الطبقات الذكية !


جمال محمد تقي
2010 / 2 / 20 - 18:50     

العنوان يجعل القاريء وعلى الفور يفكر بالنصف الاخر من المعادلة ، لان الافتراض المنطقي لوجود الطبقات الذكية يستدعي وعلى الفور ايضا وجود نعت الضد ، اي الطبقات الغبية !
الطبقة الذكية تمتاز عن الغبية بقلة عددها وفراسة عقلها وقدرتها على اخضاع الطبقة الغبية بما تمتلك من ادوات مكتسبة في خضم نزاعات الاضداد ضمن المنظومة الاجتماعية الاقتصادية الواحدة ، والدولة واحدة من اهم تلك الادوات .
قالوا : الثورات يفجرها المغامرون ويخوض غمارها الشجعان ويفوز بمحصلتها الجبناء !
ليس الذكي النجم صاحب الموهبة الذكي هو الذي يحسن تقديمه وتسويقه واستغلاله !
ليس الذكي من يملك الثروة ويجني ريعها الذكي من يديرها ككرة الثلج كلما انحدرت كبرت !
ليس الاكثر جشعا هم الراسماليون انفسهم وانما من يديرون اعمالهم مقابل نسب من الارباح !

فنتازيا الطبقات الذكية راحت تحلق بعيدا في تمييز نفسها ، عندما قدست حالتها وجعلت منها ذاتا غير متناهية ، بماهية متخصصة تملكا وحكما وتفكيرا ، وبثبات لا ينقطع ، بل يتناسل كحالة خلايا النحل في دورات حياتها التي تبدو وانها مبرمجة حتى تبلغ نهاية التاريخ الذي لا ينتهي ، اما من يحلم بالعصيان فمصيره سيكون الخروج من الجنة الى حيث الجحيم الارضي ، فالملكية مقدسة وخالدة والسوق هو الحقيقة المدنية الوحيدة المطلقة وقوانينه هي ظل لقوانين الله في الارض ، فاعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لقيصر لان القياصرة وكلاء البطنين ، واذا لم يتبقى شيئا فاستدينوا لتدور عجلة الفائدة ـ فائزا ـ وربحا وتبادلا ، والتجارة شطارة ، فكونوا من المؤمنين ، ومن لم يستطع المتابعة فعليه ان يتنازل عن حيزه من الفراغ بل ويتنازل عن اعضاء جسده وهو حي ، فرهن اعضاء الجسد محسوب في السوق على انه من الاصول المضمونة ، ما دام الانسان هو بذاته ايضا اثمن راسمال ، ولم يكن شكسبير الا مسجلا تقريريا في تاجر البندقية عندما وثق واقعة رهن اعضاء الجسد عند شايلوك ، فكم كلية في الساعة الواحدة وحول العالم تقطع من جسد فقير لتزرع بجسد غني ، وكم طفل يسرق ليباع في سوق البشر ؟
الطبقات الذكية امتياز نوعي يصل حد التمييز الجيني تمنحه لنفسها الطبقة السائدة في مراتبها العليا والتي تريد به التغطية على حقيقة المصادر الكامنة وراء سلطتها وهيمنتها ، لتجعل منه سنة لتكريس منطق التفوق والغلبة الطبقية التي تصر على التأبيد ، فكل الصفات الفاضلة الحاضرة والغائبة لا تخص الا طبقات الدرجة الاولى ـ الاسياد والاقطاعيين والبرجوازيين ـ كالحكمة ، والنبل ، والفروسية ، والعدل ، والفحولة ، والنظافة ، والخلق والابداع ، والمغامرة ، والكرامة ، والعزيمة ، والتذوق ، والشجاعة ، فالناس طبقات والناس معادن نفيسة ورخيصة والناس اجناس منهم الانجاس ومنهم من هو ـ ربي كما خلقتني لا ارباعا ولا اسداس ـ كالسلالم عالية وواطئة ، العالية تداس اقل مما تداس الواطئة حتى نصل السلمة التي لا تداس ابدا ، الناس اضداد مصونة وعارية ، نظيفة وقذرة ، شريفة ومدنسة !
يجمعون الذكاء في النخب والحكام والحكماء والمفكرون والصفوة والخاصة ، والغباء بالرعاع والدهماء والعامة ، هذه التصنيفات نجدها مبثوثة وشائعة في الكثير من ادبيات الماضي والحاضر وفي الكثير من انواع الخطابات الفلسفية والاهوتية !
طبقة تفكر وتستثمر وتبتكبر في استغلال كل مستهلك وخام حتى السخام وحتى الارحام لتتمكن من تابيد هيمنتها على البيدر والحقل ومن ثم على السوق وكل مفاتيحه الداخلية والخارجية القديمة والجديدة منذ ايام آدم وحواء ومقايضات التفاحة وحتى فاكوياما ونهايته في التاريخ ، ومنذ ايام مبادلات اقتصاد التدجين مع قطف الثمار واقتصاد الصيد الى اقتصاد الزراعة والحرفة ، الى اقتصاد الصناعة البدائية والمتقدمة حتى اقتصاد مابعد الصناعة بكل مراحله الحاضرة والمستقبلية ، فانماء الملكية الخاصة والاستثمار في ريعها لمضاعفة قيمها حتى غدت فوق القومية وفوق القارية وفوق الكرة الارضية يعمل وفق قاعدة طردية كلما ازدادت الارباح ازداد الحرص على زيادتها وعبر هذا الطريق فقط تمنح نفسها فائضا من اكسير السلطة وسر وجودها !
طبقة تُستَغل وتُضطهد وتشترى قوة عملها لتنتج فائض قيمى جديد لصاحب الدورة صغيرا كان ام كبير ـ الصغير يريد ان يكبر والكبير يريد ان يصبح من آلهة الكون ـ هذه الطبقة هي الاكثرية العددية في كل التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية منذ ايام الاسياد والعبيد ، والاقطاع والاقنان ، حتى الراسمالية وطبقة العمال المأجورين ، وطبقة اقل منها عددا بما لا يقاس امتلكت حق مكتسب وصار ارثا مقدسا تباركه الارض والسماء !
التاريخ يكتبه المنتصرون ، والمنتصرون لا بد ان يكونوا اذكياءا والا لما انتصروا ، الطبقات السائدة هي ليست المالكة فقط لوسائل الانتاج او التي لها موقع الادارة في عملية الانتاج الاقتصادي الاجتماعي وانما هي من يريد تكريس منطق الطبقات الغبية وبالتالي الشعوب الغبية فكريا ونفسيا وعمليا .
اليسار واليمين اتجاهان سياسيان وفكريان متعاكسان وكل منهما يشكل واجهة لخلفية طبقية غير ـ مركزة ـ وبمعنى اخر فان اليسار هو حلف سياسي لقاعدة طبقية متعددة الشرائح ، وكذلك هو اليمين ،
والاثنان لا يظهران حقيقة ما يفكران به ازاء غباء وذكاء الطبقات والشعوب .
حتى في المدينة الفاضلة لافلاطون كان العبيد هم الاغبياء . . . حتى في الجنة هناك اغبياء لان هناك من هم عبيد لله عدا الشيطان الذي تمرد .
لا تكذبوا وتصدقون ما كذبتموه لا تعتقدوا ان الامر قد انتهى لكم فثورة الاغبياء العارمة قادمة لامحال فهم لا يخسرون بثورتهم غير غبائهم !