وظيفة الدولة الاقتصادية في الإسلام


مصطفى العبد الله الكفري
2004 / 7 / 17 - 08:16     

تمنح تعاليم الدين الإسلامي لكل فرد الحرية الكاملة في أن يتصرف بماله، وممارسة النشاط الاقتصادي في التجارة والزراعة والصناعة لتنمية هذا المال وزيادته. ولكنها تشترط لمنح هذه الحرية وحمايتها احترام أحكام الشريعة الإسلامية. ( فإذا ما حاول فرد أن ينمي ملكيته بالطرق التي لا تحترم هذه الأحكام، سقط حقه في حماية الدولة له وجاز للدولة شرعاً أن تتدخل في هذا المجال لتمنع التعدي، ولتعيد الحق إلى نصابه، وأن تضرب على أيدي العابثين حماية لمصلحة المجموع).( )
وبذلك تكون وظيفة الدولة وفقاً للتشريع الإسلامي هي حفظ الأمن والاستقرار في الداخل والدفاع عن الوطن ضد الأعداء من الخارج، كما أن لها وظائف اقتصادية واجتماعية، منها مراقبة الاقتصاد والمعاملات المالية والتجارية، وكشف المعاملات المخلة بالشريعة والتي تلحق الضرر بالمجتمع والأفراد كالغش والتدليس، والربا والاحتكار، والاستغلال ومنعها تحقيقاً للمصلحة العامة.
لقد استطاعت الدولة الإسلامية أن تقوم بالوظائف الاقتصادية عن طريق نظام الحسبة وهي: الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله. ( ) واستطاعت الدولة من خلال نظام الحسبة (مراقبة الأسواق، والكشف عن الغشاشين والمحتكرين والمرابين، وغيرهم من الذين يتلاعبون بمصالح الناس، طمعاً في الربح دون رادع من ضمير أو دين، فكانت الحسبة هي السلطة التي تقوم بدور الرقيب، وهي تمثل سلطة الدولة في الدفاع عن مصالح المجتمع). ( )
نستنتج أن للدولة دوراً هاماً في النشاط الاقتصادي في المجتمع الإسلامي. فهي تقوم بالوظائف التالية :
- إنشاء مشروعات المرافق العامة وإدارتها.
- مراقبة النشاط الاقتصادي لمنع الربا والاحتكار والأشياء الأخرى الضارة بالحياة الاقتصادية والمجتمع.
- مراقبة الأسعار والأجور لضمان موافقتها للظروف الاقتصادية في المجتمع.
- التدخل في توزيع الثروة وإعادة توزيعها والدخل، ووضع السياسات المالية، والنقدية المناسبة.
- فرض الضرائب وجمعها.
- وضع السياسات الكفيلة بتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
ولا بد من تعاون الأفراد وأولي الأمر لإنجاح وظيفة الدولة وتحقيق الصالح العام. ( ) ومن أهم الوسائل التي تستخدمها الدولة للقيام بدورها، المشروعات العامة، ومراقبة النشاط الاقتصادي، وتنظيم عرض النقود واتباع سياسات مالية ونقدية مناسبة. ( )
كما أن مسؤولية الدولة في الإسلام تحقيق الضمان الاجتماعي في المجتمع. (فالمجتمع لا يخلو من فقراء وأغنياء، وقد حاول التشريع الإسلامي أن يسد حاجة الفقراء بجميع أنواعهم، فشرع لذلك النظم الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة المرضية في المجتمع وهي الفقر). فالدولة الإسلامية مسؤولة مسؤولية كلية عن الفقراء والأرامل والعجزة وغيرهم ممن لا يقدرون على كفاية أنفسهم، ويحق لكل فقير أن يطالب الدولة بالإنفاق عليه إذا لم يكن هناك من ينفق عليه. وهذه المسؤولية تجعل الدولة مسؤولة عن جميع أفراد المجتمع، لأن الإسلام لا يعترف بمشكلة الفقر كأمر واقع، لذلك أوجد لها الحلول الكفيلة بالقضاء عليها. والتاريخ الإسلامي يؤكد أن الدولة الإسلامية كانت تنفق من بيت مال المسلمين على الفقراء والعجزة والأرامل وغيرهم. ( )
مما تقدم نلاحظ أن العلاقة في المجتمع الإسلامي بين الفرد والدولة والحاكم تتم من خلال كون الفرد هو المالك لجميع الأموال، وهو صاحب الحق فيها، والدولة هي التي تسهر على سعادة هذا الفرد وأمنه واستقراره، والحاكم هو الشخص الذي يقوم بحماية الفرد وخدمته، دون أن تكون له أية ميزة مادية أو معنوية عن بقية الناس.
