تنمية الموارد البشرية وقوة العمل


مصطفى العبد الله الكفري
2004 / 6 / 30 - 03:09     

تنمية الموارد البشرية مشكلة كبرى تواجهها الدول أثناء السعي للتنمية الشاملة. وتنعكس عليها أصداء الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ، كما ينعكس عليها حصاد التجربة التنموية ، على مدى عدة عقود ، الإيجابي منها والسلبي ولئن اختلفت مشكلات تنمية الموارد البشرية وبالتالي الحلول المقترحة لها بين بلد وبلد ،وبين البلدان النامية من جهة والبلدان المتقدمة من جهة أخرى،فإن أثرها على عملية التنمية في الدول النامية يكون أدهى وأمرّ.
ولئن كانت العلاقة بين تنمية الموارد البشرية والتنمية الشاملة علاقة لابد أن تتأثر بالظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية في كل بلد، فإن من الوهم أن تخيل أن الدول النامية تملك حرية الاختيار في هذا المجال كاملة غير منقوصة، وذلك لأن التجربة العالمية في ميدان العلاقة بين التنمية الشاملة وتنمية الموارد البشرية تعد جهوداً إيجابية كثيرة لابد أن تؤخذ بعين النظر والاستفادة من الاختبارات عندما نختار نموذجنا الذاتي (1).
ومن هنا لابد أن يشتمل الحديث عن موضوع تنمية الموارد البشرية والقوى العاملة الجوانب التالية:
‏أ?‏) السياسات السكانية ومدى استجابتها للحاجات المتجددة للنظام الاقتصادي الاجتماعي في كل بلد .
‏ب?‏) سياسات القوى العاملة وسياسات الاستخدام ومدى استخدامها مع استراتيجية التنمية الشاملة.
‏ج) سياسات التعليم والتأهيل والتدريب في الدول العربية ومدى استجابتها لحاجات تنمية الموارد البشرية.
‏د) الواقع الاقتصادي والاجتماعي من خلال صلته بالموارد البشرية وعلاقته باستراتيجية التنمية الشاملة .

العلاقة بين السكان والتنمية:
هناك علاقة قوية بين السكان والتنمية (أي بين السكان وخصائصهم و واقعهم الديمغرافي ونوعية حياتهم من جهة والبرامج والخطط التنموية التي تهدف إلى تحقيق التقدم الاقتصادي والتطور الاجتماعي من جهة أخرى). ذلك لأن المتغيرات السكانية ترتبط بصورة عضوية بعناصر التنمية الشاملة باعتبارها تمثل التغير الهيكلي في مكونات النسق الاجتماعي-الاقتصادي في أي مجتمع. وهذا يعني أن مفهوم التنمية قد تعدى مجرد "النمو الاقتصادي" الذي كان دائماً محور الاهتمام ليشمل تحولات أساسية أخرى على الصعيد الاجتماعي والثقافي إلى جانب النمو الاقتصادي.
وقد رافق هذا التغير في مفهوم التنمية الشاملة تغير جذري في نوعية الخطط والبرامج التنموية حيث كان تركيز هذه الخطط على النواحي الكمية الاقتصادية بالدرجة الأولى، واهتمت بزيادة الإنتاج والاستهلاك والتراكم والاستثمار، ومع المفهوم الجديد أضحت الخطط أكثر شمولاً لتضفي جوانب اجتماعية وثقافية وسياسية، حيث أصبحت تركز أيضاً على النواحي الكيفية في تحسين ورفع مكانة المرأة والاهتمام بصحة الأم والطفل، ورعاية الشباب وقضايا الديمقراطية، والبرامج الترفيهية، وغيرها من المجالات التي ترتبط بتحسين نوعية الحياة لمجموع السكان.
ولم يعد تقويم نتائج الخطط والبرامج التنموية وتأثيراتها مقتصراً على المؤشرات الاقتصادية فقط، وإنما امتد ليشمل مؤشرات اجتماعية وثقافية وسياسية تعكس مدى التغير في نوعية الحياة والمجتمع.
