من عجائب الواو !


جمال محمد تقي
2009 / 12 / 17 - 18:05     


للواو ادوار دوارة يشيب لها الرأس ، فيها من شيم الواوي الكثير ، وفيها من المرح والخلاعة ما يفوق في بعضه ، اغاني نانسي وهيفاء ومن غنت بوس الواوا الكثير الكثير ، فيها من التدوير ما يعجز عنه اي حرف اخر من حروف الابجديات والدساتير ،، واذا اردت استحضارها بصوتك فلابد ان تنصاع لارادتها في تدوير كل مخارج الاصوات فيك حتى الشفاه ... واو !
الواو، وما ادراك ما الواو ؟
هي العطف والوصل ، هي مبتدأ العلة وثلاثيها المحتوم ـ واي ـ فاذا كانت النون قد ارتبطت بالنسوة اعرابا ، فان الواو ارتبطت بالجماعة اعرابا ومنطقا ، لانها بجاذبية عطفها تجمع السابق عليها بالاحق بها !
لعبت الواو دورا متميزا في شعر التفعيلة ، برزت فيه كمخرجا مستساغا للاستطراد البنيوي داخل الابيات وخارجها ، وساعدت على تربيط انتقالات معاني صوره في تناسق لا يخلو من التطريب واحيانا التطنيب للترددات الايقاعية في القصيدة اياها !
الشمس اجمل في بلادي من سواها و الظلام حتى الظلام . . !
. . .
عيناك حين تبسمان تورق الكروم و ترقص الاضواء كالاقمار في النهر !
.
وطني حقيبة
و حقيبتي وطن الغجر
شعب يخيم في الاغاني و الدخان
شعب يفتش عن مكان
بين الشظايا و المطر .

الخطاب القرآني اعطاها مكانة فاعلة ، فاذا تبصرنا في آياته وجدنا الواو تتقاسم السيادة الاولى مع حروف اخرى محددة كالصاد والقاف ـ اللذين تفردا من بين الحروف كاسمين لسورتين كاملتين ـ وذلك من حيث الاستخدام النوعي وفي اثناء الاستخدام المجرد لها وليس المدغم ضمن الحروف الداخلة في التكوين الاصلي لكلماته فقط ، ومنذ اول التنزيل حتى اخره : أقرأ بسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق ، أقرأ و ربك الاكرم الذي علم بالقلم ، علم الانسان ما لا يعلم ، الى و التين و الزيتون ، و طور سنين ، و هذا البلد الامين . الى إنا انزلناه في ليلة القدر ، و ما ادراك ما ليلة القدر ، الى اذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا ، فسبح بحمد ربك و استخفره انه كان توابا . وهكذا دواليك !

من اللاعيب السياسية للواو ما يدهش صائغ الكلمات ، فكيف بالقاريء العادي ؟
للواو الداخلة اوالخارجة من وعلى بنية الجسد الداخلي للكلمات تأثير ساحر يقلب معانيها راسا على عقب ، او يضيف لمعانيها الاولية مضامين جديدة ، خذ مثلا ( ش أس 2 أي ش مكعب ـ شرقي شيعي شيوعي ـ ) فاذا أدخلت الواو على الكلمة الاولى جعلتها شروقي ، شروكي في العامية ، واذا حذفت الواو من شيوعي اصبحت الكلمة المتبقية شيعي وطبعا شتان بين معاني الاثنين ، وهنا يتندر الاهالي على المنظرالمتخيل للشيوعي المعمم اي الذي يرتدي عمامة رجل الدين الشيعي على اعتبار ان الفرق بين الاثنين ـ شيعي وشيوعي ـ الواو فقط فاذا سقطت بالسهو او بدونه سقط الشيوعي واصبح شيعيا بالمعنى الطائفي !
التندر جاء كرد فعل على حصول حشع مقعد في مجلس الحكم باعتبار ممثله فيه شيعيا وليس شيوعيا!

خذ مثلا اخر ، في اللغة العربية تكتب اسماء الدول اوالاثنيات الاخرى بالشكل الذي تفرضه تاريخية اللفظة ضمن قواعد واصول اللغة العربية ذاتها وليس كما يشتهي المسمى !
فعندما تقول هذا رجل فارسي ، تعني انه ينحدر من اصول قومية فارسية ، ليس للعربية هنا علاقة بكيفية نطق وكتابة كلمة فارسي باللغة الفارسية فاذا كتبت فاورسي مثلا كما تنطق عندهم احيانا فهذا شانهم ، وتبقى كلمة فارسي هي المعبر العربي كتابة ولفظا عند الاشارة للرجل ذا الانتماء الفارسي ، نفس الشيء ينطبق على كلمة كردي فهي تكتب بهذا الشكل عربيا وعندما تضاف الكلمة الى ـ ستان ـ بمعنى المكان فستكون الكلمة مركبة وتكتب وتلفظ عربيا ، كردستان ، كما هو الحال مع لفظة عربستان وبلوشستان ، وليس شأن العربية كيف تكتب وتقرأ كرديا او كورديا ، بعض القومانيين الاكراد وضمن موجة التعصب السائدة هذه الايام وفي محاولة لفرض المتغيرات التي تخدم النزعة النرجسية لديهم ، وايمانا منهم بالمقولة التي لا تصلح الا للصوص ـ اذا كسر باب الخزنة فخذ منها ما يفيدك قبل فوات الاوان ـ يعيبون على من يكتب كلمة كردستان بدون الواو التي يريدوها محركا دوارا يضفي للتسمية قومانية ليست فيها عند كتابتها بالعربية على اقل تقدير ، يعتبرون من ينكر الواو على كردستان لتكتب كما يريدوها هم كوردستان معادي لتطلعاتهم ونزعاتهم القومية ، وهنا لابد من وقفة مع هؤلاء الغلاة لنقول لهم : اي تطلع على حساب الاخرين هو تطلع غير مشروع ومرفوض وسيحفز الاخرين ايضا للغلو ، ووقتها ستجدون اناس اكثر منكم عددا واقوى عدة ، فاتقوا الله بالناس ولا تحسبوا ان الامر قد استوى لكم ، ونحن مع اي تطلع مشروع لا يكون على حساب الاخرين ، وعليه تطلعوا كما تشاؤون ولكن ليس على حساب من لا يتطلع معكم كرديا كان او غير كردي ، ، الكردي تكتب هكذا بالعربية ولا تكتب كوردي ، وكردستان تكتب بهذه الطريقة ايضا وليست كوردستان ب . . . واو ، الواو يمكن ان تقلب حال صاحبها فلا تجعلوها كالاحجية عندكم !!

انها الواو عزيزي القاريء فجرب معها عساك ان تكتشف فيها شيئا جديدا لم نكتشفه بعد فهي منجم لا ينضب ما دامت اللغة تستجيب للفكر واحتياجاته التي لا حدود لها !