لقاء خاص جدا مع الامام الحسين ع !


جمال محمد تقي
2009 / 12 / 26 - 22:43     

دليلي احتار ، عندما تعددت المفاتيح بيدي ، الصفحة التي في نهج البلاغة بنسخة الشريف الرضي والتي تحمل وصايا ابا الحسنين الى ولديه الحسن والحسين قد انقلبت وعلي ايجادها من جديد ، وروجيه غارودي يتجسد امامي صائحا بي ان انتبه لما سجلت من هوامش على فصول كتابه ـ الاسلام ـ الذي انزلته للتو من رف المكتبة ، اما اميل توما فكان يميل الى ملاحظاتي التي كنت قد استحضرته لمناقشتها معه لكنه عندما سمع بصوت روجيه اصر على الحضور فورا ففتحت كتابه من باب مناشيء الفكر الشيعي في الاسلام ، دخل علينا وهو مستعد لان يتراجع عن بعض ما توصل اليه في كتابه هذا ـ الحركات الاجتماعية في الاسلام ـ من طرف المكتبة الاخر سمعنا ـ خشخشة ما ـ تشبه النحنحة او القحة أوه انه بندلي صليبا الجوزي يقهقه ، تحرك كتابه نحوي قائلا : ويحك تناقش هذه القضايا مع اقراني وتنساني ، انت الذي كنت مبهورا بما في كتابي عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الاسلام وما اكتشفته عن تواصل فكرة المهدي المنتظر عند شعوب الشرق ومعظم اديانها ، ولا تدعوني لجلستك تلك ، لم اكن انتظر منك هذا التجاهل . . لم انتظر حتى يذهب الجوزي غاضبا مني فاعتذرت لكني لم انسه ابدا حتى يأتي دوره ، سيدي لا تغضب علي فانت لن تنسى ابدا وانا مازلت استحضر الجميع ولابد ان تكون انت من بينهم فتفضل مكانك في الصدر ، ، وانا اهم لمفاتحة مجلد النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية لحسين مروة وكتاب الفتنة الكبرى لطه حسين ، والاستعانة بما يقوله محمد عمارة في شخصياته الاسلامية ، فأذا بيدي ترتعشان وسقط من يدي المجلد لثقله اولا ، ثم للارتباك الذي احدثه ارتفاع الصوت المفاجيء للقاريء الحسيني ـ الطويرجاوي ـ الظاهر على قناة الفرات الموشحة بالسواد احياءا لذكرى عاشوراء !
الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، وانا لست وحدي ، على الانترنيت اقلب المواقع الحسينية ثم انتقل الى الكتابة ، وفي داخلي اصوات متعددة لكل الذين ذكرتهم !
اخذت من كل واحد منهم مذهبا واعددت نفسي لصياغة الموضوع ، وعدت الى ابواب كتبهم اقلب فصولها واقلب فحوى مقاصدها ، ومع ذلك فان جدالهم في داخلي لم يتوقف ، اتفقنا على اشياء كثيرة ولم نتفق على بعض الاشياء !

غالبني النعاس ، وبين اليقضة والحلم صحت في داخلي لنستحضر الحسين بنفسه ونحاوره فعنده ما يساعدنا على التوصل الى نتيجة ما نتفق عليها جميعا ـ اقصد الذين اناقشهم بما كتبوا ـ !
سائح انا ولائص من التعب ـ فلاش باك ذهني ومونتاج متحرك مكتنز بكثافة الصور المتنقلة بين الموقف المجسد لفداحة المواجهة التي كان لا بد منها في كربلاء وبين قضية صلب المسيح وطريق الالام الذي اراده طريقا لغسل ذنوب البشر ، وبين رمزية الشخصية والموقف ، وما علق بالسيرة من هوامش!
وافقني اصحاب الكتب وتلهفوا مثلي لهكذا لقاء يجري مع شخصية ليست ككل الشخصيات بنورها ونورانيتها ، قلت : لقاءا وليس حوارا ، فقالوا : وليكن !

الدم الذي قهر السيف ، الحق الاعزل قوة جبارة بوجه الباطل المدجج بالسلاح ، وقفة الحسين وقفة كرامة ـ هيهات منا الذلة ـ ، وقفة مباديء ـ مثلي لا يبايع مثلك ـ وقفة تعبئة ـ الا من ناصر ومعين لطريق الصلاح والفلاح على طريق الغدر والفجورـ ؟
الحسين برهان على شرعية الثورة على الحاكم الظالم حتى لو كان حكمه تحت راية لا اله الا الله محمدا رسول الله ، حتى لو كان يدعي ان خلافته قميصا البسه اياه الله ، حتى لو كان الحاكم من ال البيت ، بل حتى لو كان ابنا للحسين نفسه !
