شكو ماكو يا دولة رئيس الوزراء ؟


جمال محمد تقي
2010 / 1 / 5 - 19:04     

بعد ان احتلت القوات الايرانية بئر الفكة النفطي وبعد ان قررت منع اي استثمار عراقي له من خلال اطلاق النار على اي عراقي يقترب منه ، وبعد ان اخذ المالكي على حين غرة من شريكه اللدود ـ الائتلاف الوطني ـ وبعد ان زار عمار الحكيم دمشق وصرح وهو بين يدي الاسد ، قائلا : "ان العراق يشكر سوريا حكومة وشعبا على وقفتها المخلصة مع قضايا العراق وشعبه . . " وبعد ان اعلن ابراهيم بحر العلوم ان الائتلاف الوطني بقيادة الحكيم سوف ينحى منحى نفطي مختلف عن عقود ومناقصات ومزادات النفط الشهرستانية ـ نسبة لوزيرالنفط الحالي حسين الشهرستاني حليف قائمة المالكي في الانتخابات القادمة ـ بحيث سيكون لكل عراقي سهم وارباح في شركة استثمارات نفطية عراقية خاصة ليكون لكل عراقي حصة من الثروة النفطية ، وطبعا ليس اصلح من ابراهيم بحر العلوم لمنصب وزير النفط في الحكومة القادمة التي ستنفذ هذا الوعد الانتخابي !
بعد كل هذه التطورات اشر مؤشر البورصة الانتخابية على ارتفاع اسهم عمار الحكيم وحلفه على اسهم قائمة دولة القانون التي يتزعمها رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي !
بعد كل هذا راح الكثير من العراقيين يتسائلون بماذا سيرد المالكي على هذا التحدي ؟ وحتى لا يكون السؤال محرجا ومباشرا ومستفزا طرحوه بصيغة ـ شكو ماكو يا مالكي ؟
انه نفس السؤال الذي تكرر بعد انفجارات الثلاثاء الدامي التي هزت بغداد وجعلت الحرائق موزعة بعناية نوعية على جهاتها الاربعة والتي راح ضحيتها المئات من الابرياء العراقيين بين قتيل وجريح ، فقدت حكومة المالكي الكثير من مصداقيتها فما كانت تعتبره اهم مكاسبا لها الا وهو الاستقرار النسبي للحالة الامنية في بغداد تحديدا تحول الى اهم نقاط ضعفها ، لاسيما وان خطة عمليات بغداد التي تتولى المسؤولية المباشرة على الامن فيها وبصلاحيات تكاد تكون مطلقة وبمعزل عن سيطرة وزارتي الدفاع والداخلية وبعيدا عن اي تنسيق مع جهاز المخابرات الذي كان يقوده ـ الشهواني ـ المستقيل ، وتخضع لها وفق خطة تطبيق القانون التي يتبجح بها حزب المالكي ، تنفذها قيادة مستحدثة تحت نفس الاسم مرتبطة مباشرة بمكتب رئيس الوزراء ، فهو من شكلها ومن عول عليها في سعيه لتلمس الشارع للفارق بين الحالة الامنية لبغداد في فترة ماقبل تولي المالكي لمنصبه والفترة التي شهدت توليه !
