اصل نشوء الازمة المالية (البنوك المركزية ,فقاعات القروض ومغالطات السوق الفعال )


محمد سعيد العضب
2009 / 12 / 4 - 23:36     

مراجعةمحمد سعيد العضب
عرض الكتاب
قبل ستة اشهر من انجازالكتاب الموسوم "اصل نشاة الازمة المالية "للاستاذ جورج كوبر , تكثفت الازمة المالية الي حد وصل فية النظام المالي الكوني في اكتوبر عام 2008 علي حافة الانهيار .ان الاعلان عن رزمة الانقاذ ساهم علي الاقل في استمرار النظام المالي والتجارة الكونية في العمل. ففي اطار هذا العالم المترابط والمتبادل قد يصعب تصور تبعات وابعاد مثل هذة الاخفقات مع ذلك يظل الجميع يامل بما فيهم الكاتب ان تسجل تواريخ افلاسات موسسة ليمان برذر وغيرها من الموسسات المالية العملاقة مرحلة جديدة لاعادة النظرليس فقط في ممارسات النشاط الاقتصادي المنفلتة التي سادت العقود الاخيرة من مسيرة البشريةبل النظريات الاقتصادية الحاكمة التي اثبت التاريخ خطل معظمها . الكتاب المعروض هنا احد الاصوات التي حاولت القاء اللوم علي الجماعة الاكاديميةفي الاقتصاد , حينما قامت في ترويج نظريات خاطئة .
يعتبرالكتاب استجابة او محاولة في البحث عن اصل مثل هذة الازمات , بالاخص ازمة قروض الائتمان, التي تعرض لها الاقتصاد العالمي عموما, والاقتصاد الاميركي خصوصا ,حيث استهدف بالدرجة الاولي ليس فقط تفسيرسبب ظهور فقاعات اسعار الاصول الراسمالية والموجودات الورقيةالمستمر , ومايتبعها من ازمات مدمرة في قطاع الائتمان المصرفي والاقتصاد الكوني , بل حاول ايضا توصيف العملية التي تخلق دورة الرواج - الكساد الازمات الضارة , والاسباب التي تقف وراء تكرارهذة الدورات في مسيرة الاقتصاد الراسمالي, التي بدورها نجمت او تفاقمت من سياسات نقدية ومالية خاطئة تم تبنيها واعتمادها في عرض اوخلق الائتمان المصرفي الذي اعتقد بموجب الارثودكسية الاقتصادية, بانة القاعدة والاساس في توليد الثروة والرفاة الاقتصادي . هذا واستهدف الكاتب من وراء ذلك تطويرمنهجية في فهم حالة عدم الاستقرار المالي ودور البنوك المركزية في نشوء هذة الاوضاع , كلة من اجل تنشيط المناقشات حول عملية اصلاح السياسية الاقتصادية الكلية . تتطلب عملية تخفيف الاضرار الناجمة من دورة الرواج – الكساد والازمات الضارة في الاقتصاد, ان يقوم المشاركون في النشاط الاقتصادي كافة الاعتراف والاقرار باهمية دور وقيود السياسة الاقتصادية الكلية .علية يستلزم حسب قولة من قادة السياسة والمواطنون ,الاعتراف في عدم امكانية او ضرورة استخدام السياسة النقدية والمالية فور من اجل ابطال او تعطيل او التصدي للتراجع الاقتصادي الحاصل .علية يتطلب من البنك المركزي العودة مجددا الي وظيفتة المحورية وغاياتة الاساسية, وهي ادارة عملية خلق الائتمان, كما يجب علية ان يكتسب الخبرة والجدارة في كيفية التصدي اومقاومة الضغوط السياسية او مطالب القطاع الخاص االرامية الي زيادة الاقراض الغير محدود من اجل التوسع الاقتصادي .تتمحور مقولة الكتاب المركزية في ان النظام المالي قد لايسلك او يتصرف بالضرورة حسب قوانين" فرضية السوق الفعال والكفوء",كما وردت في سياق منطوق ا واحكام النظرية الاقتصادية السائدة في الوقت الحاضر.