سنة على حكومة نتنياهو اليمينية: لا تغيير في الموقف الاستراتيجي!


احمد سعد
2010 / 3 / 13 - 09:27     

في هذه الأيام تكون قد مرت سنة كاملة على قيام حكومة قوى اليمين الإئتلافية برئاسة زعيم الليكود بنيامين نتنياهو. وحقيقة هي ان نتنياهو نجح في صياغة وبلورة اوسع إئتلاف يميني متطرف عرفته إسرائيل منذ قيامها. هذا الإئتلاف الذي يضم أعتى قوى التطرف والعدوان اليميني من أحزاب المستوطنين وأيتام أرض إسرائيل الكبرى، والفاشية العنصرية والترانسفيرية الصهيونية والأصولية اليهودية اليمينية. ولعل اهم اسباب نجاح نتنياهو الليكود في اقامة اوسع ائتلاف يميني كارثي يعود إلى عاملين مركزيين: الاول، ألإنسجام الأيديولوجي الفكري والسياسي والاجتماعي لقوى واحزاب وحركات اليمين الإسرائيلي المتطرف القائم والمتمحور حول قواسم مشتركة تربط فيما بينها، مثل التنكر للكفاح الفلسطيني بصفته كفاح تحرر وطني لتقرير مصير هذا الشعب بالتحرر والإستقلال الوطني في إطار دولة سيادية قابلة للتطور والحياة وعاصمتها القدس الشرقية. ويستند هذا التنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية المدعومة بقرارات الشرعية الدولية إلى قواعد غيبية دينية وإلى ديماغوغيا سياسية، تعتبر المناطق الفلسطينية المحتلة منذ السبعة والستين ليس كمناطق محتلة بل مناطق " محررة " من ايدي " الغويم " العرب الفلسطينيين، وأن الصراع ليس بين مستعمر كولونيالي محتل إسرائيلي وضحيته الفلسطينية التي تعاني من جرائمه، وأن المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال ليست سوى تجمّع عصابات ارهابية فلسطينية تهدد الأمن الاسرائيلي. وبناءً على ذلك فان حكومة الاحتلال الإسرائيلي تحاول تضليليا تصوير الصراع مع الفلسطينيين، على انه صراع على اراض مختلف ومتنازع عليها او صراع ديني بين ابناء الهوية الوطنية الفلسطينية من مسلمين ومسيحيين. ومن هذا المنطلق التنكري للسيادة الفلسطينية الاقليمية – السياسية لمناطقهم المحتلة منذ السبعة والستين يعطي الاحتلال والمحتل الإسرائيلي لنفسه صلاحية شرعنة قانون الغاب بتصعيد النشاط الاستيطاني لفرض سياسة الامر الواقع بتهويد المناطق المحتلة وعرقلة ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للتطور والحياة.

والعامل الثاني، تفكك وانهيار تدريجي وضعف صارخ لقوى " اليسار الصهيوني " داخل حزب " العمل " وحركة ميرتس وغيرها. فحزب العمل بقيادة إيهود براك " تنازل " عن كونه بديلا سلطويا لليكود ولرئاسة الحكومة واستكفى ان يكون وكيلا خادما لحكومة اليمين بوظيفة وزير الحرب والعدوان. كما ساعد على تعزيز قوة اليمين الإسرائيلي الانقسامات الفلسطينية وتواطؤ انظمة الدواجن العربية التي تقاقي في القن الامريكي مع مشاريع التحالف العدواني الإسرائيلي – الامريكي وتراجع قوى اليسار والتقدم العالمية.

ورغم مرور سنة على حكم قوى اليمين الإئتلافية في اسرائيل إلا ان المعيار الاساسي، المحك الاساسي لتقييم طابع التطور في اسرائيل يبقى حقيقة العلاقة الجدلية القائمة بين طرفي التحالف الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي. فلا يوجد اي مجال من مجالات التطور في اسرائيل، إن كان إقتصاديا وتغلغل الرأس مال الامريكي الحكومي والخاص إلى جميع فروع وحلقات الانتاج والخدمات في اسرائيل، في الصناعة والبناء والمواصلات والزراعة والمطاعم ألخ، وإلى الانتاج والدعم العسكري الامريكي لاسرائيل من ملابس الجنود الاسرائيليين إلى المنظومات الصاروخية بعيدة وقريبة المسافات ونوعيتها ارض – ارض وارض – جو، وبحر – بر ألخ. كما لا يوجد اي مشروع او نشاط ثقافي ولدعم الثقافة في اسرائيل إلا ويكون مصبوغا بالدمغة الثقافية الامبريالية الامريكية، حتى جمع التبرعات في السوق الامريكية لإغاثة بعض فقراء اليهود في اسرائيل تجمع من داعمي السياسة العدوانية الاسرائيلية ومن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الامريكية.