لكن الايام الدامية المتراكمة وتزايدها وبفترة وجيزة ، فترة قيام التحالفات والائتلافات استعدادا لخوض الانتخابات العامة والاستثنائية بأهميتها بحكم اقترانها بمباشرة الاستعدادات لتنفيذ جدول الانسحابات الامريكية المقررة بحسب الاتفاقية الامنية طويلة الامد بين العراق وامريكا ، جعلت المالكي محرجا وهو بموقف لا يحسد عليه ، فاذا كانت ضجته المفتعلة بخصوص اتهاماته لسوريا والبعث والتهديد بالمحكمة الدولية قد غطت على تداعيات الخروقات الامنية الكبيرة لمواقع حساسة في العاصمة يومي الاحد الدامي والاربعاء الدامي والتي ترافقت مع فبركات اعلامية حكومية تدعي النجاح في القاء القبض على اغلب الفاعلين وشبكاتهم التي كانت تخطط لعمليات جديدة فان خروقات الثلاثاء الدامي التي حدثت الاسبوع الماضي قضت تماما على اي امكانية جديدة للتغطية ، فالتوقيت حساس والقوى المتنافسة في الانتخابات هي ذاتها من يتعمد التقليل من شأن المالكي وحكومته لتستفيد هي انتخابيا من هبوط معنويات مؤيديه ، فعلاوة على الردة الغاضبة من قبل اغلب فئات الشعب وتحميل الحكومة مسؤولية الخروقات وضحاياها فان حلفاء الامس وخاصة الائتلاف الشيعي يحاول التصيد بالماء العكر على حد وصف المالكي نفسه ، طبعا الى جانب كل القوى الاخرى المتضررة اصلا من سياسات حكومته الانتقائية والاستئثارية والتي ادت بحسب نقاده الى فشل اي مسعى حقيقي للمصالحة الوطنية والى التخلي عن تجربة الصحوات التي كانت صمام الامان للاستقرار النسبي للامن حول العاصمة ، وتعطيل بل واذلال الكفاءات الاستخبارية والعسكرية والامنية الوطنية بحجة انتسابها السابق لحزب البعث ، وفوق كل هذا حماية المالكي لمن اثبت فساده من وزراء وقادة امنيين طائفيين تابعين لحزبه ، فتجد الاصوات ترتفع بين الفرقاء لاعتبار حكومة المالكي حكومة تصريف اعمال كي لا تستخدم المال العام واجهزة الدولة في حملاتها الانتخابية ، بل ان بعضهم ذهب ابعد من ذلك عندما طالب باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة طواريء مستقلة ، تشكيكا بنزاهة الحكومة !
في ظل هذه الاجواء المشحونة حاول المالكي امتصاص التداعيات والظهور بمظهر الواثق من نفسه ومن حكومته ، فبادر بنفسه للحضور الى البرلمان وتحدث لاعضاءه عن الحالة الامنية والاجراءات المتخذة ، وكان شرطه الوحيد للحضور ان تكون الجلسة سرية وهذا ماحدث فعلا ، وقبل الجلسة بيوم القى المالكي خطابا متلفزا كرر فيه اتهاماته التقليدية للبعثيين والتكفيررين ومسؤوليتهم عن التفجيرات ، وحذر كل قوى العملية السياسية من مغبة استخدام الحالة الامنية كورقة انتخابية مشيرا الى ان ذلك يؤدي الى سقوط الهيكل كله على رؤوس الجميع ، وتسرب عن جلسته في البرلمان انه وعد بتغيير القيادات في غرفة عمليات بغداد واسهب في شرح تكالب الاجندات الاقليمية والمحلية المتضررة من استقرار الوضع العراقي خاصة وان انتخابات مفصلية على الابواب وان الاختراقات الامنية في اغلبها تعود لقلة الخبرة والتنسيق والمتابعة بين مختلف الاجهزة المسؤولة عن الامن ، كذلك طالب كتل مجلس النواب بالمرونة ازاء اختياره القادم لمسؤول جديد لجهاز المخابرات الذي ظل مركز ادارته شاغلا منذ استقالة مسؤوله السابق الشهواني ، واكد المالكي في جلسته تلك على ضعف جهاز المخابرات العراقي وعدم قدرته على الاضطلاع بواجباته الجسيمة !
تسرب عن الجلسة ايضا ان المالكي حاول التقليل من شأن تغييب دور الصحوات في تردي الحالة الامنية ، وضمن كلماته العديد من المعاني التي تهم قادة الكتل المنافسة ، فهولم يتعرض للبولاني وزير الداخلية والذي يطرح نفسه كمنافس انتخابي له حتى على منصب رئاسة الوزراء لعلمه بان البولاني نفسه سيكون امام البرلمان في اليوم التالي واذا انتقص منه فان البولاني سوف لن يقصر عندما ياتي دوره خاصة وان البولاني اصر على ان تكون الجلسة التي سيحضرها هوعلنية ، ولمح المالكي الى ان تقصيرات حكومته لا تقتصر على حزبه فقط فالوزراء من كل الكتل الكبيرة وفسادهم هو فساد لها ، بمعنى ان الكل بالهوى سوى ، لذلك شدد على ضرورة تعزيز ما اسماه هو بالوحدة الوطنية ، وما يسميه اهل العراق بالشراكة بالغنائم ، فكل وزارة تابعة لحزب من احزاب الحيتان الحاكمة !
في الختام حاول المالكي استعادة الزمام مشيرا الى قضية هامة بالنسبة للنواب ولا يجب ان ينسوها وهي ان اغلب الملفات الامنية هي بأياد عراقية الان ، وان النواب اليوم ليسوا تحت رحمة الحماية المباشرة للامريكان وانما هم الان في المنطقة الخضراء التي سلمت امنيا للقوات العراقية التابعة لحكومته ، اليس ذلك انجازا ملموسا يحسه كل نائب ؟
هكذا انهى المالكي كلمته داعيا النواب للنظر حولهم في المنطقة الخضراء ، تسرب ايضا ان نواب الائتلاف تضامنوا على السكوت ، رغم تساؤلات بعضهم عن نوعية الاجراءات الجديدة لتامين السير الهاديء للانتخابات ، وعن مصير التحقيقات التي لا يعرف النواب عنها شيئا وصدقية ما يسمعوه في وسائل الاعلام ، وارتفع صوت لاحدهم محاولا اظهار مودته بعبارة مفادها : لابد لنا كنواب يا دولة رئيس الوزراء بصفتكم قائدا عاما للقوات المسلحة ان نعرف ـ شكوماكو ـ من مخاطر امنية محدقة واجراءات فعلية لمواجهتها من قبل الحكومة ؟ المالكي حاول من جانبه التاكيد على ان تزايد هذه الاعمال لا يجب ان تخيفهم ودعا الحضور للوقف الى جنب الحكومة في هذه الاوقات العصيبة واعدا اياهم بتقارير مفصلة سيزودهم بها مكتب رئاسة الوزراء !
هناك من قرص المالكي بالاستفسار منه عن سبب عدم حضور الوزراء الامنيين معه ، فاجاب سيأتونكم بعد الغد وبجلسة سرية ، الان وبعد ان اتضحت صورة المنافسة غير الشريفة بين المتنازعين على السلطة في العراق ، من حق الجميع ان يوجه السؤال التالي لحكومة المحاصصات الخاضعة لموازين الاحتلالين الامريكي والايراني ، ما هي اخبار القانون في دولة القانون يا دولة رئيس الوزراء ؟ وباختصار : شكو ماكو ، اشصار ، مو سويتو العراق طشار ؟ او كما تسائل اصحاب موكب العباسية : بالفكة دخلوا ليش جا وين الحرس والجيش ؟ والرد جاء مجلجلا من اهل الموكب نفسه حينما قالوا : لا تهتم يابوسكينة ترة أجر المحتل علينة !
بعد زيارته الاخيرة للمرجع السيستاني اعلن المالكي ان الايام القادمة ستشهد تفاهما مهما بين قائمة دولة القانون وقائمة الائتلاف ، ويبدو انه اقتنع الان بان ما حصل في انتخابات مجالس المحافظات من تقدم كبير لقائمته على حساب القوائم الاخرى غير قابل للتحقق بحكم تغير الكثير من المعادلات والامزجة ، فالامن لم يعد مكسبا يتبجح به ، ولم يستطع تحقيق شيء يذكر في مجال المصالحة الوطنية التي كان يعتبرها من اساسيات برنامجه الحكومي ، والفساد ازداد بما لا يقاس ، وبقيت معظم المشاكل المزمنة تراوح في مكانها ، فلا الدستور تعدل ، ولا الصحوات استوعبت ، ولا المحتلين ملتزمين بتعهداتهم ، والحكومة تجد نفسها عاجزة عن التصرف ازاء سلوكيات دول الجوار وتحديدا ايران التي تقطع المياه وتحتل الارض وتضايق الممر المائي الضيق اصلا للعراق على الخليج ، وتركيا التي تقطع المياه ، والكويت التي ترفض التعاون في مجال الديون والتعويضات والانصاف في رسم الحدود ومضايقاتها للصيادين العراقيين ورفضها لاخراج العراق من البند السابع ، اما سوريا التي تنصح كل مسؤول يزورها بضرورة المصالحة الشاملة فهي اكثر دول الجوار التي ينالها القذف الحكومي وهذا ان دل على شيء فأنه يدل على تخبط وعشوائية الحكومة العراقية وهشاشة منطلقاتها ، اما البرلمان واطرافه السياسية فهي تتبادل مواقع جر الحبال ، وكل يغني على ليلاه ، وصار انكشاف حاله البائس اثناء ازمة تمرير قانون الانتخابات الاخير محط سخرية العراقيين ، بحيث تبين ان الضامن الوحيد لاستمرار الحال على ما هو عليه هو المحتل الامريكي نفسه ، فالعملية السياسية مازالت تعتمد كليا على تدخلاته !
نسأل المالكي مجددا هل من جديد ؟
نورنا الله ينور عليك بعد ان تجيب عن الشكو والماكو طبعا ؟