انقلاب 8 شباط تتويج لارتداد ثورة 14 تموز !


جمال محمد تقي
2010 / 2 / 5 - 17:50     



" لم يرحب كامل الجادرجي بالنظام الجديد بعد ثورة 14 تموز دون تحفظ فهو ظل امينا لاعتقاده ـ اذا دخل العسكر السياسة افسدوها او احرقوها ـ وفي رايه ان نظام ثورة 14 تموز كان عسكريا على اية حال وهوشخصيا له تجربة مريرة مع ديكتاتورية بكر صدقي 1936 ـ 1937 حيث نال كفايته جراء تعاونه مع العسكريين يوم كان وزيرا في حكومة حكمت سليمان التي تشكلت بوحي من بكر صدقي ،، كامل الجادرجي من اصدق دعاة الحكم المدني الدستوري في العراق الملكي او الجمهوري ، لذلك لم يخفي ارادته رغم طغيان شعبية عبد الكريم قاسم ، اراد ان يكون الحكم جمهوريا نيابيا وفق دستور دائم وقانون للاحزاب واراد من قادة الجيش ان يكملوا واجبهم ويسلمون الحكم للمدنيين عبر مجلس انتقالي مكون من ممثلي القوى الوطنية المجربة ، ليرجع الضباط الاحرار الى ثكناتهم بعد ان ينظم لهم مجلس بقانون يعتني بالامن والدفاع عن الثورة ، والا فان ابواب الانقلابات والمغامرات والصراعات على السلطة ستكون مشرعة الابواب لكل من هب ودب ! " من كتاب العراق في عهد قاسم ـ اوريل دان ـ ترجمة جرجيس فتح الله .

انشق العسكر على بعضهم وشقوا معهم الشارع كله ، واصبح الصراع مشخصن ، منذ الشهر الاول للثورة وتعمق بعدها عندما استبعد عبد السلام عارف ومجموعة من الضباط القوميين والبعثيين ، وبعد فشل انقلاب الشواف ومن ثمة محاولة اغتيال الزعيم في 59 اصبح الصراع مرشحا للمزيد من الدماء بانتظار المجزرة القادمة والتي ستنجح في تعميق الشرخ الوطني وجعله مشرعا للتدخلات الاجنبية ، قاسم ازداد تمسكا بالسلطة دون مقومات تحصنه وحكمه اما خصومه فهم لا يفوتون اية فرصة للنيل منه ومن الشيوعيين الذين ساندوه دون افق يذكر !
عبد الكريم وعبد السلام يتنازعان على الدور الاول في نجاح الثورة التي فتحت امامهما ابواب السلطة ثورة بكل امالها واهدافها ومنجزاتها معلقة بمصير علاقات عدد قليل من ذوي البزة العسكرية الذين يعتبرون انفسهم اصحاب حق مكتسب بفضلهم وانقلابهم الذي قلب الامور كلها ووضعها امانة بين ايديهم التي تعودت على حمل العصى والمسدس وليس الكتاب والقلم !

