المبادئ الأساسية للاقتصاد الإسلامي


مصطفى العبد الله الكفري
2004 / 7 / 14 - 07:13     

إننا عندما تتعرض لدراسة الفكر الاقتصادي الإسلامي، إنما تتعرض له من وجهين اثنين: الوجه الأول: اكتشاف مختلف الأفكار الاقتصادية من خلال ما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف وآراء الفقهاء والفلاسفة المسلمين . سواء ما كان منها شرعي أو أخلاقي أو علمي . ولا نريد أن يقتصر البحث هنا على الأفكار والنظريات العلمية، خصوصاً بعد أن أصبح لهذه الأفكار والنظريات اليوم أهمية تاريخية أكثر منها علمية. مع العلم أننا لا نريد الاستخفاف بها إذا نظرنا إليها من هذا المنظار التاريخي لأنها قد تؤدي وظيفتها عندما يحتاج إليها المؤرخ الاقتصادي مثلاً، بيد أن الأهمية العلمية المطلقة لهذه الأفكار قد أصبحت محدودة جداً، بسبب تطور الأبحاث الاقتصادية وقطعها مراحل حاسمة في طريق العلمنة .
الوجه الثاني: تحليل وتدقيق المفاهيم الأساسية التي يدور حولها الفكر الاقتصادي الإسلامي، فنحصل من هذا التحليل على عرض هذا الفكر وتحديده كما هو بالحقيقة، وليس كما يحلو لبعضهم أن يراه. لقد وردت بعض المفاهيم غامضة إلى درجة ما، فنجدها أحياناً مزيجاً من العواطف والأخلاق والتفكير العلمي. وهل يمكن الاستفادة من هذه المفاهيم وتطبيقها على وضعيات اجتماعية معاصرة ؟
فليس من المعقول أن نجد في أيامنا هذه، مؤلفات حول المذاهب الاقتصادية أو عن تاريخ الفكر الاقتصادي تتجاهل ما أنبتته الأخلاق والتعاليم الإسلامية والمسيحية من نظريات حول التعامل الاقتصادي، والظواهر والمشكلات الاقتصادية.
يقوم الهيكل العام للاقتصاد الإسلامي على ثلاثة مبادئ رئيسة، تميزه عن سائر المذاهب الاقتصادية الأخرى. وهذه المبادئ الأساسية الثلاثة هي: مبدأ الملكية المزدوجة ومبدأ الحرية الاقتصادية ضمن نطاق محدود ومبدأ العدالة الاجتماعية .( )
أولاً - مبدأ الملكية المزدوجة:
إن المذهب الإسلامي لا يتفق مع الشكل الرأسمالي للملكية، بأن الملكية الخاصة هي المبدأ، ولا مع الشكل الاشتراكي الذي يعد الملكية الاجتماعية مبدأ عاماً، ولكنه يعتمد مبدأ الملكية المزدوجة، أي الملكية ذات الأشكال المتنوعة. فهو يؤمن بالملكية الخاصة، والملكية العامة "ملكية الدولة" ويخصص لكل منها حقلاً خاصاً تعمل فيه.
"ولهذا كان من الخطأ أن يسمى المجتمع الإسلامي: مجتمعاً رأسمالياً وإن سمح بالملكية الخاصة، لعدة من رؤوس الأموال ووسائل الإنتاج، لأن الملكية الخاصة عنده ليست هي القاعدة العامة. كما أن من الخطأ أن نطلق على المجتمع الإسلامي اسم المجتمع الاشتراكي، وإن أخذ بمبدأ الملكية العامة، وملكية الدولة في بعض الثروات ورؤوس الأموال، لأن الشكل الاشتراكي للملكية ليس هو القاعدة العامة في رأيه. وكذلك من الخطأ أيضاً أن يعد مزيجاً مركباً من هذا وذاك، لأن تنوع الأشكال الرئيسة للملكية في المجتمع الإسلامي، لا يعني أن الإسلام مزيج بين المذهبين الرأسمالي والاشتراكي، وأخذ من كل منهما جانباً .. وإنما يعبر ذلك التنوع في أشكال الملكية عن: تصميم مذهبي أصيل، قائم على أسس وقواعد فكرية معينة، وموضوع ضمن إطار خاص من القيم والمفاهيم، تناقض الأسس والقواعد والقيم والمفاهيم التي قامت عليها الرأسمالية الحرة، والاشتراكية الماركسية " . ( )
ثانياً - مبدأ الحرية الاقتصادية في نطاق محدود:
سمح النظام الاقتصادي الإسلامي للأفراد بحرية ممارسة النشاط الاقتصادي، بحدود من القيم المعنوية والخلقية التي جاء بها الإسلام. ويأتي التحديد الإسلامي لحرية الأفراد في النشاط الاقتصادي من مصدرين أساسيين:
الأول - التحديد الذاتي: الذي ينبع من أعماق النفس، ويستمد قوته من المحتوى الخلقي والفكري للشخصية الإسلامية. ويتكون هذا التحديد الذاتي طبيعياً في ظل التربية الخاصة التي ينشئ الإسلام عليها الفرد في المجتمع الإسلامي، حيث يتحكم الإسلام في كل مرافق هذا المجتمع. ويتم هنا توجيه الأفراد توجيهاً مهذباً وصالحاً، دون أن يشعر الأفراد بسلب شيء من حريتهم .
