هل تمس الخلافات الامريكية- الاسرائيلية التحالف الاستراتيجي بينهما؟!


احمد سعد
2010 / 3 / 29 - 11:18     

بعد لقاءات نتنياهو- اوباما:
هل تمس الخلافات الامريكية- الاسرائيلية التحالف الاستراتيجي بينهما؟!
تجمع مختلف الآراء والتقييمات من مختلف الاوساط السياسية العالمية وحتى الاسرائيلية ان محادثات نتنياهو مع الرئيس الامريكي باراك اوباما قد عكست عدم التطابق التام والاختلاف في وجهات النظر حول العديد من المواقف المتعلقة بتوفير الظروف والمناخ لاستئناف المفاوضات الاسرائيلية- الفلسطينية حول الحل الدائم. وقد علّمت تجارب السنوات الماضية ان العلاقات الامريكية- الاسرائيلية قد مرت "بطلعات ونزلات" بتناقضات غير جوهرية تندرج في اطار الوسائل التكتيكية التي من المفضل استخدامها لخدمة المصالح الاستراتيجية للتحالف الامريكي- الاسرائيلي. ورغم الخلافات التكتيكية في وجهات النظر فان ذلك لم يؤثر على مكانة اسرائيل كمخفر أمامي اساسي للدفاع عن المصالح الامريكية والامبريالية في الشرق الاوسط وخارجه، وتحتضن الادارة الامريكية اسرائيل الرسمية وتحرص على "تغذيته" عسكريا واقتصاديا وسياسيا للمحافظة على دوره "بوزا" لمدفع العدوانية الامبريالية الامريكية. ولا شك انه في ظل المتغيرات التي حصلت في المنطقة وعالميا خلال العقدين الاخيرين من الزمن- انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي والانظمة الاشتراكية في اوروبا الشرقية، وتراجع حركات قوى التحرر والتقدم عالميا مقابل شحذ انياب العولمة الرأسمالية المتوحشة اقتصاديا بشحنها باستراتيجية هيمنة القطب الامريكي الواحد، وعولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم للسيطرة كونيا بواسطة القوة العسكرية البلطجية العربيدة. ومع ان الادارات الامريكية وبغض النظر ان كانت برئاسة الحزب الجمهوري او الحزب الدمقراطي انتهجت دائما الموقف المساند والمشجع للعدوانية الاسرائيلية، وذلك باعتبار اسرائيل ربيب العدوانية الامبريالية التي تتساوق مصالحها مع مصالح الامبريالية الصهيونية الامريكية والعالمية. ولكن واقع التطور التاريخي الذي يثبت "ان بقاء الحال من المحال" قد عكس معطياته التي يقر بها قادة اسرائيل انه في عهد الادارة السابقة برئاسة جورج دبليو بوش واليمين المحافظ شهدت العلاقات الامريكية- الاسرائيلية عصرا ذهبيا، انسجاما تاما مع وفي اطار استراتيجية عولمة ارهاب الدولة المنظم استنادا الى منطق القوة لانجاز مكاسب ساسية واقتصادية. ففي هذه الفترة شهدت ساحة التطور في المنطقة تصعيدا لم يكن له مثيل في ممارسة العدوان العسكري الامريكي- الاسرائيلي- تصعيد الجرائم ضد الشعب الفلسطيني وحرب الابادة والحصار على غزة والمناطق المحتلة، احتلال العراق وافغانستان والحرب التدميرية الاسرائيلية- الامريكية ضد لبنان والمقاومة الوطنية اللبنانية التي في مركزها حزب الله. فالبيت الابيض الامريكي كان "مربط خيل" قادة اسرائيل يسرحون ويمرحون فيه كأنهم ابناء البيت العائلي، في حين يزود نظام الارهاب الامريكي اسرائيل باحدث اسلحة القتل والتدمير الامريكية لضمان مواصلة تفوق اسرائيل النوعي عسكريا على جميع دول الجوار في المنطقة مجتمعة. ولكن هذه السياسة البلطجية للمنهج الاستراتيجي العدواني قد اثبت فشله في العراق وافغانستان ولبنان والمناطق الفلسطينية المحتلة. فنهج الحسم العسكري لقضايا معقدة تحررية وغيرها قد اثبت فشله. اما "الانجاز الكبير" الذي حققته ادارة بوش وحكومة الاحتلال الاسرائيلي فهو كراهية لم يسبق لها مثيل وادانة عالمية لسياسة الجرائم والعدوان والاحتلال الامريكية والاسرائيلية، وسقطت مكانة امريكا في انظار العالم وكانت هذه السياسة احد العوامل الاساسية لتسونامي الازمة المالية الاقتصادية الامريكية والعالمية. كما ان فشل وازمة نظام بوش واليمين المحافظ كان عاملا هاما في سقوط ادارة بوش والحزب الجمهوري واليمين المحافظ واعتلاء باراك اوباما وحزبه الدمقراطي كراسيَ الادارة، لانهم زرعوا الامل في نفوس الشعب الامريكي باخراج الولايات المتحدة من ورطتها وازمتها الداخلية والعالمية وذلك من خلال انتهاج سياسة بديلة وتحت يافطة الوعد "بالتغيير الجدي"! فهل حصل فعلا، وخاصة بعد سنة من حكم ادارة اوباما التغيير الموعود، خاصة على ساحة العلاقات الاسرائيلية- الامريكية.



