إغتيال المبحوح مؤشّر يجسّد عولمة ارهاب الدولة الاسرائيلية المنظم!!


احمد سعد
2010 / 2 / 22 - 10:59     

منذ اغتيال القيادي محمود المبحوح في حركة حماس في فندق "بستان روتانا" في الدوحة تتراكم المعطيات الصارخة ان من ارتكب هذه الجريمة هو الموساد الاسرائيلي. وانطلاقا من الخبرة"الغنية" للعدوانية الاسرائيلية والصهيونية والموساد الاسرائيلي – ذراع تنفيذ الجرائم، في ارتكاب جرائم التصفيات والاغتيالات لقادة ومسؤولين فلسطينيين واجانب مناهضين لممارسات جرائم العدوانية الاسرائيلية، من هذه الخبرة المكتسبة فان القيادة الاسرائيلية في السلطة السياسية وذراعها الموساد تنتهز وتختلق الظروف المناسبة لانجاح مخطط جريمتها المطروح للتنفيذ على طاولة اجندتها. فتوقيت اغتيال محمود المبحوح جاء في ظل تراكم ضباب اعلامي واحداث تساهم في شد الابصار اليها وصرف الانظار عن مخطط جريمة "اضرب واهرب" تعده اسرائيل العدوان. وجاءت عملية الاغتيال في ظل وعلى خلفية انشغال الرأي العام الفلسطيني والشرق اوسطي والعالمي بالاحداث التالية:
*أولا: تصعيد التحريض على النظام الايراني ودق طبول التهديدات العسكرية الحربية باحتمال عدوان عسكري اسرائيلي، وقد يكون بدعم امريكي على ايران بعد قيام ايران بتخصيب اليورانيوم من (3.5%) الى (20%). وان عددا من المسؤولين في الادارة الامريكية من ميتشل وحتى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وبعض المسؤولين في البنتاغون الامريكي طالبوا حكومة نتنياهو اليمينية "بضبط النفس" وعدم القيام باي مغامرة عسكرية ضد ايران احادية الجانب ودون تنسيق مع الادارة الامريكية، لان ذلك قد يشعل كل المنطقة نارا ويفشل مساعي ادارة اوباما لتجنيد ارانب بعض الانظمة العربية في منطقة الخليج وغيرها، في اطار استراتيجية تصعيد الحصار على ايران وفقا للمخطط الذي تعده الادارة الامريكية. تركيز انظار الرأي العام العالمي والمنطقي الاقليمي الى الاحتمالات المرتقبة على ساحة الصراع مع ايران.
* ثانيا: ألكشف عن "البندورة المتعفنة" في "البسطة" الفلسطينية، الكشف عن مظاهر الفساد وبعض المفسدين الفلسطينيين في احداث جرت قبل عدة سنوات ورأت حكومة الاحتلال ومخابراتها انه حان الوقت لتفضح عرضها،عبر القناة التلفزيونية الاسرائيلية العاشرة. ونحن ندرك جيدا تغلغل الفساد واستغلال البعض في السلطة الفلسطينية لمراكزهم في خدمة مصالحهم الخاصة، ونحن من اجل تنظيف السلطة الفلسطينية والساحة الفلسطينية من الفاسدين والمفسدين الذين يخونون الامانة ويشوّهون جوهر وحقيقة نضال شعب قدم قوافل من الشهداء الابرار ومعاناة عشرات السنين في مقاومة جرائم المعتدين والمحتلين الاسرائيليين وظلم ذوي القربى. ولكن رغم ذلك، هل المحتل الاسرائيلي ونظامه الغارق من رأسه حتى اخمص قدميه في مستنقع الفساد والرذيلة والمجازر وجرائم الحرب وامتهان واغتصاب حق شعب بالحرية والسيادة الوطنية، هل هذا النظام معني في محاربة "الفساد الفلسطيني" وصيانة الايدي الفلسطينية نظيفة، مع ان الوقائع تؤكد ان المحتل الاسرائيلي اكبر مساهم في تغذية الفساد الفلسطيني والمفسدين الفلسطينيين الذين على استعداد لبيع الوطن بحفنة من النقود القذرة. فتوقيت الاعلان بشكل مضخم عن الفساد الفلسطيني استهدف المحتل من ورائه الابتزاز السياسي من القيادة الشرعية الفلسطينية ومن السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، والضغط عليهم لكسر موقفهم الوطني المتمسك بثوابت الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف وجذبهم الى استئناف العملية التفاوضية المتوقفة، بسبب تنكر المحتل الاسرائيلي لاستحقاقات استئناف المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية حول التسوية الدائمة. وفي وقت حاول فيه المحتل عن طريق نشر اخبار الفساد وزرع بذور اليأس والاحباط في نفوس الشعب الفلسطيني، في هذا الوقت كان يجري نسج مخطط جريمة اغتيال محمود المبحوح وانظار الشعب الفلسطيني في كل مكان مكسورة الخاطر بسبب اخبار الفساد وكيفية تخطي هذا العفن من خلال اعادة ترتيب البيت الفلسطيني لرفع سقف جودة بيئته الصحية.
