هل اختمرت الانفجارات في موقد استراتيجية الهيمنة الامريكية؟!


احمد سعد
2010 / 2 / 16 - 08:44     

من المبالغ فيه، ومن السابق لاوانه التقييم ان استراتيجية الهيمنة الامريكية الكونية قد لفظت انفاسها واستسلمت لفشل ذريع. فمصلحة احرار العالم في كل زمان ومكان ان يقيّموا الامور بمقياس الرؤية الموضوعية المتوازنة. فالمبالغة في التقييم لا يقل ضررها عن الانتقاص من المدلولات الجوهرية التي تبرز على طريق التطور والصراع. فبرأينا ان الاستراتيجية الامريكية للهيمنة العالمية لم ترفع علم الاستسلام الابيض في عهد ادارة باراك اوباما وتعلن فشلها. ففي الخارطة الكونية التي تعتبرها الامبريالية الامريكية "مصالح نفوذ قومية" امريكية، ان كان في الشرق الاوسط او في منطقة جنوب شرق آسيا تختمر في بعض البلدان الانفجارات النارية، المقاومة المسلحة وغير المسلحة للتخلص من الوجود الاحتلالي الامريكي ومواجهة الهيمنة الامريكية والحلف اطلسية كما في افغانستان وباكستان على سبيل المثال، وفي بعض البلدان الاخرى، وخاصة في منطقة الخليج العربي الفارسي ومختلف الانظمة العربية "المعتدلة" التي تسير في الركب الامريكي تتعزز مكانة الوجود والتأثير الامبريالي الامريكي عسكريا واقتصاديا وسياسيا كما في السعودية وقطر والبحرين والكويت ومصر والاردن واليمن وغيرها.
فعلى مثل هذه الرؤية والخلفية يمكن تقييم الآفاق الاستراتيجية لمدلولات التطور والصراع في كل زمان ومكان.