الحسين نزاهة وعدل وتوحيد ، فأين منه من يحكمون اليوم ويتبجحون بأنهم من اتباعه ؟
أن حَكم الحسين فلن يكون مثلهم مطلقا ، لن يكون منافقا ولا فاسدا ولا غادرا ولا مستعينا بالطاغوت لتحقيق اهداف يريدها !
الحسين اعطى البرهان بالممارسة العملية في واقعة كربلاء ، لم يسعى الى صلح يجنبه الموت المحتم ، لم يراوغ ، لم يمارس التقية ـ كان بامكانه ان يعلن انه يبايع يزيد مقابل تركه يعود ومن حيث اتى ، وبعد نجاته يعلن ما يبطن ، لانه يعرف ان موقفه هذا حتى لو كان لاتقاء شر مستطير فهو موقف ذليل !
الحسين اعطى بوقفته الشامخة وبتضحيته الجسيمة دروسا نادرة ولكنها ليست مستحيلة ، فمثلها فعل كل الاحرار الشرفاء العظام اصحاب القضايا الكبرى ، قبله كان المسيح وبعده عبدالله بن الزبير والحلاج . . وجيفارا وغاندي وسلام عادل وسلفادور اللندي وغيرهم من الذين لن يتناساهم التاريخ ومهما بلغ به العمر ، فلكل عصر حسينه ، وحتى ترتفع الراية الانسانية فوق كل رايات المال والاعمال وسلطات اسواق النخاسة والطاغوت كبيرا كان او صغيرا وعلى كل الازمنة القادمة !
من يستحلب الوقفة الحسينية ويوظفها لخدمة اغراض سياسية دنيئة تحرفها عن معانيها الاصلية ، يبالغ في محاولاته لاظهار تلك الوقفة على انها مستحيلة على بني البشر لانها عند الحسين بدوافع سماوية ، كي يتملص هو بذاته من ان يكون مطالبا بوقفة ولو على هامش مثل تلك الوقفات الشامخة !
الحسين نهج محبب للغلبة من عامة الناس وعلى مر التاريخ لانه يعين المظلوم على الظالم ويؤكد للناس اهمية المطالبة بحقوقهم ، فما مات حق وراءه مطالب !
اما الخاصة فان كانت فاضلة في علمها وفي نزاهتها فهي تضع الحسين عنونا وقدوة لها في مسيرتها ومن دون حسب ونسب او ايمان بقوى خارقة ، لان قوة المثل الحسيني شاخصة بحسها المعنوي الذي تسرده الواقعة ذاتها وبدون حاجة للرتوش والبهارات والشعوذات !
أمام شيطان السلطة وعبدها لا تقف اي اعتبارات ، لا دينية ولا اخلاقية ولا عاطفية ، وهذا دليل اخر على لا محدودية جشع السلطة ، فاذا كان هذا هو مصير ـ حفيد رسول الله ـ يقتل شر قتلة وتسبى نساءه ، فكيف الحال بالمسلمين العاديين الذين يثورون كثورة الحسين ؟
لقد ضرب الحرم المكي وكعبته بالمنجنيق وبامر من الخليفة ، الذي يفترض ان تكون الكعبة هي وجهته للصلاة ، والسبب هو اعتصام عبدالله ابن الزبير فيها رافضا البيعة للخليفة ، ثم كان مصيره مصير الحسين !
فعل بني العباس ـ وهم ابناء عمومة الحسين ، وابيهم العباس عم النبي الذي ايضا يعتبر من قدامى المحاربين في صدر الاسلام ، وهم بيت عريق من بيوت بني هاشم ـ الاعاجيب تنكيلا بابناء عمومتهم ـ العلويين ، من نسل الحسن والحسين ، فاما الموت سما او اقامة جبرية او سجنا ، وفعلوها ايضا مع كل معارض حتى لو لم يكن يجاهر بمعاضته لنهجهم ومن خارج دائرة الاقارب كما حصل مع الامام الاعظم ابوحنيفة النعمان !