**"اجا تيكحلها عماها" ألوضع المأساوي الذي ساد في عهد ادارة بوش واليمين المحافظ اعطى لمقولة "التغيير" سحرا جذابا بين الجماهير الامريكية، قاد الى انتصار الحزب الدمقراطي ومرشحه للرئاسة باراك اوباما والى ترحاب عالمي برحيل نظام الغطرسة العدوانية لعولمة الارهاب الامريكي التي انتهجها بوش واليمين المحافظ. وقد أدرك المخططون الاستراتيجيون المحيطون باوباما انه لا مفر من تغيير النهج الفاشل للسياسة الخارجية الامريكية، تغيير اساليب وطابع التوجه في التعامل مع البلدان الاخرى، انطلاقا من خدمة المنهج، خدمة المصالح الاستراتيجية للامبريالية الامريكية. أدرك هؤلاء الاستراتيجيون انه لاستعادة مكانة الولايات المتحدة الامريكية وتجاوز الكراهية العالمية لسياستها العدوانية، فلا مفر من فهم المقروء على ساحة التطور العالمي وفي الشرق الاوسط وانتهاج سياسة اكثر حكمة وواقعية، كما أدرك هؤلاء فشل سياسة قطب وحيد واوحد عالميا، فقاطرة التطور قادت الى بلورة اقطاب لها وزنها الاقتصادي والسياسي والعسكري مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وغيرها، ولكل من هذه الاقطاب مصالحه ونشاطه لتقوية نفوذه على ساحة العلاقة الدولية وفي سوق المنافسة مع المحاور الاخرى، هذا اضافة الى ان المنظّريين والمسؤولين السياسيين في ديوان اوباما قد ادركوا ان طابع الحرب ضد الارهاب التي انتهجتها ادارة بوش اتخذت طابع العداء والتحريض ضد الاسلام والعرب، مما اصبح يقلق ويهدد مكانة ومصير الانظمة الرجعية في العالمين الاسلامي والعربي المدجنة امريكيا، كما ادى الى اساءة العلاقة مع الشعوب والعديد من القوى في العالمين الاسلامي والعربي. وان احد الاسباب المركزية للكراهية والمناهضة السياسية للعدوانية الامريكية هو الموقف الامريكي المنحاز والداعم للعدوانية الاستراتيجة ولجرائم ولمجازر المحتل الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة. وان مفتاح تحسين العلاقة مع العاملين الاسلامي والعربي يكمن في تغيير الموقف الامريكي المعادي للحقوق الوطنية الفلسطينية، والمنحاز الى جانب المحتل الاسرائيلي وانتهاج سياسة "متوازنة" من قضايا الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني- العربي. ولهذا فان اوباما عبّر في بداية اشهر حكمه عن هدفه بانتهاج سياسة متوازنة في مركزها بذل كل الجهود لحل القضية الفلسطينية وتحسين العلاقة مع العالمين الاسلامي والعربي، وهذا ما اراد اوباما تأكيده من خلال خطابه في القاهرة. وطالب اوباما حكومة نتنياهو اليمينية بوقف جميع اشكال الاستيطان اليهودي في المناطق الفلسطينية كخطوة استحقاقية لاستئناف المفاوضات مع الطرف الفلسطيني. وباختصار، فان حكومة نتنياهو رفضت الطلب والشرط الامريكي بوقف الاستيطان والنشاط التهويدي بشكل استفزازي وذلك بتصعيد وتوسيع النشاط الاستيطاني خاصة في القدس الشرقية المحتلة وضواحيها وممارسة التطهير العرقي في القدس بهدف تهويد المدينة. ونتنياهو يدرك انه مثل "بالع المنجل" فوقف الاستيطان قد يكون المعْول لحفر قبر ائتلافه، والتعنت برفض الموقف الامريكي دون ايجاد صيغة توفيقية قد يغضب الامريكان الحليف المتبقي للعدوانية الاسرائيلية. وحول هذا الموضوع تبلورت الخلافات الامريكية- الاسرائيلية الاخيرة. فمصلحة الامبريالية الامريكية انجاز تسوية سياسة للقضية الفلسطينية تساعدها وتساهم في بلورة خطتها الاستراتيجية لاقامة اوسع تحالف في المنطقة، من خلال تطبيع العلاقات بين اسرائيل والانظمة العربية التي تدور في فلك الاستراتيجية الامريكية. وعدم حل القضية الفلسطينية يعرقل التوصل الى "سلام امريكي" يبلور التحالف العربي- الاسرائيلي المدجن امريكيا. فمحادثات نتنياهو وبراك مع اوباما وغيره في واشنطن كانت شاهد عيان مُحكمة الاخراج. فوسائل الاعلام الامريكية والاسرائيلية حاولت التركيز على ان اوباما غاضب على نتنياهو ولا يعيره الاهتمام الذي كان رؤساء امريكا يولونه لحكام اسرائيل. ومن مؤشرات تقزيم اهمية المحادثات واللقاء انه قد اعلن مسبقا انه لن يكون هناك بيان مشترك حول اللقاءٍ، وانه لن يكون اللقاء في "الغرفة البيضاوية" في البيت الابيض التي يستقبل فيها الرؤساء، وعدم السماح لوسائل الاعلام من محطات تلفزة ومصورين وغيرهم في تجسيد الحدث اعلاميا، وان يكون اللقاء في ساعة متأخرة من الليل!! وحسب المحرر في "يديعوت احرونوت" ايتان هابر (25/3/2010) "انه يجب القول ان الامريكيين تصرفوا بخنزيريه (من خنازير) مع نتنياهو ومرافقيه"! هذا ما كتبه في اعقاب لقاء نتنياهو- اوباما.
وفي مقالة سابقة كتب عن تراشق الاتهامات والمناكفات الكلامية بين الطرفين الامريكي والاسرائيلي، الامر الذي يخلق الانطباع ان ازمة العلاقات الامريكية- الاسرائيلية وصلت الى حد يهدد بالقطيعة. وهذه مبالغة في غير محلها وغير صحيحة. والتقييم الصحيح، حسب رأينا، ان الضغوطات التي مارسها اوباما على نتنياهو هي لالزام المحتل الاسرائيلي للجنوح نحو التسوية العادلة وتنفيذ استحقاقات استئناف مفاوضات الحل الدائم برعاية امريكية. كما لا يستهدف القطيعة مع اهم حليف استراتيجي يخدم المصالح الامريكية في الشرق الاسط وكونيا، بل كان الهدف ولا يزال تقويم الموقف الاسرائيلي من التسوية بشكل ينسجم مع استراتيجية الولايات المتحدة ومع خدمة المصالح المشتركة الامريكية- الاسرائيلية في المرحلة الراهنة. فالضغط اتخذ طابعا احادي الجانب، ابراز عدم الرضا من السياسة الاسرائيلية ولكن دون التطرق الى اجراءات عينية قد تتخذها ادارة اوباما في حالة عدم استجابة حكومة نتنياهو لاملاءات اوباما. ومن استمع الى خطاب وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلنتون في الكونغرس الامريكي استقبالا لنتنياهو، لا يتفاجأ من الموقف الامريكي نحو اسرائيل، فقد تغزلت عمليا باسرائيل وكأن شعرة من رأس اسرائيلي تساوي كل العالم العربي وأكدت "ان العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل ليست في ازمة، فلدينا التزامات مطلقة بالحفاظ على امن اسرائيل"!
اما الناطق بلسان "البيت الابيض" روبيرت جيبس فقد صرح للصحافيين (نفس المصدر) "عدم المواقفة مع اسرائيل حول البناء في المستوطنات لن يكسر الالتزامات التقليدية للولايات المتحدة نحو اسرائيل"!!



** ماذا تمخّض عن اللقاء؟إن ما تم في نهاية المطاف وتمخض عن اللقاء بين نتنياهو واوباما هو طرح اوباما "لخطة جديدة" ليست بجديدة تساهم في استئناف المفاوضات الاسرائيلية- الفلسطينية، وان هذه الخطة تتضمن (13) طلبا- بندا امريكيا على اسرائيل تنفيدها، اهمها اولا، ان يزود نتنياهو الادارة الامريكية والفلسطينيين بموقف يتعهد فيه بعدم استئناف النشاط الاستيطاني بعد انتهاء مدة العشرة اشهر في ايلول المقبل، وان يواصل نتنياهو عن طريق اللجنة التي اقامها لمراقبة تحجيم الاستيطان في منطقة القدس (أنظر- تحجيم وليس وقف وعدم شرعية البناء في القدس وضواحيها!) والاملاء الآخر ان ينقل المحتل الاسرائيلي الى ايدي السلطة الفلسطينية السيادة السياسية والامنية التي كانت بايديهم حتى شهر ايلول سنة الفين. وهذا البند عمليا قد جرت صياغته في "خارطة الطريق" من قبل ادارة بوش قبل ثماني سنوات وفي اطار البند الاول من هذه الخارطة، وانه بعد تنفيذ هذا البند تبدأ مرحلة في مركزها "اقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود مؤقتة ومن خلال مفاوضات اسرائيلية- فلسطينية"!
إضافة الى ذلك مطالبة اسرائيل باطلاق سراح مئات حتى الف من اسرى الحرية الفلسطينيين القابعين في غياهب سجون الاحتلال الاسرائيلي، ازالة العديد من حواجز المعاناة، تحسين الوضع الاقتصادي- المعيشي للفلسطينيين.
إن تنفيذ هذه البنود وحدها غير كافٍ ولا يجسد جميع ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية، بل ينتقص منها، فلا مرجعية سياسية للمحادثات ولا موقف واضح من القدس المحتلة ولا من حق العودة.
فادارة اوباما في الموقف الاستراتيجي لا تختلف عن ادارة بوش.