أذكر أنني عندما ناقشت اطروحتي لرسالة الدكتوراة في الثمانية والثمانين وكان موضوعها " إسرائيل في البنية الاستراتيجية الامبريالية " حاولت الاجابة على السؤال لماذا تحظى اسرائيل بهذا الدعم وهذه العناية من محاور الامبريالية بالرغم من سياسة حكامها العدوانية، ولم تحظَ بمثل هذه العلاقة البلدان العربية والقضية الفلسطينية التي تختزن اراضيها حوالي ثلثي احتياطي النفط المكتشف في العالم وتشكل اوسع سوق عالمي لاستيراد الاسلحة الاجنبية، وقضية النضال التحرري الفلسطيني والعربي واضحة كالشمس؟ استنادا إلى الحقائق المدعومة بالمعطيات الرسمية الاسرائيلية توصلت إلى استنتاج علمي انه وبمساعدة ودعم الرأسمال الاجنبي، الحكومي والخاص، ومن المنظمات الصهيونية العالمية والرأسمال الإستثماري الفردي والخاص، تطور في اسرائيل بشكل نمطي ما اطلقت عليه بـ " رأسمالية الدولة الاحتكارية التابعة " المربوطة بحبال التبعية الاستراتيجية والاقتصادية المالية بمحاور الامبريالية، وخاصة بالمحور الامبريالي الامريكي، هذه التبعية التي يتأثر بها ليس فقط الاوليغارخية الحاكمة في اسرائيل وخدامها، بل اوسع الاوساط الجماهيرية اليهودية الاسرائيلية التي يطالها فتات من " المساعدة " الامريكية ومدجنة امريكيا وعلى قاعدة الوهم ان الامبريالية الامريكية تخدم مصالحها !!


** هل تخلى الذئب عن استراتيجيته ؟

ألكره العالمي لسياسة جورج دبليو بوش واليمين المحافظ، لسياسة ممارسة عولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم بقوة الذراع والبلطجة العدوانية باحتلال افغانستان والعراق ودعم حرب الابادة وجرائم الحرب الاسرائيلية في غزة والمناطق المحتلة، هذا الكره قد سهّل على تسويق المقولة التضليلية إن ادارة باراك اوباما والحزب الدمقراطي لديهما استراتيجية اخرى تختلف عن استراتيجية الهيمنة بقوة السلاح التي انتهجتها الادارة السابقة، وان لغة الحوار والتفاهم ستكون في مركز الأجندة الاستراتيجية لادارة اوباما. وجرى التركيز على ان الادارة الجديدة ستنهج "سياسة متوازنة " في الموقف من الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي، وسنة وشهر من حكم ادارة اوباما وحوالي سنة من حكم ائتلاف اليمين الاسرائيلي قد اثبت ان تحالفا استراتيجيا قائما على خدمة مصالح طبقية واستراتيجية اقتصادية وسياسية، لا يمكن ان يغير جوهره وطاقم انيابه المفترسة او يمس بالعلاقة الجدلية الاستراتيجية القائمة بين ادارة الامبريالية الامريكية ومخفرها الاستراتيجي الامامي اسرائيل واللوبي الصهيوني في امريكا والاتحاد الاوروبي.

