عن أي عالم اسلامي يجري الحديث طلبًا للاغاثة؟!


احمد سعد
2010 / 3 / 2 - 11:42     

عندما يشرف انسان ما على الغرق او يقع في مأزق كارثي، فعادة ما يجري ترديده "انه يتعلق بحبال الهواء" او "يتعلق بقشّة" طلبا للنجاة وتعبيرا عن عدم فقدان الامل التفاؤلي بالتخلص من انياب الخطر المحدق. وفي ظل الوضع المأساوي الذي يواجهه الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية من جراء جرائم العدوانية الاسرائيلية وحروبها الاستراتيجية، ومن جراء وضعها المتدني الهزيل في التقسيم الرأسمالي العالمي للعمل وغياب الدمقراطية في ظل انظمتها الرجعية المتعفنة، في ظل هذا الوضع المأساوي طالما يجري الترديد خاصة عند وقوع الحدث الكارثي وبضرب المثل "وقع الفأس في الرأس"، الاشارة الى "العالم الاسلامي" وكأنه العمق الاستراتيجي لدعم الكفاح العادل للقضية الفلسطينية والعربية، وان موقفه قد يؤلف احدى وسائل الفرج لمواجهة والتخلص من كوارث انياب الذئاب المفترسة لوحوش شريعة الغاب. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا وبشكل منطقي ويرافقه العديد من التساؤلات، اين هو العالم الاسلامي؟ وهل يوجد محور اسلامي معولم يواجه او على شاكلة وجوهر المحاور المتعددة مثل محور الاتحاد الاوروبي او المحور الياباني او محور الولايات المتحدة الامريكية، او حتى ما يشبه المحاور التي توحّد بعض بلدان امريكا الجنوبية او بعض البلدان الافريقية مثل الاتحاد الافريقي التي تحاول ان يتمركز نشاطها ودورها في المجال الاقتصادي – الاجتماعي، في المجال التنموي ورسم خطط لمواجهة او الحد من جرائم العولمة الرأسمالية الوحشية الخنزيرية ولاقامة نظام عولمة عالمي اكثر عدلا وانصافا بالنسبة للبلدان النامية ضعيفة التطور! فالعالم الاسلامي عبارة عن اطار تنظيمي مهلهل ومخصيّ الصلاحيات ويضم البلدان التي يطلق عليها بلدانا اسلامية، دينية بالاسم، وتعتني لفظا بالقضايا التي تخص قضايا المسلمين ومقدساتهم وبشكل لا يتعدى اتخاذ مواقف لا يجري العمل لتجسيدها على ارض واقع المعترك الكفاحي. كما لا يوجد أي انسجام او تكامل اقتصادي او مالي او سياسي بين الدول الاسلامية، احيانا تصدر بيانات تضامن مع الشعب الفلسطيني ولكن لا تتخذ اجراءات عملية عينية ومحددة لدعم الكفاح الفلسطيني العادل ولدعم قضاياه الوطنية الشرعية بشكل ناجع. وبرأينا ان عدة عوامل مشتركة تعتبر قواسم بارزة تتسم بها دول العالم الاسلامي، اهمها ان الاغلبية الساحقة من انظمة بلدانها مدجنة امريكيا وتدور في فلك خدمة الاستراتيجية الامبريالية الامريكية والحلف اطلسية، وتعاني مختلف بلدانها من هيمنة انظمة قبلية اقطاعية متبرجزة بفضل عائدات ثرواتها الطبيعية، وبعضها بفضل الاتجار بالمخدرات والقيام بدور الوكيل والمتعهد الثانوي في تسويق السلع والخدمات الاجنبية في بلدانها التي حولتها الى سوق استهلاكية للبضائع والسلع والخدمات والسلاح المستوردة من الخارج، هيمنة الاحتكارات الاجنبية على مفاتيح التنفس الباقية من رئة الاقتصاد الوطني، انظمة رجعية في غربة عن اشاعة الحريات الدمقراطية.
