مقاربات على هامش سيرة مجزرة بشتاشان !


جمال محمد تقي
2009 / 12 / 2 - 21:21     

تعرض الشيوعيون العراقيون الى مجازر كثيرة راح ضحيتها الالاف من خيرة ابناء العراق ، ويمكن ان نقسم تلك المجازر زمنيا ونوعيا الى قسمين رئيسيين الاول منذ عام 1949 حيث مجزرة اعدام قيادة الحزب بأمر من حكومة نوري السعيد ، وحتى الانقلاب الدموي 8 شباط عام 1963 وتوابعه ، والذي راح ضحيته الالاف من الشيوعيين بينهم 9 من ابرز قادته وفي مقدمتهم الشهيد الاسطوري سلام عادل ، والثاني منذ 1978 حيث الحملة المنظمة للانقضاض تنظيميا وفكريا وسياسيا على الحزب الشيوعي وقطع دابر وريده القاعدي ، وذلك بعد الانفراط التام للجبهة الوطنية والقومية التقدمية مرورا بكل ما حصل حتى مجزرة بشتاشان ، وحتى اشعار اخر !

معنى المجزرة الذي اتداوله هنا هو ، اي عملية قتل او اغتيال جماعي منظم وفي وقت واحد ، اي ان الحالات الفردية والمتفرقة غير محسوبة حتى لو كانت منظمة !
مجازر القسم الاول تمتاز بشمولها لكل الهرم التنظيمي ودون تمييز وخاصة القيادي منها ، ففي العهد الملكي تم ارتكاب مجزرة اعدام قادة الحزب فهد وحازم وصارم عام 49 19 ، وهي تكاد تكون المجزرة الوحيدة التي تعرض لها الحزب في ذلك العهد ، طبعا اذا استثنينا شهداء وثبة كانون ـ لان طابع المجزرة المنظمة لا يشملها ولانها لم تتقصد الحزب بذاته " استشهد العديد من رفاق الحزب نتيجة لاطلاق النارعلى التظاهرات العارمة والاعتصامات المتتابعة ، والتي كان للطلاب فيها شرف الصدارة ، وكان من شهداء الوثبة جعفر الجواهري وشمران علوان وبهيجة ورؤوف الدجيلي . . . !

حالات الشغب والصدامات التي جرت في الموصل وكركوك في العهد الجمهوري الاول كانت ومن قبل معظم اطرافها عبارة عن مناوشات واعتداءات جماعية وفردية لم يكن عنصر التنظيم الجماعي يغلب عليها ، الا عندما استثمرتها القوى المنظمة لنيل مكاسب سياسية او للنيل من سمعة الجمهورية الوليدة ، وكانت الاجهزة الحكومية طرفا بها وكل القوى السياسية المتصارعة ايضا وخسر الجميع من اثارها ، رغم ان المستفيد الاول من تداعياتها كما يتبين فيما بعد ، هم قيادات الاحزاب العشائرية الكردية التي كانت تعادي نزع الملكية الزراعية من الاغوات والكولاك لتوزيعها على الفلاحين فكانت بذلك حليفة للرجعية وكل قوى الثورة المضادة فكان من مصلحتهم ان يحصل استقطاب سياسي وميداني يوجه الانظار بعيدا عنهم بل كانوا يدفعون باتجاهه مستغلين الراية الشيوعية ، وكان ضحايا هذه الاحداث هم التركمان والعرب والشيوعيين الاصلاء في كركوك والموصل وراح العشرات ضحايا لهذه الاحداث المؤسفة ، لكن المفارقة الدالة على ما ذهبنا اليه ، انه ومنذ صبيحة 8 شباط 1963 كانت هذه القوى العشائرية الكردية المتلبسة باثواب القومية الكبيرة عليها من اول المؤيدين للانقلاب وبدفع من شركات النفط العاملة في كركوك ذاتها !
مجازر انقلاب ـ يا اعداء الشيوعية في العراق اتحدوا ـ انقلاب شباط الاسود الذي كانت قواه خليطة من البعثيين والقوميين العرب والكرد والاسلاميين الشيعة والسنة وكل المتضررين من العهد الجديد هؤلاء جميعا ركبوا قطارا امريكيا مدفوعا بقوة دفع شركات النفط الاحتكارية ومخابرات النقطة الرابعة وتامر دول الجوار كلها ، الكويت والسعودية وايران وتركيا ونظام عبد الناصر في مصر وسوريا !
قيادة الحزب اول من دفع الثمن ، سلام عادل ، جمال الحيدري ، حسن عوينة ، محمد حسين ابو العيس ، محمد صالح العبلي ، عبد الجبار وهبي ، والعشرات من الكادر المتقدم واعداد اكبر بكثير من القاعدة !