إذا كانت تنمية الموارد البشرية تمثل حلقة الربط بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية،من حيث أن القاسم المشترك بينهما هو(السكان)باعتبار أن العنصر البشري هو الهدف النهائي والوسيلة الرئيسية في نفس الوقت،فإن تناول الأبعاد السكانية لتنمية الموارد البشرية في هذا الإطار يصبح أمراً بالغ الأهمية لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية(2).
السكان داخل القوى البشرية والسكان خارج القوى البشرية:
ينقسم السكان عادة في كل مجتمع إلى قسمين رئيسيين : السكان داخل القوة البشرية والسكان خارج القوة البشرية ، والقوة البشرية بالتعريف هي القوة القادرة على العمل من حيث السن والمقدرة الجسدية والذهنية ،أما السكان خارج القوة البشرية فينقسمون إلى ثلاث فئات رئيسية هي : الأطفال ، الكهول الذين تزيد أعمارهم على / 65 / سنة ، وذوو العاهات . وغالباً ما تشكل فئة الأطفال الغالبية العظمى لغير القادرين على العمل ، تليها فئة الكهول ثم فئة ذوو العاهات الذين يشكلون نسبة ضئيلة جداً من هذه القوى البشرية .
ويتحدد حجم القوى العاملة من خلال العوامل الديمغرافية التي تتضمن حجم السكان ، معدل نمو السكان ، توزع السكان وتحركاتهم ، التركيب العمري والنوعي للسكان . ( وكذلك يتحدد حجم القوة العاملة بالمدى الذي تشارك فيه مختلف فئات السكان في القوة العاملة واستناداً إلى"كلاين وكوسبد" فإن معدل المشاركة الإجمالية لليد العاملة ، أو نسبة العاملين إلى مجموع السكان ، تشكل رقماً ثابتاً من الناحية العملية وهي بالتالي واحدة من النسب الاقتصادية الكبرى والحقيقة الأكيدة الملاحظة هي أن هذه النسبة في الولايات المتحدة ـ تراوحت ضمن هامش ضيق جداً خلال فترة طويلة من القرن العشرين، إذ كانت(54.8 %) عام 1900 م و(55.3 %) عام 1960 وكان الثبات التقريبي لهذا الرقم نتيجة اتجاهات التعويض إذا كانت الزيادة في معدل النشاط النسائي وخصوصاً بين فئات الأعمار المتوسطة يقابلها التراجع في مشاركة الرجال في فئتي العمر الأكبر والأصغر (3) .من أهم العوامل التي تؤثر على حجم القوة العاملة الوطنية هي حجم السكان في كل بلد ومعدل نمو السكان فيه ، أما انتقال القوة العاملة من الخارج إلى داخل البلد،فهذا يعني إضافة قوة عاملة جديدة ، مما يجعل مجموع القوة العاملة فيه أكبر من القوة العاملة الوطنية بمقدار عدد العمال المهاجرين إلى خارج البلد .
إن الاهتمام بالقوى العاملة لا يقتصر على تحديد حجم وتركيب هذه الموارد وإنما يشتمل أيضاً كيفية توزيعها واستخدامها . ويستخدم عادة في هذا المجال ميزان موارد القوى العاملة الذي يحدد مصادرها ومجالات الاستخدام .وتظهر في هذا الميزان بصورة أساسية مصادر تدفق العاملين إلى المؤسسات الإنتاجية والمرافق التابعة للقطاع غير الإنتاجي وعدد الدارسين في سن المقدرة على العمل أو الفنيين في مرحلة التأهيل . بالإضافة إلى المزاولين في الاقتصاد المنزلي والقطاعات الهامشية ، كما يوضح لنا هذا الميزان التناسبات في توزيع القوى العاملة بين الحالات المنتجة وغير المنتجة وبين المدينة والريف وحسب فروع الاقتصاد الوطني والطبيعية الاجتماعية لهذا التوزيع أي بين القطاع العام والخاص والتعاوني والمشترك(4).
