مسارات الأحداث في موسم الهجرة لليسار


عبد الفتاح بيضاب
2009 / 12 / 16 - 21:23     

لم تكن مفردة اليسار هي مجرد جلوس ممثلي الشعب الحقيقيين علي يسار الملك لويس في جلسة عاصفة للبرلمان الفرنسي في أجواء الثورة العارمة في بلد حاز علي الأولية في مسيرة التقدم ومنح مسارات البشرية إشارة موجبة رغم أنها (حمراء) إذ مثلت الاشتراكية الفرنسية أحد المكونات الهامة للماركسية في نظريتها للثورة الاجتماعية كما كان الاقتصاد الإنجليزي والتطورات التي فاز بها في البنية والعلم ، معا ( كومونة باريس وحال الطبقة العاملة الإنجليزية ) استفز العالمان أنجلز وماركس كمعطيات ومقدمات ضرورية استحقتا العمل العظيم بسلاح الفلسفة كمعرفة نالت شأواً عظيما في المانيا ساعدهم بالعمل علي برهان صحة النظرية أيضا التقدم في علوم الطبيعة في قانون بقاء الطاقة والبلمرة في الكيمياء بجانب بروز طفرات هائلة في المادة الحية في الانتخاب الطبيعي والتطور عند لامارك ودارون ، الشيء الذي دفعهما للإجابة علي سؤال تاريخي عصف بالذهن ؛ إذا كان الأساس ( المادي) للتطور يعتمد علي الذرة والخلية الحية في عالم الطبيعة والحيوان علي الترتيب كأصغر وحدات مكتشفة وقتذاك فلماذا لا ينطبق علي المجتمع وتطوره أن (السلعة) هي أصغر وحدة تؤسس عليها العلاقات في المجتمع بميزة التبادل !!؟
قد تكون مفردة اليسار قياسا علي المعروف في الرياضيات والفيزياء بأنه السهم الذي يؤشر ضد حركة عقارب الساعة والمتعارف عليه علميا بأنه الاتجاه الموجب (ومن قال الله أعلم فقد أفتأ ) ، علي كل حال ، قد استوي علي الجودي مصطلح اليسار سياسيا إذ أن سائر الحركات النقابية والروابط المهنية والاجتماعية وكافة منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والحركات المسلحة......و......و.......و التي تقف ضد المنظومة الحاكمة بالقهر والاستبداد والتي لا تمثل الجماهير في كيفية اختيارها بمحض إرادة الشعب وحريته التامة وبلا شك أنها لا تتطابق بل تتناقض المصالح بين مثل تلك السلطة والمطلوبات الأساسية والخدمية علي مستوى الفرد والجماعة معا ، كل تلك الجيوش المحرومة من الحقوق والحريات والتي تصطف واعية في خندق الجماهير صارت هي ( اليسار) عرفا سياسيا هاما جدا وضروريا ليدك عرش الأنظمة الاستبدادية عالميا وإقليميا ومحليا ولأن محتوى العصر الراهن في سياسة العولمة جعل بينها قاسما مشتركا أعظم هو (سياسة التحرير الاقتصادي) أو قل ذات طينة واحدة هو غض الطرف عما يفعل السفهاء من الرأسماليون بتحقيق الربح كغاية وفوضى السوق كوسيلة ، محمود لهما ، أن قادا سفينة البشرية في إبحارها نحوا أوصلها (النقطة الحرجة) كمرسأ للتغيير الاجتماعي في شكل وجوهر شامل وعام بلا استثناء وإن كانت العبارة (الأحداث) تكفي بلا تردد عن الإشارة ولكن الذكري تنفع (الثوريين ) وطنيين أو قوميين أو أمميين ، والجدير بالذكر ، كونية القضايا الإنسانية إذ أن في روما عاصمة إيطاليا انعقد مؤتمرا عالميا لدرء خطر المجاعة التي تهدد نحو مليار إنسان في القادم من السنوات بريادة منظمة الأغذية والزراعة العالمية أهم ما خرجت به استحالة الاستثمار الخارجي في مجال الزراعة إلا (بحماية) ملكية الأرض الخاصة والعامة من الاستغلال الأجنبي بقوانين وطنية تصون حق الملاك من جانب مع ضرورة شراكتهم في العمل والعائد ، بروز قضايا الهامش كمسألة أممية ومن ثم المصالح المشتركة أمرا يمثل مطلبا تاريخيا في تفعيل الثورة الوطنية الديمقراطية ، ليس معزولا عن ذلك ما يدور في كوبنهاجن بالدنمارك إذ ثارت الدول النامية والتي تمثلها مجموعة الـ(77) المتعارف عليها بالفقيرة وهو اسم (الدلع) للتخلف إثر التبعية للاقتصاد الاستعماري (الكولينالي أو الامبريالي ) ضد الدول الصناعية المتقدمة والتي استغلت موارد تلك البلدان بطرق غير رشيدة ولا إنسانية هددت مصالح تلك البلدان وأخيرا حياتها علي خلفية التلوث البيئي الكامل الشيء الذي يجلي أمران هامان هما: كونية الحياة البشرية حتى في هواء الله دة ، والتناقض الدال علي لأزمة الرأسمالية العامة واحتضار محتواه الليبرالي ، إذ أن الهوة الكبيرة بين الدول المتقدمة والنامية أحد أهم مظاهره ، في العراق تتفلت وزارة الطاقة (النفط) علي آخر مراحل التبادل بصيغة (الاحتكار) وتطرح مزادات النفط (للمنافسة) في مورد يعد هو الأكثر ربحية للعالم الرأسمالي منذ أزمة الطاقة في السبعينات واللافت في الأمر أن طبيعة العقودات بشروط (خدمة لا شراكة) الشيء الذي يعد درسا وطنيا في تقييد الاستثمار الخارجي للدول المشابهة في ظروفها (مثل السودان) ، رست عقودات خدمة النفط لروسيا والنرويج وماليزيا والصين... وجاءت الولايات المتحدة طيش الدفعة . الحدث في (دبي) وعلي إثره اجتماع الكتلة الخليجية في محاولة إنقاذ الاقتصاد الخليجي بصيغة تكاملية في جميع قطاعات الاقتصاد بواسطة عملة موحدة وتحقيق الحماية الجمركية والضريبية لأن عيار (وول ستريت) أصاب صناديق السيادة الخليجية في مقتل بمبالغ كانت تغنى العالم العربي من كل جوع وتأمنهم من كل خوف ، يرتبط الأمر (النقطة الحرجة في تاريخ العالم) بما يحدث في مصر كوكيل شرعي للاستعمار الحديث في المنطقة خير دليل علي ذلك الجدار العازل لإنسان غزة ، مثلت تظاهرات (كفاية) بمولدها الخامس أو انتخابات نقيب المحامين المصريين دليلا قاطعا علي ضهبان الأنظمة السياسية في تبعية سياسة التحرير ، ولتكتمل اللوحة المضيئة لسمات الأزمة في المشروع الرأسمالي في التناقضات الداخلية بين الأنظمة الشعوب الراهن السوداني المتمثل في المسيرات والتظاهرات في الاثنين 7/12/ ومن بعده 14/12/ إذ أن وحدة القوى الوطنية بعضا منها يشارك السلطة التنفيذية والتشريعية في خندق واحد هي ليست إلا دليلا علي الخلفية الاقتصادية في منهج الانقاذ (سياسة التحرير الاقتصادي) ومن ثم الدستور الانتقالي الأمر الذي يعد من الأخطاء القادمة وقتذاك والذي أشرت إليه في مقال بجريدة الأيام الغراء أثناء انعقاد مؤتمر الحركة الشعبية الثاني بجوبا في مايو 2008م تحت عنوان أين قبس الماركسية والمدارس الاشتراكية في منفستو الحركة الشعبية !؟ لأن الحديث عن حل قضايا الهامش في ظل سياسة التحرير الاقتصادي يظل ضربا من المحال ، لكن الشيء الذي يدعو للأمل والتفاؤل عبقرية القادة بمعالجة الأمر في مؤتمر (جوبا) الأخير في المحور الاقتصادي. استدعيت كل ذلك لأن أحد أزماتنا المزمنة والمتكررة أن تحالفنا قبل سقوط الأنظمة الدكتاتورية تواجه بغياب سيناريو ما بعد الظفر بالسلطة إذ أن لا مخرج من التبعية الاقتصادية إلا بانتهاج طريق وطني لاقتصاد لا رأسمالي.
التناقض الأقوى والأجدر بريادة التغيير (الاقتصادي – الاجتماعي) بين القوى العاملة لإنتاج الخيرات المادية والروحية في الجيوش الاجتماعية غير المحدودة والعلاقات المرتبطة بالإنتاج في ملكية وسائله وعائداته لأقلية معينة وصغيرة جدا تحتمي بالدولة. مرة باسم السامية كحضارة وأحياناً بالعرق أو الدين كما العسكر ، ردود الفعل المتصاعدة مثل ما ذكرنا في أم درمان والقاهرة وبغداد وروما وكوبنهاجن ، كما أن المؤتمر الشيوعي العالمي في هافانا حاضرة كوبا الثورة والذي كان بمثابة (بورترية) لصورة العالم الآن تمثلت فيه الأحزاب الشيوعية والاشتراكية بلغ عددها الـ(57) من (47) دولة مختلفة في العالم ليست إلا ضوء في ظلمات المشروع الرأسمالي التي جرت الإنسانية لآزفة ليس لها من دون الاشتراكية كاشفة.