اللقاء الدولي الأول للأحزاب اليسارية: نحو الأممية الخامسة


فنزويلا الاشتراكية
2010 / 1 / 11 - 17:53     

عقد اللقاء الدولي الأول للأحزاب اليسارية في العاصمة الفنزويلية كاركاس في الفترة بين 19-20 نوفمبر (تشرين الثاني) بحضور 150 مندوباً من قرابة 40 بلداً، ولم يكن اللقاء لمجرد اللقاء بل لوضع خطط عمل ولتلقي مطلب تاريخي أطلقه الرئيس تشافيز خلال أعمال المؤتمر.

وكان من بين الحاضرين شخصيات مناضلة عديدة، لم يكن أبرزها بل أكثرها إثارة للفضول، من جهة الاستماع لآرائه، هو حفيد الرئيس الشهيد سلفادور ألليندي، الشاب غونزالو ميسا ألليندي الذي اعتبر أن "الولايات المتحدة، كما فعلت مع التشيلي خلال الانقلاب ضد سلفادور ألليندي، الذي انتهى باغتيال الرئيس التشيلي، تحاول اليوم تطبيق ذات الوصفة ضد رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية، هوغو تشافيز، لذلك تحاول محاصرة البلد عسكرياً."
كما أشار لمسألة تاريخية خاصة بالقارة اللاتينية، وهي أن الإمبراطورية "نادراً ما تدخلت عسكرياً بشكل مباشر، باستثناء تدخلها في دول صغيرة كبنما وغيرنادا وجمهورية الدومينيكان، ولكن مع بلد كفنزويلا، في السياق العالمي الجديد، لن تجرؤ على التدخل مباشرةً." بمعنى أنها ستستخدم الأدوات المحلية البرجوازية لتنفيذ أهدافها وربما هذا ما يدفع فنزويلا بثورتها البوليفارية إلى عدم الانحسار أو التقوقع بل الانفتاح الأممي لتنسيق الجهود الثورية وأيضاً للنجاح بحماية ثورتها التي أثبتت كما يرى ألليندي "كما حدث في بلدي، أن الاشتراكية يمكن أن تبنى في الديمقراطية والسلام ومراعاة واقع كل بلد دون حاجة لاستنساخ النموذج السوفييتي كما لو أننا ننصب برنامجاً إلكترونياً." وشدد على أهمية الديمقراطية الفنزويلية "في فنزويلا، المواطنون يسشتارون ليس فقط لاختيار الموظفين الحكوميين في وقت الانتخابات، لكنهم أيضاً قادة في شؤون ذات أهمية هائلة، كإمكانية تعديل أو تغيير دستور الجمهورية أو إبطال ولاية حاكم ما."

نتج عن اللقاء المذكور "إلتزام كاركاس" الذي ورد في مقدمته:
"الأحزاب والمنظمات السياسية في أمريكا اللاتينية والكاريبي وأوروبا وأفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا تحيي وتحتفل بالاتحاد والتضامن الذين جمعانا سويةً في كاركاس في جمهورية فنزويلا البوليفارية، ومن هذه المدينة التحررية نود أن نعبر عن تمردنا الثوري. نحن مسرورون وملتزمون بالحضور الرائع لقوى التغيير في لحظة تاريخية خاصة. كما أننا، فخورون بإعادة تأكيدنا على ثقتنا بنشر بذور وتنمية والظفر باشتراكية القرن الواحد والعشرين.."
".. نعتبر أن النظام الرأسمالي العالمي يمر بواحدة من أشد أزماته، التي هزت أساساته وجلبت معها نتائج تعرض الإنسانية للخطر. كذلك، فإن الرأسمالية ومنطق رأس المال، يدمران البيئة والتنوع الحيوي، جالبين نتائج الاحتباس الحراري والتغير المناخي ودمار الحياة."

كما جاء فيه العديد من النقاط الهامة التي لن نوردها مختزلة ولن نورد أهم ما جاء فيها، لأن جميعها مهمة، لكننا سنورد بعضاً منها:
1- إدانة وتعبئة ضد القواعد الأمريكية العسكرية:
بتشكيل لجنة تعبئة دولية تتألف من أحزاب يسارية وناشطين اجتماعيين وفنانين بغية رفع الوعي لدى الشعوب بإقامة منتديات واجتماعات شعبية وتأسيس منتدى قانوني دولي لتحدي القواعد العسكرية الأمريكية وكشف لا شرعية هكذا ممارسات تتعرض لاستقلالية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها. وتنظيم محكمة دولية ضد الميليشيات الكولومبية بتقديم الشهادات والأدلة لمنظمات العدالة الدولية وتنظيم محاكمة دولية ضد جورج بوش لجرائمه ضد الإنسانية في العراق وأفغانستان.