عيوني على الفضائية التي يطل منها القاريء الطويرجاوي ، البحة في مقامات صوته تستهويني ، اسلوبه الذي ذكرني بالوائلي وحسجته المتمدنة ، نفس الحالة ، نفس ـ العضة ـ انها هي هي ذاتها وبنفس المكان ، لكن الوائلي يتفوق عليه باناقة الامثلة التي ياتي بها ، كأن الزمن متوقف ، خواطر وعبرات وتأسي ، اشدها وقعا حواريات زينب مع العباس ، واشدها تاثيرا عندما لم يبقى من الرجال غير الحسين ، حوارات الحسين وهو يخطب بجنود الاعداء ويعرفهم بنفسه ، ثم نصل للذروة حيث المقتل ، وهناك ايضا لزينب وقع لا يمكن المرور عليه مرور الكرام ، زينب حجة وآية في جدل التعبئة وفي التصدي لدجل التضليل والتجهيل !

ومضة اقفلت عيني بها ، حضر فيها ابا عبد الله الحسين ، شاخصا وبتواضع مهيب ، مستعدا للقاء !
ـ سيدي الامام اهلا وسهلا بك في عيوني انت وفي ذاكرتي ، شرف ما بعده شرف !
*انت سيد نفسك ، ليس بين الاحرار اسياد وعبيد ، عفوا ليس بين بني البشر اسياد وعبيد !
ـ كما قالها عمر ابن الخطاب ، كيف تستعبدون الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ؟
* الشيخ الثاني ، الفاروق ، كان تلقائيا مستقيما لا يغيضه وجود من هو افقه منه بجواره لذلك كان لصيقا بأبي ، وأبي كان يحب فيه تواضعه ومباشرته !
ـ كيف تحب ان اناديك ؟
* كما تتنادون في عصركم !
ـ هل لي ان اعرف منكم ان كان هناك تفصيلا ما لا نعرفه جعلك تندم على قدومك الى الكوفة ؟
* الحقيقة ان نقص المعلومات اوقعنا بورطة ، ولكننا حاولنا كسب الوقت ، ورغم ذلك فان الموقف كان يستلزم منا ، ما فعلنا ، فلو علمنا مثلا باعتقال مسلم بن عقيل قبل وصولنا ارض العراق لتغيرت الصورة وكان لنا تصرف اخر ونفس الشيء بالنسبة للاعتقالات التي شملت شيوخ اهل الكوفة وما جاورها من المؤيدين للاصلاح في حكم الامة !
ـ كيف تنظرون الان لحال الامة ؟
* انها في اسوأ حالاتها ، فقد كثر فيها الشقاق والنفاق ، وصارت مصالح تجار الروم والاعاجم تتحكم بها وبمصير شعوبها ، وهنا طبعا لا اعني ان يكون للعرب او المسلمين دور التفوق بمعنى السيطرة والاستعباد بمثل ما يفعل ملوك الروم والاعاجم او بمثل ما فعل الخلفاء ـ الملوك والسلاطين ـ الذين تناوبوا على الانتساب للاسلام بمعناه السياسي ، نحن حاربنا من اجل ان لا يكون الحكم عندنا شبيها بحكم ملوكهم وقياصرتهم واكاسرتهم ،، انما الذي نقصده ان لا تكون امة جاهلة و مستضعفة وهكذا نريد الحال لكل شعوب العالم ، ولا فرق بين شعب واخر خاصة وان العالم يتقارب ويتوحد ورايته يجب ان تكون راية انسانية لا ترضى بالظلم والاستغلال والبربرية والعدوان !
ـ ربما لو ظهرت اليوم لانكرك الداعون وسموك بالدجال او الشيوعي ؟
* ليس مهما ما يقوله الداعون المهم ما يفعله المتضررون من الفساد والظلم والجوع والجور !
