في عشية انتخابات العراق للعام 2010


طلال احمد سعيد
2010 / 3 / 4 - 18:44     

في عشية انتخابات العراق للعام 2010
بعد اشهر قلائل من سقوط نظام صدام حسين عام 2003 اعلن الرئيس الاميركي جورج بوش ان الديمقراطية في العراق سوف تنجح وجاء تصريح الرئيس خلال فترة شهدت فيها البلاد موجة من الفوضى العارمة رافقتها اعمال قتل وسلب ونهب وانفلات امني يندر ان يكون له مثيل في العديد من دول العالم . بعد ذلك التصريح بفترة قصيرة اعلن الرئيس جورج بوش بان المهمة في العراق قد انجزت وفي نفس الوقت كان الجيش الاميركي يخوض حربا ضارية ضد الارهابيين والخارجين عن القانون تلك الحرب التي كلفت الولايات المتحدة اكثر من اربعه الاف قتيل ومئات المليارات من الدولارات تحملها دافع الضريبة الاميركي . ويمكن الجزم بان الولايات المتحدة فشلت في انجاز المهمة التي جاءت من اجلها عدا عن قيامها باسقاط النظام القائم كما انها لم تنجز ركائز مهمة واساسية لبناء الديمقراطية في البلاد
اليوم بعد مرور مايقارب 7 سنوات على احتلال العراق يتوجه العراقيون الى صناديق الاقتراع لاختيار مجلس نيابي ورئيس جمهورية وحكومة جديدة لفترة اربع سنوات قادمة , وقد وصفت هذه الانتخابات بانها مفصلية وهي تجري وسط ضجيج كبير وتزاحم وصراعات واتهامات متبادلة وان المتابع السياسي يلمس حرارة المعركة الانتخابية عندما يتابع برامج الفضائيات العربية او عندما يتجول في شوارع العاصمة بغداد ويقرا الافتات والاعلانات الكبيرة المنتشرة في ارجاء المدينه والامر الملاحظ ان عبارة (التغيير) هي الاكثر استعمالا من قبل المتنافسين والمرشحين والتغيير تستعمله نفس النخب التي حكمت العراق بعد الاطاحة بالنظام السابق والسؤال هو عن ماهية التغيير الذي تنوي السلطات الحاكمة انجازه والذي عجزت عن القيام به وهي في رأس السلطة . وفي هذا السياق نقرا شعارا وملصقة جدارية للسيد وزير المالية الحالي يقول فيها ( لنبدأ الان ) ووزير المالية هو اكثر من امضى في الحكم بعد السقوط فكان وزيرا للداخلية ثم وزيرا للاسكان وبعد ذلك وزيرا للمالية ولاندري من اين يريد ان يبدأ الان !! ؟ . الانتخابات تجري في عراق غارق بالمشاكل وعاجز عن التغلب عليها مثل الامن والخدمات والبطالة والهجرة وتفكك النسيج الاجتماعي وتلاشي الطبقة المتوسطة المحرك الرئيسي للمجتمع .
الماسكون بالسلطة في العراق يكثرون في الكلام حول الديمقراطية والمعروف ان الديمقراطية ليست مجرد شعارات انما هي عمل وفكر ومنهج والشعوب التي طبقت الديمقراطية بشكلها الصحيح هي الشعوب التي انتعشت اقتصاديا اولاً لذلك فان الديمقراطية تصبح شعارا لامعنى له وسط شعب تعيش اغلبيته تحت خط الفقر . الديمقراطية في العراق يمكن ان توصف بانها مشوهة او ناقصة بسبب هيمنه سياسة المحاصصة الطائفية على كل مفاصل الدولة وبسبب غياب المؤسسات الدستورية وعدم وضوح الهوية الحقيقية للحكم في البلاد التي اغفلها الدستور والذي جاء ناقصا او متناقضا في العديد من مواده .
الشعارات والملصقات الجدارية والوعود التي تطلق هي امور في غاية السهولة غير ان التنفيذ هو الامتحان الصعب فالخلاص من المشاكل التي يعانيها العراق تتطلب جهودا وتخطيطا وتصميما وارادة صلبة ووحدة للراي والكلمة وهذه الصفات كلها او اغلبها بالتاكيد كانت غائبة عن الجماعات التي مسكت بزمام السلطة بعد السقوط لذلك فانه من الصعب التصديق بان تلك الجماعات والكتل سوف تكون قادرة على اصلاح الامور لو اعيد انتخابها مجددا . ويمكن الجزم بان التنافس الكبير الذي يجري الان وعلى هذا النطاق الواسع ولد شعورا بالتفاؤل بمستقبل العملية السياسية والديمقراطية لان وجود اكثر من سته الاف مرشح هو مؤشر ان العملية الانتخابية تسير في الاتجاه الصحيح لو ضمنا نزاهه وشفافية العملية وابتعادها عن التدخل والتزوير . بنفس الوقت ومن المؤسف ان نجد بجانب كل ذلك ان اغلب العراقيين غير مكترثين بالمعركة الانتخابية والسبب يعود الى الاحباط الذي تركته الانتخابية السابقة لعام 2005 والتي افرزت مجلسا نيابيا استهان كثيرا بمصالح الشعب ومستقبلة واهتم بعين الوقت بمصالحه عبر سلسلة من المكاسب المادية والشخصية التي اقرها لاعضاءه .
الحراك السياسي الذي رافق عملية التحضير للانتخابات افرز معطيات جديدة في الساحة السياسية العراقية وهي معطيات مهمة وجيدة لرسم الطريق لمستقبل العراق السياسي وبالامكان تلخيص تلك المعطيات بالاتي :-
1. الابتعاد عن الطائفية والتمسك بالشعارات الوطنيه بدلا عن شعارات الدين السياسي السابقة الامر الذي يبشر بقرب اعلان الدولة المدنيه كبديل نهائي عن الدولة الدينيه .
2. نبذ فكرة ومبدأ المحاصصة الطائفية والقومية وكشف الاضرار التي سببتها للعملية السياسية بشكل عام والتاكيد على ان العراق لكل العراقيين وان المناصب يجب ان توزع على اسس الكفاءة والمقدرة والاخلاص في العمل .
3. شعارات التغيير تعني ضرورة واهمية اتباع سياسة جديدة تعمل بهدف بناء عراق جديد ديمقراطي مزدهر وهي بعين الوقت اعتراف بان العملية السياسية التي سبقت هذه الانتخابات فشلت في تحقيق المكاسب لهذا الشعب .
4. القائمة الانتخابية المفتوحة ستكون بالتاكيد اساسا جيدا لدفع ممثلين في المجلس النيابي من طراز جديد يملكون الخلفية التي تؤهلهم فهم اهمية وخطورة عمل السلطة التشريعيه ومدى المسؤولية التي تلقى على عاتقها من اجل تخليص البلاد من المأزق الذي تمر به .

ان التجارب المريرة والنكبات التي عاشها الشعب العراقي منذ اكثر من اربع عقود يجب ان تكون حافزا مهما للناخب والمرشح على حد سواء لتقدير اهمية المرحلة التي تمر بها البلاد والتي تستدعي التخلص من رواسب الماضي والانطلاق نحو مستقبل جديد .
الشعب العراقي الذي سمع وقرا الكثير من الوعود يجب ان يكون رقيبا دائما ومهما لمراجعه ومحاسبة اداء السلطتين التنفيذية والتشريعيه عبر كل الوسائل المتاحة وبذلك نكون على يقين باننا نسير في درب الديمقراطية السليمة .