ليس من وليد الصدفة انه عشية ذكرى مرور سنة على قيام حكومة نتنياهو اليمينية وصل في جولة إلى المنطقة مبعوث ادارة اوباما إلى الشرق الاوسط جورج ميتشيل ونائب الرئيس الامريكي جو بايدن. فلهذه الزيارة والجولة الامريكية اهداف محددة ومترابطة من حيث مدلولها السياسي. فمن جهة تهدف هذه الزيارة التنسيق الاستراتيجي الامريكي فيما يتعلق بالموقف من إيران ومن المحادثات مع الفلسطينيين، ومن الجهة الثانية فقد ثبت للادارة الامريكية اهمية مواصلة تفعيل مكابس الضغط على الانظمة العربية المدجنة امريكيا وعلى السلطة الفلسطينية، لاحراز مزيد من الابتزاز والتدحرج على حبل التنازلات الفلسطينية التي تخدم استراتيجية المحتل الاسرائيلي. فبرأيي ان الادارة الامريكية تراهن وتنشط لاحراز مكسب، اي تقدم ولو كان هامشيا على حلبة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، الاسرائيلي – السوري، " يُبيّض " صفحة ادارة اوباما الفاشلة التي لم تحرز اي تقدم لا في المجال السياسي الخارجي او الداخلي ولا في المجال الاقتصادي – المالي ومواجهة زيادة البطالة والفقر وانهيار البنوك والمؤسسات المالية، هذا اضافة إلى تورطها المأزوم في افغانستان والعراق.

إستقبالا لبايدن وميتشيل حضّرت حكومة الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي لهما ازمة على " قد المقام "، فقد اعلن وزير الحرب والاستيطان في حكومة اليمين إيهود براك عن بناء مائة واثنتي عشرة وحدة سكنية لقطعان المستوطنين في " بيتار عيليت " قرب القدس الشرقية المحتلة، وهذا القرار الاستيطاني بمثابة صفعة مدوّية للجنة المتابعة العربية للسلام وقرارها الرضوخ للاملاء الامريكي باستئناف المفاوضات غير المباشرة، دون الزام اسرائيل بتنفيذ اي من الاستحقاقات المطلوبة منها وخاصة وقف كل اشكال الاستيطان وعمليات التهويد والقهر القومي ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة. قرار البناء الاستيطاني في بيتار يعكس ما اكدناه ان المفاوضات غير المباشرة لا تكبّل ايدي البرنامج الاسرائيلي الكولونيالي لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للتطور. كما عاد نتنياهو في استقباله لبايدن على التأكيد بالزام الفلسطينيين والعرب على الاعتراف بان اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، مما يعني التنكر لحق الفلسطينيين في وطنهم الذين هم اهله الاصليون، والموافقة على ضم القدس الشرقية تحت السيادة الاسرائيلية.

في مقابلة اجرتها صحيفة " يديعوت احرونوت " في 8.3.10 عشية وصول بايدن الى اسرائيل حاولت التأكيد ان الهدف المركزي هو الضغط على اسرائيل حتى لا تقوم بعمل انفرادي بشن حرب، عدوان عسكري على ايران دون تنسيق مع الادارة الامريكية. والواقع ان الهدف المركزي هو التنسيق الاستراتيجي مع اسرائيل حول خطوات مواجهة ايران ونفوذها في المنطقة. وتعهد بايدن، ان تطوير العلاقات الاستراتيجية الامنية الامريكية – الاسرائيلية كفيلة بضمان امن اسرائيل في مواجهة الصواريخ الايرانية الموجهة إلى اسرائيل. كما تعهد بايدن بان تواصل امريكا التزامها وحرصها بمواصلة تفوق اسرائيل نوعيا في المجال العسكري على جميع البلدان العربية مجتمعة. كما ستواصل تقديم " المساعدة العسكرية الامريكية بمقدار ثلاثة مليارات دولار سنويا ". واكد بايدن على دفع عجلة المفاوضات غير المباشرة الاسرائيلية – الفلسطينية – العربية كعامل هام في مواجهة ايران وتجنيد انظمة العرب " المعتدلة " في الحصار الاستراتيجي الامبريالي الامريكي – الاسرائيلي – على ايران.

لقد اكدنا مرارا ان من يراهن على تغيير الموقف المنحاز الامريكي الى جانب المعتدي الاسرائيلي، كمن يراهن على بغلة كديش مهرشة في ساحة السباق. وادفن يا شعبنا مؤامرة المفاوضات غير المباشرة لان مدلولها السياسي دفن الحق الوطني بالحرية والدولة والقدس والعودة.