ما اريد تأكيده ان الحديث في سياق هذه المعالجة لا يجري ابدا عن الدين الاسلامي الحنيف الذي في جوهره وعندما ظهر، دعا الى الاصلاح الاجتماعي والى التسامح والى نمط من العدالة الاجتماعية، واذا وضعنا في الميزان سياسة وممارسات الانظمة والقوى الاسلامية المتعددة التي تسيّس الدين فانها تناقض الاسلام في جوهره وفي مدلوله، الاسلام في واد وهم في واد آخر. واذا استثنينا بعض المسلمين المؤمنين حقا، الذين يرون في الدين عبادة عن قناعة شخصية تربط بين الانسان والخالق ويحارب الظلم والظالمين مع والى جانب المناضلين ضد جرائم الامبريالية والصهيونية والرجعية، اذا استثنينا هؤلاء فانه من الاهمية بمكان، ولمصلحة الكفاح التقدمي، ان نفرز بين ثلاث قوى في العالم الاسلامي تختلف في طابع ممارساتها ومدلولها باسم الاسلام ومذاهبه.



** أعداء شعوبهم – اعداء الانسانية:في الفرز الذي نحاول تحديد ملامح مركباته نحن نود تأكيد اننا ليس فقط نستثني بل نؤيد ونتضامن مع كل مقاوم وحركة مقاومة تقاوم المحتلين والمعتدين من الغزاة الاجانب، من المستعمرين الجدد لبلدانهم بهدف الهيمنة ونهب خيرات وثروات بلدانهم. فالواجب الوطني والشرعي والانساني يحتّم مقاومة الغزاة بالطريقة التي يرونها مناسبة، بالمقاومة المسلحة او بالمقاومة الشعبية – الجماهيرية.
ما نقصده بمركبات فرزنا ومكوناته الثلاثة في العالم الاسلامي هو ما يلي:
* أولا: أنظمة تبيع اوطانها للاجنبي "بحفنة عدس" ونقصد بالانظمة المدجنة في اطار خدمة الاستراتيجية العدوانية الامبريالية الامريكية في استراتيجية "عولمة محاربة الارهاب" الامبريالية مثل الانظمة في المملكة العربية السعودية ومصر والمغرب وباكستان وافغانستان وقطر والبحرين وعُمان واندونيسيا وتونس والاردن واليمن وماليزيا والعراق. ففي هذه البلدان تعاني شعوبها معاناة الفقر والبطالة والتخلف الاقتصادي والثقافي لبلدانها وهيمنة الاجنبي ليس باحتلال افغانستان والعراق وارتكاب جرائم الحرب فيهما فحسب، بل نهب خيراتها وثرواتها. وفي عدد منها تزرع اراضيها بالقواعد العسكرية الامريكية والاطلسية، في العراق ومصر واليمن وقطر ومياه الخليج وغيرها، كما تعاني شعوبها من ظلم وبطش الانظمة في ظل غياب الدمقراطية. اما في الموقف من القضايا الوطنية للبلدان والشعوب الاسلامية والعربية فان انظمة هذه البلدان تتواطأ مع المشاريع الامبريالية ضد المصالح الوطنية الفلسطينية والعربية والاسلامية. في مطلع اواخر الستينيات من القرن الماضي اشعل مستوطن يهودي النار في المسجد الاقصى المبارك بهدف احراقه، فماذا عمل ملك المغرب رئيس مؤتمر الدفاع عن القدس والمقدسات، ماذا عمل العالم الاسلامي لردع المحتلين المعتدين غير "تطريز" بيان ادانة! المحتل الاسرائيلي يسابق الزمن في تسريع وتكثيف عمليات الاستيطان الديموغرافي والجغرافي لتهويد مدينة القدس المحتلة وطرد اهلها في اطار مشروع عنصري للتطهير العرقي لفلسطينيي القدس العرب، فماذا فعلت الانظمة الاسلامية والعربية لردع المعتدين، حتى علاقات التطبيع بين مصر والاردن وقطر وغيرها مع المحتلين لم توقفها هذه الدول احتجاجا وضغطا على المجرمين المعتدين. وحتى العملية الاجرامية الاخيرة التي اعلن عنها رئيس حكومة اليمين بنيامين نتنياهو، بتهويد الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم وضمهما في اطار التراث اليهودي لم يحرك بشكل جدي الدم المتخثر في شرايين انظمة هذه البلدان سوى بيانات استنكار لا تسمن ولا تغني عن جوع. فعمليا هذه الانظمة تحشر بلدان شعوبها في محراب السجود خدمة للمصالح الامبريالية وما ينالها منها من فتات وليس السجود خدمة لمصالح شعبها والشعوب العربية والاسلامية.