ـ مشاعركم ازاء التعاطف الغامر والجارف الذي يحيطه بذكركم المستضعفون والتعساء والمقهورون في هذه الامة ؟
* شيء طبيعي ان تحصل توئمة بين مآسي كربلاء وما حصل فيها علينا من مصائب وظلم وجور وقهر وسبي خاصة ونحن من الخاصة في هذه الامة ، اي نحن برهان جاهز وحاسم للاغلبية المقهورة على بشاعة الظلم والباطل القائم حتى وقتنا الحاضر وباختلاف صوره ، وبين ما يحس به الفقراء والمنتهكون وفي اي عصر يتيح للتعبير عن هذه المشاعر الجياشة التي بالتاكيد تدلل على كثرة المظالم وبالتالي على اهمية الاخذ بجوهر وفحوى ومضامين ثورتنا الداعية للعدل والنزاهة والتوحيد ، ومن هذه الزاوية فاني اتمنى الا يكون احياء الذكرى وبهذه المبالغة هو تنفيس ينتهي مفعوله بانتهاء مراسم العزاء ذاتها ، نعم شيء يبعث على الفخر ان اكون رمزا شعبيا وتاريخيا لفقراء واحرار امتي وعلى مدى العصور واصبح رمزا عالميا الى جانب المسيح وكل ثوار العصور الاحقة ، وما يسعدني ان اكون رمزا عابرا للنسب وعابرا للقبلية والطائفة ، فانا نصير الفقراء والمستضعفين اينما كانوا ومن اي ملة انحدروا ، ومن يناصب فحوى رسالتي وثورتي العداء قد يتستر برمزيتي لغرض حرفها وبما يخدم مصالحه الذاتية ، خذ مثلا ما فعله بني العباس اولاد عمومتي عندما تاجروا برمزية وتضحيات وشعبية ثورتي وعندما وصلوا للسلطة كانوا اكثر من قتلتي ظلما وعدوانا واستغلالا للناس وانكارا لحقوقهم ، وهذا مثال صارخ لم ياخذ مداه عند الدارسين والمنقبين ، نعم انا سعيد بحب الناس وتعاطفهم مع موقفي وثورتي وساكون اسعد لو اخذ هذا الحب والتعاطف منحى تغييري نحو العدل والمساواة بين البشر ، واتمنى ان تكون ذكراي جسرا ليعبر عليه المريدون نحو ثورات عصرهم وحركاتها وثوارها ، لانها تدعو الى نفس دعواتنا باسلوب ولغة عصرها ، فمن ذهب بطريق جيفارا مثلا هو حسيني بمعنى من المعاني المعاصرة ومن سار بدرب غاندي هو كذلك ومن خاض غمار معارك نلسن مانديلا هو ايضا حسيني بمعنى من المعاني ، ومن جاهد لتحرير العراق من الاحتلال الاجنبي ليكون بيد ابناءه وليحكم بالعدل والنزاهة والتوحيد هو حسيني لا غبار على ذلك !
ـ ماذا تعني بالعدل ، العدل الالهي ام العدل الذي يقيمه بني البشر بينهم ؟
* بالتأكيد لا اقصد بالعدل ، العدل الالهي لان مثل هذا العدل لم ولن نحصل عليه كالمطر من السماء ، ربما يعيشه امثالي الان في الاثير ، اقصد بالعدل ، النظام القائم على الارض والذي ينصف الجميع ولا يستلب الحقوق ، نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي انساني يشيع بين البشر الرحمة والتوازن وحب المعرفة ، وهذا لا يقوم الا اذا ادركت اهميته الاكثرية المسحوقة وعملت طلائعها على تحقيقه ، قال أبي في نهج البلاغة ما اغتنى غني الا بفقر فقير ، ومعنى هذا فان الغناء للبعض يعني الفقر للاكثرية ، وعليه ومن الارحم والاكثر عدلا ان يحصل الجميع على مايسد حاجتهم وان تميز البعض عن غيره فاليكن ولكن بدون استغلال تميزه هذا لاستضعاف الاخرين وتجويعهم ، الجوع ابو الكفار ، ولو كان الجوع رجلا لقتلته ، والله اني لاعجب لجائع لا يخرج على الناس شاهرا سيفه ، لاحظ معي مكانة الجوع في فكر العدل الذي ننشده ، لست انا وحدي وانما كل الاحرار ثوار هذه الامة ، الغفاري وعمار بن ياسر ومحمد بن ابي بكر وغيرهم ، لاحظ معي ايضا ان مسألة الجوع هي قضية مدورة عندكم ايضا بل هي مركز القضايا كانت وتكون !