* ألدمقراطية المزيفة: في آخر ايام الاسبوع المنصرم اُعلن في العراق عن بدء الحملة الدعائية الرسمية لانتخابات الرئاسة والبرلمان والمجالس المحلية، التي ستجري في السابع من شهر آذار القادم. وتجري هذه الانتخابات تحت ظل الاحتلال الامريكي للعراق. ويهلل ويكبر المدجنون المجندون في خدمة الاستراتيجية الامريكية العدوانية في العراق وخارجه للطابع الدمقراطي والنزيه لهذه الانتخابات واعتبارها مرحلة تحضيرية في طريق خروج المحتلين وانجاز استقلال العراق!!
وبرأينا ان هذه الانتخابات لا يمكن ان تكون دمقراطية ونزيهة في ظل الارهاب الدموي الاحتلالي الامريكي في العراق. ولكن اضافة الى ذلك فان العديد من الحقائق والمعطيات تؤكد عدم دمقراطية ونزاهة وشرعية هذه الانتخابات ومن اهمها:
* أولا: ستجري هذه المسرحية الانتخابية في شهر آذار القادم من هذه السنة أي بعد سبع سنوات من الحرب الاستراتيجية الامريكية لاحتلال العراق في آذار الفين وثلاثة. وخلال هذه السنوات المخضّبة بمعاناة ودماء الشعب العراقي حوّل الغزاة المحتلون الامريكيون وخدامهم ارض الرافدين، عراق التراث والحضارة الانسانية الى ارض محروقة. فقسم كبير ممن بقي حيا في العراق بعد مجازر السفاحين لن يشارك في مسرحية الجزار الانتخابية التضليلية. لن يشارك في هذه الانتخابات اكثر من مليون شهيد وشهيدة من الرجال والنساء والشباب والاطفال حرمهم المحتل والخونة من عملائه حق الحياة بعد ان قصف اعمارهم. كما لن تصوت مئات الوف الثكالى، ومئات الالوف ممن هُدمت احياؤهم وقراهم ومنازلهم. ولن يشارك اكثر من ثلاثة ملايين عراقي هُجروا وتحولوا تحت شبح الارهاب الدموي الى اللجوء القسري داخل وخارج العراق. كما لن يشارك في هذه الانتخابات قوى المقاومة المسلحة العراقية وغيرها من القوى التي ترفض تزييف ارادة وموقف الشعب العراقي المجيد.
* ثانيا: إن المحتل الامريكي، كما اكدنا مرارا لن ينسحب من العراق قبل ان يرتب اعادة اوراقه على الساحة العراقية بشكل يضمن له في الافق الاستراتيجي ايضا الهيمنة على مفاتيح مؤثرة سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية في العراق. فقد حرص المحتل على تقييد العراق بـ "وثيقة امنية" تضمن له وجودا عسكريا من خلال قواعد عسكرية والسماح بالتدخل الامريكي العسكري في حالات "الطوارئ" كما لن يخرج من العراق دون تقييد العراق باتفاقات اقتصادية تضمن للشركات الامريكية والاجنبية امتيازات السيطرة والمشاركة في ملكية مصادر النفط وغيرها من قطاعات الانتاج العراقي.
كما لن يخرج المحتل من العراق دون تدجين قوى الامن والجيش العراقية، اضافة الى ضمان قيادة سياسية مدجنة امريكيا لتسلم السلطة ومقاليد الحكم في العراق. ولهذا فان السؤال المركزي يبقى على ماذا تدور المعركة الانتخابية في العراق؟ وما هي مصلحة الشعب العراقي من وراء هذه الانتخابات؟
* ثالثا: لقد حرص المحتل على تشكيل القوائم الانتخابية ليس انطلاقا من متطلبات المصلحة الوطنية بل من منطلقات طائفية ومذهبية وقومية تساعد في أي وقت على اشعال الفتنة الطائفية وعلى تنفيذ المشروع الامبريالي – الرجعي بتقسيم العراق الى دويلات هشة طائفية ومذهبية وقومجية. ففي شمال العراق، في كردستان العراق فقد اتحدت الاحزاب الكردية التي لن يكون لها منافس جدي يغير جوهر الوضع القائم، والذي في الكثير من المواصفات والمقاييس التشريعية – القضائية يعتبر بمثابة دولة لها صلاحيات دولة في ابرام اتفاقيات، لها دستورها وبرلمانها وحكومتها ومحاكمها وقوات "الباشمارغا" وترتبط بالحكومة المركزية بشكل هش تستطيع في ظروف اقليمية مناسبة "خاصة في تركيا وايران وسوريا التي يعيش فيها ايضا الاقليات الكردية" ان تعلن الانفصال وإقامة دولة مستقلة.
* رابعا: إن المناكفات والتناقضات الاقليمية تخترق الشارع العراقي، خاصة بين القوى التي تدور في فلك عدم مناهضة الاحتلال الامريكي، وبعضها جاء على ظهر دبابات الاحتلال الامريكي مثل احمد الجلبي وإياد العلاوي. وقد أخذ يبرز تناقض مواقف عملاء المحتل الاجنبي الاقليمي. فاذا كان الاكراد يحتكرون الساحة السياسية في كردستان العراق فان الاحزاب الشيعية تعمل على الهيمنة السياسية في هذه الانتخابات في جنوب العراق وفي مركز العراق مع بغداد العاصمة ومحيطها السني. وقد برز الخلاف بين "القائمة العراقية" بقيادة مطلق الصالح وظافر الضالعي وباقي القوائم الشيعية وخاصة قائمة الجلبي. وفي اللجنة الاعدادية للانتخابات جرى شطب قائمة مطلق الصالح بحجة انها تناقض دستور العراق ومن دعاة حزب "البعث" المحظور. والقضية اعمق من ذلك، فقد تجند نائب الرئيس الامريكي بايدين وحضر الى العراق هو وغيره من المسؤولين الامريكيين لاقناع المالكي والجلبي وغيرهما بالسماح للمطلق وقائمته بخوض الانتخابات. ومعروف عن المطلق انه من العملاء المفضوحين للامريكان ومخابراتهم، وما يقلق الادارة الامريكية واستراتيجيتها في العراق والمنطقة هو زيادة النفوذ الايراني في العراق، وتوجد احزاب شيعية مؤيدة لايران على المكشوف مثل جماعة ، مقتدى الصدر واخرى على علاقة بايران، ولهذا يضغط المحتل لتكون في العراق قوة سياسية مواجهة للتأثير الايراني، وجماعة حزب البعث اكثر من يكره ويناهض الايرانيين فكريا وسياسيا وتاريخيا. وحتى كتابة هذه السطور (يوم السبت) يحاول مطلق الصالح ان يجند آخرين معه بهدف السماح له بخوض قائمته ساحة الانتخابات.



