الذكرى ال (20) لسقوط جدار برلين


عبد الفتاح بيضاب
2009 / 11 / 25 - 17:55     

ثمة أنه ملفت جداً للانتباه الزخم الإعلامي ( البربوغاندا ) الذى حظيت به الذكرى الـ (20) لسقوط جدار برلين الشئ الذى يفرض سؤالاً جوهرياً ومفصلياً: لمَ كل هذا !!؟ وليست الإجابة عصية على التشريح أذ أن الحياة تلهم سبورة التاريخ ملخص الإملاء المنظورة والمنقولة فى استدامة الممارسة ومشاهداتها وتداعياتها فى محتوى العصر الممتد ما بين (11/89 ـ11/2009م) أذ أن لحظة أنهيار الجدار فى (9/11/89) فى كونيتها زماناً ومكاناً كانت الحرب الباردة بين (الأنظمة السياسية) فى الغرب ( الرأسمالي) والشرق ( الإشتراكي ) تضع أوزارها أو تكاد، وقصدت الإشارة عمداً بأن الحرب الباردة كانت قتالاً بين جنود الأنظمة الحاكمة هنا أو هناك وليست بأي حال. ولا ضبطاً بين مشروعين متضادين تماماً وعلى الذى يمثل توازياً ميكانيكياً فيما بين الرأسمالية والاشتراكية ( كمراحل تاريخية ) وإن كانت الاشتراكية ( تهدد) الرأسمالية بالتدحرج نحو حافة أو مزبلة التاريخ فإن الرأسمالية ( تمهد ) طوعاً وأحياناً كرهاً الشروط الاقتصادية فى البني التحتية وما يتبع فوقاً ، وعياً اجتماعياً، وبينهما تنمو شروط جديدة ( اقتصادية واجتماعية ) تشكل الراهن السياسي ينسل شعرة من عجين عند تلك النقطة الزمنية فى مثل لحظة تهاوى الجدار حتى لا تعبر آلة إعلام الرأسماليين ولعمرها المديد ورسوخ قدمها فى الماضي الذى أكسبها الخبرة الطويلة بالتمعن فى اختيار اللحظة والوسيلة لتبث سمومها بأسلوب الخديعة والابتزاز أذ حرَمت على نفسها ( الحلو والمسيخ ) إلا محاولة تثبيت (فرية) أن سقوط جدار برلين هو نهاية التاريخ وخطأ المشروع الإشتراكي والنظرية الماركسية ، كثيرون هم الذين أصباهم هذا العيار وبعضاً أدوشهم، إلا من رحمهم المنهج المادى الجدلى بعلميته والذى كان بمثابة الحجاب الحاجز أو درقة من التنكب والتوهان فى رؤية سفينة العالم يميناً سوف تبحر أم يساراً !!؟ أذ أن تهاوى الجدار ( معناً ) كان سقوط أقنعة الأنظمة الحاكمة والتي لا تمثل أي منهما حقيقة المشروع الذى كانت تطرحة وقتذاك، بيد أن الانفلات وخيانة المشروع الماركسي الليبي وصل أعلى حلقات التأمر عليه منذ ساتلين وخروتشوف ليستولى مهام رصاصة الرحمة غورباتشوف وتبعه صنم المجر وبولندا ... وهكذا هبت رياح التعبير فى المعسكر الشرقي، أيضاً وفى الغرب كانت السياسة الليبرالية الجديدة ( ريغان – تاتشر ) قد بلغت شأواً أفقد الرأسمالية سماتها العامة والأساسية بغياب دور ( الدولة والنقد والأرض ) فى مراكز الصناعة والزراعة والسياسة المصرفية والمالية الذى أكسب محتوى عصر الرأسمالية المعلومه طابعاً وهمياً ( لا حقيقي ) فى مركبته الاقتصادية ، وأصبحت الدولة تلعب دور المتفرج، وبات النقد بضاعة والأرض سلعة وعمت الفوضي باقتصاد السوق، وضمرت الأجور لغياب العمل والكساد، والرساميل عابرة للمحيطات لاكتساب الخام فى الدول التي ما زالت تحت وطأة استكمال مهامها الوطنية والقومية وخلق أسواق المستهلكين جدد فكانت حرية التجارة ودولتيها ضرباً من الوهم لتهد الجدران القطرية والجمركية لمصلحة الرأسماليين الجدد، وهكذا استمر حال العالم الجديد وسياسته الاستغلالية الجديدة فى صيرورة دامت عقدين من الزمان، استطاع القانون العام الذى يحكم مسيرة التقدم التاريخية وبفعل حركة القوانين الاقتصادية الموضوعية و بإختبار الأطروحة بالممارسة إنجلت وحشية الطبيعة الطبقية للعولمة الرأسمالية أخر دلالتها كونية الفجوة الغذائية التي تهدد مليار من سكان العالم