لقد حاولت فرضية" السوق الفعال " توصيف النظام المالي باعتبارة حيوان طيع , يعمل ويستجيب بموجب ادواتة الخاصة ,كما يمكنة ذاتيا تحقيق حالة التوازن المثلي في الاقتصاد .يبدو ان الوضع عكس ذلك حينما , حاول الكاتب التوكيد علي ان عدم الاستقرار المالي والاقتصادي حالة متاصلة ومتجذرة في صلب النظام وانها قضية مزمنة واصيلة تنعكس دائما في الدورة الاقتصادية ... الرواج - الازمات , كما يعجز هذا النظام عموما ان يضمن تحقيق حالة توازن ثابتة مستقرة ودائمة , بل يميل بطبيعتة دائما الي خلق حلقات او دوائر ضارة تتنقل بين الرواج الي الانكماش والتقلص والكساد والازمات .علية تستلزم حالة عدم الاستقرارالموضوعية والحتمية, ان يقوم البنك المركزي في التدخل المستمر في ادارة عملية خلق الائتمان . اعتمادا علي هذة الحقيقة حاول الكاتب تفسيراسباب انحراف البنك المركزي, او ربما انزالقة في اتون غير مرغوبة, بالتالي اصبح عاجزا كليا من التاثير الفعال علي الفعاليات الاقتصادية, مما جعلة عبر الوقت يساهم بشكل مباشر او غير مباشر في تضخيم او الاكثار من دورة الرواج –ا الكساد والازمات الضارة من ناحية , و خلق حالة عدم الاستقرارفي الاقتصادالقومي والكوني من ناحية اخري .
عموما تمكن محلل الاسواق المالية الاستاذ جورج كوبر عبر تقديمة سلسة من الادلة والحجج في تحدي المبادي الاساسية للارثودكسية الاقتصادية الحاضرة "فاعلية نظام السوق" القائمة علي العرض والطلب والمنافسة ,كما حاول تفسير كيفية قيام الجميع في دفع الاقتصاد نحو هاوية الازمات .لقد قام بمهارة عالية فحص اسس الفلسفة الاقتصاديةالمعتمدة وتحليلات اضافية من اجل كشف القوي الكامنة وراء هذة الازمات, هادفا من ذلك ليس فقط توفير الوسائل الممكنة في التصدي او تجاوز نشوء او انبثاق دورة الرواج –الازمات الضارة, بل تحاشي تكوين الفقاعات الاقتصادية من ناحية ,ومواجهة ضغوط الائتمان والاقتراض وتسكين معدلات التضخم من ناحية اخري .
يتالف الكتاب من مقدمة وتسع فصول هي كالاتي
1.المدخل
2.السوق الفعال والنك المركزي
3.النقود,البنوك والبنك المركزي
4.السوق المستقرة وغير المستقرة
5.تضليل القوي الفاعلة في النشاط الاقتصادي والمالي
6.حول وسائل الكبح المستخدمة من قبل البنك المركزي
7.منسكي يقابل ماندلبروت ( Hyman Minskyاقتصادي اميركي 1970,Benoit Mandelbrot مخترع الكسور الهندسية )
8.ما وراء مغالطة" السوق الفعال"
9.ملاحظات ختامية

في سياق هذة الفصول تعرض الكاتب فيها الي السياسة المالية والنقدية غير المتوازنة , كما حاول دحض عقيدة السوق الفعال و العلاقة بين دور البنك المركزي وامكانية خلق نظام سوق فعال من ناحية وعملية تطور النقود ووظائفها ودور البنك المركز ي والبنوك التجارية في عرضها من ناحية اخري ,كما تم التركيز علي مسالة استقرار الاسواق من عدم استقرها واثر ذلك علي خلق الثروة والرفاة وكيفية توطيداساليب الكبح المستخدمة من قبل البنك المركزي وتعزير دورة في توليد الثروة وضمان الاستقرار الاقتصادي علاوة عل مناقشتة لمغالطات السوق الفعال مستخدما اعمال الاقتصادي الاميركي هايمن منسكي والفيزياوي جيمس كلارك ماكس ويل وعالم الرياضيات ماندلبروت, كلة من اجل دعم حججة واثبات خطل فرضية "نظام اقتصادالسوق الفعال " .

هذا ويرقي الكتاب, ليشكل دحضا للسياسية النقدية التي اعتمدها صندوق الاحتياطي الفيدرالي الاميركي عبر العقود الماضية, حيث لعبت هذة السياسيةالنقدية الخاطئة حسب تحليلاتة دورا هاما في خلق واحتضان الازمة الحالية.مع ذلك يري انة ليس من السهولة ,ان يلقي اللوم علي موسسة او شخصا بذاتة, خصوصا وان مجمل المماراسات تمخضت او حددتها سياسية استراتجية صندوق الاحتياطي الفيدرالي القائمة علي الفكرة او الحكمة الاقتصادية السائدة في يومنا الحاضر,التي تتمحور في فاعلية نظام اقتصاد السوق وادواتة الخاصة( العرض والطلب والمنافسة ) في تسيير النشاطات وتحقيق حالة التوازن المطلوبة.لقد ظهر لاحقا ان هذة الحكمة قد اخفقت تماما في تشخيص ضرورة ادارة خلق الائتمان الكلي .علاوة علي ذلك طرح الكاتب اثار وابعاد السياسة النقدية اليابانية في تراكم ازمات الاقتصاد العالمي, كما حاول المقارنة بين اخطاء السياسة النقدية لصندوق الاحتياطي الفيدرالي الاميركي ,التي بدورها قادت الي الازمة الحالية من ناحية , و تلك الاخطاء المصاحبة مع صخب الاقراض الياباني الذي حصل في الثمانيات, الذي ترجم او تحول في نهاية المطاف,الي تثبيت سعر فائدة بمعدل قدرة "صفرا"لفترة تجاوزت ( 13 )عاما من ناحية اخري . ان ديمومة سعر فائدة "صفرا " لمدة طويلة في اقتصاد هام يقودة كليا نشاط قطاع التصدير , لابد لة ان يلعب دورا حاسما او يترك اثارا واسعة علي حركة الاقتصاد الكوني, وما يعترية الان من حالة انهاك ,تعثر, ضياع وازمات.استنادا علي هذا الحقائق يعتقد الكاتب بان المسوولية التاريخية تقع بالدرجة الاولي علي عاتق الجماعات الاكاديميةفي مجال العلوم الاقتصادية ,حينما قامت دائما في ترويج نظريات خاطئة حول حتمية فاعلية وكفاءة نظام اقتصاد السوق وقدرة النظام في التحكم وتسيير الفعاليات والنشاطات المختلفة ذاتية بوسائلةالخاصة , رغم بزوغ جملة من الدلائل والقرائن التي تفند"كفاءة نظام اقتصاد السوق ", .صحيح ان الائتمان حسب راي الكاتب, قد يشكل اساسا وقاعدة هامة في عملية توليد الثروة, لكنة في ذات الوقت قد يسبب حالة عدم استقرار مالي بالتالي تراجع او ازمات في مجمل النشاطات الاقتصادية بما في ذلك في سوق العمل وتزايد معدلات البطالة .علية يجب ان تتم الموازنة الحقة بين حسنات وميزات توليد الثروةعبر عملية خلق الائتمان من ناحية, واضرار او مساوي حالة عدم الاستقرار الناجمةعن ذلك من ناحية اخري ..لقد ورثت الولايات المتحدة الاميركية بني وهياكل انظمة مالية ونقدية جيدة لامثيل لها في التاريخ, حيث اعتمدت دائما في تسييرالنشاط الاقتصادي من قبل نظام البنك المركزي كان من الممكن عند استخدامة ببراعة ودراية وحكمة ان يكون قادرا في احتواءحالات عدم استقرار التي نشاءت او تنشا بين حين واخرسواء في نظام الائتمان المصرفي والقطاع المالي او مجمل النشاطات الاقتصادية , بالتالي تصعيد قدرات توليد الثروة علي الامد البعيد . يبدو ان هذة الامكانية قد هدرت من قبل المماراسات التي سادت في العقود الماضية .