* ثالثا: إن حكومة نتنياهو والموساد ومن خلال التنسيق بينهما فقد امر الموساد بوقف جميع الجرائم الاخرى التي كانت معدة للتنفيذ في الشرق الاوسط وغيره، والتركيز كما ذكرت صحيفة "يديعوت احرونوت" امس (21-2-2010) لانجاح عملية اغتيال وتصفية محمود المبحوح في دبي.
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو: ما هو المدلول السياسي لهذه العملية؟
** مافيا عولمة الارهاب:
لم نخطئ ابدًا عندما قيّمنا في الحزب الشيوعي ان الصهيونية ربيبة الامبريالية، وان المستعمرين استهدفوا من قيام اسرائيل ليس فقط غرز الخنجر السام في قلب الجسد الفلسطيني وحقوقه الوطنية وفي خاصرة حركة التحرر الوطني العربية والبلدان العربية، بل اضافة الى ذلك ان تكون مخفرا استراتيجيا يخدم رذائل العدوانية الامبريالية في كل مكان، ان تكون "اسبارطة" في اطار الاستراتيجية الامبريالية الكونية، ان تكون اسرائيل نظاما يعتمد منهج ونهج "حق القوة". ولا نبالغ ابدا عندما نؤكد ان اسرائيل منذ نكبة الشعب العربي الفلسطيني وقيامها وحتى يومنا هذا تمارس اشكالا متعددة من ارهاب الدولة المنظم. فالحروب العدوانية ابتداء من المؤامرة الصهيونية – الامبريالية – الرجعية العربية لتشريد الشعب الفلسطيني وحرمانه حقه الوطني بالسيادة والاستقلال الى الحرب العدوانية الثلاثية الاستعمارية البريطانية – الفرنسية – الاسرائيلية على مصر الرئيس جمال عبد الناصر في الستة والخمسين الى الحرب العدوانية على لبنان والفلسطينيين في (1982) و (2006) والاحتلال الاستيطاني للمناطق الفلسطينية والسورية واللبنانية منذ السبعة والستين، وحرب الابادة على غزة، حرب "الرصاص المصبوب" جميع هذه الحروب تندرج في اطار ارهاب الدولة الاسرائيلية المنظم بهدف التوسع الاقليمي الصهيوني الذي ينسجم مع خدمة المصالح الاستراتيجية الامبريالية في الشرق الاوسط. والى جانب ممارسة ارهاب الدولة المنظم وتحت قيادتها وخدمة لسياستها العدوانية برز شكل آخر من الارهاب يمكن تسميته "بمافيا عولمة الارهاب" وهو ما تقوم به اذرع المخابرات و "الامن" الاسرائيلية من اغتيالات وتصفيات لشخصيات، قادة ومسؤولين وطنيين فلسطينيين ومن قادة وبلدان حركة التحرر الوطني. ويبرز من بين هذه الاذرع، الموساد الاسرائيلي، المخابرات الناشطة في الخارج، في مختلف بلدان العالم. وتعمل وسائل الدعاية الصهيونية العالمية والاسرائيلية الرسمية والامبريالية على نسج الاساطير حول قدرات وقوة الموساد الاسرائيلي.
فعند تقييم الموساد لا يمكن تجاهل حقيقتين، الاولى ان اليهود في اسرائيل جاءوا من مختلف بلدان العالم ويحق لليهودي ان يحتفظ باكثر من جنسية، وهذا يسهل على عميل ورجل المخابرات التغطية على نشاطه الاجرامي في البلاد وبين الشعب الذي ولد اهله فيه وعاش بين ظهرانيه وخرج منه ولكنه يحتفظ بعاداته ولغته وخصوصياته.
والثانية، ان للموساد كما لحكومته علاقات تحالف وتعاون استراتيجي مع دوائر المخابرات الامبريالية، ولهذا تبرز بعض الاتهامات عن تعاون بعض الاجهزة الامبريالية في المانيا وبريطانيا والولايات المتحدة مع الموساد الاسرائيلي في عملية اغتيال القائد الفلسطيني محمود المبحوح.
وعمليا فان مافيا عولمة الارهاب والرذائل والجرائم الاسرائيلية لا تقتصر على المجال المخابراتي ونشاط الموساد الاسرائيلي، بل تشمل تقريبا المشاركة في مختلف الرذائل والجرائم التي تحدث على الساحة الدولية، فالايدي الاسرائيلية القذرة لا تقتصر على المشاركة في الجرائم الامبريالية التي يرتكبها المحتلون والمعتدون الامريكيون وخدامهم في العراق وافغانستان وفي السودان والصومال ونيجيريا وغيرها، ولا بتزويد سماسرة السلاح الاسرائيليين للقوى الرجعية في كل مكان، بل اضافة الى ذلك فان المجرمين الاسرائيليين جزء ناشط من مافيا عولمة المخدرات والاتجار بها في السوق العالمية ومن مافيا عولمة سوق العبيد والاتجار بأجساد النساء في شوارع الرذيلة.



