-سلام بلا حدود-.. حفل في كوبا رغم تهديدات بالاغتيال


فنزويلا الاشتراكية
2010 / 2 / 11 - 16:19     

على الرغم من أن الكولومبي خوان استبان آريستيسال، الشهير بخوانز، لا يمت لأفكار الثورة الكوبية بصلة، وليس مقرباً من أو متعاطفاً مع النظام الكوبي بأي شكل من الأشكال، بل وحتى يعتبر من الشخصيات البعيدة كل البعد عن العمل السياسي وكل ما له علاقة بالسياسة، مكرساً نفسه للعمل الاجتماعي، إلا أن الجالية الكوبية "المنفية" المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحيا برعاية الأخيرة، تلك الجالية التي لا تؤدي دوراً تجاه دولة كوبا إلا إطلاق ما تستطيع من أعمال إرهابية ضد الجزيرة لاعبة بذلك دور الأداة السهلة في يد أجندات راعيتها، هذه الجالية لم توفر جهداً في استغلال خوانز كمدخل لإطلاق حملة تلفيقات جديدة ضد كوبا. إلا أن حملتها هذه المرة كانت مفضوحة بما يكفي لكشف مقاصدها لأنها تعلقت بالشعب الكوبي داخل الجزيرة وميل هذا الشعب لمذاقه الفني وحسه الاجتماعي.
خوانز هو المغني الكولومبي الشهير الذي وصفته مجلة "بيبل" الأمريكية بأنه شخصية الروك اللاتينية الأبرز في العقد الماضي. خوانز، الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، والبالغ من العمر 36 عاما، حائز على 17 جائزة غرامي لاتينية وجائزة غرامي انجليزية واحدة وغير ذلك من الجوائز.
في إطار نشاطه الاجتماعي، يقيم خوانز حفلات للسلام في مناطق مختلفة من أمريكا اللاتينية تعبيراً منه عن رغبته في أن يعم السلام أرجاء القارة اللاتينية كافة التي ينحدر أصله الكولومبي منها.
وقد بدأ استغلال خوانز من قبل الكوبيين في "منفى" الولايات المتحدة الذي يقيمون فيه، وتحديداً في ميامي، فور ما سمعوا بنيته إقامة حفل سلام في كوبا. وهو الحفل الذي أقيم في 20 أيلول/ سبتمبر 2009 رغم اعتراض أولائك الكوبيين الذي وصل إلى حد توجيه التهديدات إلى خوانز قبل إقامة الحفل.
عندما أعلن عن حفل "سلام بلا حدود" الذي خطط خوانز لإقامته في ساحة الثورة، هافانا، كوبا، هاجت الجالية الكوبية في ميامي على هذا النبأ وكان أحد أسباب اعتراضها هو فكرة الاحتفال بالسلام في ساحة الثورة. كما ثارت على خوانز نفسه متهمة اياه بدعم النظام الكوبي من خلال هذا الحفل ومدعية أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن توفر شرعية لحكومة الرئيس كاسترو.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقيم فيها خوانز حفل "سلام بلا حدود"، فقد جمعت مبادرته الأولى في آذار/ مارس من عام 2008 عشرات الآلاف إلى الحدود بين فنزويلا وكلومبيا حيث كان التوتر شديداً في ذلك الوقت. وينوي خوانز كذلك إقامة حفل سلام على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية عام 2010 وهي الخطوة التي ستكون الثالثة في سلسلة حفلات "سلام بلا حدود" التي يبادر بها خوانز لصالح السلام والتسامح بين البشر.
ولعل أبرز مظاهر الهجمة الأمرو-كوبية على حفل غنائي شعبي متهم فقط بمكان إقامته، كانت التهديدات بالقتل التي تلقاها خوانز قبل الحفل من بعض المناهضين للسلام وحفل السلام. فقد سجل خوانز شكوى لدى قسم شرطة ميامي بعد تلقيه تهديدات على الموقع الإلكتروني الذي خصصه للحوار مع الجمهور مستنكراً مثل هذه التهديدات المجهولة التي تضمنت، بحسب خوانز، تهديداً يقول "أكره ما تقوله، ولكنك ستموت دفاعاً عن حقك بأن تقوله" في تشويه دنيء لعبارة الفيلسوف الفرنسي فولتير التي تقول "لا أتفق معك بما تقوله، ولكني سأدافع حتى الموت عن حقك بأن تقوله." وقد أكد خوانز بعد التهديد مباشرة بأنه عازم على إقامة الحفل لأنه يحمل معانٍ أسمى من كل هذه الدعايات المغرضة، وإن أهم ما يحمله هو الاستجابة إلى رغبة الشعب الكوبي في حضور حفل لخوانز.