ما زالت تبحث منظمة الأغذية والزراعة العالمية ( الفاو) تبحث فى روما عن حماية للبشرية من المجاعة القادمة، كما أن دلالات ضمور الإنتاج الحقيقي تجعل (15) مليون شخص فى الولايات المتحدة كسيدة للعالم الجديد لا يجدون وظائف، الأمر الذى جعل من فرانسيس فوكوباما أعلان التوبة والاعتذار عن خطأ مقولة نهاية التاريخ، هننتغتون يراجع ما سماه صراع الحضارات، تنتخب شخصية الألفية الثانية المفكر الثائر كارل ماركس ، وتتضاعف مبيعات مجلده ( رأس المال ) فى 2008م ثلاثة أضعاف ما بيع فى 2007م، لتصل (1500) نسخة فى معقل الرأسمالية، وتقدم جائزة أفضل بحث من مؤسسة ابن رشد فى ( برلين ) للمفكر الماركسي سمير امين على أبحاثه فى مسائل العصر وفى مقدمتها الرأسمالية والعولمة والأزمة الشاملة لها والحلول العملية والعلمية فى قضايا الاشتراكية كمخرج، وتتقدم الأنظمة الاشتراكية فى أمريكا اللاتينية وكوريا الجنوبية والهند والصين على التطبيق الخلاق للماركسية باقتصادات ناشئة تهدد المصالح الأمريكية وتظهر كتل تاريخية مثل الاتحاد الأوربى، و تنهض دول أخرى مثل تركيا وإيران، وتعاود الظهور كتل تاريخية قديمة مثل دول عدم الانحياز ، ويتراجع الدولار ليصبح مهدداً بالندية من عملات أخرى مثل اليورو، كما أن الانتخابات فى قلب المكان ( المانيا ) فى سبتمبر 2009م تجعل من حزب اليسار الألماني القوة الثانية فى ألمانيا الشرقية بنسبة تقترب من (30%) والقوة الرابعة بنسبة (12%) على المستوى الكلى لألمانيا الموحدة، ضف لذلك إن الذكرى الـ (20) لسقوط الجدار تصادف الذكرى الثانية للأزمة المالية العالمية والتي ما زالت دوائرها الأفقية والرأسمالية تنداح لتجعل من الأزمة جرثومة عامة تجرى من النظام الرأسمالي مجرى الدم هذا جهة رأسية تناميها، ومن الجهة الأخرى فى إندياحها الأفقي تصل حتى( كرتون الحاج يوسف ) بالعاصمة السودانية ومثله كل دول العالم لتصبح الأزمة كونية وشاملة الشئ الذى يدلل على أن المشروع الرأسمالي فى دراسة جدواه تؤكد صدقية الأطروحة الماركسية بحتمية فناء (النظام الرأسمالي) مهما تدثر خلف شعارات لأنه يحمل جرثومة بسياسته الاقتصادية غير الحقيقية وطابعه الطفيلي غير القادر على إعادة إنتاج نفسه ودورة حياته إلا من خلال الاقتصاد الحقيقي بالإنتاج الصناعي والزراعي، فلو حاولت الرأسمالية عبثاً الرجوع لذلك فإن التطور لا يمضي للخلف بذات الخصائص، فهل تستطيع السيطرة على الوعي الاجتماعي والذى تجاوز إطروحات الرأسمالية وأكاذيبها الأمر الذى تشير إليه ملايين الفنلات ( التشيرتات) التي يرتديها الشباب فى الغرب الأوربي وأمريكا مكتوباً عليها ( كلنا الآن إشتراكيون ) ، وهكذا أصبحت ضرورة تاريخية وليس صدفة المطروح الآن لتعدد الأقطاب الاقتصادية والكتل التاريخية والعملات وأشكال جديدة مستحدثة لأنماط الاقتصادات التقليدية فى تجارب الرأسمالية والإشتراكية على حد سواء بإعادة القراءة وتصحيح المفاهيم، لذا نترج الإجابة على السؤال التالي لفطنة القارئ:
أفما العالم يمضي يسار !!؟ حقاً وجب على الرأسماليين الجدد وما تبعهم من مأجورين أو سذج الحضور الكثيف واللافت على المستوى الشعبي على أنقاض الجدار ببرلين من كل أنحاء العالم تحت أضواء الألعاب النارية وصخب الموسيقي وسخونة الرقص، وفى الدهاليز الرسمية أصنام العالم الجديد: إنجيلا ميركل، هيلارى كلنتون، ساركوزى ، غوردون، هلمت كول ، فاليسيا، بيكنخت وغورباتشوف. فأى دلالة لهذه اللوحة غير أنهم جميعاً يصرون على مشاهدة حشرجة روح وموات ( أوهام ) شاركوا جميعاً فى صنعها ظناً منهم أنها ( أحلام)