" ولابد هنا من الإشارة إلى أهمية توزيع موارد القوى العاملة بين القطاعات المنتجة وغير المنتجة والعلاقة المتبادلة والتناسب الأمثل فيما بينها . فمن المعلوم أن تطور القطاعات غير المنتجة يعتمد على تطور القطاعات المنتجة ، وبصورة أساسية على مستوى إنتاجية العمل في هذه القطاعات وحجم الفائض الاقتصادي الذي يستخدم جزء منه لتغطية الإنفاق في القطاعات غير المنتجة . ومن ناحية أخرى فإن تطور القطاعات المنتجة يتوقف على تطور القطاعات الأخرى مثل الصحة والتعليم التي تضمن تطور العنصر البشري من الناحية الأيديولوجية والمهنية باعتباره القوة الأساسية المنتجة في المجتمع . إن تطوير مجال الخدمات مثل السكن ومرافق العناية بالأطفال يهيئ الشروط لكي تقوم المرأة بكامل وظيفتها في عملية الإنتاج الاجتماعي وبالتالي الاستغلال الأمثل للموارد البشرية . إن التناسب الأمثل لمصادر القوة العاملة بين القطاعات المنتجة وغير المنتجة يتوقف على طبيعة ومستوى التطور الاقتصادي . ففي مرحلة معينة يتطلب الأمر زيادة عدد العاملين في القطاعات المنتجة بسبب انخفاض المستوى التقني لوسائل الإنتاج . إلا أن عملية التحديث اللاحقة تساعد على الاستغناء عن قسم من العاملين في الإنتاج المادي وتحويلها إلى قطاع الخدمات ، إن مثل هذا التحديث يقود إلى تغيير العلاقة بين رأس المال والعمل من خلال التخفيض اللازم في قوة العمل ، كما يساعد تخفيض نفقات الجهاز الحكومي من خلال تبسيط وعقلنة عمل هذا الجهاز على إنجاز هذه المهمة " (5) .
وتعد مسألة توزيع القوى العاملة بين قسمي الإنتاج أي بين القسم الذي ينتج وسائل الإنتاج والقسم الذي ينتج وسائل الاستهلاك،واستخدامها بين مختلف فروع الاقتصاد الوطني(زراعة ـ صناعة ـ خدمات) مسألة في غاية الأهمية. ولابد من التوازن في توزيع القوى العاملة لأن التركيز على الصناعات الاستهلاكية مثلاً لا يضمن استمرارية عمل الإنتاج الاجتماعي ولابد من تخصيص قسم من القوى العاملة للاستخدام في الصناعات التي تنتج وسائل الإنتاج مع التأكيد على الدور المميز الذي يقوم بـه هذا القسم(القسم الخاص بإنتاج وسائل الإنتاج ) في تطوير المستوى المهني للعامـلين فـيـه وضـمـان وجود القوى العاملة المتخصصة في هذا المجال .ويقوم الأجر بدون الحافز المادي في التوزيع العقلاني والسليم للقوى العاملة بين القطاعات والأقاليم ، وفي خلق الكوادر الأساسية وتزويد القطاعات الاقتصادية بالقوى العاملة المتخصصة ، وفي تحديد الأجر يؤخذ بعين الاعتبار وقت العمل وكثافته وشروط تنفيذه ليتم تحقيق التطابق بين الأجر وكمية العمل ونوعيته .
خصائص هيكل القوى العاملة في الوطن العربي: يتصف هيكل القوى العاملة في الوطن العربي بعدد من الخصائص أهمها (6) :
‏1 - انخفاض إنتاجية العمل وبخاصة في قطاع الزراعة التي تستأثر بحوالي 36 % من إجمالي قوة العمل ، في حين لا تتجاوز مساهمته الناتج المحلي الإجمالي 13 % خلال عام 1993 .
2 - انخفاض مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي خارج المنزل، والتي لا تتجاوز 13% من إجمالي قوة العمل.
3 - انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال حيث تشير الدراسات المسحية التي أجريت عام 1988 إلى وجود 1.3 مليون حدث يعمل ، تتراوح أعمارهم بين 6 ـ 14 سنة وتنتشر هذه الظاهرة في ريف معظم الدول العربية .
4 - يستأثر قطاع الخدمات بالنصيب الأكبر من إجمالي القوى العاملة في الوطن العربي، حيث بلغ نحو 46 % من إجمالي القوى العاملة عام 1992 وتتفاوت هذه النسبة من دولة إلى دولة أخرى .