* ثانيا: مواقف ازدواجية: بعض القوى التي يدرجونها في عداد قوى المقاومة ولكنها مقاومة مشبوهة حسب رأينا، حيث انها تمارس مقاومة مزدوجة متناقضة المضمون، فمن جهة مقاومة المحتلين الامبرياليين، كما تنهج حركة "القاعدة" ونحن مع مقاومة المحتلين، ولكن من الجهة الاخرى تتوجه بشكل عنصري منهجي بانها تحارب اليهود والصليبيين من المسيحيين. وهذا التوجه العنصري لا يستفيد منه سوى الامبرياليين ولا يخدم سوى مخططهم الاستراتيجي للهيمنة من خلال تمزيق وحدة النسيج الوطني وتأجيج الفتنة والصراع الدموي الطائفي. وهذا ما يحدث في العديد من البلدان العربية حيث ان النسيج الوطني لابناء القومية العربية مكون من العرب المسلمين والعرب المسيحيين. وهذا يعكس اثره بالعدوان العنصري الدموي على العراقيين المسيحيين في الموصل العراقية وغيرها من اماكن تواجدهم وتأجيج الفتنة والصراع بين الشيعة والسنة في العراق واليمن وحتى في افغانستان وباكستان. كما ان تأجيج الفتنة الطائفية والصراع الطائفي في مصر ضد الاقباط المصريين لا تخرج عن سياق خدمة سياسة نظام مبارك الفاشلة المدجنة امبرياليا ولصرف انظار الشعب المصري عن حالة البؤس والفقر والبطالة من جراء سياسة النظام بطابعها العميل وبنهجها النيولبرالي وتجسيده باغناء الاغنياء وافقار الفقراء.



* ثالثا: أنظمة المعايير المزدوجة: في اية خانة من العالم الاسلامي تتموضع كل من ايران وتركيا؟ فايران تدرج كدولة اسلامية نظامها اسلامي اصولي، وسياسيا تنتهج سياسة المعايير المزدوجة فانطلاقا من خدمة مصالح لتوسيع منطقة ومساحة نفوذ ايران في المنطقة وكونيا فان نظامها غير مدجن امريكيا ويتضارب مع مصالح الهيمنة الامريكية، وتتآمر الامبريالية الامريكية وحليفها اسرائيل لردع النفوذ الايراني في المنطقة والتهديد بخنقها بالحصار الاقتصادي وبخيار عدوان عسكري تحت ستار مواجهة المشروع النووي الايراني، والادعاء انه للاهداف العسكرية وليس السلمية كما يدعي النظام الايراني. والتهديد بضرب حلفاء ايران عسكريا من سوريا الى حزب الله الى حماس. وموقفنا مع ايران في مناهضة الامبريالية الامبريالية واسرائيل في مخططاتهما العدوانية ضد ايران، وضد أي حرب او عدوان عسكري على ايران، ولكن من جهة اخرى نحن لا نؤيد النظام الايراني بطابعه ومنهجه الاصولي وموقفه ضد الحريات الدمقراطية وتنكره للحقوق القومية الكردية في ايران. كما لا نؤيد موقفه من الشعب العراقي وخاصة فيما يتعلق بتأجيج الصراع المذهبي الطائفي بين الشيعة والسنة ودعم ايران لبعض القوى والتحالفات الشيعية في العراق الذي ينذر ويهدد في الافق الاستراتيجي بتقسيم العراق وتمزيق وحدته الوطنية والذي يلتقي مع هدف المستعمرين بتقسيم العراق واحتمال التوصل الى توافق تقسيم وظائف مصالح بين ايران وامريكا في العراق.