** ألدّوس على القانون الدولي:إن حكومة نتنياهو – براك – ليبرمان تتحمل المسؤولية الكاملة عن جريمة الموساد بتصفية القائد الفلسطيني محمود المبحوح "اذا ما ثبت ذلك"! فحسب ما اوردته الصحيفة البريطانية " ساندي تايمز" امس الاحد، وبناء على معلومات موثوقة من مقربين في الموساد ونشرتها صحيفة "يديعوت احرونوت" امس الاحد "انه في بداية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، دخلت سيارتان فاخرتان من طراز أودي (6أ) الى مقر الموساد في الاطراف الشمالية من مدينة تل ابيب. بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة خرج من احدى السيارتين، استقبله رئيس الموساد مئير دغان الذي قاده الى احدى الغرف وحسب معلومات المقربين من الموساد كان في الغرفة قسم من اعضاء الخلية التي صفّت المبحوح ومن بينهم الشخص الذي كان عليه ان يعطي القرار النهائي. قدموا لنتنياهو تفاصيل العملية وان خلية الاغتيال قد قامت بعملية تصفية وهمية كتجربة لتصفية المبحوح، وان التجربة جرت في احد فنادق تل ابيب. وان خطة تصفية المبحوح لا تعتبر خطيرة بشكل خاص. ولهذا نتنياهو اعطى الامر للموساد بتنفيذها وقال لرجال الموساد – شعب اسرائيل يعتمد عليكم – بالنجاح"!!
إن اقوال نتنياهو تؤكد مسؤولية حكومة اسرائيل عن عملية الارهاب المنظم لتصفية المبحوح، مسؤوليتها عن كل ما يرتكب وارتكب وسيرتكبه الموساد من موبقات.
لقد اعتقد المجرمون الاسرائيليون ان عملية تصفية المبحوح ستمر بسلام و"سينفد المجرم بريشه"، خاصة على ضوء انشغال الرأي العام العالمي والعربي بايران وبالخلافات الفلسطينية – الفلسطينية، وبمبادرات التآمر الاسرائيلية – الامريكية لاستئناف المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية وفقا للشروط الاملائية الامريكية الاسرائيلية التي تنتقص من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية. وان العملية ستنجح في ظل الشبكة التضليلية المحكمة التي نسجها الموساد للتغطية على جريمته. ونجاح العملية في ظل عدم كشف هوية الفاعل المجرم علانية سيثير زوبعة من الشكوك والقلاقل والاتهامات الصارخة لعدة عناوين – للسلطة الفلسطينية ولحركة فتح ولغيرهما. ولكن كما اتضح فانه "ليس في كل مرة تسلم الجرة"، صحيح ان المجرمين نجحوا في ارتكاب الجريمة ولكنهم فشلوا في التغطية على من ارتكبها وانفضحوا "ونشر عرضهم على شوكة" مختلف وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وعلى الانترنيت مؤثقة بالصور المرافقة.
وكشف وجه المجرمين يعكس ان هذه الجريمة لا تقتصر على الاسلوب الهمجي لتصفية الخصوم والاعداء، لاسلوب الاغتيالات الشخصية بل كشفت عن مدى استهتار اسرائيل بالقانون الدولي وبسيادة البلدان والدوس على القيم المتعارف عليها في التعامل بين الدول. فلم يكتفِ الموساد الاسرائيلي وخليته لتصفية المبحوح بالدوس على سيادة دُبي وتدنيس ارضها دون اذن، بل ارتكب جرائم اخرى، منها استغلال جوازات سفر ووسائل لوجستية اجنبية للتغطية على المصدر والعنوان الاسرائيلي لارتكاب الجريمة. جوازات سفر بريطانية وايرلندية وفرنسية وامريكية ولوجستية نمساوية ودون الرجوع الى حكومات هذه البلدان او التنسيق معها حول الخطة، مع ان بعض الاتهامات تدعي ان الموساد وحكومة نتنياهو قد نسقوا العملية بعلم الاوساط البريطانية والامريكية وتحت يافطة "محاربة الارهاب". والانكى من ذلك انه جرى تزوير جوازات سفر لاشخاص لم يشاركوا في الجريمة، سرقة جوازات سفرهم وظهرت معطيات عنهم في وسائل الاعلام.
إن هذه المعطيات، اذا ما ثبتت صحتها، تستدعي معاقبة اسرائيل الرسمية كمجرم دولي، ليس فقط كمجرم حرب ارهابي دموي ضد الشعب العربي الفلسطيني، بل كمجرم بحق القانون الدولي والعلاقات الدولية. معطيات تستدعي تصعيد الضغط العالمي لانقاذ الشعب العربي الفلسطيني من وكر ذئاب الاحتلال والارهاب الدموي وضمان حقه الشرعي بالحرية والدولة والقدس والعودة.