معرض: العيسوية والفن الصامت


اسماء اغبارية زحالقة
2004 / 7 / 6 - 04:52     

يحتضن مقهى "فتوش" بحيفا هذه الايام معرضا فنيا للفنان درار بكري (22 عاما). يدرس درار الفنون في كلية "بتسلئيل" بالقدس، وهو يأتيها من مسقط رأسه عكا اسبوعيا. المشوار الذي يقطعه بين البلدين هو موضوع المعرض الرئيسي. يقول درار: "اخرج من عكا التي تعيش جوا معينا لاصل العيسوية على مشارف القدس المحتلة، التي تشهد واقعا آخر تماما. اصعب. اقل حرية. انها حياة الحواجز والجيش الذي يستفز الناس. كان هذا بالنسبة لي صدمة".

العيسوية بريشة درار هي بيوت متراصّة في ثلاث لوحات باهتة الالوان، لدرجة تكتم الانفاس. تتوسط اللوحتين صورة المقبرة الواقعة في مركز البلد وليس في اطرافها. يقول درار: "ان وجود المقبرة في قلب العيسوية اثار استغرابي من اليوم الاول. فالمقبرة تقام عادة في اطراف البلد، لذا يسخر الناس عادة من عكا اذ يقولون ان اولها مقبرة وآخرها بيت مجانين. انه امر مريع ان يكون قلب العيسوية وشريانها الرئيسي مقبرة وليس مركزا تجاريا مثلا. انه ابلغ دلالة على الموت، على عنف مخزون. احد ما يرفض ان يعطي القرية الحياة".

تتعرض العيسوية لعمليات هدم مكثفة لبيوت بنيت بلا رخص وذلك لان السلطات الاسرائيلية تضع عراقيل تعجيزية لمنع البناء على اراضيها التي صودر معظمها، وعلى بعضها اقيمت الجامعة العبرية التي تضم في نطاقها كلية بتسلئيل.

يقول درار: "مع ان وظيفة بتسلئيل المعلنة هي الفن والثقافة، الا انها على ارض الواقع تأتي لسد الطريق امام امكانية توسع القرية من الجهة الجنوبية الغربية، وبذلك تساهم في إحكام الحصار على القرية من جميع الجهات".

طلاب بتسلئيل يمرون بالعيسوية، يرونها ولا يرونها. هكذا يشعر الفنان العكي، وهو بذلك يثير النقاش حول علاقة الفنان بالواقع الذي يعيشه. الى جانب لوحات العيسوية الصارخة رغم هدوء الوانها، تزين الجدران لوحات للطبيعة الصامتة. وهي كما هو معروف في التاريخ، نوع الفن الذي يمارسه من يملك الكثير من الوقت. يقول درار: "ساعات نحتاج للتمرن في رسم هذه اللوحات، نعمل في عزلة تامة، بعيدا عن الواقع الذي يصرخ في الخارج، ويغلي تحت اقدامنا".

لحظة الهدوء التي تبثها الالوان الهادئة للطبيعة الصامتة، الميتة، تكسرها امواج البحر التي تجيش بها اللوحة التالية، وتنذر بقرب انفجارها شرايين قبضة الفنان التي توحي بالعصبية والغليان، وتنقل اجواء ما يحدث خارج الاستوديو.

ولا يكتفي الفنان درار بادخال الواقع الى موضوعه الفني، انما يخرج بفنه من المعارض ويأتي به الى عامة الناس. فكرة العرض في فتوش كما يقول جاءت لانه لم يرد ان يبقى الفن احتكارا للنخبة التي تتردد على المعارض، بل اراده فنا عن الناس وللناس.