5 - تفاوت نصيب القوى العاملة في الزراعة من دولة عربية إلى دولة أخرى ، حيث لم تزد نسبة العاملين في هذا القطاع في كل من قطر والبحرين عن 3 % من إجمالي القوى العاملة ، في حين تجاوزت هذه النسبة حوالي 72 % في السودان و76 % في الصومال و 63 % في اليمن .
‏6 - يستقطب قطاع الصناعة النصيب الأقل من إجمالي القوى العاملة في الوطن العربي، حيث وبلغ بالنسبة لكافة الدول العربية 18 % لعام 1992 ووصل إلى أعلى من 30 % في كل من الجزائر وسورية وإلى 11 % في اليمن و21 % في مصر .
‏7 - تفاوت نسبة مساهمة المرأة في القوى العاملة في الوطن العربي إذ تصل إلى أعلى مستوى لها 39 % في الصومال تليها مصر والسودان بنسبة 29 % ثم لبنان بنسبة 27 %، و26 % في المغرب ولا تتجاوز 4 % في الجزائر ومن المتوقع أن يرتفع نصيب المرأة من إجمالي القوى العاملة العربية ليصل في عام 2000 إلى حوالي 26 % .
وتشير بعض التقديرات إلى أن معدل نمو المشاركة في النشاط الاقتصادي أدنى من معدل النمو السكاني (7) والسبب في ذلك هو عدم انخراط المرأة في سوق العمل العربية بشكل واف ، ارتفاع نسبة الإعالة الاقتصادية ، ارتفاع حجم سكان الريف حيث تنتشر البطالة المقنعة وقد يكون الكثير منهم نشيطين اقتصادياً إنما إساءة التقدير بسبب عدم نظامية أوجه التشغيل العمل لدى العائلة أو الغير بدون أجر قد استثناهم في عملية الإحصاء .
وتقاس نوعية القوى العاملة من خلال انتشار التعليم وتحسين مستويات التدريب ومن خلال توفر المهارات والكفاءات في المجتمع ، وتتصف القوى العاملة العربية باستمرار تركز العامل في المراتب الدنيا من السلم المهني ونقص نسبي في الحلقات الأعلى التي تتطلب إعداداً نظريا وعمليا. كما تتصف القوى العاملة المعروضة في أسواق العمل العربية بارتفاع نسبي بعدد العاملين في الوظائف المكتبية والديوانية وارتفاع نسبة العمالة غير الماهرة في قطاع الإنتاج والتشييد والنقل (8) .
تنمية الموارد البشرية وإمكانية رفعها فعاليتها:
إن تنمية الموارد البشرية في الوطن العربي يجب أن تكون تنمية مترابطة متكاملة في جوانبها الأساسية، كالسياسات السكانية، والخصائص الهيكلية للقوى العاملة، وسياسات التربية والإعداد والتدريب، وسياسات الاستخدام، على أن يتم ذلك كله في إطار الخطط الاقتصادية والاجتماعية الشاملة ومن خلال الأهداف الاستثمارية والإنتاجية، وعند وضع أي إستراتيجية لتنمية الموارد البشرية يجب أن تتضمن:
- تحقيق التطور النوعي للقوى العاملة ورفع كفاءاتها ومهاراتها في شتى قطاعات النشاط الاقتصادي، بما ينسجم مع مستلزمات تحقيق التنمية الشاملة، وهذا يتطلب رفع إمكانيات التأهيل والتدريب وتوسع قاعدتها بحيث تشمل مختلف أصناف المهن ومستويات المهارة والاختصاص .
- تأهيل القوى العاملة لاستخدام التقدم التقني والثورة العلمية في عملية التنمية الشاملة وجعلها في مستوى يمكنها من الإسهام في تطوير التكنولوجيا وتوطينها وابتكارها.
- تحقيق التوازن في سوق القوى العاملة، تحقيق التوازن بين عرض القوى العاملة والطلب عليها بهدف التوصل إلى الاستخدام الأمثل لقوة العمل.
- مكافحة الأمية ونشر الثقافة العمالية بهدف النهوض بمستوى الموارد البشرية وتنميتها.