مما تقدم نستطيع تلخيص أهم الخصائص المميزة للاقتصاد الإسلامي وفقاً لما يلي :( )
- المال بمختلف أنواعه ملك لله، والإنسان مستخلف على هذه النعم بتسخيرها له ولخدمته.
- الإنسان يجب أن يتصرف بالمال وفق إرادة المالك الحقيقي، "الله" ولا بد من تنفيذ ما أمر به لتحقيق النظام .
- إن الله سبحانه وتعالى يطلب من عباده إنفاق المال في منفعة تعود على خلقه واقتصادهم.
- يوفق الاقتصاد الإسلامي بين المادة والروح، من خلال ارتباط الاقتصاد بالأخلاق والثقة والاطمئنان والتعاون في التعامل والتبادل.
- التوازن في رعاية المصلحة الاقتصادية للفرد والجماعة .
- الاعتدال والتوسط في الإنفاق والنهي عن الإسراف والتبذير .
- الإسلام يحرم اكتناز الأموال، ويطالب بتوجيه المال للاستثمار ويعد حبس المال واكتنازه جريمة نكراء نستوجب أشد العقاب.
- للنقود وظيفة هامة في الاقتصاد وهي تيسير المعاملات وتحريك الطاقات .
وللمذهب الاقتصادي في الإسلام صفتان أساسيتان هما: الواقعية والأخلاقية.
الواقعية: هي اقتصاد واقعي في غايته لأنه يستهدف في أنظمته وقوانينه الغايات التي تنسجم مع واقع الإنسانية، بطبيعتها وخصائصها العامة، .. ويقيم مخططه الاقتصادي دائماً على أسس النظرة الواقعية للإنسان، ويتوخى الغايات الواقعية التي تتفق مع تلك النظرة.
الأخلاقية: حيث نجد أن الإسلام لا يهتم بالجانب الموضوعي فقط، وهو تحقيق الغايات، وإنما يهتم أيضاً بالعامل النفسي والطوعية لاتباع الطريق التي تتحقق بوساطتها الأهداف. وبذلك يمزج النظام الإسلامي بين العامل النفسي والذاتي بالطريق التي تحقق الغايات المرجوة. لذلك جعل الإسلام من الفرائض المالية "الزكاة مثلاً" عبادات شرعية، يجب أن تنبع عن دافع نفسي نيّر، يدفع الإنسان إلى المساهمة في تحقيق غايات الاقتصاد الإسلامي، بشكل واع مقصود، طلباً لرضا الله تعالى والقرب منه.( ) .
إن الأخلاق الاقتصادية لم تكن في العالم الإسلامي إلا مجموعة مثالية، وإذا ما رجع المفكر أو الفقيه لإثباتها كأصول لمنظومة التفكير الاقتصادي، فإن هذا لا يعني مطلقاً أنها أخلاق اقتصادية معمول بها. (ولا ننسى أن الفقه في هذا الميدان الاقتصادي على الخصوص، سلك في تشريعاته الموقف الوسط بين المثالية المتجلية في الأصول، والواقع الحي الذي يتجلى في المعاملات كثيرة التطور في مختلف الأزمنة والمجتمعات . فليس الفقه امتداداً حتمياً أو صورة أمينة للحياة التي يعيشها الناس. فالنظريات الاقتصادية تعد من هنا. وخصوصاً في مظهرها الأخلاقي والأصولي مفارقة بعض المفارقة للواقع الحي).( )