* بايدين يبقّ الحقيقة:ومنذ فترة قام نائب الرئيس الامريكي بزيارة رسمية خاطفة الى باكستان. ودافع هذه الزيارة لا يندرج في اطار الزيارات الروتينية لرفع العتب ولتعزيز العلاقات كما هو متبع في البروتوكول الدبلوماسي. بل هدف هذه الزيارة جذب نظام الحكم في باكستان لتدجينه بشكل افضل في خدمة الاستراتيجية العدوانية الامريكية في جنوب شرق آسيا. ففي باكستان صرح بايدين، انه من حيث الافق الاستراتيجي المستقبلي ومخاطره على مصالح "الامن القومي الامريكي" والعالمي فان باكستان تؤلف بؤرة اكثر خطرا من افغانستان والعراق وحتى من البرنامج النووي الايراني! وحذّر من مغبة هيمنة طالبان والقاعدة "القوى الارهابية"، على باكستان وعلى ترسانتها النووية. فهرولة نائب الرئيس بايدين الى باكستان مستنجدا بمساعدة النظام الباكستاني المدجن امريكيا جاء على خلفية فشل قوات الغزو الامريكية والتحالف من قوات الناتو في مواجهة المقاومة الافغانية وحسم المعركة عسكريا مع الطالبان رغم التصعيد العدواني الامريكي – الاطلسي وارسال ثلاثين الف جندي امريكي جديد واكثر من سبعة آلاف جندي من بريطانيا وغيرها للمشاركة في ضرب المقاومة. ولم يحسّن وضع المحتل وخدامه في افغانستان مسرحية الانتخابات القبلية غير النزيهة وغير الدمقراطية باعادة دمية المحتل كرزاي الى الحكم. كما لم يساعد المحتل وحلفاءه محاولة شق صفوف طالبان والمقاومة "والتمييز" بين "متطرف" و" معتدل"، فالمعتدل من طالبان مثل المعتدل بين انظمة العرب من المدجنين امريكيا. وقد اتضح انهم قوة هشة ولا تشارك في المقاومة منذ سنوات.
أمام هذا الفشل وضغط الرأي العام الامريكي وفي دول الحلف الاطلسي فان خطاب الرئيس الامريكي باراك اوباما الاخير يشير من حيث مدلوله السياسي ان نهاية الاحتلال الامريكي لافغانستان وانسحاب القوات الغازية المعتدية قد قربت. ولهذا فان بايدين والادارة الامريكية لا يريدون ترك الفراغ لا في افغانستان ولا في المنطقة. وفي محادثاته مع الرئيس الباكستاني طلب بايدين منه التعاون العسكري وغير العسكري من طالبان افغانستان. ولم يستجيب الرئيس الباكستاني لطلب بايدين، ولباكستان ونظامها رؤية للصراع في المنطقة تختلف عن الرؤية الامبريالية الامريكية، ولها حسابات مختلفة. فباكستان يحيطها وعلى حدودها وعلى مقربة منها ليس فقط افغانستان، بل الصين وايران وعدوها اللدود الهند. والنظام الباكستاني على علاقات تعاون مع طالبان افغانستان منذ سنوات طويلة ولا تريد تجنيد خصم جديد. كما ان باكستان تقيم علاقات متعددة الجوانب مع الصين ومع ايران في حين ان للهند علاقات استراتيجية وطيدة مع امريكا واسرائيل، ولا تريد باكستان تخريب علاقاتها مع الصين وايران، خاصة وان الموقف من الهند يوطد العلاقة بينهما.



* لا في العير ولا في النفير: حقيقة هي ان التحالف الاستراتيجي الاسرائيلي – الامريكي الممهور بتواطؤ بعض الانظمة العربية يفشل حتى اليوم في ليّ ذراع الموقف الفلسطيني الوطني واملاء شروط مأساوية للتفريط ببعض الثوابت الوطنية الجوهرية الفلسطينية، ولكن حقيقة هي ايضا ومأساوية، غياب مكبس عربي ضاغط على التحالف الاسرائيلي الامريكي لدعم الموقف الفلسطيني. ففي الحسابات الاقليمية فان الانظمة العربية بغالبيتها "لا في العير ولا في النفير" فهي مدجنة في الحظيرة الامريكية. واليوم في ظل الموقف الصامد لايران في صيانة حقها بالانتاج النووي للاغراض السلمية وضمان تطور ايران فان ادارة "البيت الابيض" وحكومة اسرائيل تعوّلان على الاقزام العرب من انظمة الخمة العربية لمساندة المعتدي الامريكي في تشديد الحصار الاقتصادي على ايران. وستقوم وزيرة الخارجية الامريكية بهذه المهمة في زيارتها الحالية الى السعودية وقطر وغيرهما لتجنيدها! فهل يتجرأ عرب امريكا على قول كلمة لا ولو مرة واحدة لسيدهم الامريكي