وقوعهم بين براثن البطالة والجوع , ويبدو إن الأتقياء لا يريدون أن يدركوا هذه الحقيقة , حقيقة كون التقوى تتعطل ولا تجدي نفعاً أثناء موسم الجوع المفتعل , فخبرة البشر منحتهم وعياً كاملا بأن لا شيء يدفع بغائلة الجائعين بغير خبز الأرض .
وكذلك تدخل مسألة تناول الخمر وتعاطيه , كحاجة وضرورة اجتماعية أو من عدمه , من المسائل الأكثر خصوصية وحق فردي في حياة الأفراد في المجتمع لا يحق لأي سلطة فرض قيود عليه , أو منعه اعتمادا على أي تشريع كان , وخلاف ذلك يعد مصادرة وتجاوز على حقوق الإنسان , المكفولة حقوقه عالميا , وحتى في الدستور العراقي الحالي , لقد ارتقت البشرية في ميدان الخصوصية الفردية واحترامها إلى مديات بعيدة وصلت إلى حد ( التخمة ) كما وصف يوما ما , ونحن في العراق تحت ظل لوائح مطولة من الممنوعات والمحظورات , خيمت على البشر منذ قرون بعيدة اندرست , أعيد نفخ الحياة فيها لتلاءم متطلبات السياسة في العراق الجديد , المعد مخطط تصوره بلا بشر يحتاجون كذلك بالدرجة الأساس الأمان والخبز والخدمات والكهرباء والحريات .