الشهيد عبد اللطيف زروال قائد الحركة الماركسية اللينينية المغربية


امال الحسين
2004 / 6 / 25 - 05:23     

يقول الشاعر الكبير أمل دنقل :" ليس من يكتب بدم القلب كمن يكتب بالحبر " .
و يقول الشهيد عبد اللطيف زروال في حق أبيه : " ..أنت أبي الذي صنعتني ثوريا .."
و يكتب الشهداء صفحات التاريخ بدم القلب ، يكتبون بطولات تاريخية لا تنمحي فداء للوطن و دفاعا عن حرية الشعوب ، و ليس من السهل الكتابة بدم القلب ...
ففي الوقت الذي يتم فيه الهجوم على مكتسبات حركة التحرر الوطني خلال الستينات من القرن 20، استفاقت البورجوازية المتوسطة .... وفتحت جفونها لتمتطي كراسي الذل و الهوان ، و غضت الطرف عن صيحات جماهير العاملات و العمال و الفلاحات و الفلاحين الفقراء و الكادحين... استفاقت على شهوة الحكم لتحول آمال الشعوب إلى كوابيس تطارد المقاومين و تحارب المناضلين ... و يكتب شهداء التحرر الوطني صفحات من التاريخ المجيد، و يكتبون بدم القلب ...
الشهيد القائد عبد اللطيف زروال أحد هؤلاء الذين كتبوا يوما بدم القلب فداء للوطن و التحرر و الديمقراطية و الاشتراكية ، في أحد أيام نونبر من سنة 1974 قدم الشهيد روحه الزكية دفاعا عن مباديء الحرية و من أجل بناء مجتمع اشتراكي ينمحي فيه استغلال الإنسان للإنسان ...
زروال الذي كرس حياته من أجل وضع أسس بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين في مواجهة البورجوازية و الامبريالية .
الشهيد زروال قائد الحركة الماركسية اللينينية المغربية و مؤسسها " تحت نيران العدو" كما تقول الوثيقة المرجعية التاريخية و الايديولوجية ل "منظمة إلى الأمام" " لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو " :
" لقد أظهر لنا لينين فيما قبل أن تطور الوعي الثوري لدى الطبقة العاملة , لا يمكن أن يتم إلا بتحريك كل طبقات الشعب...., فبالأحرى في بلد كالمغرب, حيث يتكون ثلثا السكان من الفلاحين, وحيث لا تكون الطبقة العاملة نفسها إلا قسما قليلا من مجموع سكان المدن. إذن يمكننا الوصول إلى الهدف الاستراتيجي المتمثل في إنطلاق الحرب الشعبية, التي توجد من بين شروطها الأساسية إنطلاق النضالات السياسية والثورية لجماهير البوادي, ويبقى نمو هذه النضالات نفسه مرتبطا بنمو النضالات في المدن, في نفس الوقت الذي يكون عاملا قويا للدفع بتبلور الوعي البروليتاري, ولبناء قيادة الطبقة العاملة في الجبهة الثورية للعمال والفلاحين. ومرة أخرى فإن بناء جبهة ثورية كهذه وبناء قيادة بروليتارية, ليس بناء اليا, اكاديميا : إعطاء العلم من المثقفين إلى العمال ومن جماهير العمال إلى جماهير الفلاحين, هذا البناء هو تحريك دياليكتيكي للعناصر المتقدمة أكثر التي تتأصل وتتجذر اليوم موضوعيا داخل قوى الشباب وداخل مجموع الجماهير الثورية في البلاد, أي داخل جماهير الفلاحين وفي نفس الوقت داخل الطبقة العاملة ".
إن الشروط الموضوعية للنضال الثوري الذي من أجله ناضل الشهد القائد عبد اللطيف زروال مازالت قائمة اليوم و إن اختلفت معالمها ، فإن أسباب النضال الثوري قد تعمقت في ظل هجوم العولمة الليبرالية المتوحشة و وكلائها.

يقول أحد رفاق الشهيد زروال :
" تذكرت غبطتك بالحياة ، و أيضا عزمك و صرامتك في النضال ، هاتين الميزتين اللتين تحليت بهما إلى حد الاستشهاد ... يا معلمي/ فضلك علي كبير ، ولكن كونك معلمي هي العلامة التي بقيت محفورة في داخلي بعمق أكبر ، فرغم كل سنوات النضال، و أي نضال ، بقيت بورجوازيا ، و رغم صعوبات السرية الجمة جعلتني أكتشف بفضلك ... الواثق أدق حركات السلوك البروليتاري ، العناية التي توليها لأبسط الأشياء في الحياة اليومية ، الانضباط الذاتي أصبح طبيعيا ، قيامك التلقائي باسط الأعمال في الحياة الجماعية ، و في كل هذا كنت تتصرف بظرافتك المعهودة..."
الشهيد القائد زروال وكما يشهد بذلك من عاصروه من المناضلين ، كان مناضلا محنكا يمتلك القدرة على الإقناع بفضل تكوينه و حركيته ، استطاع الإلتحاق بقيادة "منظمة إلى الأمام" و هو لا يتجاوز من العمر 19 عاما في سنة 1970 ، و ساهم بشكل كبير في وضع الأسس النظرية للحركة الماركسية االينينية المغربية ، و تم اختطافه يوم 5 نونبر 1974 من طرف الأجهزة السرية البوليسية المغربية ، و تعرض للتعذيب الوحشي نتيجة صموده في وجه الجلادين وكيف لا و هو من صاغ كراس : " كيف نتجاوز القمع و نصمد في وجهه " .
كان والده المقاوم الحاج عبد القادر زروال أول من تعرض للتعذيب النفسي بعدما تم اختطاف الشهيد عبد اللطيف زروال بشارع الزرقطوني بالبيضاء ، حيث تمت مداهمة منزله من طرف الأجهزة البوليسية بمدينة برشيد و اعتقلته هو و أم الشهيد ، لتقودهما إلى المعتقل السري المشؤوم درب مولاي الشريف الذي يوجد به الشهيد معتقلا و يتعرض للتعذيب تحت مسامع والديه ، و في يوم 14 نونبر 1974 استشهد القائد عبد اللطيف زروال تحت التعذيب الوحشي للجلادين ، و لم يستطع والده التأكد من مصيرالشهيد إلا أثناء محاكمة رفاقه سنة 1976 الذين أكدوا خبر استشهاده ، حيث تم نقل جثمانه إلى مستشفى ابن سينا بالرباط على أنه مات موتا طبيعيا تحت اسم عبد اللطيف بن عبد القادر المزداد بتافراوت على عكس هويتة المعروفة ب "عبد اللطيف زروال" المزداد ب "برشيد"، من هنا يتضح مدى استعداد النظام المخزني خلال سنوات الرصاص لاقتراف أبشع الجرائم على وجه الأرض ضد المناضلين الماركسيين الذين يرى فيهم عدوه الذي يهدد لكيانه .
فمنذ الإنتفاضة الشعبية في 23 مارس بالبيضاء فرض النظام المخزني حالة الاستثناء و سلط القمع على مناضلي الحركة الماركسية اللينينية خلال سنوات السبعينات و الثمانينات ، و تعتبر تجربة "منظمة إلى الأمام" من بين التجارب الرائدة إن على مستوى الزخم النضالي و تضحيات المناضلين أو على مستوى الإبداع الفكري و النظري ، و عرفت المنظمة عدة مراحل متميزة من تاريخها النضالي و هي :
ـ مرحلة النشأة الممتدة بين غشت 1970 و نونبر 1974 :
التي عرفت بلورة النظرية الماركسية اللينينية في صفوف مناضليها كهوية ايديولوجية و سياسية ، في مواجهة الفكر البورجوازي الليبرالي و الامبريالية الرأسمالية من أجل بناء المجتمع الاشتراكي كمجتمع انتقالي من النظام الرأسمالي إلى النظام الشيوعي ، و شكلت وثيقة "سقطت الأقنعة ، فلنفتح طريق الثورة " الأرضية الايديولوجية و السياسية التي تم اعتمادها بعد الانسحاب من حزب التحرر و الاشتراكية ، كما شهدت هذه المرحلة اعتقالات واسعة في صفوف الحركة الماركسية اللينينية المغربية و خاصة قيادات "منظمة إلى الأمام" و من بينهم الشهيد القائد عبد الطيف زروال ، الذي ساهم بشكل كبير في وضع الأسس الايديولوجية و السياسية للمنظمة و على رأسها :
ـ تشخيص التناقضات الأساسية للمجتمع المغربي .
