7 اذار هل سيكون موعدا للتغيير ؟


طلال احمد سعيد
2010 / 2 / 3 - 21:39     


قبل موعد الانتخابات العامة باسابيع تعرض العراق الى ازمة سياسية شديدة جاءت على اثر القرار الذي اصدرته هيئة المسائلة والعدالة بشطب اسماء اكثر من خمسمائة مرشح من لوائح المتقدمين للانتخابات ، وكان لذلك القرار تداعيات كثيرة على المستويين الداخلي والخارجي سيما وان الهيئة التي اصدرته تفتقر الى الغطاء القانوني لاعمالها فهي ليست منتخبة من مجلس النواب كما نص على ذلك الدستور . ولقد وجهت لقرارات الهيئة طعون كثيرة من جهات عراقية واجنبيه عديدة وجاء على راسها اخيرا تصريح للسفير الاميركي في العراق الذي ذكر فيه اسم رئيس الهيئة السيد احمد الجلبي في سابقة غير مألوفة مما يدل على ان الولايات المتحدة اخذت على عاتقها وبكل جدية معالجة المضاعفات التي نجمت عن قرارات استبعاد المرشحين للانتخابات .
هيئة المسائلة والعدالة هي امتداد وبديل عن هيئة اجتثاث البعث التي شكلها الحاكم المدني بول بريمر عام 2003 . واجتثاث البعث قد لايختلف كثيرا عن عمليات الاجتثاث التي مارسها الحكم الصدامي والتي شملت احزاب وحركات سياسية كثيرة في العراق منها الحزب الشيوعي وحزب الدعوة الذي يتصدر التشكيلة الحكومية الجديدة في البلاد , لذلك ومن حيث المبدأ فأن من يدين الحكم السابق بسبب قراراته الجائرة يجب ان يبتعد عما هو مشابه لتلك القرارات .
الوضع المعقد والصاخب الذي تركته قرارات هيئة المسائلة والعدالة ظل يتفاعل حتى اضطر نائب الرئيس الامريكي بايدن التوجه الى العراق لايجاد مخرج للازمة , وبقيت الانفاس محبوسة والجميع ينتظر حلا من هنا ومن هناك بقصد دفع العملية الانتخابية نحو طريقها الصحيح . واخيرا انفرجت الازمة على اثر صدور قرار جريء من هيئة التمييز الخاصة بقرارات المسائلة والعدالة وذلك بالسماح الى كافة اللذين شطبت اسماؤهم بالمشاركة في العملية الانتخابية على ان يجري التدقيق في ملفاتهم بعد الانتخابات . هذا القرار اعاد الحق الى اصحابة ولو انه جاء ناقصا فقد كان المؤمل ان تلغى القرارات برمتها لانها مخالفة للقانون من جهه ولانها مسيسة واتخذت بدوافع انتخابية .
العراق خاض انتخابات عام 2005 الا ان تلك الانتخابات رافقتها انتهاكات كبيرة وقدجرت وفق معايير اقرب ماتكون الى الشمولية وابعد ماتكون عن النهج الديمقراطي وذلك من حيث :-
1. القوائم المغلقة التي الزمت الناخب التصويت عليها حسب ارقامها وليس حسب محتوياتها من الافراد اللذين تضمنتهم وبدون ان يتعرف عليهم الناخب , تلك الطريقة كانت ظاهرة غريبة وقريبة جدا من فكر الانظمة الديكتاتورية .
2. الحملات الانتخابية وعمليات السيطرة على ارادة الناخبين جرت على نطاق واسع باستعمال الرموز والمراجع الدينيه كغطاء للقوائم التي حصدت اكثر المقاعد فجاء المجلس وهو يضم نوابا يمثلون الطوائف الدينيه والجماعات القومية اكثر من تمثيله لابناء الشعب الحقيقين .
3. تمت مقاطعه الانتخابات السابقة من قبل العديد من ابناء الشعب ومن مكونات معروفة وذلك بسبب حالة الاحتقان الطائفي التي سادت البلاد انذك ونتيجة لذلك لم تتوفر الفرص الكافية كي يشارك هؤلاء في الانتخابات سواء بصفة مرشحين او ناخبين .