عمليا انفرط عقد جبهة الاتحاد الوطني بعيد نجاح ثورة 14 تموز وقيام تشكيلتها الحكومية الاولى ، وعمليا ايضا انحصر مصير الثورة منذ ان تربع العسكر على المناصب الوزارية وراحوا يشقون الصف المدني ويلعبون على تناقضات قواه كي لا تخرج السلطة من بين اياديهم !
نفس معالم الصراع الداخلي بين قوى الثورة ذاتها ، حملها الصراع الاقليمي بين مكونات الحركات التحررية في مصر وسوريا من جهة والنظام الجديد في العراق ، فكانت الخسائر فادحة للجانبين ولعموم حركات التحرر في المنطقة لصالح الانظمة الرجعية والتابعة ـ انظمة حلف بغداد مضافا لها النظام السعودي والكويتي ـ !
بين الدعوة للوحدة الفورية والاتحاد الفدرالي ضاعت المقاصد البعيدة ، واقتتل اصحاب الخندق الواحد والذين لو كانوا جميعا على مستوى المسؤولية لكونوا قوة اقليمية مؤثرة ، لاسيما وان دول المعسكر الاشتراكي تقف الى جانبها في مواصلة طريق التحرر والتنمية والتصدي للمؤامرات الصهيونية والرجعية والاستعمارية !
البعثيون والقوميون عسكريون ومدنيون وبقيا حزب الاستقلال وحزب البارزاني ومراجع النجف ـ الحكيم الاب ـ والعسكريون المتبذبون والمسلكيون ، والاخوان المسلمون جميعا اشتركوا في انجاح انقلاب 8 شباط الذي الحق ابلغ الاذى بشعب العراق وخيرة ابنائه ، راح ضحيته شهداء ابرار وكفاءات غالية ، اقليميا كان تحالف النظام الناصري مع اعداء الثورة في العراق هو شذوذ اخر يبعث على التشائم ، مع الاحتكارات النفطية والرجعية العربية !
اطلاق العنان لغرائز الانتقام والتنفيس عن الاحقاد والامراض الدفينة والانفعالات المتخلفة ستتعزز عندما يغيب العقل وتعمى البصيرة لحظة اتخاذ القرار وليس كأي قرار انه قرار القتل والرقص على جثث خصوم الموقف والمواجهة التي يمكن ان تدار بطرق بعيدة عن البربرية والسادية ، وهنا فان التدريب يلعب دورا محفزا ، وكذا القدوة والمثل يلعبان دورا معطلا لانطلاقة غرائز الغوغاء عندما تكون في حالة هيجان جمعي ، قتل الملك الشاب وعائلته وهو كان في حالة استسلام ومع نساء تحمل المصاحف ، قتل الملك فيصل الثاني دون مبرر ، قتل نوري السعيد كما قتل ابنه وربما كلمة قتل لا تعطي صورة معبرة عن حقيقة الفعلة ، فهناك من يطلق نارا على احد ما ويرديه قتيلا ثم يدفن القتيل ، وينتهي الامر، ولكن ان يقتله ثم يقطعه ويسحل جثمانه في الشوارع وياتي قصاب فيقطع من لحمه ويرميه للجمهور الذي ربما لا يدرك ماذا يفعل فيحير بهذا اللحم او بتلك الاطراف المرمية عليه ماذا سيفعل بها ، ربما واقول ربما لو قطعها احدهم باسنانه سيقلده الاخرون لما لا وسيكولوجيا التوحد المضطرب وهستيريتها تبوح ما لا يباح ،، يقول علي صالح الساعدي الثورة بدون دماء ليست ثورة !
الحبال والسحل والمشانق والتفنن بالتعذيب ولاغتيالات السياسية ، بل كل اشكال القمع التقليدي والمريض ليست وليدة ساعتها وليست حصرا بفئة دون غيرها من الفئات المنفلتة في غضبها او انتقامها وثارها ، ثقافة الذبح وقطع النفس انها دورة تكرر نفسها عندما لا يقطعها التهذيب والتدريب والبحث عن وسائل عاقلة للقصاص ، فلا خير بقصاص سلبي يستسهل البهيمية ويجعلها شرعة غلابة للصراعات ، ثقافة الاجتثاث وقطع الاوصال والاستاصال تعيد انتاج نفسها في كل فورة غير محسبوبة !