ـ مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية .
ـ الجبهة الوطنية الديمقراطية الشعبية .
ـ الدور المركزي للطبقة العاملة في التغيير .
ـ مفهوم الكفاح الجماهيري المنظم و الطويل النفس .
ـ مفهوم بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين .
ـ المرحلة الثانية و الممتدة من نونبر 1974 إلى أوائل 1976:
التي واصل فيها ما تبقى من المناضلين خارج الاعتقال نضالاتهم خاصة في صفوف الطلبة و المثقفين، و بالرغم من ضعف التواجد داخل الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين فإن عملهم كان متمركزا داخل الإطارات الجماهيرية و خاصة داخل النقابات العمالية و الطلابية و الجمعيات الثقافية ، و مواجهة النظام المخزني و ذلك بإبراز تناقضاته بالدعاية ضد المواقف المخزنية من قضية الصحراء ، إلى أن تم اعتقال ما تبقى من القيادات في نونبر 1976.
ـ المرحلة الثالثة و الممتدة ما بين 1976 و نهاية 1985:
التي عرفت عدة محاولات لإعادة البناء التنظيمي و إفراز قيادة ثانية للمنظمة ، كما عرفت محاكمة القيادة الأولى بعد نضالات مريرة داخل المعتقلات السرية توجت بالمحاكمة العلنية التي حولها الماضلون إلى محاكمة النظام المخزني ، حيث لم يقوموا بالدفاع عن النفس بقدر ما قاموا بالهجوم على النظام المخزني و فضحه و إبراز مشروعهم المجتمعي الثوري ، إلا أن الإعتقالات التي مست صفوف المنظمة في نهاية 1985 قد حالت دون إعادة البناء التنظيمي.
وتعتبر وثيقة "سقطت الأقنعة ، فلنفتح الطريق للثورة " الوثيقة الايديولوجية و السياسية ل "منظمة إلى الأمام" التي ساهم في إنجازها بشكل كبير الشهيد القائد عبد اللطيف زروال ، و تعتبر الأطروحة الثورية الكفيلة بإنجاز مهمة بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين و تشتمل على :
ـ موقع حزب التحرر و الاشتراكية كامتداد للحزب الشيوعي المغربي بين تكتل الأحزاب البورجوازية الوطنية .
ـ مواقف الحزب التي تعبر عن الروح الطبقية البورجوازية و التي لا تختلف عن مواقف السياسيين البورجوازيين العرب المتخاذلة اتجاه قضايا الشعوب و على رأسها القضية الفلسطينية.
إنطلاقا من وضعية الحزب هذه لم يبق أمام المناضلين الثوريين بداخله إلا الإنسحاب و بناء حركة ماركسية لينينية في أفق بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، و من أجل ذلك تم تشخيص التناقضات الطبيقية بالمجتمع المغربي و إبراز القوى الثورية المتواجدة بالمغرب ، و هكذا تقسم الوثيقة الطبقات في المغرب إلى ثلاث طبقات رئيسية و هي
ـ الأوليغارشية الكومبرادوري :
تملك القرار السياسي و الاقتصادي و مدعومة من طرف الرأسمال المركزي و تمارس نظام الحكم المطلق حفاظا على مصالح الرأسمالية، و التي يعتمد على الأجهزة البوليسية السرية و العلنية في قمع الحركات الاجتماعية لضمان استمراريتها في الحكم .
