1. ماذا نعني بالأطروحة الكولونيالية؟


لطفي الإدريسي
2010 / 2 / 8 - 20:16     

كما هو معلوم، ينطبق هذا التحديد على كل الأبحاث والدراسات والتقارير التي أنجزها باحثون أوروبيون(ضباط، مخبرون، ودارسون متخصصون) حول المغرب وباقي مجتمعات شمال إفريقيا، والهدف طبعا هو ضبط هذه المجتمعات ومعرفتها من الداخل بغية تأمين وتسهيل عملية السيطرة الاستعمارية عليها. هكذا إذن، سيتحدد دور المعرفة العلمية كسلاح استراتيجي سيتم توظيفه، بشكل ذكي، من طرف الإدارة الاستعمارية و(الفرنسية) تحديدا في هذا الاتجاه. لعل هذا هو السبيل الأمثل الذي ستتوحد حوله آراء وتصورات منظري الإدارة الاستعمارية الفرنسية وسياسييها بخصوص حالة المغرب، خاصة وأن الأسلوب العسكري التقليدي قد كلف فرنسا الشيء الكثير في أثناء احتلالها للجزائر منذ عام 1830م.
وفي هذا الإطار بالذات تأتي هذه القولة الشهيرة لأحد منظري وأقطاب التغلغل الاستعماري بالمغرب، والأمر يتعلق بمؤسس "البعثة العلمية" بالمغرب (ألفرد لوشاتوليي) حيث صرح قائلا:"يجب أن يكون لنا على الحدود المغربية أقل ما يمكن من طلقات البنادق، وأكثر ما يمكن من النشاطات الاقتصادية والسياسية^.ولتحقيق هذه المعادلة الاستعمارية، كان لابد أولا من تكثيف أنشطة البحث العلمي، عملا بشعار:"المعرفة أساس السيطرة". في هذا السياق إذن، كان إلحاح الإدارة الفرنسية شديدا على أن الهدف الأسمى من "النشاط العلمي بالمغرب ومعرفة شؤونه وأحواله، يجب أن يكون البحث في سياسة استعمارية فعالة و"سلمية" وعلمية، أي بأقل التكاليف المادية والبشرية".
ارتباطا بنفس الأهداف الاستعمارية إذن، كان لابد من خلق بنيات تحتية مؤسساتية، قادرة على احتضان هذا النشاط العلمي وتطويره وتوجيهه في المسار الكولونيالي المنشود. وفي هذا الإطار يأتي خلق عدد من "المؤسسات العلمية" من قبيل: (البعثة العلمية) و(معهد الدراسات العليا المغربية)، علاوة على معاهد أخرى ومؤسسات إدارية وعسكرية موازية من قبيل: (إدارة الشؤون الأهلية). هذا دون أن ننسى ما واكب ذلك من إنشاء لمنابر علمية ومجلات متخصصة ارتبطت بنفس الهياكل المؤسساتية، ونكتفي بإعطاء النموذج هنا بمجلة "إفريقيا الفرنسية"، مجلة "العالم الإسلامي" - التي أنشأها لوشاتولي- ومجلة "أرشيفات بربرية" و"أرشيفات مغربية"، علاوة على سلسلة "مدن وقبائل المغرب" والقائمة طويلة. لعل إطلالة سريعة على ما أنجز وما نشر من أبحاث ودراسات في هذا الإطار، لكفيل بأن يكشف عن تورطها؛ ويكفينا بهذا الخصوص أن نحيل هنا على الدراسة البيبليوغرافية النقدية التي أنجزها الباحث Andre Adam، والتي يقدم من خلالها عرضا نقديا تفصيليا لأهم الدراسات الكولونيالية التي أنجزت حول المغرب .
وفي نفس السياق أيضا تأتي الدراسة القيمة التي خصها الباحث (إدموند بورك) لفضح وتعرية المسكوت عنه في الخطاب الكولونيالي، وذلك من خلال تشريحه للجسم المؤسساتي الذي احتضن هذا الخطاب. وفي هذا الإطار بالذات، انصبت دراسة الباحث حول واحدة من أهم المؤسسات "العلمية" الاستعمارية، والأمر يتعلق بمؤسسة (البعثة العلمية). فاستنادا إلى تقارير (ألفرد لوشاتولي) و(بول رافوال)، و(أوجيست تري)، وبالرجوع أيضا إلى أرشيفات (وزارة الشؤون الخارجية) الفرنسية و(كوليج دوفرانس) وكذلك أرشيفات (مصلحة الحرب) و(مصلحة التاريخ التابعة للجيش)، انتهى الباحث إدموند بورك إلى تأكيد تورط هذه المؤسسة في المشروع الكولونيالي. فهو يقول بهذا الخصوص: "ومجموع هذه المصادر يتيح لنا أن نقف بسهولة على سير المفاوضات، ومحاولة إخفاء بعض المعطيات ونسج الدسائس التي كانت تحبك وراء تأسيس البعثة العلمية".
لقد كان هاجس البحث في إطار هذه المؤسسة وغيرها من مؤسسات البحث والتوثيق، بعيدا كل البعد عن الهموم والانشغالات العلمية. بحيث ظل مسكونا بهواجس سياسية استعمارية، وفي مقدمتها هاجس إضفاء المشروعية اللازمة على الاستعمار الفرنسي للبلاد؛ ولأجل ذلك – وعلى حد تعبير أحد الباحثين – كان باحثو ومنظرو الإدارة الاستعمارية من أمثال:(جورج مارسي، ر.مونطاني، كامب، البرتيني، غريل، م. بيلير) وغيرهم "يستبيحون كل الخروقات والمستغربات".
فما هي أهم المسلمات التي حاول هؤلاء تأكيدها من خلال أبحاثهم والدفاع عنها، في سبيل شرعنة التدخل الاستعماري الفرنسي بالمغرب؟ وكيف تم استثمار موضوع الزوايا في هذا الإطار؟