هيئة الاجتثاث هي من يحسم انتخابات العراق وليست صناديق الاقتراع !


جمال محمد تقي
2010 / 1 / 14 - 18:47     

لماذا تخشى القوى الطائفية والعنصرية ومن يدور بفلكها من اي مد وطني يتنافس معها على نيل ثقة الناس والفوز بتمثيلهم ؟
يبدو ان الجواب ليس بسيطا ، خاصة وان العراق يعيش تحت خط ديمقراطية الواوا ، فهذه القوى حسمت امرها باعتبار السلطة غنيمة لا يجب التفريط بها ومهما كلف الامر ، هي مستعدة لان تقيم كل الديكورات وتشتري كل الاكسسوارات وتفتح السماء والارض لكل انواع الاحتيالات ، وتسفح المليارات ، من اجل ان تكتسب الشرعية الانتخابية ولو من الابواب الخلفية ، ولكن ، ورغم كل ذلك هي على يقين بان الناس لو خيرت بينها وبين من ينافسها فانها سوف لن تختارها حتما ، من اجل ذلك فهي لا تدخل العملية الا وهي آمنة ، بمعنى الا وهي قادرة على فلترة العملية الانتخابية بمجملها وتصفيتها من اي طعم ولون ورائحة ومحتوى ، اي من كل خصائصها الفيزيائية والكيميائية التي يمكن ان تتفاعل وتعطي نتائج لا تريدها هي ، لتكون عملية خاوية الا من رموزها والتي ستفوز حتما بالتزكية لعدم وجود منافس ، لان المنافس الحقيقي قد استبعد مسبقا ، بمعنى ان الانتخابات قد حسمت مسبقا !
عدد مقاعد البرلمان القادم 325 مقعدا ، ولعبة الكراسي البرلمانية هذه تتمركز على الاعداد وتناسبها بين الاكثرية والاقلية ، اي بين من له حق السلطة التنفيذية وبين معارضتها وهذا باختصار هو خلاصة الدوافع التنافسية بين المتنافسين ، فاذا حصلت الاحزاب الطائفية والعنصرية على 250 مقعدا ـ موزعا على جنباتها ، بين الاحزاب الشيعية والعنصرية الكردية والاسلامي والوقف السني ـ فالمتبقي سيكون 75 مقعدا موزعة على قوى تعارضها وهي قائمة علاوي والمطلك وقائمة البولاني وقائمة التغيير لنيشروان مصطفى وبعض المستقلين والكتل الصغيرة ، فان الامر على مايرام ولكن اذا حصلت مفاجئات ونالت القوائم المعارضة على ضعف هذا العدد اي حوالي 150 مقعدا فمعنى هذا انها بالكاد مجتمعة ستحصل على 175 وهنا مكمن الخطر لان المعارضة ستكون شديدة وقادرة على اجهاض التوجهات بعيدة المدى لديها ، فبحسب قانون مجلس النواب ان اغلب القرارات ذات الطبيعة السيادية وا لاستراتيجية تتطلب موافقة الثلثين وفي هذه الحالة ستصبح الاغلبية مشلولة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان تواقيع خمسون نائبا على لائحة استدعاء وسحب الثقة ستكون سارية المفعول اي انه بامكان المعارضة تنغيص يوميات اي تشكيل حكومي لا يروق لها ، الى جانب ان الاحزاب الطائفية والعنصرية تحسب الحساب لاي انفلاش تحالفي بين اركانها لان تحالفاتها ليست نقية مئة بالمئة ففيها احزاب وتكتلات دخلت معها بدوافع برغماتية قابلة للتغير امام اي خلافات حقيقية ومشاكل حادة ، بمعنى يمكن ان يخرج منها نوابا عن الصحوات او الفضيلة او بعض المستقلين الاكراد او التركمان او من الاقليات الاخرى وهذا ما يهدد حتى اغلبيتها البسيطة ، وعليه فهي تناضل وبكل الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية ، السرية والعلنية ، من اجل ان لا يتجاوز المعارضون الرقم 75 ، طبعا هي تتمنى ان لا تحصل المعارضة على اي شيء ، لكن ليس كل ماتتمناه يتحقق ، ونحن هنا لا نريد ان ننكر عليها واقعيتها !

