نحن والمبيدات


عبد العزيز محمد المعموري
2010 / 2 / 1 - 16:30     

فلندرس واقعنـا مابين ثلاثينيات القرن الماضي وأواسط الاربعينيات وفي طفولتــي ( السعيدة ) !! كانت الطبيعة تغدق علينا القمل والبرغوث بلا حساب وكانت أمهاتنا تنزع دشاديشنا الوحيدة بعد ان ينتهين من وجبة خبز التنانير الطينية فيضعن الدشاديش على فوهة التنانير فيتساقط القمل في نيران التنانير وتسمع فرقعة القمل في النار وكأنها قرقعة الملح في النار ! اما البرغوث اللعين فقد استعصت مشكلته على امهاتنا الى ان هيأ العلم لنا مبيداً على شكل مسحوق كان يسمى ( كروسايد ) وبواسطة هذه المادة تخلصنا من البرغوث وحين وصلنا مسحوق الغسيل المسمى آنذاك ( تايد ) ذهب القمل الى غير رجعة وبقى بعوض ( الانوفيلس ) الحامل لطفيليات الملاريا وقد حاربنا بلا رحمة لاسيما منطقتي خرنابات والعبارة حيث يوجد مستنقع يسمى ( هور الكاطع ) كانت اسراب البعوض تعتاش عليه اما الملاريا اللعينة فكنا جميعاً من ضحاياها وخاصة طلاب مدرسة خرنابات الابتدائية التي كانت الوحيدة التي يؤمها طلاب العبارة وحد مكسر والسواعد والدوريين وحتى طلاب ركة حجي سهيل الذين يعبرون اليها من صوب ديالى الثاني بواسطة ( الثريمة ) كما يؤمها التلامذة من قرى الاحيمر والحكيم والدازكية الخ .. وفي حوالي الساعة التاسعة صباحاً يبدأ فعل الملاريا الشعور بالبرد يصاحبــه رعشــة في كل خلايا الجسم فيسرع المعلمون حاملين إلينا شراباً يسمونه ( شلفاطة) فيه مرارة قاسية يجبرونا بالتهديد ان نشرب منه علاجاً لمرضنا وهو كما عرفت بعد ذلك ( كينين) مذاب ثم يخرجوننا من المدرسة الى اهالينا دون مواصلة الدراسة وكان المصاب بالملاريا يلجأ الى العديد من الاغطية تجنبا للبرد والقشعريرة دون جدوى وبعد ساعتين يتعرق المصاب ويذهب عنه البرد ليشعر بجوع شديد وكانت علامة المصابين وهم كثيرون اصفرار الوجه وشحوبة وتضخم البطن والكبد واذا استمر المرض دون علاج يؤدي الى الموت الاكيد . وفي اواسط اربعينيات القرن الماضي توجهت الينا منظمة الصحة العالمية المسماة كما اظن ( اليونسيف ) فقامت بشق مبزل لتصريف مياه الهور ورشت الهور بالنفط الاسود وقضت على مواقع البق اللعين ولم تكتف بذلك بل جهزت دوائر الصحة بمئات المرشات الظهرية لرش بيوت الفلاحين بمادة ( ddt ) الدي دي تي الذي وفر الحماية التامة من البق الذي يحمل طفيلي الملاريا وانتهت قصة الملاريا المنهكة حتى اليوم . بقيت لي ملاحظات على مادة الدي دي تي التي شوهت سمعتها منظمة الصحة العالمية بدون رحمة فهذا المبيد استطاع في وقته ان يحمي النخيل من آفات الحميرة والدوباس وحفار ساق النخيل وحمي كافة الاشجار من المن وبعد ذهابه لم تعوض اية مادة لحماية اشجارنا . ولقد قرأت كراساً لاستاذ علم الحشرات في كلية الزراعة في بغداد ( ابو الحب ) هذا الاستاذ دافع عن الدي دي تي دفاعاً يستحق الدراسة والمناقشة فهو لايبريء هذه المادة من الاثار الجانبية ولكنه يقرنها بالكثير من الادوية التي تباع في الصيدليات ويشار الى اثارها الجانبية !! ماذا لو انعقدت لجنة عالية المستوى لتدارس هذا الموضوع بعملية وموضوعية علماً بان دولة السعودية ظلت تستعمل هذه المادة بعدنا بعشرات السنين واذا اتهم هذا المبيد بكونه من عوامل السرطان فهل اجرينا دراسة ميدانية للتأكد من صدق هذا الادعاء ؟ السرطان اليوم يقوم بصولات وجولات في انحاء البلد المنكوب فماذا عملنا لانقاذ شعبنا من بلاويه ؟ راقبوا الولادات الحديثة وسجلوا احصائيات المصابين وعلمونا كيف نتجنب اثاره التي عمت كل مكان ؟!