إن وضع مثل هذه الاستراتيجية يتطلب توفير البيانات والمعلومات، وتحديد الاتجاهات المستقبلية للتنمية الشاملة ، ووضع صيغة علمية وعملية لانتقال قوة العمل ، ووضع الحلول للحد من هجرة العقول خارج الوطن العربي، ولابد من التأكيد على دور العمل العربي المشترك في مجال تنمية الموارد البشرية، سيما وأن جامعة الدول العربية والمؤسسات التابعة لها المؤتمرات العربية قد أوصت بذلك، فقد أقرت وثيقة العمل الاقتصادي القومي واستراتيجية العمل الاقتصادي المشترك في عام 2000 وبخاصة في قسم الأهداف وقسم البرامج، ضرورة الاهتمام بالموارد البشرية والقوى العاملة وتنميتها وأولتها اهتماماً كبيراً.
تمثل قضية الموارد البشرية ومالها من تأثير على التنمية الشاملة تحدياً بارزاً ينبغي أخذه بالاعتبار متغيراً جوهرياً في التخطيط لمستقبل التنمية الشاملة وهذا يتطلب تحقيق عددا من الشروط أهمها:
‏1 - ضرورة تبني سياسة في تنمية الموارد البشرية واضحة المعالم والأهداف تنسجم مع السياسة العامة للدولة، وتتكامل مع خطتها التنموية، آخذة بعين الاعتبار الخصائص المميزة للمجتمع لتكون منطلقاً لأهداف تنمية الموارد البشرية على باعتبارها أحد المكونات الأساسية لعملية التنمية الشاملة بغية الارتقاء بنوعية الحياة للمواطن وتلبية الاحتياجات الآنية والمستقبلية للسكان.
‏2 - دور عملية تنمية الموارد البشرية في بلورة ملامح التنمية الشاملة الملبية للاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للسكان نظراً لكونها إطاراً للتوعية بالقضايا المرتبطة أساساً بعملية التقدم.
‏3 - ضرورة تطوير نظام التعليم والتأهيل والتدريب وتوفير الإطار المؤسسي ضماناً لاستمراره والتوسع في تطبيقه كبرنامج وطني مترابط مع غيره من البرامج الإنمائية للدولة.
4 - زيادة المخصصات المالية في الميزانيات العامة لتمويل البرامج الوطنية لتنمية الموارد البشرية.
‏5 - ضرورة التنسيق والتكامل بين السياسات السكانية وسياسات الاستخدام والقوى العاملة وسياسات التعليم واستراتيجية التنمية، مع اشتراك مختلف الوزارات والمؤسسات والجمعيات الحكومية المعنية بتنمية الموارد البشرية وبرامجها الوطنية.
6 - ضرورة وجود جهاز مؤسسي يتولى الإشراف على برامج تنمية الموارد البشرية في الدولة ويتابع تنفيذها وتقويمها، ويقم بالتنسيق بينها وبين جميع البرامج التنموية ذات الصلة بهدف رفع مستوى أدائها وتلافي التكرار والتعارض فيما بينهما .
وعملية بناء الإنسان عملية شاقة جداً وتتطلب العديد من الجهود، ولا يمكن الاستفادة القصوى من الطاقات البشرية في الوطن العربي إلا من خلال بناء الإنسان عن طريق التعليم وتطويره وهذا يتضمن محاربة الأمية والقضاء عليها وتطوير ملكات النقد والتعبير والإبداع، إضافة إلى ذلك يحتاج بناء الإنسان إلى رفع المستوى الصحي ، توفير الغذاء الكامل ، تأمين الوقاية والعلاج من الأمراض.أي بصورة إجمالية تأمين الحاجيات الإنسانية الضرورية التي تحفظ كرامة الإنسان(9).
ولابد من التأكيد على التنسيق والتكامل بين السياسات السكانية وسياسات القوى العاملة وسياسات الاستخدام وسياسات التعليم واستراتيجية التنمية، من أجل أن تضطلع بدورها في تنمية الموارد البشرية وفي التنمية الشاملة، وهذا التكامل ما هو إلا أحد جوانب خطة تنمية الموارد البشرية التي لابد أن تكون شاملة، ولابد أن تكون مكوناتها متآزرة تسير بخطى متوازية متناسقة، وتلك هي مهمة التخطيط الشامل للتنمية وما وراءه من أهداف اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى ومتوسطة المدى.
بناء على ما تقدم من الممكن تقديم بعض الاقتراحات التي من شأنها رفع فعالية الموارد البشرية للإسهام بشكل أكثر في عملية التنمية الشاملة، وتحقيق التوزيع الجيد للقوى العاملة، بشكل يتوافق مع متطلبات التنمية.
- تنظيم انتقال القوى العاملة بهدف حل مشكلة اختلال التوازن في سوق العمل.
- ربط سياسة التخطيط الإنمائي مع سياسات تخطيط القوى العاملة .
- ضرورة خلق فرص عمل منتجة للإعداد المتوقع أن تدخل سوق العمل في المستقبل القريب ومحاربة التشغيل الهامشي والبطالة المقنعة.
- العمل على توسيع القدرة الاستيعابية للقطاع المنظم والمنتج وتسهيل الدخول إليه وإزالة العوائق.
- إنشاء مكاتب تشغيل لتقوم بتجميع المعلومات عن أوضاع العمل والعمال وتزود بها المؤسسة ببث ونشر المعلومات عن أوضاع العمل وسوق العمل في ، بهدف تنسيق التشغيل فيما بينها، مع التأكيد على العناية بموضوع البيانات الخاصة بحجم العمالة ومؤشراتها الكمية النوعية والهيكلية.
ولابد من التأكيد على عملية تخطيط القوى العاملة ، تلك العملية المنظمة المستمرة التي يتم عن طريقها حصر وتقدير موارد المجتمع من القوى البشرية، ثم تصنيف هذه القوى لاستغلالها أو توجيهها أو توزيعها بين القطاعات الاقتصادية المختلفة بواسطة هيئة مركزية، ويجب أن يتم هذا وفقاً لخطة محددة وواضحة بقصد تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية محددة في أقصر وقت ممكن وبأقل تكلفة اجتماعية واقتصادية كما ويتضمن تخطيط القوى العاملة تحديد احتياجات المجتمع الأساسية في عملية التنمية الشاملة ـ كماً وكيفاً ـ وبخاصة في مجال التعليم والمعرفة والخبرة والتأهيل والتدريب وبيان أساليب تأمين هذه الاحتياجات بغية تحقيق الاستخدام الكامل والمنتج للقوى العاملة خلال فترة زمنية قادمة ومحددة.
لا يزال دور العنصر البشري في التنمية الشاملة دون المستوى الممكن تحقيقه في معظم الدول العربية، بل إنه يشكل في بعض الأحيان عبئاً على عملية التنمية، وبخاصة في حال تدني مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي، وارتفاع نسبة الإعالة، واتساع الفجوة بين مخرجات النظام التعليمي والاحتياجات البشرية للتنمية الاقتصادية إضافة إلى ضعف أجهزة تخطيط وتنفيذ التنمية البشرية. ولاشك أن ارتفاع معدل النمو السكاني في مثل هذه الظروف يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية(10).
لم يعد النمو الاقتصادي وحده يعني التنمية ، إنما التنمية يجب أن تكون شاملة لشتى جوانب الحـياة ، سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية أم سياسية أم غير ذلك . وهذا يعني أن ثمة فرقاً بين التنمية والنمو . فالتنمية في معناها الشامل تعني بناء " مشروع حضاري متكامل، يتوافر فيه التوازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . ومن غير الجائز اليوم تجاهل المحتوى الاجتماعي والتاريخي والثقافي لكل من التنمية والتخلف " (11) .
وأكثر ما يهم في هذا المجال هو العلاقة الجذرية بين التنمية الشاملة والسكان وبخاصة الموارد البشرية ، بل بين تنمية الأشياء وتنمية الإنسان . ولا سبيل لتحقيق التنمية الشاملة واستمرارها إلا من خلال الاهتمام بالموارد البشرية وتنميتها وتفتيح إمكاناتها المختلفة ، بالإضافة إلى الموارد الأخرى ، من أجل تحقيق تنمية ذاتية والإسهام في بناء الحضارة الإنسانية عن طريق إعداد إنسان جديد وفاعل .

الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
[email protected]