أما في تركيا التي يحكمها حزب التنمية والعدالة بجذوره الاسلامية فالوضع معقد اكثر من ايران من حيث تناقضاته. فمن جهة، حزب العدالة والتنمية يحاول اعادة مجد الدولة العثمانية بتقوية نفوذ ودور تركيا في العالم العربي، ولهذا حسّن علاقاته مع سوريا والبلدان العربية واتخذ مواقف تضامنية مع كفاح الشعب الفلسطيني، ودان جرائم اسرائيل العدوانية وخاصة جرائم الحرب على غزة ابان وبعد حرب "الرصاص المصبوب" الاسرائيلية الوحشية في غزة. ولكن من الناحية الثانية لم تنظف ارضها من القواعد العسكرية الامريكية – الاطلسية ولم تقطع علاقاتها الاستراتيجية العسكرية مع اسرائيل او تنسحب من حلف الناتو العسكري – السياسي العدواني. كما ان حكومة حزب العدالة والتنمية قد حسّنت من ظروف معيشة الاقلية الكردية ومن حقوقها المدنية وبدأت خطوات لخلق ظروف تعايش افضل مع الاكراد يحسّن من وضع الامن والاستقرار. مشكلة النظام التركي القائم وتناقضه الاساسي هو مع القوميين المتطرفين المدجنين امريكيا والذين يختفون وراء ستار الحفاظ على الطابع العلماني لتركيا وصيانته من الاسلمة ومن دمج الدين بالدولة وعدم الفصل بينهما. والبؤرة الاساسية للمتطرفين القوميين كانت دائما في قيادة الجيش المثقفة والمعلوفة امريكيا وفي هيئة المؤسسة القضائية العليا المكونة من احد عشر قائدا والتي تعتبر اخطر بؤرة مدجنة امريكيا على الاراضي التركية. فقادة الجيش والمؤسسة القضائية لا يرون بعين الرضا التقارب التركي – السوري – العربي ولا الانتقاد لجرائم اسرائيل والتضامن مع الفلسطينيين ولا الاعتراف باي حقوق قومية او مدنية للاكراد. فالجيش الى ما قبل اعتلاء حزب العدالة والتنمية الى سدة السلطة كان الحاكم الآمر الناهي في تركيا، فقبل حوالي اربع عشرة سنة عندما كان الرئيس رجب طيب اردوغان رئيسا لبلدية اسطنبول اعتقله الجيش وسجنه بتهمة "التحريض الديني"، وقبل شهر حاول بعض قادة الجيش والمؤسسة القضائية العليا مصادرة الشرعية السياسية لحزب العدالة والتنمية واسقاطه عن سدة الحكم بتهمة انه يعمل على القضاء على الطابع العلماني لتركيا، ولكن هذه المحاولة فشلت. كما اقرت قبل شهر ونصف المؤسسة القضائية العليا الغاء شرعية الحزب الدمقراطي الاجتماعي الكردي التركي الذي له اعضاء في البرلمان. واستهدف هذا القرار خلق البلبلة في تركيا من خلال وقف وافشال خطوات النظام لتحسين العلاقة مع الاقلية الكردية. ويجري هذه الايام محاكمة وملاحقة النظام لعدد من الضباط في الاحتياط وفي الخدمة يتهمهم النظام بحبك مؤامرة للقيام بانقلاب عسكري ضد حكومة النظام القائم.
والحقيقة هي ان تعزيز مكانة حزب العدالة والتنمية بين الجماهير وزيادة تأثيره من جراء تحسين الاوضاع المعيشية وضبط موازنة غير متطرفة بين العلمانية والدينية او زيادة نفوذه داخل الجيش بإحالة متطرفين معادين برتب عالية من لواء وعقيد الى الاحتياط وادخال دماء جديدة الى قيادة الجيش قد اضعف المكانة السياسية للجيش ومدى تأثيره على صياغة مختلف القرارات التركية، وفي نفس الوقت زاد من قوة النظام القائم وهذا ما لا يريده قادة الجيش.