عام 1973 تعرض اكثر من 12 رفيق شيوعي عائد للوطن بعد انتهاء دراستهم في الاتحاد السوفيتي عبر الحدود التركية قرب زاخو للاعتقال من قبل عصابات بيشمركة المجرم عيسى سوار التابع لحزب البارزاني نتيجة لنقمة البارزاني الاب على التقارب الشيوعي البعثي وقتها ، وتم تصفيتهم بدم بارد !

عام 1978 مجزرة نفذها البعث بحق اكثر من عشرين شيوعي بحجة مخالفتهم لقانون تحريم العمل الحزبي لغير البعثيين في القوات المسلحة !

مجزرة بشتاشان في الاول من ايار 1983 ، اثر هجوم مبيت من قبل عصابات بيشمركة جلال الطالباني وباسناد من حكومة بغداد لتصفية الوجود الشيوعي العربي في شمال العراق حيث كان الطالباني يطمح لاحتواء شيوعيي الشمال من الاكراد ضمن حزبه ، استشهد العشرات من الشيوعيين ، وكذلك جرح واسر العشرات وهم في حالة غير قتالية اي اخذوا غدرا اثناء انسحابهم من مواقعهم المقتحمة ، وكان كل الشهداء من العرب ولم يكن بينهم اي قيادي مركزي !

تقصد البعث اثناء حملته لتصفية الحزب 1978 ـ 1979 بعدم النيل المباشر من قيادته وقتها لاغراض تكتيكية ، واكتفى بالانفراد بالقاعدة وترويضها وفسح المجال للقيادة بان تغادر العراق ، فدفعت القاعدة ثمنا باهضا في الشهادة والالم والاسر !

هناك حملات منظمة للمطاردة والاعتقال والتصفية راح ضحيتها العشرات بل قل المئات وبشكل متفرق في الشمال والجنوب والوسط ، ومنذ تاسيس الحزب 1934 وحتى اشعار اخر ، شهداء ابرار لا تمحى اسماؤهم من ذاكرة الشعب حتى لو اصدر الحزب مرسوما بذلك ، وهل تنسى الأم اولادها الشهداء الذين يذكر بعضهم ببعض ، اسماء لن تنسى طالما هناك ذاكرة تملك ضمير حي وطالما هناك تاريخ اخر غير رسمي يكتبه الاحرار حتى في اوقات سجونهم ، ستكتب الاسماء الممنوعة والمسموحة رغما عن انف المتاجرين ، ها هم يطوفون في سماء الذاكرة اطياف لا تمحى هنا منتصر وهناك ستارغانم وعباس نعمة و بيا صليوة وفكرت جاويد وستار خضير ومحمود شاكر وعلي منصور وصاحب ملا خصاف ، وعايدة ياسين وكاظم طوفان ، ووحيد اسعد خضر، وباسم كمونة ، ومنعم تاني و و و !
انه تاريخ طافح بالمجازر حتى امست ذاكرته معتادة عليها ، قد يكون هذا قدره ، او ربما الضريبة الالزامية او ربما هو ثمن للتغافل والغفلة وغياب عامل الحذر ، كل هذا مفهوم ولكن من غيرالمفهوم ان تعود قيادة نفس الحزب والتي تتبجح بالحكمة دائما حتى غدت مقولة " اثبتت الاحداث صحة تحليلات وتوجهات الحزب " لازمة ديباجية تكررها بكل مناسبة ، في النجاح والفشل ، وتتصرف وكانها لا تبالي بما دار ، فتدور وترجع الى احضان نفس الجزار ، ومن دون تلقيها حتى اعتذار ، عما جرى وصار ، من قتل وجزر وعلى يد متقلبة القرار ، عندها السياسة بيع وشراء لا قيم فيها غير قيم البازار !
ايام الجبهة الوطنية مع البعث كانت قيادة الحزب الشيوعي تتحاشى التطرق او التوقف عند محطة 8 شباط ولم يجري اتفاق على تقييمها بين الحزبين ، اي لم يعتذر البعث عن جرائمه بحق الشيوعيين وقتها ، بل كان البعث يلح باعتبار 8 شباط عروس الثورات ، اما الحزب واعلامه فكان كعادته يتحاشى الامر كله !
تشابه كبير بين سلوك قيادة حشع وقت التحالف مع البعث ازاء تناول ذكر مجازر 8 شباط 1963 وبين سلوكها فيما بعد من مجزرة بشتاشان عام 1983 ، ففي كلا الحالتين قيادة الحزب تتصالح وتتحالف بعد المجزرة مع مرتكبيها من دون الاتفاق على تقييم مشترك حولها ، وعندما تأتي ذكرى تلك المجازر والحزب بعلاقة جيدة مع الجزارين ، يتناسى الحزب حتى ذكر اسماء ضحاياها ، بذريعة عدم نبش الماضي !