ـ كيف تتابعون ما يجري في العالم ؟
* هذا سؤال صعب لكنه مهم ، وسأحاول تبسيط الموضوع حتى تفهموه ، نحن فقدنا اجسادنا على الارض وارواحنا لها بصمة ما وشيفرة محددة ، هي تحلق في هذا الاثير ، ليس لدينا جنة ونار بالمعاني التي كنا نفهمها ، بل ان كل روح تحمل نارها وجنتها معها قبيل لحظة مغادرتها الجسد والحساب حاصل في حسابات معقدة داخل كل روح على حدة ، ولا ادري بحسابات غيري ، لكني وبسعي مني استطيع من خلال الاثير ان ارى الاحداث التي تحصل عندكم ، رغم انها لا تثير فينا الفضول كما تعتقدون لان الاثير هو الذي يشغل ارواحنا التي لا ادري ربما تتطهر فيه فلم تعد كما هي !
ـ ما هو رأيك بما تراه من الذين يتشيعون لك نسبا وراية ؟
* لو خليت قلبت ، هناك وفي كل عصر ثوار وقادة يحتذى بهم ، وانا لا ارى شخصنة القضية كلها برجل واحد او امرأة واحدة ، هو تراكم انساني ومعرفي ، نعم الرموز والترميز مطلوب احيانا ولكن بشرط ان لا يكون ذلك على حساب المسألة الاساسية في الموضوع ، وهي تحقيق الفكرة كالعدالة مثلا والتوحيد ، ما اراه اكثره نفاق ، فهم يرفعون رايتي وتحتها يفسدون بالارض هذا تناقض واضح ، يقتلون تحتها ويوالون طغاة الروم والاعاجم تحتها ، انا لست بحاجة لبكاء علي ولا دماء تنزف في سبيلي ولا صدور تحمر من اللطم عليها لاحياء ذكراي ، فما فائدة ما يفعلون ، انها مظاهر لالهاء الناس عن الامور الكبرى ، مثلا عن جوهر فكرتي في العدل والتوحيد والنزاهة ، انها الغائبة دوما في كل هذا الزحام ، انهم يعيدون قتلي عندما يحكمون البلاد والعباد بنفس انفاس الملوك الشياطين والتجار المنافقين !
الثروة والسلطة اذا اجتمعتا بيد واحدة حل الفساد والهلاك ، حتى لو اقامت هذه السلطة وفي كل يوم سرادق لاحياء ذكرى عاشوراء او لملاحقة الناس من اجل تأدية الصلاة او غيرها من شعائر الاسلام كما في ديار الحرمين الشريفين ، وهذا هو الحاصل واللاسف عند العرب والمسلمين ، وتحديدا في العراق وايران وما جاورهما انه التمظهر بشيء والعمل بشيء اخر !
ـ ماذا تعتقد بالنسبة لانقسام المسلمين ، مسلمين سنة ومسلمين شيعة وبالتالي مسلمي اهل البيت ومسلمي جيران البيت ؟
* هذا هراء وهو تغطية لصراعات حقيقية غير دينية ، كان هناك احزاب وجماعات وبيوتات بعضها ارستقراطي وبعضها شعبوي والاخر نخبوي ، والصراع ليس ديني وانما سياسي وفي جوهره صراع على السلطة ، حتى ثورتي هي من اجل الوصول للسلطة كي استطيع تطبيق ما اعتقده لان الارستقراطية الاسلامية وتحديدا بعد سيطرتها على الامصار تدريجيا ومنذ خلافة الشيخ عثمان بن عفان ، ركزت السلطة بيدها ، ونحن ثرنا من اجل اعادتها لحالة توازن ما ، لتكون بين بينين ، بين النخبة والشعبوية ، وهذا ما لم يحصل بسبب من تركز الثروة والسلطة معا بايادي الارستقراطية العربية المسلمة في بادىء الامر !
ـ هل راودتك مشاعر الانتقام ؟
* تقصد قبل ام بعد مغادرة الروح جسدها ؟
ـ نعم في الحالتين !