علاوة على ذلك، قام أعضاء من مجموعة الكوبيين المنفيين في ميامي بتحطيم نسخ من ألبوم خوانز في مظاهرة تم تنظيمها خصيصاً لمعارضة الحفل. وقامت منظمة فيجيليا مامبيسا بوضع الألبومات على الرصيف في أحد مناطق ميامي، التي تعتبر قلب الجالية الكوبية المنفية، وقامت بتحطيمها وتحويلها لعشرات القطع المتناثرة في الشارع. وتجاوزت الجالية ذلك بالتهديد بحرق ألبومات أي فنان يشارك في حفل خوانز في كوبا. إلا أن مثل هذه الأفعال انتهت في ميامي فلوريدا بسلسلة من الاشتباكات بين معارضي ومؤيدي الحفل.
وعندما شعر معارضو الحفل باليأس من قطع الطريق أمام إقامته، لم يبقَ لهم سوى أن أعلنوا عن حفل "الحرية لكوبا" لإقامته في ميامي في نفس اليوم الذي سيقيم فيه خوانز حفله للسلام.
في الواقع، كانت ردود خوانز على كل الاتهامات والتهديدات والانتقادات منذ البداية منحازة إلى السلام وإلى رغبة الشعب الكوبي. وانتقد الناطق باسمه كيف أن الترويج للوحدة بين الشعوب ولتفكيك الحدود يزعج البعض وأكد خوانز نفسه بأن الحفل يسعى لوضع الاختلافات الايديولوجية خارج اللعبة وأنه لا ينوي تقديم أي رسالة سياسية عبر الحفل الذي له فقط أهداف إنسانية مؤكداً أهمية إقامة حفل في كوبا من أجل فتح نافذة ينظر من خلالها الكوبيون إلى العالم الخارجي ومنح الشعب الكوبي السعادة والحرية والفرحة ولو قليلاً.
انتقد خوانز محاولة البعض إضفاء السياسة على حفله الغنائي قائلاً "سأغني للـ11 مليون كوبي لأن هناك الكثير من الشباب ينتظرون موسيقتنا. لقد أصبح الفن سلاحاً للسلام يتعدى الاختلافات الايديولوجية." إذ لم يكن خوانز متحيزاً مع أو ضد طرف ما، وهو ما جعل الكثيرين يؤيدون حفله على الرغم من عدائهم الشديد للحكومة في كوبا، من باب أن الحفل سيقام للشعب الكوبي.
أما كوبا، وعلى الرغم من تنصل الفنان الكولومبي خوانز من أي موقف تأييد للثورة الكوبية، فقد استنكرت بشدة التهديدات التي تعرض لها خوانز معتبرة أن من يؤطر الحفل الغنائي بأطر لا علاقة له بها عليه أن يخجل مما يفعله.
ولم تقف كوبا في موقفها إلى هذا الحد بل علق قائد الثورة فيديل كاسترو بعد الحفل بأيام على القضية واصفاً الحفل بأنه تصدِّ للحصار الاقتصادي الأمريكي الشمالي على كوبا الذي استمر لـ47 عام. قال القائد كاسترو "لقد أثبت الشعب الكوبي، خاصة الشباب منه، في ذلك الحفل أنه حتى في وسط حصار اقتصادي وحشي، فمن الممكن التغلب على عوائق لا يمكن تصورها." وكانت تلك الكلمات إشارة من القائد كاسترو لهذا الحفل الذي وصفه بالاستثنائي في إحدى تأملاته.
يقول خوانز واصفاً الحفل "السفر إلى كوبا يرمز لأنه حان الوقت لتغيير العقول. إن الحفل هو مبادرة إنسانية. ينبغي علينا أن نعزز الأمل والأحلام." وقد آمن المغني بأن الحفل سيكون له أثر إيجابي ليس فقط على كوبا بل على القارة بأكملها.
وأضاف معلقاً على الاتهامات التي صدرت بحقه "سنغني هناك لأننا طلبنا ذلك بأنفسنا، لا أحد في الحكومة طلب منا أن نغني بأمر منه. لقد كنا نحن من طرح فكرة حفل من أجل السلام. إن رسالة السلام تنطبق على بلاد العالم كافة وليس فقط تلك التي تعاني من حرب أو تهديد نزاع مسلح."
وبالفعل أقام خوانز حفل السلام في 20 أيلول/سبتمبر رغم كل ما أثاره الحفل من جدل.
كانت درجة الحرارة في ذلك اليوم 95 درجة بمقياس فارنهايت، إلا أن هذا لم يمنع المليون و150 ألف مواطن كوبي، ما يعادل 10% من سكان الدولة، من حضور حفل السلام الذي أقامه المغني الكولومبي في ساحة الثورة في هافانا تحت حرارة الشمس.
وقد جمع الحفل مجموعة من الفنانين اللاتينيين وغير اللاتينيين من كوبا وبورتو ريكو وفنزويلا والإكوادور وإيطاليا وإسبانيا وبالطبع من كولومبيا.
تم بث الحفل على الهواء مباشرة على التلفزيون الكوبي، كما تم توفيره مجاناً على أكثر من إذاعة ومحطة فضائية وموقع إلكتروني وقد استمر الحفل الغنائي لـ5 ساعات متواصلة. كانت الغالبية العظمى من الحضور من فئة الشباب وكانوا يرتدون لباساً أبيضاً، لون الحمائم والسلام.