لكل تلك الاسباب فقد افرزت انتخابات عام 2005 مجلسا نيابيا غريبا لم يمثل الا نفسه فقد عجز عن تشريع قانون واحد يعود بالنفع على ابناء هذا الشعب الا انه نجح في تشريع قوانين لخدمة اعضاءه من حيث الرواتب والمخصصات والمنح وغيرها من المكاسب الشخصية , ويمكن الجزم بان ذلك المجلس كان الاسوأ من حيث الاداء . ومما لاشك فيه ان سوء الاداء لمجلس النواب المنتهي يجب ان يكون دافعا مهما للناخب العراقي كي يكون حريصا على اختيار الاشخاص الحقيقين واللائقين كي يكونو نوابا عنه .
لعل من اهم القوانين التي كان على المجلس ان يشرعها هو قانون الاحزاب والجمعيات وذلك للعلاقة المهمة بين هذا القانون وبين العملية الانتخابية ويخيل الينا ان عدم تشريع قانون الاحزاب كان مقصودا ولمصلحة نفس الاحزاب المسيطرة على المجلس . والقانون الوحيد الذي شرع والذي له علاقة بالموضوع هو قانون الانتخابات الجديد الذي ولد بعد مخاض طويل وقد وجهت له الكثير من الانتقادات لانه اقر نظاما للقائمة شبه المفتوحة وشبه المغلقة واصبح من الممكن التصويت الى القائمة باكملها حسب ما جرى الحال في انتخابات 2005 وهذه الممارسة قد تكون ممكنه في مجتمع مثل العراق يفتقد الى التجربة الديمقراطية , وقد يكون من السهل توجيه العديد من الناخبين للتصويت الى بعض القوائم الطائفية والدينيه باكملها وبالشكل المغلق . فضلا عن ذلك فان قانون الانتخابات الجديد لم يعالج موضوع المقاعد التعويضية التي تمنح الى الاحزاب الكبيرة والحائزة على الاصوات الاكثر بدلا عن الاحزاب ذات الاصوات الاقل .
الذي يفصلنا عن الانتخابات القادمة شهرا واحدا وفي هذه الفترة يجب ان تتوجه الجهود للتركيز على اهمية توفير الحرية الكاملة للناخب وان يوضع حد لاي نوع من انواع التدخل ومحاولة تزوير ارادة الناخبين تحت اي شكل من اشكال الضغط او الترغيب . المواطن الذي سيتوجه الى صناديق الاقتراع عليه ان يضع نصب عينيه تجربة السنوات الماضية التي اثبتت فشل الاحزاب الدينيه واثبتت ان الدين السياسي لايصلح لحل مشاكل البلاد والتقدم بها الى الامام . لقد كانت المحاصصة الطائفية اسوأ ماطبق في العراق منذ عشرينيات القرن الماضي وكانت هي المسؤولة عن الفوضى وعن حالات الاحتقان والاحتراب .
الناخب العراقي امام امتحان صعب لاختيار نمط جديد من الحكام الوطنين واللبراليين والعلمانين . المطلوب من الناخب عندما يضع صوته داخل الصندوق ان يتحلى بجانب كبير من الوعي السياسي وان يكون عارفا بالمسؤولية التي يمارسها لكي ينتخب الشخص المناسب والممثل الحقيقي في برلمان يحرص على تلبية مطالب الجماهير وامالها .
مجلس النواب الجديد سيكون مسؤولا عن رسم وتنفيذ سياسة العراق للسنوات الاربع القادمة ومن هنا فان الانتخابات القادمه مهمة ومصيرية وحاسمة لانقاذ البلاد من الفوضى التي عاشتها منذ سقوط النظام السابق .