الثاني - التحديد الموضوعي: الذي يتمثل في القوة الخارجية التي تحدد السلوك الاجتماعي وتضبطه. وهو التحديد الذي يفرض على الفرد في المجتمع الإسلامي بقوة الشرع. ويقوم التحديد الموضوعي لحرية ممارسة النشاط الاقتصادي في الإسلام على المبدأ القائل: (إنه لا حرية للشخص فيما نصت عليه الشريعة المقدسة، من ألوان النشاط التي تتعارض مع المثل والغايات التي يؤمن الإسلام بضرورتها). فقد منعت الشريعة مثلاً بعض النشاطات الاقتصادية كالربا والاحتكار لأنها تعميق المثل والقيم التي يتبناها الإسلام. كما أقرت الشريعة مبدأ إشراف ولي الأمر على النشاط العام وتدخل الدولة لحماية المصالح العامة وحراستها.( )
ثالثاً - مبدأ العدالة الاجتماعية:
يقوم المبدأ الثالث في الاقتصاد الإسلامي وهو العدالة الاجتماعية على أساس نظام توزيع الثروة في المجتمع الإسلامي بما يحقق العدالة في التوزيع في المجتمع. (لم يتبن "الإسلام" العدالة الاجتماعية بمفهومها التجريدي العام، ولم يناد بها بشكل مفتوح لكل تفسير، ولا أوكله إلى المجتمعات الإنسانية التي تختلف في نظرتها للعدالة الاجتماعية، باختلاف أفكارها الحضارية ومفاهيمها عن الحياة. وإنما حدد الإسلام هذا المفهوم وبلورة، في مخطط اجتماعي معين، واستطاع –بعد ذلك- أن يجسد هذا التصميم في واقع اجتماعي حي تنبض جميع شرايينه وأوردته بالمفهوم الإسلامي للعدالة)( ).
وتقوم العدالة الاجتماعية من وجهة نظر النظام الاقتصادي الإسلامي على مبدأين عامين، الأول مبدأ التكافل العام، والثاني مبدأ التوازن الاجتماعي. وفي التكافل الاجتماعي والتوازن في توزيع الثروة في المجتمع يتم تحقيق العدالة الاجتماعية.
إن هذه الأركان الأساسية في الاقتصاد الإسلامي، والتي تتمثل في ملكية وسائل الإنتاج ذات أشكال متنوعة، يتحدد التوزيع من خلالها. ثم حرية في النشاط الاقتصادي محدودة بالقيم الإسلامية. والعدالة الاجتماعية التي تكفل للمجتمع سعادته وقوامها التكافل الاجتماعي والتوازن.
وللمذهب الاقتصادي في الإسلام صفتان أساسيتان هما: الواقعية والأخلاقية.
الواقعية: هي اقتصاد واقعي في غايته لأنه يستهدف في أنظمته وقوانينه الغايات التي تنسجم مع واقع الإنسانية، بطبيعتها وخصائصها العامة، .. ويقيم مخططه الاقتصادي دائماً على أسس النظرة الواقعية للإنسان، ويتوخى الغايات الواقعية التي تتفق مع تلك النظرة.
الأخلاقية: حيث نجد أن الإسلام لا يهتم بالجانب الموضوعي فقط، وهو تحقيق الغايات، وإنما يهتم أيضاً بالعامل النفسي والطوعية لاتباع الطريق التي تتحقق بوساطتها الأهداف. وبذلك يمزج النظام الإسلامي بين العامل النفسي والذاتي بالطريق التي تحقق الغايات المرجوة. لذلك جعل الإسلام من الفرائض المالية "الزكاة مثلاً" عبادات شرعية، يجب أن تنبع عن دافع نفسي نيّر، يدفع الإنسان إلى المساهمة في تحقيق غايات الاقتصاد الإسلامي، بشكل واع مقصود، طلباً لرضا الله تعالى والقرب منه.( ) .
إن الأخلاق الاقتصادية لم تكن في العالم الإسلامي إلا مجموعة مثالية، وإذا ما رجع المفكر أو الفقيه لإثباتها كأصول لمنظومة التفكير الاقتصادي، فإن هذا لا يعني مطلقاً أنها أخلاق اقتصادية معمول بها. (ولا ننسى أن الفقه في هذا الميدان الاقتصادي على الخصوص، سلك في تشريعاته الموقف الوسط بين المثالية المتجلية في الأصول، والواقع الحي الذي يتجلى في المعاملات كثيرة التطور في مختلف الأزمنة والمجتمعات . فليس الفقه امتداداً حتمياً أو صورة أمينة للحياة التي يعيشها الناس. فالنظريات الاقتصادية تعد من هنا. وخصوصاً في مظهرها الأخلاقي والأصولي مفارقة بعض المفارقة للواقع الحي).( )
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد