قانون دولة القانون


طلال احمد سعيد
2010 / 2 / 18 - 12:43     

ثبت بكل وضوح ان الازمة التي عصفت بالعراق منذ اكثر من شهربسبب اقصاء عدد من المرشحين للانتخابات كانت ذات اهداف ودواعي سياسية ولاعلاقة لها على الاطلاق بالدستور والقوانين النافذة , وقد عكست جانبا مهما من المعركة الانتخابيه الجارية التي اريد منها ابعاد عناصر وقوى معينه قد تؤثر على فوز كتل معروفة ضلت تمسك بمقاليد الحكم منذ عملية التغييرحتى الوقت الحاضر . الازمة بمجملها خلفت شرخا كبيرا بالعملية السياسية والمصالحة الوطنيه التي طالما تبجح بها حكام العراق الجديد .
النصوص الدستورية والقوانين تم التجاوز عليها وفسرت بما يخدم الاهداف السياسية التي خطط لها وبالرجوع الى الاحكام المعتمدة نجد :-
1. ان المادة السابعه من الدستور التي اشير اليها في اكثر من مناسبة نصت على فرض حضر على البعث الصدامي على ان ينضم ذلك بقانون والقانون المرتقب لم يصدر حتى الان لذلك فأن العمل وفق هذه المادة غير جائز وناقص ولايمكن الاخذ به لعدم وجود نصوص قانونيه تنظمه .
2. المادة (135) من الدستور نصت في الفقرة خامسا وسادسا على ان مجرد العضوية في حزب البعث المنحل لاتعد اساسا كافيا للاحالة للمحاكم كما نصت على وجوب قيام مجلس النواب بتشكيل لجنه نيابية من اعضاءه لمراقبة ومراجعه الاجراءات التنفيذية للهيئة العليا لاجتثاث البعث وعلى ان تخضع قرارات اللجنه لموافقة مجلس النواب . وهذه الاجراءات لم تطبق بمجملها .
3. لم يتوصل مجلس النواب الى قرار بتسمية اعضاء هيئة المسائلة والعدالة حسبما نص عليه قانون تأسيسها وبقيت هيئة اجتثاث البعث الملغاه تعمل دون تفويض مما يعني انها غير مخولة قانونا بمزاولة اعمالها .
4. القرار الاول التي اتخذته الهيئة التميزية بتاجيل البت في قرار هيئة المساءلة والعدالة الى مابعد الانتخابات اثار معارضة كبيرة باعتباره مخالف للقانون والسؤال هنا ماذا كان سيحصل لو ان الهيئة التميزية ساندت المساءلة والعدالة في مجمل قراراتها فهل كان هناك من سيقول بان هيئة التمييز مسيسة ام ان الحاكمين سيصفقون لها وهذا ماحصل بالضبط عندما اصدرت الهيئة قرارها الثاني باستبعاد 145 مرشحا .
ومما هو جدير بالذكر ان السيد رئيس الوزراء دعا مجلس النواب الى جلسة استثنائية لعزل الهيئة التميزية اذا اصرت على قرارها الاول وهو موقف فيه تجاوز على مبدا استقلالية القضاء في البلاد .
5. عملية اقصاء اعضاء في مجلس النواب القائم حاليا مخالف لنص المادة (63) من الدستور التي منحت الحصانه للنائب عما يدلي به من اراء في اثناء دورة الانعقاد ولايتعرض للمقاضاة امام المحاكم بشأن ذلك .
العراق مقبل على معركة انتخابية تقرر مستقبل البلاد لسنوات مقبلة ونتيجة المعركة تتوقف على رأي الناخب العراقي , وهذا الامر يتطلب توفير شرطين الاول تامين حرية الاختيار الكاملة للناخب وعدم التاثير على ارادته والثاني فسح المجال امام كل القوى والشرائح السياسية بخوض المعركة دون ايه قيود او معوقات , فالديمقراطية تهدف الى جعل المنافسة الانتخابية مفتوحة امام الجميع وذلك بقصد الوصول الى برلمان وحكومة تمثل الشعب تمثيلا صحيحا , ومن هنا فان اجراءات التسقيط لبعض القوى والمرشحين التي تقوم بها سلطة مشاركة في المنافسة الانتخابية انما هي عملية مفضوحة فيها خرق للمسيرة الديمقراطية وقصد اكيد في ابعاد الخصوم لتأمين الفوز المسبق .
الحكومات التي تشكلت بعد التغيير فشلت حتى الان في تحقيق الحد الادنى من المطالب الشعبية في الامن والبناء والاعمار والصحة والتعليم ومحاربة الفساد والبطالة وايقاف هجرة المواطنين الى الخارج لذلك فان العديد من القوى التي تخوض المعركة الانتخابية الان ليس لديها الكثير مما تدافع عنه في سبيل كسب اصوات الناخب العراقي ومن ثم البقاء في السلطة لذلك لجات الى اشاعه الفزع والتخويف واطلاق التصريحات حول الخطر الداهم من احتمال عودة حزب البعث الى الحكم من جديد . ان حزب البعث الذي سقط جراء ثقل اوزاره لايمكن ان يعود الى الحكم مرة اخرى وان اثارة هذه الزوبعه امر مفتعل القصد منه ابعاد قوى وطنيه معينه عن الوصول الى البرلمان .
مما لاشك فيه ان الشعب العراقي يتطلع الى عملية بناء حقيقية وان من يريد ان يبني دولة عليه ان ينطلق من ارض الواقع وينظر بتفاؤل الى المستقبل ويخطط له بحكمة وروية ثم يبتعد عن عقلية الثأر والكراهية ونبش الماضي ويعتمد على قوة وارادة الشعب عبر نهج ديمقراطي حقيقي وعبر مشاركة واسعه للجماهير . ان الذي يخدم شعبه ويقدم له المنجزات ويحقق مطاليبه لايمكنه ان يخشى الاخرين .
علينا دائما ان نتعلم من تجارب العالم الاخر ولنضع امامنا مثلا لما جرى في جمهورية افريقيا الجنوبية فنجد ان السيد نلسن مانديلا الزعيم الوطني الافريقي هو نموذجا للسياسي الذي نجح في اقامة دولة جديدة في جنوب افريقيا على ركام الدولة العنصرية القديمة الا انه بنفس الوقت حافظ على البلد متماسكا بكل الوانه وبكل ترابه واقاليمه ومواطنيه . لقد كان الجميع يتوقع حصول حرب اهلية في افريقيا الجنوبية لكن مانديلا انجز معجزة وحافظ على دولة مزدهرة جعلها نموذجا للتعايش السلمي واستطاع ان يقنع السود بالتسامح وبعين الوقت اقنع البيض بالعمل مع الجمهورية الجديد . ان مانديلا لم يؤسس هيئة لاجتثاث البيض انما قام فقط بابعاد من اساء الى الوطن من الحكم دون ان يلغي مواطنتهم . مانديلا الذي قضى (27 عاما ) في ابشع سجن وضعه فيه الحكام البيض خرج وانتصر وفاجىء الجميع بسياسة اليد الممدودة واقام حكما نموذجيا في النقاء والمصالحة ثم تنازل عن السلطة وخلف من بعده دولة ديمقراطية مدنيه حديثة شكلت مثلا رائعا في التاخي بين الناس .
اننا بدلا من ان نتعلم من تجارب الاخرين الذين فهموا معنى الديمقراطية ومارسوها بشكلها الصحيح نقوم بتجاوز ذلك النهج ضمن ابتكارات جديدة ابتدعها ممثلو دولة القانون في محافظات الوسط والجنوب القصد منها شن حملة هستيريه لتحقيق معطيات قهرية لضمان فوز قوائم معينه في الانتخابات وقد تجلت تلك الابتكارات في عمليات ترحيل واقصاء وفصل سياسي وكأن البعث سقط يوم امس . ومما يثير الاشمئزاز ان نسمع تصريحا لمحافظ البصرة مهددا باعلان اقليم البصرة المستقل ووقف تصدير النفط اذا ما اشترك البعثيون في الانتخابات ولانعلم من يقف وراء تصريحات المحافظ المذكور واين هو القانون الذي فوضه بالتهديد بمصادرة ثروة الشعب العراقي .
الديمقراطية في العراق تتعرض الى انتهاكات خطيرة في اهم منافسة انتخابية وصفت بانها ستجري بعيدا عن التيارات الطائفية وطبقا لمعايير المواطنه والوطنيه . الا ان المؤشرات عند نقطة البداية ليست مشجعه والرتوش لايمكنه على الاطلاق ان يخفي الحقيقة . ان تجربة انتخابات مجالس المحافظات ليست بعيدة فقد حققت قائمة ائتلاف دولة القانون فوزا ساحقا الا اننا نرى مع الاسف الشديد انتهاكات للقانون تقوم بها مجالس المحافظات المنتخبة لذلك بات من المؤكد ان الشعارات التي ترفع لاتعني الكثير وان تجربة السنوات السبع الضائعه من عمر العراق تكشف بما لايقبل اللبس ان الاسلام السياسي لايمكن ان يكون طريقا لتحقيق اماني الشعب في الديمقراطية والحرية الحقيقية .
اننا ندعو الجميع الى المشاركة في الانتخابات المقبلة واضعين امامهم التجربة المرة لمجلس النواب الحالي وحكومة المحاصصة المنتخبة وان تكون تلك التجربة سببا لاختيار وجوه جديدة تقود العراق نحو عهد جديد يحقق احلام وطموحات ابناءه