ـ البورجوازية الليبرالية :
و تتكون من البورجوازية المتوسطة و الصغيرة و تشتمل المقاولين الصناعيين المتوسطين و الصغار و التجار المتوسطين و البورجوازية القروية المكونة من الفلاحين الأغنياء و صغار و متوسطي الملاكين ، و هذه الطبقة معاني من الاضمحلال نظرا لطغيان الحكم المطلق للأوليغارشية الكومبرادورية ، كما تشمل هذه الطبقة البورجوازية الصغرى وهي تتكون من أصحاب المهن الليبرالية أي المثقفون ، أساتذة التعليم الثانوي و المعلمون ، و كذا طلبة الجامعات و التقنيون المتوسطون و الموظفون الصغار و المتوسطون و صغار التجار و الصناع التقليديو المتوسطون باستثناء الفئات العليا التي تساهم فعلا في بناء البورجوازية البيرقراطية، و هاتين الطبقتين مهددتين بالإفلاس جراء سياسة النهب التي تمارسها الأوليغارشية الكومبرادورية .
ـ الجماهير الكادحة :
و تتكون من البروليتارية الصناعية و المعدنية والفلاحية و الفلاحون الفقراء و الخماسة و العمال المؤقتون و عمال الموقف و الباعة المستقلون و المستكتبون و الحرفيون الصغار و البروليتاريون العاطلون و النساء و مجموع شبه البروليتاريا .
و تعتبر الوثيقة البروليتارية الصناعية و المعدنية القوة الأساسية للثورة و أما الفئات الأخرى من البروليتارية الفلاحين الفقراء فتكون القوة الحاسمة للثورة .
و وضعت الأسس النظرية للثورة بالمغرب انطلاقا من :
استراتيجية الثورة :
تربط الوثيقة القضايا الإستراتيجية للثورة بالمغرب بالإستراتيجية الثورية العربية المرتبطة بدورها بالثورة العالمية ، و تعطي امكانية قيام الثورة خلال السنوات القادمة انطلاقا من معطيات تحليل القوى المتواجدة بالمغرب و النضالات الهامة للطبقة العاملة وأزمة الرأسمالية على الصعيد العالمي ، كما ترى احتمال التدخل الامبريالي ضد الثورة نظرا لموقع المغرب في الاستراتيجية الامبريالية .
دور الحزب الثوري :
تعطي الوثيقة الإهمية القصوى للحزب الثوري للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين الذي يعتمد الايديولوجية الماركسية اللينينية المندمجة في الواقع الملموس للبلاد و للثورة العربية ، و تعتمد الهيكلة الحزبية المركزية الديمقراطية بالتفاعل الإيجابي بين القمة و القاعدة و بين النظرية و التطبيق ، و اعتماد السرية التامة من طرف المناضلين على أساس الممارسة النضالية الملموسة و النقد و النقد الذاتي و نبد كل نزعة فردية خدمة للثورة .
و كان للشهيد القائد عبد اللطيف زروال الدور الهام في ترسيخ أسس البناء النظري و التنظيمي للحركة الماركسية اللينينية المغربية في مرحلتها الحاسمة و هي مرحلة التأسيس ، و نظرا لدوره الفعال في بلورة الفكر الماركسي اللينيني انطلاقا من التحليل الملموس للواقع الملموس و إدماج التجارب الثورية الماركسية الناجحة و خاصة التجربة الصينية و نقد التجربة السطالينية و الأحزاب التابعة لها ، لم يبق أمام النظام المخزني باعتباره نظاما دمويا إلا اختطاف الشهيد و اغتياله في ظروف القمع الأسود المسلط على مناضلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، و ها نحن اليوم نحيي ذكريات الشهداء في ظل تملص النظام المخزني من إجلاء الحقيقة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و ذلك بمحاولة الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية و الاقتصادية ، و يبقى إحياء ذكريات الشهداء مناسبة لفضح السياسات الليبرالية التبعية الممخزنة و المطالبة بالحقيقة و الإنصاف.
تارودانت في : 6/6/2004
امـال الحسيـن