ليس فلتر هيئة الاجتاث سيئة الصيت والتي تسمى حاليا بهيئة المساءلة والعدالة الا اخر معالجات الغربلة المتسلسة بدءا بالمفوضية المسماة تجاوزا بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وقوانين عملها المتذبذبة في جوهر تحاصصي لمكونات عناصرها والتي نظمت بحسابات بريمرية دقيقة تشبه حسابات مجلس الحكم ، وايضا التدخلات الفضة للاحزاب الحاكمة في شؤونها بسبب من غياب القضاء المهني المستقل ، مرورا بقانون الانتخابات المفصل على مقاسات احزاب السلطة ، وبغياب قانون للاحزاب يقيد سلوكها المخل والمتعارض مع روح الديمقراطية وقبلها مع الروح الوطنية ، حيث الولاء للدول الممولة والبلاء للعراق وشعبه ، اضافة الى استغلالها السلطة واجهزتها ـ الوزارات الجيش والشرطة والميليشيات والمال والاعلام العام ـ من اجل التاثير على خيارات الناخبين بالترغيب تارة وتارة بالترهيب ، اي ان مقصلة الاجتثاث هي اخر اوراق التصفية في حساباتهم ايمانا منهم بان اخر التطبيب هو الكي !
قبل موعد الانتخابات العامة بشهرين تعلن هيئة اجتثاث البعث عن منعها 14 كيانا مرشحا للانتخابات العامة بسبب انطباق قوانين الاجتثاث عليها ، وبحسب تصريحات السيد خالد الشامي مسؤول القسم الثقافي والاعلامي في هيئة الاجتثاث فانه وبحسب المادة السابعة من الدستور التي تنص على شمول كل من يروج ويدعم ويدافع عن حزب البعث بالاجتثاث ، اي بالحرمان من كامل حقوقه المدنية المقرة بالدستور ايضا ، ومن بين هذه الكيانات جبهة الحوار الوطني ومسؤولها صالح المطلك اضافة الى اسماء وكيانات اخرى معروفة بمواقفها الوطنية ونقدها المتواصل للتجاوزات الايرانية وتصديها للقوى الطائفية والعنصرية صاحبة النفوذ في العراق ومن ضمنها الشخصية المرموقة نهرو عبد الكريم الكزنزاني !
الملفت هنا ان هذا الاعلان يأتي بعد اسبوع من اتهام المطلك لسياسة المالكي بالطائفية ، وبعد يوم واحد من زيارة منوشهر متكي وزير الخارجية الايراني لبغداد ، والغريب في الامر ان السيد صالح المطلك هو نائب منتخب بالبرلمان الحالي وعضو اعلى هيئة سياسية وامنية في البلاد ـ المجلس السياسي للامن الوطني ـ وسبق وان عرضت عليه مناصب وزارية قام برفضها ، هذا السلوك الغريب بل والشاذ يؤكد ما ذهبنا اليه ، فالاحزاب الطائفية والعنصرية عندما لا تنجح بضمان فوزا مؤكدا وتشعر بمخاطر نمو التيار المغاير لها كالمطلك والبولاني ونهرو عبد الكريم وغيرهم فانها لا تتوانى على مناقضة قوانينها واعرافها وعلى التراجع عن مواقف سابقة لها من اجل الاطاحة بمن يتقدم بمشروعه الى السلطة وهو واثق الخطى بسبب من رايته المعاكسة والتي لا غبار على شعبيتها المتزايدة على حساب المشروع الطائفي العنصري المتحاصص والماسك بزمام السلطة والعازم على البقاء فيها مستخدما بهذا الاتجاه كل الوسائل غير الشريفة وغير القانونية بما فيها التصفيات السياسية والشخصية !
نوبة قلق متصاعدة تعاني منها الاحزاب الطائفية والعنصرية التي تتحاصص الحكم في العراق وتحديدا ـ إئتلاف الحكيم وقائمة دولة القانون والتحالف الكردستاني ـ كلما اقترب موعد الانتخابات العامة ، وكما يقال فان جلدها يحكها نتيجة لاستشعارها بالانحدار ، ورب ضارة نافعة لان ما يصدر عنها هذه الايام يساهم بفضح زيف ادعاءاتها ، ويجعلها عارية من اغلب اوراق التوت المتسترة بها !