علي صالح الساعدي نفسه وهو الذي حار كيف يعذب الشهيد الخالد سلام عادل ، كان عندما يسكر ويسقط عقله الباطن عليه صورا تذكره بما كان يفعله بهذا الانسان الاعزل الا من شجاعته وكرامته وصدقه يبكي ويحتقر نفسه ، ففي حالة السكر تتداخل الاسلاك احيانا خاصة اذا عرف هذا الانسان انه هو نفسه تحديدا كان مغفلا وضحية ايضا لاكذوبة كبرى !
انقلاب بكر صدقي 1936 شرع لتقليد من ليس مع الانقلاب ضده ، فعندما ذهب جعفر العسكري بمفرده لمعسكر الانقلابيين ، وفقط للتفاهم قتلوه بدم بارد ، وهكذا رد له الصاع صاعين في عملية اغتيال مدبرة من المخابرات البريطانية بالتعاون مع البلاط في 11 آب 1937 مع مساعده محمد علي جواد قريب عبد الكريم قاسم من جهة امه !
علقوا البشر كالخراف في ساحة التحرير ، بتهمة التجسس ، تقول لماذا بهذه الطريقة ؟ فيقال لك كي يخاف الاحقون من ان يكونوا جواسيسا ! اوارقكم مكشوفة فعلى اية ورقة يتجسسون ؟ ربما ورقة الخوف ، لابد انها هي ، لكن اذا كان الخوف ورقة يلاحقها التجسس فالشعب كله ملاحق بما فيهم الحكام الذين يتحرقون دوما لقتل خوفهم بجعل الناس خرافا على مذبح التجسس !
عندما تمر ذكرى 8 شباط نتذكر وجوها واحلاما جميلة خطفها العبث البعثي وعبث المشجعين تصفيقا وتمجيدا ، عبث محسن الحكيم والبرزاني وصالح اليوسفي وغيرهم المئات من الذين يعتبرون انفسهم ضحايا وليسوا بجلادين !
ناظم كزار يتلذذ بتعذيب الخصوم وخاصة الشيوعيين ، بل كان يبدع في ابتكار الاساليب ـ مثلا ان يجبر المعذب على احتساء البيرة ويربط ذكره كي يحتصر البول فيتلوى المعذب متوسلا دون جدوى فاما الاعتراف والبراءة او الموت !
ناظم كزار قتل خيرة المناضلين الشيوعيين ان كانوا من جماعة القيادة المركزية او اللجنة المركزية عندما كان مسؤولا امنيا في اجهزة حزب وحكومة البعث وباسلوب القتل بالرصاص او الدهس ، كستار خضير ومحمود شاكر والعشرات غيرهم من المناضلين !
ناظم كزار نفسه قتل قتلة شنيعة وبيد صدام نفسه ومرافقيه ـ بشر القاتل بالقتل ـ !
جبار كردي بلطجي من الشقاة مخلص وجاهز عند طلبه لخدمة الجهاز الامني التابع للبعث قتل وطغى ، ثم قتل وجرى التفنن بقتل اغلب اخوته على يد نفس الجهاز !
مقاومة شعبية وحرس قومي وجيش شعبي وبيشمركة وفيلق بدر وجيش المهدي كلها عناوين تمنح لنفسها شرعية في تعنيف الاخر وبمبررات لا معنى لها الا لتخويف الاخر وربما قتله ، ربما هي تجليات مشروعة لحالة تفترض الدفاع عن النفس ولكن كم نفس ستزهق هي ايضا بحجة الدفاع عن النفس ؟

عبد السلام محمد عارف ينتشي عندما يلقب بانه قائد لثلاث ثورات ـ 14 تموز و8 شباط و18 تشرين ـ حيث يكذب على نفسه ويصدقها فيغمره الزهو بقدرات اضافية يفتقدها الاخرون من اقرانه ، لتسكن مشاعر نقصه بخفة عقله وضحالة تفكيره ، كان يريد انتزاع اعتراف من قاسم بانه هو من كتب البيان الاول للثورة وليس قاسم نفسه وهذا قبل اعدام قاسم بنصف ساعة ، طبعا البيان ركيك وضعيف ان كان قاسم او عبد السلام من كتبه !
عروس الثورات قتلت عريسها ليلة الدخلة وصارت غرفة نومها ، غرفة للاعدام ، الاعدام لا السلام !
مهر عروس الثورات ، مذبح ميكانزمه لا يستثني احدا !
لقد قتل معظم الذين قادوا انقلاب 8 شباط بايادي بعضهم ، قتلتهم عروس الثورات ـ عبد السلام ، البكر ، حردان عب الغفار التكريتي ، صالح مهدي عماش ، فؤاد الركابي ، طاهر يحيى ، عبد الغني الراوي ، رشيد مصلح ، والحبل لم يكن بخيلا !
سيقتل اصحاب تحرير العراق بعضهم بعضا كما فعل اصحاب عروس الثورات ، لما لما لا يتعضون ؟
ان يقتلوا بعضهم هذه ارادتهم ولكن ان يقتلوا في طريقهم حاضر ومستقبل هذا الشعب فانها هي الطامة الكبرى !
ان مراجعة الماضي نقديا وبحيادية موضوعية ضرورة قصوى لاعادة التقييم بعيدا عن ردود الافعال العاطفية لغرض الاتعاض حاضرا ، والتطهر مستقبلا ، وهذا يخص البعث وغيره من الذين تحركهم ذات الهواجس والمركبات الكيميائية والنفسية والسوسيولوجية !