2- إقامة وتطوير منبر للعمل المشترك للأحزاب اليسارية في العالم:
بفتح مساحة بين الأحزاب والمنظمات اليسارية والتقدمية لتنسيق السياسات المقاومة للاعتداءات ضد الشعوب كالاعتداءات ضد الحكومات المنتخبة ديمقراطياً وإقامة القواعد العسكرية. إضافة إلى الدفاع عن حقوق المهاجرين والسلام والبيئة والفلاح والعامل والسكان الأصليين وذوي الأصول الإفريقية.
تشكيل سكرتارية تنفيذية مؤقتة:TES للإعلام عن أحداث العالم ولتحديد خطط عمل: بيانات وإعلانات وإدانات وتعبئات ومراقبات وخطوات أخرى يتم إقرارها. ووضع أجندات لنقاش أيديولوجي دائم حول بناء الاشتراكية. تنظيم تضامن شعوب العالم مع الثورة البوليفارية والرئيس تشافيز كرد على الهجمات الإمبريالية المستمرة.
قيام الأحزاب بأقصى ما تستطيع لإحياء احتفالات يوم الثامن من مارس (آذار) يوم المرأة العالمي وتنسيق اجتماعات في أبريل (نيسان) في كاركاس 2010 بالذكرى المئوية الثانية لاستقلال أمريكا اللاتينية والكاريبي.

3- تنظيم حركة دولية للمناضلين لأجل ثقافة سلام:
بالترويج لإنشاء قواعد سلام من قبل مناصري السلام وإقامة منتديات ونشاطات ثقافية ونقاشات لترويج السلوك الأخلاقي المعادي للعنف. والمشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والاعتراف بالهويات الثقافية لشعوبنا وتعزيز إطار العمل التكاملي.
تنظيم برلمان سلام كمساحة سياسية لتبادل المساعي المشتركة بين البرلمانيين اليساريين والتقدميين.

4-حشد تواصل دولي لإطلاق الوعي الثوري:
مناقشة سياسة التواصل الإقليمية لتحسين المعركة الإعلامية ونشر القيم الاشتراكية بين الشعوب والترويج لخلق وتعزيز وسائل الإعلام البديلة والأهلية لكسر الحصار الإعلامي والترويج لمكتب تنسيق إعلامي بديل يساري عالمي.
إقامة موقع إلكتروني لكل الأحزاب والحركات التقدمية واليسارية في العالم. الترويج لحركة فنانين وكتاب وصانعي أفلام لترويج وتطوير مهرجانات الأفلام بأنواعها التي تعكس تقدم ونضال الشعوب في الثورة.
عقد اجتماع أو منتدى دولي للإعلام اليساري البديل.

5- تعبئة كافة المنظمات الشعبية في دعم غير مشروط لشعب الهندوراس:
الترويج لمحاكمة دولية ضد الانقلابيين ورفض الاعتراف بالانتخابات.

6-التضامن مع شعوب العالم:
المطالبة بإطلاق سراح الأبطال الكوبيين الخمسة ونداء لكل الأحزاب اليسارية العالمية لزيادة الضغط لتحريرهم مباشرة. رفع الحصار الجائر عن كوبا. والاتحاد مع شعب هاييتي في نضاله لعودة رئيسه المنتخب. ورفض عمليات الخصخصة في المكسيك.
التضامن مع الشعب الكوبي، ورفض التهديدات ضد شعب البارغواي ومذبحة الشعب الفلسطيني والاحتلال غير الشرعي لجزء من الصحراء الغربية واحتلال العراق وأفغانستان الذي يمتد اليوم لباكستان.

وختم البيان بقرار خاص، استجابة لنداء تاريخي أطلقه الرئيس تشافيز جاء فيه:
”إن اللقاء الدولي الأول للأحزاب اليسارية الذي عقد في كاركاس بين 19-20 نوفمبر(تشرين الثاني) 2009 قد تلقى مقترح القائد هوغو تشافيز للدعوة للأممية الاشتراكية الخامسة كفضاء للأحزاب ذات التوجه الاشتراكي والمنظمات والتيارات حيث يمكننا أن ننسق إستراتيجية مشتركة للنضال ضد الامبريالية وإسقاط الرأسمالية بالاشتراكية والتكامل الاقتصادي على أساس التضامن من نوع جديد. لقد قيّمنا المقترح من ناحية بعده التاريخي الذي يدعو إلى روح أممية جديدة واتفقنا بغية تحقيقه في المدى القريب على تشكيل مجموعة عمل تتألف من الأحزاب والتيارات الاشتراكية والحركات الاجتماعية التي تؤيد هذه المبادرة لإعداد جدول أعمال يعرّف أهداف ومحتويات وآليات هذا الجسم الثوري العالمي.
ندعو إلى تأسيس مبدأي في أبريل (نيسان) 2010 في مدينة كاركاس. بالإضافة لذلك، فإن الأحزاب والتيارات الاشتراكية والحركات الاجتماعية التي لم تتخذ موقفاً حول هذه القضية بإمكانها أن تخضع هذا المقترح للبحث من خلال هيئاتها الإدارية الشرعية.“