تكمن الخطوات العمليةان تتم العودة الي صيغ احاكمة تضع الاولوية للاستقرار المالي اثناء عملية خلق الائتمان , كلة من اجل ضمان تكثير توليد الثروة في المجتمع والاقتصاد القومي وتحاشي مضار تكرار دورة الرواج - الازمات . مع ذلك يظل التحدي الكبير يتمحور في حتمية تغيير التفكير والتخلي من عقيدة فاعليةالسوق وكفاءة نظام السوق والتحول الي الايمان الحتمي والاقرار السرمدي في ضرورات تعزيز التحكم في عملية خلق الائتمان الكلي والتدخل عند الحاجة في تلقيص ضخ الاموال او الحد منها .
تعقيب موجز
تجلت اهم محاور الكتاب في التحدي, او محاولة تفنيد فرضية "السوق الفعال "في تطبيقها علي نشاط المبادلات او السوق المالية . ان نقدة لفرضية السوق الفعال كان لاذاعا وحادا .حيث اعتبر التذبذب في اسعار الاصول المالية مسالة ضمنية ومتاصلة وهي من طبيعية النظام , مما يتطلب من البنك المركزي مراقبة هذة التذبذات وهنا اورد مقارنة للفلسفات الحاكمة لاعمال االبنوك المركزية, حيث اعتمد صندوق الاحتياطي الفيدرالي الاميركي علي النظريةالنقدية, التي بدت كاملة او قد تم المبالغة الشديدة في كمالها , مما جعل القطاع المالي يحتل او يشكل اولويةالنشاط في سياق عملية النمو الاقتصادي والاجتماعي باعتبارة المصدر الاول والاساس في توليد الثروة وتحريك النشاط او التوسع الاقتصادي بالتالي تولدت فجوة كبيرة بين النشاط الاقتصادي الحقيقي والاقتصاد الوهمي التي ادت الي الازمات , في حين يعتمد البنك المركزي الاوربي علي فلسفة مغايرة هي مزيج من الكينزية والنقدية الجديدة,ا ي فلسفة تعتمد علي خلق الموازنة بين النمطين في النشاط الاقتصادي المشار اليهما في اعلاة .
هذا من اجل تعزيز نقدة لفرضية السوق الفعال في قطاع تدوال الاصول والمضاربات , حاول استخدام مفاهيم معيارية تم اشتقاها من نظريات السيطرة الهندسية مستخدما نظريةجيمس كلارك ماكس ويلJames Clerk Maxwell حول الكابح الميكانيكي لمحرك الماكنة البخارية (القرن التاسع عشر )واعمال الاقتصادي الاميركي هايمن منسكي(Hyman Minsky (1970) حول اثار الذاكرة في الاقتصاد علاوة علي ملاحظات الرصدمن قبل مخترع الكسور الهندسية- بيونت ماندبروت Benoit Mandelbrot- حول استخدام الرياضيات في كشف الفقاعات الاقتصادية , كلة من اجل مناقشة او التدليل حول ... كيفية تمكن البنك المركزي في ان يلعب دورة المناسب والمرغوب والمطلوب والواجب في الكشف ليس فقط عن انبثاق الفقاعات الاقتصادية الحتمية عبر دورة الرواج الازمات في مسارات الاقتصاد الراسمالي, بل في قدرتة في ادارة اوالتحكم في خلق الائتمان المصرفي المناسب, بحيث يضمن ممارسة النشاط وخلق الثروة من دون تكثير او تعجيل دورة الرواج -الكساد والازمات الضارة ,اي احداث التوازن بين النمو والاستقرار الاقتصادي ,علية ظلت تحليلاتة تقع من ضمن صنف الاقتصاد الجزئي وتدور في فلك النشاط المالي القائم علي الصفقات والعقود الورقية والبعيدة عن مجال الاقتصاد الانتاجي الفعلي .مع ذلك يمكن القول ان الكتاب وفرعموما توصيفا موجزا وشفاف لدور البنك المركزي او بالاحري عن دورالبنك المركزي المثالي والمرغوب في كيفية خلق الائتمان, خصوصا بعد اخفاق البنوك المركزية سواء في الولايات المتحدة الاميركية او قبلها في اليابان في التحكم في هذة العملية, مما جعلها تساهم في خلق وتطوير الازمات المالية والاقتصادية التي يعيشها الاقتصاد الكوني حاليا.
المصدر
The Origin of Financial Crises
Central banks,credit Bubbles,and the Efficient Market Fallacy
By George Cooper house
New York ,2008
Vintage Books, A division of random