* هناك فرق شاسع بين الحالتين فشخصيا ووقت المواجهة وتفاصيلها كنت اريد تقتيل من يريد قتلي وقتل اهل بيتي ، وحاولت ان اجنح للسلم دون مذلة لكن محاولاتي باءت بالفشل ، لذلك لم يكن امامي وقتها غير طلب الانتقام لنفسي ولمن معي من اتباع ، والذين اثبتوا انهم على ـ خلق عظيم ـ وايمان عظيم ، وانا كنت ادعو الله جهارا لينتقم من الاعداء ، ليشتتهم وينزل الموت بهم ، ولكن وبعد انفصال الروح القضية اخذت ابعاد اخرى لا اتحكم بها لوحدي ، صارت قضية انتقام من نهج ونمط سلطوي او من شكل وانماط الحكم والدول ، واذكر هنا اني لم اكن سعيدا بالثأر الذي قائم به المختار الثقفي والذي اوقع قتلا بالذين قاتلوني وذبحوني ومنهم الشمر النخعي حيث ذبحه وقطعه وهكذا فعل بالاخرين الذين وصل اليهم ، فالمختار نفسه لم ينجح في الثأر من شكل السلطة القائمة ليقيم هونفسه سلطة تحقق الغايات التي استشهدت من اجلها ، والفشل قائم وحتى الان ، طبعا بفوارق هذا الزمان ، فالفاطميين اقاموا دولة ادعوا انها حسينية ايضا ، والاسماعيلية ايضا والقرامطة رغم قربهم الى نفسي لكنهم جميعا فشلوا ولاسباب تخص المنهج وسمات زمانها وعلته ، حتى ظهر منهج التقية و التأجيل وربط التغيير بظهور المهدي المنتظر ، وكل هذه مخارج لحالة اليأس والفشل ، فحتى لو حكم احد الائمة الاثنى عشر فانه اما ان يساير الوضع او يقتل لان منطق النزاهة والعدل والتوحيد يتناقض جوهريا مع منطق السلطة الخاضعة لصراع الغابة المتوسعة ، على اعتبار ان صراعات الصحراء كانت ابسط واقل تمايزا بكثير ، لابد من بناء اسس ارضية قوامها الناس لانجاز التغيير المطلوب !
ـ هل تؤمن بتوارث العصمة والائمامة ؟
* واجب عليك وانت المتابع ان تعرف بانني لم يكن لي دخل بما حصل بعدي فالمذهب الاثنى عشري بل كل المذاهب الاسلامية تبلورت بعد حوالي قرنين على الخلافة الاولى ، وهي محاولة لمواكبة المتغيرات ولكن بمراتب تبدو عند بعضها استكمالية لاغراض التأصيل ، واذا تكلمنا اليوم وفي هذا العصر ، عصر المعرفة والاتصال فان الامور انسحبت من الدين كايديولوجية سائدة تتحكم وتفرز على اساس صراعات السياسة ، الايدلوجية صارت متخصصة بالانسان كونه هو مركز تلك المعرفة وليس الدين او الله ، وهنا لابد من البحث عن اطر مناسبة تستوعب التراث الانساني التي تحويه الاديان او المذاهب وتمدينها وجعلها تنساب مع اي فكر انساني خلاق يحقق ما عجزت عنه الاديان او ما توقفت عنده الاديان ، هناك وبحسب تعاليم جدي نوعان من العصمة ، العصمة الكلية ، وهي التي يختص بها الانبياء ، والعصمة الجزئية التي تكون متاحة لكل المجتهدين الصالحين فهي مفتوحة للناس اجمعين ، اي ليست حكرا على سلالة ما ، وعليه فانا لا اجاري مذهبا يحصر العصمة بالمتوارثين من اي نسب كان حتى لو كان هذا النسب نسبي !
ـ ماذا تعتقد سيكون موقف الذين يتاجرون بك لو ظهرت لهم بما اجبتني ؟
* سيعيدون كربلاء علي ويذبحوني مجددا ، مدعين باني منتحل لشخص الحسين !
ـ ما رأيك بالفكر المعتزلي وعلم الكلام ؟
* هو والصوفية وتحديدا مدرسة اخوان الصفا اكثر ما يستحق ان يدرس بامعان في طروحات المدارس الاسلامية !
ـ اشكرك ايها الامام الصابر الظافر ، واشكر فيك روحيتك الثائرة المتجددة ، واتمنى ان تستجيب للقاءات جديدة !
* لا شكر على واجب ، اتمنى لامتي الصلاح ، ولا صلاح لها بدون التمكن من البحث والمعرفة وبكل الادوات المتاحة ، ليس بمقدوري التحكم بتلبية الدعوات لانها عملية معقدة تتطلب ظروف خاصة جدا من ضغط التيارات الذهنية والكهرومغناطيسية والرقمية وما فوق الاثيرية وموجاتها ، شكرا !
ـ شكرا لك يا ابا عبدالله !
استيقضت من غفوتي وانا افرك عيني اللتين وقعتا ثانية على منظر ـ الطويرجاوي ـ وهو يغوص في استفزاز القلوب كي تدمع العيون ، احست عيوني الفرق الشاسع بين الرؤيتين !