"إنني أتحمل المسؤولية أمام العالم. أعتقد أنه قد حان الوقت لعقد الأممية الاشتراكية الخامسة. وأتجرأ على القيام بالنداء، الذي أعتقد بأنه ضروري، أتجرأ بطلب قيام مقترحي." بهذه الكلمات، أطلق القائد تشافيز مبادرته التاريخية لبدء النضال الاشتراكي الأممي مرحلته الجديدة، فلقد آن الأوان لتجاوز الإخفاقات السابقة والمضي نحو "الأممية الجديدة التي ستعمل دون إملاءات وعليها أن تراعي التنوع."

هذا المطلب التاريخي، استجاب له فوراً عدد من الأحزاب السياسية في أمريكا اللاتينية ومنها: الجبهة الساندينية للتحرير الوطني (نيكاراغوا) التي قال القيادي فيها دي إسكوتو: "ما من وقت لنخسره.. علينا أن نغلب تيار الانهزامية، لاحظت مراراً تياراً من الانهزامية بين رفاقنا في اليسار حول المهام التي نواجهها"، جبهة فرباندو مارتي للتحرير الوطني (السلفادور)، حركة نحو الاشتراكية (بوليفيا)، حركة البلد (الإكوادور)، المقترح لمجتمع بديل (التشيلي)، التحالف الاشتراكي (استراليا).

كما أعلنت بعض الأحزاب بأنها ستنظر في الأمر من خلال المراجعات الحزبية منها حزب اليسار الألماني (دي لينكه) وكتلة اليسار البرتغالية. أما حزب العمال البرازيلي فلقد اعترض على مبدأ أن الأممية الاشتراكية ستجعل النضال محصوراً بين الاشتراكيين مما يعني استبعاد قوى اجتماعية هامة يمكن لها أن تحمل وزناً مؤثراً، ولهذا أعلن الحزب بأنه سيتابع التزامه بالمنتدى الاجتماعي الذي أسسه في العام 1990 والذي يضم فيه أحزاب ومنظمات سياسية من كل أطياف اليسار ومن بعض قوى الوسط.

أما المفاجأة غير المفاجئة فكانت من الحزب الشيوعي اليوناني والحزب الشيوعي البرازيلي الذين عارضا الفكرة بشكل شديد، ليؤكدا على الصورة النمطية للعديد من الأحزاب الشيوعية التقليدية.

وكان الغائب عن أعمال المؤتمر هو منظمات ثورية من الولايات المتحدة الأمريكية وهو الأمر الذي نبه إليه الرئيس تشافيز بهدف تصحيحه.

كما استعرض الرئيس تشافيز تاريخ الأمميات، التي بدأت مع كارل ماركس في العام 1864 بشعارات الاتحاد العمالي، والأممية الثانية التي أطلقها رفيق درب كارل ماركس فريدريك أنجلس في عام 1889 بعد وفاة ماركس، والتي انقسمت على نفسها بعد تأييد أحزاب وتيارات اشتراكية للحرب العالمية الأولى، مما دفع الاشتراكيين العلميين للانفصال عنها وأسسوا لاحقاً بقيادة لينين وتروتسكي الأممية الثالثة في عام 1919 التي سرعان ما فقدت دورها فيما بعد وقال عنها الرئيس تشافيز أنها "تفسخت تحت الستالينية وخانت النضالات نحو الاشتراكية في العالم." أما الأممية الرابعة التي أسسها تروتسكي في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي فلقد غابت تماماً ولم تلعب الدور المطلوب منها، رغم أنها لا تزال موجودة حتى الآن، وقد صدر من قياداتها ردود ايجابية جداً في حقيقة الأمر حول الدعوة لتأسيس الأممية الاشتراكية الخامسة.

منذ دعوة الرئيس تشافيز وإطلاقه للمبادرة التاريخية قيل وكتب الكثير عن هذه الأممية، وسيقال وسيكتب أيضاً الكثير عنها مع انطلاقتها التي يرجح حتى الآن بأنها ستكون في شهر أبريل (نيسان) من العام 2010 والأحزاب التي طلبت وقتاً للبحث في الموضوع والأحزاب التي لم تحضر لقاء الأحزاب اليسارية الدولية الأول هي كلها مدعوة للبحث فيها والالتحاق بركب الأممية الاشتراكية الجديدة. وهو ما سنتابع تطوراته مستقبلاً.