لدى دخوله إلى المسرح، بدأ خوانز العرض بغناء "أسأل الله" وبعدها صاح "تحيا كوبا" وهي الصرخة التي هزت المسرح بأكمله.
وبعد الحفل، قال خوانز أمام الحشود "لا أصدق الذي أراه. إن هذا الحفل هو أجمل حلم سلام وحب رأيته بعد أولادي. إن المستقبل بأيديكم أيها الشباب، فلنغيره إلى الأفضل. ولنتغلب على الخوف." كما أعلن الفنانون المشاركون كافة من على المسرح مطالبتهم بإزالة الحدود في العالم أجمع.
يقول خوانز "إن رؤية أكثر من مليون شخص يحضرون حفلاً كهذا من أجل السلام هو شيء لن أراه في حياتي أبداً بعد هذه اللحظة. إنه كم من المشاعر وكم من الحضور يمكن اعتباره تاريخي." وأضاف "إننا سعيدون ومرتاحون لهذا النوع من الحب للشعب الكوبي، فهو يستحق ذلك. إننا سعيدون جداً، لا يمكن تخيل الموقف، يمكن فقط وصفه من خلال رؤيته، إنه رائع. كان الطريق إلى هافانا صعب جداً، ولكنه جميل للغاية. وقد مضى الحفل بهدوء وبساطة."
وألقى خوانز أغنية عن كوبا قال إنه أعدها خصيصاً من أجل إلقائها لأول مرة في الحفل، وهي إهداء إلى كوبا. قال خوانز "أهديها إلى الأسرة الكوبية داخل وخارج البلاد وهي من وجهة نظر كولومبي يقيم في ميامي."
أدرك الكولومبي خوانز بعد هذه التجربة القصيرة أن كوبا محبة للسلام وللتعايش، وأن العزلة التي تدعي بعض الدول أن كوبا تعيشها هي عبارة عن مشاعر حقد وكراهية لدى البعض جعلتهم هم يبتعدون عن كوبا ويرفضون فكرها ورقيها لأن آفاق تفكيرهم ضيقة ولأنهم لا يتقبلون الآخر، وهم المعزولون، ليست هي التي تحمل أفكاراً تعزلها عن العالم. يقول خوانز "كوبا هي دولة تم عزلها فقط لأن لديها فكر مختلف" مشيراً إلى الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا منذ عام 1962 وأضاف "لدينا الحق بأن نفكر بشكل مختلف من دون أن نُخضع ثقافتنا إلى اعتبارات سياسية. سيكون رائعاً لو تغيرت الأفكار المعروفة عن كوبا ويمكن تحقيق ذلك عبر الفن. أتمنى أن يقوم الإعلام في ميامي والولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام بعرض الايجابيات عن كوبا، عن عبقرية ومواهب شعبها. عندما يحدث ذلك، الكثير من الأمور ستتغير." ودعا خوانز الفنانين الآخرين أن يغنوا في كوبا مثله وأن يأتوا إلى كوبا باستمرار "علينا أن نكون منفتحين قليلاً على تبادل الفن والثقافة."
وفي تحليله للمشهد بعد كل ما أثير من جدل حول هذا الحفل، يقول المحلل الاسباني سانتياغو ألبا ريكو "إن أولائك الذين أيدوا الحفل أصروا على نفي الصفة السياسية عبر نصر الثقافة ودعم الفن المعادي للتخلف وحق الشباب بأن يستمعوا إلى أغاني جيدة وفكرة أن الموسيقى الراقية تفوق أي اختلافات أيديولوجية، أما الذين عارضوا الحفل، فقد تجاهلوا المحتوى الموسيقي للحفل متوجهين نحو تفحص اشتراك خوانز وأصدقائه بـ"جرائم ديكتاتورية كاسترو" وانتقاد الشباب الذين حضروا الحفل من دون أي نوايا سياسية بل فقط انسجاما منهم بالموسيقى."
وأضاف "على عكس ما يريدوننا أن نؤمن، فإن الفنانون والكتاب والرسامون والموسيقيون الرأسماليون هم أكثر رأسمالية مما هم فنانون وكتاب ورسامون وموسيقيون. أما في ظل الاشتراكية، يحدث العكس تماما. أنت تناضل للاشتراكية من أجل ألا تكون اشتراكي طوال اليوم. من أجل أن يبقى الحب والفرح والفن والموسيقى والشعر والضحك طوال اليوم. إننا رأسماليون 24 ساعة في اليوم، ولكننا سنكون جزئياً اشتراكيون عندما يتطلب الأمر أن ندافع عن الظروف التي من شأنها أن تسمح لنا أن نكون أشياء أخرى."
وختم ريكو واصفاً كوبا "لماذا تستحق هذه الدولة الصغيرة المسالمة شبه الفقيرة ولكن الكريمة الواعية المليئة بالتضامن لماذا تستحق كل هذا التركيز، الذي يكون دائماً سلبياً؟"